الاثنين، 27 مارس 2023

خطبة عن عمارة المساجد معنوياً وحسياً

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من شعائر الله هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه وإن تعظيمها وعمارتها علامة على الإيمان بالله واليوم الآخر ( إنما يعمُر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) ونفى سبحانه أن يبني هذه المساجد غير المؤمنين بناءاً حسياً ومعنوياً ( ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ) . 
عباد الله : عمارة المساجد معنوياً بالذكر والدعاء أهم من عمارتها بأدوات البناء والله امتدح سبحانه رجالاً بالتعبد بها وترك لهو الدنيا من أجل عمارتها طلباً لمرضاته ولما عنده من الثواب العظيم ( في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يُسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ماعملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ) 
ومن السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله رجلٌ قلبه معلّقٌ بالمساجد وهذا فضل ٌ كبير وأجرٌ وفير بعملٍ يسير . 
عباد الله : وإن عمارة المساجد حسيّاً ببناءها وإعادة ترميمها وتسهيل السبُل لإقامتها وإصلاح المتهدم أو المتهالك منها من أجلّ الأعمال وهو من أسباب دخول الجنّة وفي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من بنى مسجداً لله كمَفْحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنّة " أخرجه ابن ماجه ، والمراد بمفْحَص القطاة : أي مثل عشّ القطاة وهو نوع من الحمام لايبني عشّه إلا على بسيط الأرض بعكس الطيور الأخرى التي تبني أعشاشها على مرتفع من الأرض أو على التلال والأشجار وفي الصحيحين أن عثمان بن عفان أراد بناء وتوسيع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره الناس ذلك وأحبوا أن يدعَه على هيئته ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى مسجداً لله بنى الله له في الجنة مثلُه " متفق عليه ، ولكن المكروه في عمارتها زخرفتها وتزيينها وعدّ ذلك النبيُ صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة ففي الحديث : " من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد " أخرجه الإمام النسائي وابن خُزيمة ، وفي حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " أخرجه الإمام أحمد وأبوداود . 
ومانُهي عن الزخرفة والتباهي بتزويقها وتزيينها إلا لمقصد شرعي وهو عدم إشغال المصلي بهذه الزخارف والنقوش التي تُشغله عن جوهر العبادة وهو الخشوع أو تصرف بصره للتأمل في هذه الزخارف والتزيينات على الجدران والأعمدة والمحاريب ، وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " ماساء عمل قومٍ قط إلا زخرفوا مساجدهم " ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه : " يتباهون ثم لايعمرونها إلا قليلا " . 
 
عباد الله : كان المسجد في صدر الإسلام هو مكان الصلاة والعلم والمعرفة والمدرسة والجامعة ومنطلق إرسال الجيوش في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومأوى للوفود والضعفة فكان كل شيء في حياة الرعيل الأول ولذا كانت أهميته عالية الشأن ، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : " وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده على التقوى ، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء وفيه يجتمع المسلمون لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم " بل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد كما ورد في الصحيحين ، وهذه سنّة مهجورة قلّ من يفعلُها في هذا الزمان . 
عباد الله : إن من تعظيم المساجد عدم إلقاء المخلفات فيها ولو في حرم المسجد الخارجي وأحواشه فإن في ذلك امتهان لها وقلة حياء مع الله جل وعلا أو ترك مايجب إخراجه من قوارير وبواقي طعام ونفايات وغيرها ، وإننا وجدنا مع الأسف من يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله فتجد أنه يتحايل لكي يدس مناديل حول المساند أو تحت الفرْش متعاجزاً ومتضايقاً ان يضع مخلفاته في جيبه الذي ضاق عنها ، وما ضاقت بيوت الله عنها ، فهل هذا عمل مسلم يخشى الله في السر والعلانية ، فهل يمثتل من يصنع هذا الصنيع لقول الله تعالى : ( فلا تخشوا الناس واخشون . . ) وإن الإتيان بالأطفال للمساجد ممن دون السابعة هو في الواقع من أذيّة المصلين فينبغي أن لايؤتى بالطفل ممن كان دون السابعة إلا من اضطر وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بأن يؤمر الطفل بالصلاة إلا إذا بلغ السابعة ففي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع " فيؤمر إذا أتمّ السابعة وليس إذا دخل السابعة من عمُره وهذا ملحظٌ مهم للتمييز والفهم لمعنى الصلاة وإدراكها لدى الطفل .. فاللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا ياسميع يامجيب أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ===============

