إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : هانحن نعيش في استقبال نفحة إيمانية ومنّة ربانية باستقبال شهر فضيل وموسم جليل تضاعف فيه الأعمال ويتقرّب فيه للكريم للمتعال ، بفريضة عظيمة القدر كثيرة الأجر وهي فريضة الصيام الذي كتبه الله على هذه الأمة كما كان مكتوباً على الأمم من قبلِنا ( ياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر به أصحابه فقد أخرج النسائي في سننه وأحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنّفه وعبدُ بن حميد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لمّا حضر رمضان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشّر أصحابه : " أتاكم رمضان شهرٌ مُبارك فرض الله عزّ وجل عليكُم صيامه ، تفتح فيه أبواب الساء ، وتُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغلّ فيه مردة الجن ، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم " والحديث روي بأسانيد بعضُها صحيح ، وصححه بعض أهل العلم والتهنئة بتجدد النعمة الدينية والدنيوية جائز كما هنأ الصحابة رضوان الله عليهم كعب بن مالك رضي الله عنه بتوبة الله عليه وكان بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك التهنئة برمضان لأنه من النعم الدينية العظيمة ، يقول ابن القيّم في زاد المعاد عندما أورد حديث الثلاثة الذين خُلّفوا : " وفيه دليلٌ على استحباب من تجدّدت له نعمة دينيّة والقيام إليه إذا أقبل ، ومُصاحفته فهذه سنّة مستحبة وهو جائز لمن تجدّدت له نعمة دنيوية " ولذا كان بعض العلماء المتأخرين الراسخين في العلم يهنئ بالشهر الفضيل .
عباد الله : كان السلف الصالح - ياعباد الله - يدعون الله ليلاً ونهاراً أن يُبلغهم رمضان وأن يُعينهم على صيامه وقيامه ، لما يرون فيه من الخير الفضيل وتنزل الرحمات ورفع الدعوات وقضاء الحاجات ومغفرة الذنوب والزلات ، ويستبشرون بقدومه ويفرحون ، يخلون فيه بأنفسهم ، يصومون نهاره ويقومون عليه ، فرمضان مدرسة إيمانية وروحية تعلمّ الكثير ويتفرغ فيها الغني ويتزود منها الفقير ويُبذل فيها الخير والبر والإحسان ويتذكر فيها الصائم إخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات والمعوزين ، ويتذكر أن صيامه إيماناً واحتساباً سبب لدخول جنّة الرحمن ، ويتذكر المقصد الأسمى من الصيام وهو تحقيق التقوى في السر والنجوى ، فمن انقلب به بعد رمضان وتبدّلت حالته فقد نفعه الصوم وانتفع بهذه الشعيرة ، ويتذكّر الصائم أيضاً أن الله فيه يزيّن جنته بعرْفها وحللها وجواهرها وحورها ، ويتذكر فيه مضاعفة الثواب والأجور الذي قلّ أن يتسنّى في غيره من الأزمنة ويتذكّر فرحه بصومه ولحظات فِطره كما ورد في الحديث الصحيح : " للصائم فرحتان فرحة عند فِطره وفرحة عند لقاء ربه " .
