الأحد، 30 أبريل 2023

خطبة عن الروح وماورد فيها ومآل الأرواح

الحمد لله الخالق القدير السميع البصير الذي خلق فسوى وقدر فهدى وإليه المصير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً دائمين دائبين إلى ماشاء ربنا العلي الكبير أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فقد فاز المتقون وسبق المفردون ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الروح ؟ وما أدراك ما الروح ؟ خلقٌ من خلق الله مُعجزٌ دال على عظيم القدرة وعزيز القوة وجبروت العظمة لله القوي القهار البديع الذي لاتُدركه الأبصار ولايخفى عليه مايكون في السماء ومايدب على الأرض في الليل والنهار .

إن الروح - ياعباد الله - من أمر الله ومن خلقه وبديع صعنه البارع المبهر الذي يأخذ بالألباب ,العقول ويدهش أولي الأحلام والنهى لايعرف كنهها إلا الله ولا حقيقة خلقها إلا هو ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) والروح وردت في القرآن بمعانٍ منها : روح الإنسان أي نفسه التي بين جنبيه وكذلك تأتي بمعنى الوحي حيث يقول جل وعلا : " وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه روحاً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " والروح الأمين هو جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسانٍ عربي مبين ) وسماه أيضاً روحُ القُدس وأيد عيسى به عليه الصلاة والسلام فقال جل وعلا : ( إذ قال الله ياعيسى ابنَ مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتُك بروح القُدُس تُكلم الناس في المهد وكهلا . . ) الآية والقُدُس والقداسة هي النزاهة والطُهر ، و
جبريل عليه السلام هو أعظم الملائكة خلقاً وأعظمهم مكانة ورفعة عند ربه وهو الموكل بالوحي ورسولُ الله لأنبيائه ورُسله عليهم الصلاة والسلام وصفه ربه بأنه ( شديد القُوى * ذو مرّة فاستوى ) والمقصود بالمِرّة أي الخلْقُ الحسن حيث أنه استوى في الأفق لنبيا بادياً خلقَه لنظره عليه الصلاة والسلام قد سدّ خَلْقَه مابين السماء والأرض ، ومن مكانته عند ربّه أن الله يضيفه لنفسه فقال في شأن مريم عليها السلام  : ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويّا ) فقام بالمَهمَّة وهي النفخ في جيب البتول عليها السلام فحملت به وذلك آية من آيات الله البارئ المصور القدير القادر الذي لايُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .وقد تُسمّى رحمةُ الله رَوحاً كما قال يعقوب عليه لبنيه : ( يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسفَ وأخيه ولا تيأسوا من رَوح الله إنّه لاييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون )   