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لاإله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي لرضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه من أمته ون كان على ملته أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن تطييب المساجد وصيانتها من الأقذار والأوساخ سنة قائمة دعا لها المصطفى عليه السلام ففي حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تُنظّف وتُطيب " اخرجه أبودود والترمذي ، وفي حديث سمُرة بن جندب رضي الله عنه قال : " أمرنا    رسول الله أن نتخذ المساجد في دارنا وأمرنا أن ننظفها " أخرجه الإمام أحمد رحمه الله ، والمقصود بالدور أي الأحياء والحارات في المدينة أياً كانت . 
عباد الله : من عمارة المساجد المكوث فيها قبل وبعد الصلوات وكثرة الدعاء والذكر والتبكير للصلاة فيها والمسابقة على الصف الأول ، وهذا الأمر مع الأسف نشاهده بعض الأحيان في رمضان ، وتجد من عباد الله من آخر من يأتي للصلاة وأول من ينصرف وكأنه داخل المسجد في سجن وكبت والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم الناس مافي النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون مافي التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون مافي العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً " وهذا الحديث يبّيّن فضل التبكير للصلاة وإجابة النداء وإدراك الصف الأول حتى أنه لو علموا مافيه من الأجر والكرامة لتخاصموا حتى تُقام بينهم القُرعة لمن يكون الأجر والفضيلة ، وكذلك فضل التهجير والمراد به التبكير في الذهاب للمسجد وكذلك فضل صلاة العشاء والفجر خاصة فحُجب فضل هاتين الصلاتين عن الناس ليفوز المؤمن الصادق المُخلص الذي يرجو ما عند الله بقلبٍ راغب ونفسٍ مُجاهدة على الطاعة والخير ، فهل هناك وصفٌ للحرص على الشيء إذا عُرف ، أن يأتي طالبُه يحبو حبواً لنيله ، وهذا دليلٌ على أن تلك الكرامة والأجر فوق مايُتوقع ، وكما وصف الله جنته على لسان رسوله بوصفٍ لا أبلغ منه : " فيها مالاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر " فهل من مشمّر لتلك الكرامة الكبرى والأمنية الأسمى 
دار السلام لها وصفٌ بتبيان * فازوا بها أهل إيمانٍ وإحسان 
ينافسون لها والناس غافلةٌ * قد آثروا لذة الباقي على الفاني 
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما ) 

الثلاثاء، 21 مارس 2023

خطبة عن القرآن وفضائله - خطبة رمضانية -

الحمدلله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً ، وأرسل الرسل للعباد منة وفضلاً إنه كان جوداً قديراً ، والصلاة والسلام على النبي المختار الذي بعثه الله داعياً لربه وسراجاً للناس منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلّم تسليماً كثيراً . . أما بعد :
فاتقوا الله تعالى - معشر الصائمين - فالتقوى سبيل لمرضاة رب العالمين ونجاةً لمن سلك درب المتقين ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وانتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : من نعمة الله على هذه الأمة أن أنزل لهم كتاباً به يهتدون وإليه يتحاكمون ولحكمه يسلمون ، وبه يستنيرون إذا وقعوا في السبل الملتوية والطرق الزائغة ، وعليه يُعولون أسباب الفلاح والنجاح ، يعتقدون بما فيه ولا يرتابون ، ويهدون إليه ولا يُخذّلون ، يطلبون مرضاة الله بتلاوته ويتعبدون لربهم بقراءته ولا يملون ، جعلوا القرآن نهجهم وسبيلهم وسعادَتهم فرب القرآن العظيم تكفّل لهم بأقوم سبيل وأكمل نظام ونهج ليس فيه ميلٌ ولا اعوجاج ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويُبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا ) وارتبطوا به في رمضان خاصة وأدمنوا تلاوته لأن رمضان شهر القرآن ففيه أُنزل ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . ) يتاجرون مع الله بتلاوته وتدبره فهي تجارة لاتكسد ولا تبور ، ويعمرون به القلوبَ والصدور ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدَهم من فضله إنه غفورٌ شكور ) .