عباد الله : من الوصايا القيّمة التي أوصي نفسي بها وإياكم - معشر الإخوة - في استقبال هذا الشهر المبارك أن تُحافظ فيه على الوقت ، فالوقت فيه يمضي وهو ثمين يبدأ الخير فيه من أول ليلة ، فمن كان منشغلاً بالأسواق من رجل أو امرأة فليعجل بقضاء حاجته منها قبل دخول الشهر ، ومن كان لديه عملٌ في هذا الشهر الفضيل يستطيع تأجيله فليؤخره لما بعد رمضان كي لايفوت عليه هذا الموسم الفضيل ، واحذر من سُرّاق وقتك من شاشة أو جوال أو صاحب لهو ٍ أو لعبٍ وعبث ، فالمؤمن كيّسٌ فِطن ، والعمل في هذا الشهر فواتُه لايتدارك ، لأنه يتضاعف وقد ورد في السنة بأن الفريضة فيه بسبعين فريضة والنافلة فيه بأجر فريضة وكل العمل الصالح يتضاعف فيه ويُرفع فأروا الله فيه من أنفسكم خيراً والصدق والإخلاص لتتم لكم المغفرة وتكفير الأوزار والعتق من النار وكما ورد في السنة عن رمضان أن لله فيه عتقاء من النار في كل ليلة ، فاللهم بلغنا إياه وامنن علينا بجودك فيه واجعلنا فيه ووالدينا من عتقاءك من النار ووفقنا فيه لتدراك الأعمار وحط الخطايا والأوزار والإكثار من الصالحات ياعزيز ياغفار ، أقول بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
================ الخطبة الثانية ================
الحمدلله الذي يُعطي ويمنع ويخفض ويرفع له الأسماء الحسنى والصفات العلى والصلاة والسلام على المبعوث إلى سائر الملا ، نبينا محمد عليه وعلى آله السادات الأُلى ، وعلى من تبعه بإحسان وسار على نهجه واهتدى أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - وابذلوا إليه الوسيلة وتقربوا بكل دقيقة وجليلة من الأعمال الفضيلة ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تُفلحون ) فالعمل الصالح وسيلة نافعة وقُربة لله شافعة وإذا علم العبد أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد توسّل لله بهما وحث الخطى لبذلهما على الوجه الأكمل والنهج الأمثل وكذلك سائرُ الأعمال ، وكلّما كان العمل نافعاً متعدّياً يُحتاج إليه فهو أفضل ولذلك كانت الصدقة من أجل القربات ومثلها تفطير الصائمين للمحتاجين ، كما في الحديث : " من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً " فليبذل العبد مالديه وإن كان شيئاً يسيرا ولا تحقرن من المعروف شيئاً .
عباد الله : الصدقة بابٌ عظيم من أبواب الخير يتمناها فعلها الموتى لو رجعوا إلى الدنيا سواءاً كانت سرّاً أو علانية إن صلُحت النية ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي َ أحدكم الموت فيقولَ ربِّ لولا أخرتني إلى أجلٍ قريب فأصدّق وأكن من الصالحين ) وإن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول الله جل وعلا : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويُكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله - وهو حديث متفق عليه - وذكر منهم : " ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه " ومثل هذا الفعل يكون إذا كان العبد حين أداء الصدقة يهتم بجانب الإخفاء حرصاً على أن لايراه أحد ، فلو سألته بأي يدٍ أعطيت مالك فهو لايعلم من شدّة انشغاله بإخفاء الصدقة أو لو كانت يمينه رجلاً متيقظاً ماعلمت بما تُنفق شماله من شدة إخفائها وهذا هو المراد في الحديث ، والمقصود إخفاء الصدقة بأي حال .
عباد الله : هناك من الأسر من فقدت رب أسرتها بسبب ديون تراكمت عليه وهو يقبع في السجون الآن لاجناية له إلا بسبب هذا الدين وكان سبب تلك الديون حاجة رب الأسرة في الأصل ، وإن الوقوف مع هؤلاء في تفريج كربتهم بسبب حاجتهم الشديدة وحرمانهم لهو أمر يجدر العناية به وهو أفضل من تفطير الصائم غير المحتاج ، فالحاجة والضرورة هي التي تبيّن فضل الصدقة والصدقات كلها مأجورٌ صاحبها ولكنّها تتفاوت في الفضل ويحدد ذلك الحاجة والضرورة ، كما أن الإنفاق عند حصول المجاعة أفضل من الإنفاق في الأحوال العادية ، ويكون التبرع عبر المنصات الرسمية كمنصة فُرجت ومنصة إحسان وساهم وغيرها . . فاللهم اجعل هذا المال شاهداً لنا وسبيلاً لمرضاتك ويمن كتابنا ويسر حسابنا بفضلك وإحسانك ياجواد ياكريم . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق