الخميس، 18 أغسطس 2022

خطبة عن أهل الذمة والمعاهدين

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : لما فُتحت كثير من البلدان في عصر النبوّة وفي القرون الأولى المفضّلة كان الناس يختلطون ببعضهم البعض فكان من تلك البلدان من دخل في دين الإسلام اختياراً وكان منهم من دخل في دين الإسلام نفاقاً وكُرهاً هرباً من الجزية وكان منهم من لم يدخل في دين الإسلام ورضي بالجزية من يهود ونصارى ومجوس ولما ظهرت الحدود في البلدان وأُقرّت كان من الضروري فهم أحكام أهل الذمة وهم : كل مُعاهد كانت بين ولي أمر المسلمين وبين ولي أمرهم أو من ينوب عنه ذمة وعهد على أن لايمسهم أحد بأذى في بلادنا ولا يمس منّا أحدٌ في بلادهم أو كان مستأمناً أمّنه ولي الأمر وسمح له بدخول بلاد المسلمين وأن له وللمعاهد ما للمسلمين من عصمة الدم والمال والعرض وعليه ماعليهم فلو جنى أُخذ بجنايته أياً كانت جنايته ويُقاد بحسبها ، والشرع المطهر من الوحيين الكتاب والسنة أمر بالوفاء بالعهود حيث قال جلّ وعلا : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها . .) ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) وفي الحديث الآخر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : " أخبرني أبو سفيان أن هرقل - ملك الروم - قال له : " سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة " قال : " وهذه صفة نبي " أخرجه الإمام أحمد في مسنده . 
عباد الله : حذّر الله ورسوله من استباحة دماء المعاهدين والمستأمنين ففي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل مُعاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً " أخرجه البخاري وما حرّم الله ذلك إلا لأنه يفضي إلى مفاسد كثيرة من ظهور الفوضى واستباحة الدماء وجرّ الشرور والحروب بين دول إسلامية ودول أخرى بسبب نقض العهد الذي أبرمه ولي الأمر مع أي دولة فهذا المُعتدي حكمه حكم الخوارج الذين لايقرون بعهد ولا بيعة ولا ذمة ولذا في الحديث الصحيح حديث قيس بن عبّاد رحمه الله تعالى أنه قال : " انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله عنه فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده للناس ، قال : " لا ، إلا مافي كتابي هذا " فأخرج كتاباً من قراب سيفه ، فإذا فيه : " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وهم يدٌ على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ألا لايُقتل مؤمنٌ بكافر ولا ذو عهدٍ في عهده ، من أحدث حدثاً فعلى نفسه ، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " أخرجه أبوداود . 
والشاهد في هذا النص : " يسعى بذمتهم أدناهم " فلو أن صغيراً أو كبيراً أو امرأة أمّن رجلاً أو من دونه من الناس من الكفار فلا يجوز لأحد أن يمسه أو يتعرضه بسوء وهذا من عدل الإسلام وكماله وأخذ ورفعه لمقام الجميع من المسلمين . 
عباد الله : إن من يخون ويغدر أو يعتدي على حرمات الله تعالى فإنه أبعد الناس عن التقوى ولا يصلح أن يُولى أو يتولى أمراً من أمور المسلمين فإن من خان الله في هذه المحارم سيخون في حقوق العباد ويستولي على ماليس له من مال عام أو خاص وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ماخطبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال : 
" لا إيمان لمن لاأمانة له ولا دين لمن لاعهد له " وهو في مسند أحمد وفي صحيح ابن حبان . 
فانظر كيف جعل أداء الأمانة مرتبطاً بوجود الإيمان ونفى الدين عن من لايفي بالعهود والمواثيق ، فلنتق الله تعالى ونستمسك بهاتين الخصلتين التي هما رأسٌ في إيمان العبد ودينه ومن أخلّ بهما فقد أساء لدين لنفسه أولاً وللمجتمع الذي يعيش فيه ثانياً ولدين الإسلام ثالثاً فكم شُوّهت صورة الإسلام واتُهم بالعنف والإرهاب بسبب انتهاكات من قِبل أفرادٍ ممن ينتسبون لهذه الأمة ، مع أن أحق من يوصف بالعنف والإرهاب والإجرام عامّة هم أعداء هذا الدين من اليهود ومردة النصارى وغيرهم ممن ينقضون العهود والمواثيق ويستبيحون دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين العزّل فحسبنا الله ونعم الوكيل وهو حسب كل مؤمن وكافيه ، أعز الله دينه ونصر أولياءه والمسلمين كافّة إنه قوي عزيز ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود . 
============== الخطبة الثانية =============== 

الحمدلله هدى من طلب الرشد والهدى ، وأزاغ عن صراطه من ضلّ وأعرض واعتدى ، والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي جاهد العدا وأنار سبيل من اقتدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والفداء ومن على طريقهم اهتدى أما بعد : 
يقول ربنا جلا وعلا في محكم التنزيل : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين ) فالله أمر في هذه الآية بالدخول في " السِّلم "  كافّة ، والسِّلم الذي هو الإسلام أصوله وفروعه كما فسره المفسرون ، أمر الله بالدخول فيه وبحرمة الإنتقاء من الإسلام مايوافق الهوى فيُعمل به ومالا يعمل به ، وقد يظن البعض أن ذلك المقصود هو النداء بالمسالمة في الحرب ، وهذا خلاف المشهور بين المفسرين وحرّم الله أيضاً اتباع خطوات الشيطان ، فاتباع خطوات الشيطان يُضل العبد عن الصراط المستقيم ويُسقطه في الكبائر والموبقات ومن خطوات الشيطان صحبة رفقاء السوء الذين يتجرؤون على حرمات الله ، ومن خطوات الشيطان تأويل النصوص الشرعية على الهوى ومشتهيات النفس بغير علم ولاهدى ، ومن خطوات الشيطان اتهام المُخالف ووصفه بأقبح الأوصاف من غير دليل ولابينة وغير ذلك . 
عباد الله : لن يكون العبد من خير عباد الله حتى يكون قدوة في أموره كلّها متصفاً بكريم الشمائل والأخلاق داعياً إلى الله بأخلاقه وبكل وسيلة ممكنة مشروعة فيستثمر وجود المعاهد والمستأمن في بلدنا من عمّال وسائحين فيدعوهم لدين الله ويُبين لهم محاسن هذا الدين ولا يستحي أو يخجل من هذا الأمر ففرص الدعوة وهداية الناس لدين الله القويم مازالت سانحة ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النَّعم التي كانت أنفس أموال العرب في ذلك الزمان فنسأل الله أن العلي القدير أن نكون دعاة هدى ومشكاة هداية ومشعلاً دالاً لصراط الله المستقيم وأن نكون هداةً مهتدين مهديين هادين لخير سبيل ببصيرة ويقين لاضالين ولا مضلين ياذا الجلال والإكرام . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...