عباد الله : امتاز القرآن عن غيره من الكتب السماوية أنه الكتاب الخاتم لما قبله من الكتب وهو مهيمنٌ على جميع الكتب السابقة فيه خبرُها ومواعظها وزيادة عليها ، يقول الله جلا جلاله مُخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام : ( وأنزلنا إليه الكتاب بالحق مُصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عمّا جاءك من الحق . . ) فهو الكتاب الأمثل بين الكتب السماوية يجمع بين السهولة والمعاني العميقة وتجدد المفاهيم والمعاني والأساليب البلاغية وفي حديث موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن المخرج من الفتن فقال : " أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ستكون فتن ، قلت وما المخرج منها ؟ قال : " كتاب الله ، كتاب الله ، فيه نبأ ماقبلكم ، وخبر مابعدكم ، وحُكم مابينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي من تركه من جبّارٍ قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ، فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لاتزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبُه ، وهو الذي لن تنته الجن إذ سمعته أن قالوا ( إنا سمعنا قراءاناً عجباً ) من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمِل به أجر ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم " .

جعله الله بلغة تتدفق فصاحة وحكمة جذورها ممتدة وتفريعاتها واشتقاقاتها مستجدّة في كل حين لكي تحوي معاني القرآن ومراد الله تعالى ومقاصد الشرع المطهّر بعكس اللغات الأخرى التي ليس لديها المرادفاتِ اللغوية والثراء اللغوي والتعبيري عن الأشياء ، فمن أجل ذلك جعله الله حُكماً عربياً ولساناً عربياً حاكماً وناسخاً لما سواه من الكتب ( وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ماجاءك من العلم مالك من الله من وليٍّ ولا واق ) ( وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يُحدث لهم ذكرا ) .

عباد الله : من صور شمولية القرآن وهيمنته على الكتب السابقة قول الله تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ) ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) ( أفغير الله أبتغي حكما وهوالذي أنزل إليكم الكتاب مُفصّلا ، والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزّلٌ من ربك بالحق فلا تكوننّ من الممترين ) ومن سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُعطيت مكان التوراة السبع - أي الطوال - وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفُضّلت بالمفصل " أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير والطيالسي في مسنده .

والسبع الطوال تبدأ من البقرة إلى نهاية سورة التوبه على الصحيح وقد روي هذا القول عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد ، والمئين كل سورة عدد آياتها مائة أو تزيد والمثاني كل سورة دون المئين وفوق المفصل وقد ذكر ذلك البيهقي رحمه الله وغيرُه من العلماء ويدل لذلك القول وهو أن السبع الطوال تنتهي بالتوبة حديث ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال لعثمان رضي الله عنه : " ماحملكم على أن عمدتم إلى سورة براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما ؟ ولم تكتبوا بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ، ماحملكم على ذلك ؟ قال عثمان رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان يُنزل عليه من السور ذوات العدد ، كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول ضعوا هذا في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وينزل عليه الآيات فيقول ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، ويُنزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أُنزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن فكانت قصتها شبيهاً بقصتها فقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبيّن لنا أنها منها فمن ثَمّ قرنتُ بينهما ، ولم أكتب بينهما سطرَ بسم الله الرحمن الرحيم " رواه الترمذي وأبوداود .
اللهم انفعنا وشفعنا بالقرآن العظيم وارفع به منازلنا وودرجاتنا في دار النعيم ياسميع ياعليم ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============= الخطبة الثانية =============

الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ان لاإله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد ان محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً

كثيراً أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن فضل قراءة القرآن وتعلمه وتعليمه من أفضل الطرق وأكثرها خيرية ففي الحديث
الذي رواه عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيرُكم من تعلّم القرآن وعلّمه " ومن فضل تلاوته وفضل بذل النفس في تعلّمه ، وإن كان ينال العبدَ مشقةً في ذلك ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، ووالذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران »
وروى مسلم عن حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: كلنا نحب ذلك، قال: « أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل »

