السبت، 27 أغسطس 2022

خطبة ثانية عن بداية العام الدراسي

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من أهم مايسعى إليه العبد في حياته أن يكسَب علماً ينير دربه وبصيرته ، فكلٌ منّا سائرٌ إلى ربه لامحالة
( ياأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فمُلاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يُحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيرا ) فهذه هي الحقيقة المؤكدة التي يجب أن يعمل على ضوءها المسلم وأن ينتقي من العلم ماينفعه ويبتعد عن مايضره ، وذلك أن العلم الذي يكسبُه العبد إما أن يكون علماً ينفع العبد في عبادته ومعاملاته ويقربه من إلهه ومولاه فهذا يجب أن يلزمُه العبد ، ويسعى كل السعي لتحصيله ، ولو بذل في سبيلا ذلك المال ، وإما أن يكون ذلك العلم لافائدة منه بل هو مضيعة للوقت فهذا يجب أن يبتعد عنه المسلم كل البعد حسب استطاعته ، وإما أن يكون ذلك العلم في مرحلة وسط أو يكون سبيلاً لتعلم العلم النافع وتبليغه فهذه لاحرج للعبد في تعلمه مالم يفض تعلمه إلى محرّم كمن يتعلمّ علم الفلك بما فيه الأبراج والنجوم وربطها بالحوادث الأرضية وأما من يتعلمها لمعرفة الوقت ودخول الفصول فلا حرج .

عباد الله : هانحن في بداية عام دراسي جديد طويلٍ نسبياً ، يحتاج لوقفة منا جميعاً ، سواءٌ كنا مربين أم معلمين أم أولياء أمور أم مسؤولين كلٌ حسب مايستطيع ، نريد أن نبني جيلا رائداً في تعلمه وتعليمه وفي إتقانه وسلوكه....
 نحن اليوم - ياعباد الله - بحاجة لنشغل الأبناء بما ينفعهم ، فهناك ملهيات وصوارف كثيرة تُفسد القلب والنشء وتزرع الشهوات والكسل والخمول، فياعبدالله إلى متى تنشغل عن أولادك وبنيك وبناتك ولا تراهم إلا عند حضور طعام أو آخر الليل أو عند الصباح، ذهبت أيام وضيعتها في لهو وغفلة ولعِب فمتى تلتفت إلتفاتة راعٍ ومسؤول وناصح فتؤدي 
ما أوجب الله عليك من نصح أبنائك ورعايتهم، أم تريد أن تكون ممن قال الله فيه ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذابٍ مُقيم ) 

عباد الله : إن مجتمعنا بحاجة إلى تعليم العلم الشرعي أكثر من غيره بعد أن قُلّصت عدد حصصه ودروسه فالفئة العمرية التي من سن السابعة إلى سن الخامسة عشر من العمر يحتاجون منا لزيادة جهدٍ وعمل ورصد ساعات منك أخي الأب وبتوجيه منك للأم لتعلم أبناءك وبناتك أمور الدين وثوابت الشريعة التي يجب عليك أن تهتم بها وتعلّمَها ، فما أضرُ على الناشئ من الجهل وما أضر على الناشئ من الإهمال من نفسه أو من والديه والذي يجره للشرور والفتن فإن العلم حصنٌ مكين وسورٌ حصين من أسباب الردى والهلاك . . فيا أخي الطالب وياأخي صاحب المسؤولية أياً كان دورك ماذا ننتظر من هذا التواكل الذي نعانيه فالتواكل في كل حال مذموم والله أمر بالتوكل وكره التواكل فالتوكل ممدوح والتواكل في كل حال مذموم ، وما ضيع العبد كثيراً من فرص النجاح إلا بسبب العجز والتواكل على الغير ، فمارس عملية التعليم بنفسك مع أفراد الأسرة فإن ذلك خيرٌ لك وأكثر ثواباً واعظم أجراً ولا تيأس أو تتواكل على غيرك بلا سبب ولا مبرر ، فأنت تهيئ أبناءك وبناتك لتنتفع بهم في حياتك وبعد مماتك وليس أحدٌ مشفق عليهم كإشفاقك وحريصٌ عليهم كحرصك فلا تضيّعهم ، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته .

