الثلاثاء، 21 مارس 2023

خطبة عن القرآن وفضائله - خطبة رمضانية -

الحمدلله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً ، وأرسل الرسل للعباد منة وفضلاً إنه كان جوداً قديراً ، والصلاة والسلام على النبي المختار الذي بعثه الله داعياً لربه وسراجاً للناس منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلّم تسليماً كثيراً . . أما بعد :
فاتقوا الله تعالى - معشر الصائمين - فالتقوى سبيل لمرضاة رب العالمين ونجاةً لمن سلك درب المتقين ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وانتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : من نعمة الله على هذه الأمة أن أنزل لهم كتاباً به يهتدون وإليه يتحاكمون ولحكمه يسلمون ، وبه يستنيرون إذا وقعوا في السبل الملتوية والطرق الزائغة ، وعليه يُعولون أسباب الفلاح والنجاح ، يعتقدون بما فيه ولا يرتابون ، ويهدون إليه ولا يُخذّلون ، يطلبون مرضاة الله بتلاوته ويتعبدون لربهم بقراءته ولا يملون ، جعلوا القرآن نهجهم وسبيلهم وسعادَتهم فرب القرآن العظيم تكفّل لهم بأقوم سبيل وأكمل نظام ونهج ليس فيه ميلٌ ولا اعوجاج ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويُبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا ) وارتبطوا به في رمضان خاصة وأدمنوا تلاوته لأن رمضان شهر القرآن ففيه أُنزل ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . ) يتاجرون مع الله بتلاوته وتدبره فهي تجارة لاتكسد ولا تبور ، ويعمرون به القلوبَ والصدور ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدَهم من فضله إنه غفورٌ شكور ) .

عباد الله : امتاز القرآن عن غيره من الكتب السماوية أنه الكتاب الخاتم لما قبله من الكتب وهو مهيمنٌ على جميع الكتب السابقة فيه خبرُها ومواعظها وزيادة عليها ، يقول الله جلا جلاله مُخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام : ( وأنزلنا إليه الكتاب بالحق مُصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عمّا جاءك من الحق . . ) فهو الكتاب الأمثل بين الكتب السماوية يجمع بين السهولة والمعاني العميقة وتجدد المفاهيم والمعاني والأساليب البلاغية وفي حديث موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن المخرج من الفتن فقال : " أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ستكون فتن ، قلت وما المخرج منها ؟ قال : " كتاب الله ، كتاب الله ، فيه نبأ ماقبلكم ، وخبر مابعدكم ، وحُكم مابينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي من تركه من جبّارٍ قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ، فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لاتزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبُه ، وهو الذي لن تنته الجن إذ سمعته أن قالوا ( إنا سمعنا قراءاناً عجباً ) من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمِل به أجر ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم " .

جعله الله بلغة تتدفق فصاحة وحكمة جذورها ممتدة وتفريعاتها واشتقاقاتها مستجدّة في كل حين لكي تحوي معاني القرآن ومراد الله تعالى ومقاصد الشرع المطهّر بعكس اللغات الأخرى التي ليس لديها المرادفاتِ اللغوية والثراء اللغوي والتعبيري عن الأشياء ، فمن أجل ذلك جعله الله حُكماً عربياً ولساناً عربياً حاكماً وناسخاً لما سواه من الكتب ( وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ماجاءك من العلم مالك من الله من وليٍّ ولا واق ) ( وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يُحدث لهم ذكرا ) .

عباد الله : من صور شمولية القرآن وهيمنته على الكتب السابقة قول الله تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ) ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ) ( أفغير الله أبتغي حكما وهوالذي أنزل إليكم الكتاب مُفصّلا ، والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزّلٌ من ربك بالحق فلا تكوننّ من الممترين ) ومن سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُعطيت مكان التوراة السبع - أي الطوال - وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفُضّلت بالمفصل " أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير والطيالسي في مسنده .

والسبع الطوال تبدأ من البقرة إلى نهاية سورة التوبه على الصحيح وقد روي هذا القول عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد ، والمئين كل سورة عدد آياتها مائة أو تزيد والمثاني كل سورة دون المئين وفوق المفصل وقد ذكر ذلك البيهقي رحمه الله وغيرُه من العلماء ويدل لذلك القول وهو أن السبع الطوال تنتهي بالتوبة حديث ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال لعثمان رضي الله عنه : " ماحملكم على أن عمدتم إلى سورة براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما ؟ ولم تكتبوا بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ، ماحملكم على ذلك ؟ قال عثمان رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان يُنزل عليه من السور ذوات العدد ، كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول ضعوا هذا في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وينزل عليه الآيات فيقول ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، ويُنزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أُنزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن فكانت قصتها شبيهاً بقصتها فقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُبيّن لنا أنها منها فمن ثَمّ قرنتُ بينهما ، ولم أكتب بينهما سطرَ بسم الله الرحمن الرحيم " رواه الترمذي وأبوداود .
اللهم انفعنا وشفعنا بالقرآن العظيم وارفع به منازلنا وودرجاتنا في دار النعيم ياسميع ياعليم ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============= الخطبة الثانية =============

الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ان لاإله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد ان محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً

كثيراً أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن فضل قراءة القرآن وتعلمه وتعليمه من أفضل الطرق وأكثرها خيرية ففي الحديث
الذي رواه عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيرُكم من تعلّم القرآن وعلّمه " ومن فضل تلاوته وفضل بذل النفس في تعلّمه ، وإن كان ينال العبدَ مشقةً في ذلك ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، ووالذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران »
وروى مسلم عن حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: كلنا نحب ذلك، قال: « أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل »

وروى أبو داوود من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ِورتّل كما كُنت ترتل في الدنيا فغن منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها "

قال الخطابي : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة فمن استوفى قراءة جميع آي القرآن استولى على أقصى درج الجنة " وفي فضل التقرب إلى الله بكلامه ماورد في الأثر عن خبّاب بن الأرت رضي الله عنه قال : " تقرّب إلى الله مااستطعت فإنّك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه " . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...