وروى أبو داوود من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ِورتّل كما كُنت ترتل في الدنيا فغن منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها "

قال الخطابي : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة فمن استوفى قراءة جميع آي القرآن استولى على أقصى درج الجنة " وفي فضل التقرب إلى الله بكلامه ماورد في الأثر عن خبّاب بن الأرت رضي الله عنه قال : " تقرّب إلى الله مااستطعت فإنّك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه " . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

الخميس، 16 مارس 2023

خطبة في استهلال شهر رمضان المبارك

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : هانحن نعيش في استقبال نفحة إيمانية ومنّة ربانية باستقبال شهر فضيل وموسم جليل تضاعف فيه الأعمال ويتقرّب فيه للكريم للمتعال ، بفريضة عظيمة القدر كثيرة الأجر وهي فريضة الصيام الذي كتبه الله على هذه الأمة كما كان مكتوباً على الأمم من قبلِنا ( ياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر به أصحابه فقد أخرج النسائي في سننه وأحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنّفه وعبدُ بن حميد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لمّا حضر رمضان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشّر أصحابه : " أتاكم رمضان شهرٌ مُبارك فرض الله عزّ وجل عليكُم صيامه ، تفتح فيه أبواب الساء ، وتُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغلّ فيه مردة الجن ، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم " والحديث روي بأسانيد بعضُها صحيح ، وصححه بعض أهل العلم والتهنئة بتجدد النعمة الدينية والدنيوية جائز كما هنأ الصحابة رضوان الله عليهم كعب بن مالك رضي الله عنه بتوبة الله عليه وكان بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك التهنئة برمضان لأنه من النعم الدينية العظيمة ، يقول ابن القيّم في زاد المعاد عندما أورد حديث الثلاثة الذين خُلّفوا : "  وفيه دليلٌ على استحباب من تجدّدت له نعمة دينيّة والقيام إليه إذا أقبل ، ومُصاحفته فهذه سنّة مستحبة وهو جائز لمن تجدّدت له نعمة دنيوية " ولذا كان بعض العلماء المتأخرين الراسخين في العلم يهنئ بالشهر الفضيل . 

عباد الله : كان السلف الصالح - ياعباد الله - يدعون الله ليلاً ونهاراً أن يُبلغهم رمضان وأن يُعينهم على صيامه وقيامه ، لما يرون فيه من الخير الفضيل وتنزل الرحمات ورفع الدعوات وقضاء الحاجات ومغفرة الذنوب والزلات ، ويستبشرون بقدومه ويفرحون ، يخلون فيه بأنفسهم ، يصومون نهاره ويقومون عليه ، فرمضان مدرسة إيمانية وروحية تعلمّ الكثير ويتفرغ فيها الغني ويتزود منها الفقير ويُبذل فيها الخير والبر والإحسان ويتذكر فيها الصائم إخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات والمعوزين ، ويتذكر أن صيامه إيماناً واحتساباً سبب لدخول جنّة الرحمن ، ويتذكر المقصد الأسمى من الصيام وهو تحقيق التقوى في السر والنجوى ، فمن انقلب به بعد رمضان وتبدّلت حالته فقد نفعه الصوم وانتفع بهذه الشعيرة ، ويتذكّر الصائم أيضاً أن الله فيه يزيّن جنته بعرْفها وحللها وجواهرها وحورها ، ويتذكر فيه مضاعفة الثواب والأجور الذي قلّ أن يتسنّى في غيره من الأزمنة ويتذكّر فرحه بصومه ولحظات فِطره كما ورد في الحديث الصحيح  : " للصائم فرحتان فرحة عند فِطره وفرحة عند لقاء ربه " . 