وإذا كُنت موعوداً بجنة عرضُها السماوات والأرض على حُسن تربيتك وتعليمك لأبناءك وبناتك وتعمل لآخرتك فتذكر هذه النعمة واحمد الله عليها ، فغيرك ممن كان على الكفر ينشء ولده وبنته على الكفر ويسوق الله له بعض برّ أبناءه به حسب برّه بأبيه وأمّه ثم يُرمى بعد موته بالهاوية ويصلى ناراً حامية ، وكأنه ماظفر ببر ابن ولا بنت ولا عاش في الدنيا منعّماً وهذا شؤم الكفر والشرك على صاحبه ، فابشر ياعبدالله بكل خير يامن غرست غرساً طيباً في أفراد أسرتك كافّة فسيوفيك ربك الجزاء الأحسن ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون ) جعلنا الله وإياكم منهم وأعاننا على حسن التربية والتعليم والتأديب بالتي هي أحسن ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============ الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي فضل أهل العلم على غيرهم من الخلق ، وأنار سبيل المؤمنين بالقول المبين والحق ، وهو الحق المبين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وإماماً للمتقين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أفضل الصلوات والتسليم من رب العالمين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - 
عباد الله : لما كان الخير المتعدي خيرٌ من الخير اللازم كان الذي يُعلّم خيرٌ من الذي لايُعلّم ولا ينشر العلم ، وكان الذي ينفع الناس خيرٌ من الذي لاينفعهم ، وكان العلماء وطلاب العلم الشرعي خاصّة خيرٌ من غيرهم لأنهم أعلم والغالب بهم أنهم يبذلون العلم وينشرون الوعي في هذه الأمة ، فهذا هو النهج الذي ينبغي أن يسلكه أفراد الأمة كافّة فوالله مايُصلح هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها ، وما صلُح وفاز الرعيل الأول من هذه الأمة إلا بحيازتهم قصب السبق في العلم ونشره وحفظهم وإتقانهم وإمامتهم في الخير ونيّتهم التي تحدوهم لمزيد من البذل والعطاء ورفع الجهل عن هذه الأمة وفي حديث مال إلى تحسينه جمعٌ من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا ملعونة ، ملعون مافيها إلا ماكان لله عز وجل " وفي الحديث الآخر الذي حسّنه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكرُ الله تعالى وما والاه وعالماً ومتعلّماً " فكيف يشتغل العبد بشيء لامنفعة فيه ولهو لاطائل من ورائه عن عمل الآخرة ورصد الأجور والثواب له يوم الدين ، ويقول الحافظ ابن رجب رحمنا الله وإياه تعليقاً على هذا الحديث : " فالدنيا وكل مافيها : ملعونة ، أي مُبعدة عن الله لأنها تُشغل عنه ، إلا العلم النافع الدال على الله وعلى معرفته ، وطلب قُربه ورضاه ، وذكر الله وما والاه مما يُقرّب من الله ، فهذا هو المقصود من الدنيا ، فإن الله إنما أمر عباده بأن يتقوه ويُطيعوه ، ولازم ذلك دوام ذكره ، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه : " تقوى الله حقّ تقواه أن يُذكر فلا يُنسى " وإنما شرع الله إقام الصلاة لذكره ، وكذلك الحج والطواف ، وأفضل أهل العبادات أكثرهم ذكراً لله فيها ، فهذا كلّه ليس من الدنيا المذمومة ، وهو المقصود من إيجاد الدنيا وأهلها ، كما قال تعالى : " وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون " ا.هـ كلامه . 
فاقطع على نفسك عهداً أن تخصص ساعتين أو ساعة من وقتك تُعلّمَ فيه أفراد أسرتك ولا تفرّط في ذلك بقدر استطاعتك ، فالجهل بدأ يرتع في مجتمعنا ، ومن تُعلمهم اليوم فسيسودون غداً ، وإن سادوا على جهل فلا خير في أمة ساد فيها جُهّالها وتصدّر سفهاءها وشِرارها 
لايصلح الناس فوضى لاسُراة لهم  * ولا سُراة إذا جهالهم سادوا 
تُلفى الأمور بأهل الرشد قد صلُحت * فإن تولّوا فبالأشرار تنقادُ 
اللهم أصلح على أيدينا وارفع عنا الجهل وعن أولادِنا وأهلِينا وعن المسلمين كافّة ياسميع الدعاء ياواسع العطاء ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...