عباد الله : من الوصايا القيّمة التي أوصي نفسي بها وإياكم - معشر الإخوة - في استقبال هذا الشهر المبارك أن تُحافظ فيه على الوقت ، فالوقت فيه يمضي وهو ثمين يبدأ الخير فيه من أول ليلة ، فمن كان منشغلاً بالأسواق من رجل أو امرأة فليعجل بقضاء حاجته منها قبل دخول الشهر ، ومن كان لديه عملٌ في هذا الشهر الفضيل يستطيع تأجيله فليؤخره لما بعد رمضان كي لايفوت عليه هذا الموسم الفضيل ، واحذر من سُرّاق وقتك من شاشة أو جوال أو صاحب لهو ٍ أو لعبٍ وعبث ، فالمؤمن كيّسٌ فِطن ، والعمل في هذا الشهر فواتُه لايتدارك ، لأنه يتضاعف وقد ورد في السنة بأن الفريضة فيه بسبعين فريضة والنافلة فيه بأجر فريضة وكل العمل الصالح يتضاعف فيه ويُرفع فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً والصدق والإخلاص لتتم لكم المغفرة وتكفير الأوزار والعتق من النار وكما ورد في السنة عن رمضان أن لله فيه عتقاء من النار في كل ليلة ، فاللهم بلغنا إياه وامنن علينا بجودك فيه واجعلنا فيه ووالدينا من عتقاءك من النار ووفقنا فيه لتدراك الأعمار وحط الخطايا والأوزار والإكثار من الصالحات ياعزيز ياغفار ، أقول بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

================ الخطبة الثانية ================

الحمدلله الذي يُعطي ويمنع ويخفض ويرفع له الأسماء الحسنى والصفات العلى والصلاة والسلام على المبعوث إلى سائر الملا ، نبينا محمد عليه وعلى آله السادات الأُلى ، وعلى من تبعه بإحسان وسار على نهجه واهتدى أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - وابذلوا إليه الوسيلة وتقربوا بكل دقيقة وجليلة من الأعمال الفضيلة ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تُفلحون ) فالعمل الصالح وسيلة نافعة وقُربة لله شافعة وإذا علم العبد أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد توسّل لله بهما وحث الخطى لبذلهما على الوجه الأكمل والنهج الأمثل وكذلك سائرُ الأعمال ، وكلّما كان العمل نافعاً متعدّياً يُحتاج إليه فهو أفضل ولذلك كانت الصدقة من أجل القربات ومثلها تفطير الصائمين للمحتاجين ، كما في الحديث : " من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً " فليبذل العبد مالديه وإن كان شيئاً يسيرا ولا تحقرن من المعروف شيئاً  .

عباد الله : الصدقة بابٌ عظيم من أبواب الخير يتمناها فعلها الموتى لو رجعوا إلى الدنيا سواءاً كانت سرّاً أو علانية إن صلُحت النية ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي َ أحدكم الموت فيقولَ ربِّ لولا أخرتني إلى أجلٍ قريب فأصدّق وأكن من الصالحين ) وإن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول الله جل وعلا : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويُكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله - وهو حديث متفق عليه - وذكر منهم : " ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه " ومثل هذا الفعل يكون إذا كان العبد حين أداء الصدقة يهتم بجانب الإخفاء حرصاً على أن لايراه أحد ، فلو سألته بأي يدٍ أعطيت مالك فهو لايعلم من شدّة انشغاله بإخفاء الصدقة أو لو كانت يمينه رجلاً متيقظاً ماعلمت بما تُنفق شماله من شدة إخفائها وهذا هو المراد في الحديث ، والمقصود إخفاء الصدقة بأي حال . 

عباد الله : هناك من الأسر من فقدت رب أسرتها بسبب ديون تراكمت عليه وهو يقبع في السجون الآن لاجناية له إلا بسبب هذا الدين وكان سبب تلك الديون حاجة رب الأسرة في الأصل ، وإن الوقوف مع هؤلاء في تفريج كربتهم بسبب حاجتهم الشديدة وحرمانهم لهو أمر يجدر العناية به وهو أفضل من تفطير الصائم غير المحتاج ، فالحاجة والضرورة هي التي تبيّن فضل الصدقة والصدقات كلها مأجورٌ صاحبها ولكنّها تتفاوت في الفضل ويحدد ذلك الحاجة والضرورة ، كما أن الإنفاق عند حصول المجاعة أفضل من الإنفاق في الأحوال العادية ، ويكون التبرع عبر المنصات الرسمية كمنصة فُرجت ومنصة إحسان وساهم وغيرها . .  فاللهم اجعل هذا المال شاهداً لنا وسبيلاً لمرضاتك ويمن كتابنا ويسر حسابنا بفضلك وإحسانك ياجواد ياكريم . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...