عباد الله : من تأمل خلق عيسى عليه السلام ونفخَ روحه في بطن أمه يجد عجباً وقدرة قادرعظيم جعله الله وأمه آية للعالمين وحُجة على قدرة رب العالمين وعبرة للمتأملين ، وليس ذلك بأعجب من خلق آدم الذي خُلق بلا أب وأم ، وإن كلامَه عليه الصلاة والسلام في المهد حجةٌ على اليهود وعلى بني اسرائيل وإحيائه للموتى وخَلْقِه من الطين كهيئة الطير ونفخه ليكون طائراً وإبرائه الأكمه - وهو الذي ولد أعمى - والأبرص وإحيائه للموتى وكل ذلك بأمر الله وقدرته لاقدرة غيره من البشر مهما كانت وجاهتهم كل ذلك حجة على أهل الكتاب خاصّة في زمانهم وحجة على العالمين لمن جاء بعدهم ، وضربَ الله جل وعلا مثلَه في القرآن ( إن مَثل عيسى عند الله كمثل آدم خلَقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكوننّ من المُمترين ) فهذا الحق الماضي إلى يوم القيامة وهذا هو الطريق الأبلج الذي لامراء فيه ، وقد قطع الله حُجة المحاجين في عيسى السلام حيث يقول الحق تبارك وتعالى : ( فمن حاجّك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفُسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) والمقصود بالمباهلة : هي حلفُ فريقين بالله العظيم على أن مايدعيه ذلك الفريق هو الحق ، ففريقٌ على الحق وكذلك أنبياء الله ورسله وأوليائه وفريقٌ على الباطل وهو الخصم المعاند المُكابر ، والعادة أن الفريق الكاذب المُباهل لاتمضي سنة وهو حي ، فيفنى قبل نهاية الحول وذلك آيةٌ من آيات الله فلهذا يخاف أعداء الله من المُباهلة ويرون أنها ماحقة حتى للنسل ، وكذلك أمر الله نبيّه أن يباهل نصارى نجران عندما دعاهم النبيُ صلى الله عليه وسلم إلى الحق فأبوا وزعموا أنهم على الحق وكابروا فلم يدخلوا في دين الله ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه نساءَه وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ فأشار إليهم شُرَحْبِيل بن وداعة الهمداني وكان من أسيادهم ومعه صاحبان له من أشرافهم وقال لهم : " إني والله أرى أمراً ثقيلاً ، إن كان هذا الرجل - أي النبي صلى الله عليه وسلم - مَلكاً متقويّاً فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره لايذهبُ لنا من صدره ولا من صُدور قومه حتى يُصيبونا بجائحة ، وإنّا أدنى العرب منهم جواراً ، وإن كان هذا الرجل نبياً مُرسلاً فلاعنّاه فلا يبقى على وجه الأرض منّا شعرة ولاظفرٌ إلا هلك " فقال له صاحباه : فما الرأي قد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك ؟ فقال : " رأيي أن أحكّمه فإني أرى رجلاً لايحكم شططا أبداً " فقالا له : أنت وذاك ، فلقي شُرَحبيل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني رأيت خيراً من ملاعنتك " فقال : " وماهو " فقال : " حُكمك اليوم إلى الليل وليلتُك إلى الصباح ، فمهما حكمت فينا فهو جائز " وقوله ذلك إقرار منه عن قومه بالجزية المفروضة على أهل الكتاب كما هو في كتاب الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعل وراءك أحداً يثرّب عليك " فقال له شرَحبيل : " سل صاحبيّ " فسألَهما فقالا : " مايرِد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شُرحبيل ، فحكم النبي عليه الصلاة والسلام عليهم بالجزية ورضَوا بها ورجعوا إلى نجران بعدما كتب لهم كاتب النبي صلى الله عليه وسلم بالجزية بأمر منه على كل مال لديهم .

عباد الله : قد يطعن النصارى أو اليهود في دين الله ممن يتَتَبّع الشُبه فيقول إن عيسى روحٌ من الله ومن هنا أتت للتبعيض أي أن عيسى المسيح بعضٌ من الذات الإلهية كما قال الله تعالى في كتابه : ( إنما المسيح عيسى ابنُ مريم رسول الله وكلمتُه القاها إلى مريم وروحٌ منه . . ) وقولُهم ذلك باطل ينفيه النقل والعقل فالنقل كما ورد في كتاب الله مما سبق ذكره : ( إن مثلَ عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) وأما العقل فإن الذات الإلهية الكاملة في العقل البشري لايُمكن أن يكون لها شبيه ولا نظير ولا ندٌ ولا ولد ولو كان كذلك للزم توارث الملك واختلافه ولزم من ذلك أن يلحقَ الذات الإلهية الموت ، وهذا مُحال لايقبله العقل ولا المنطق فالأرواح التي تتولد منها أرواح مثلُها تفنى مع مرّ الزمان كما هي الأرواح من البشر والجن والحيوان الذي جعلهم الله خلائف في الأرض تعالى الله ربنا عن ذلك وعن قول كل ظالم يقول على الله بغير علم ولذا وبّخ الله كل مشرك الذي يزعم أن الملائكة بنات الله أو يزعم أن لله ولد بقوله : ( قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه هو الغني له مافي السماوات ومافي الأرض إن عندَكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون ) فالخلاصة أن إضافة الروح لله في الآية هي إضافة تشريف لاتبعيض بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود .

============= الخطبة الثانية ==============

الحمدلله أهلُ الثناء والحمد بيده الخير والسعد ، لامانع لما أعطى ولا مُعطي لما منع ولا ينفع ذا الجَدّ منه الجَد والصلاة والسلام على رسول الله الذي بُعث بالوعيد والوعد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والمجد وعلى من تبعهم بإحسان ٍإلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من يتأمل آية الميثاق وهي قول الله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريَّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) يجد أن الأرواح مخلوقة قبل خلق الأجساد ، فكل بشر خُلقت روحه قبل جسده إلا آدم عليه السلام فقد خُلق جسده قبل روحه بنص قول الله تعالى حيث يقول : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكةُ كلُّهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ) . 
عباد الله : روى الإمام البُخاري رحمه الله في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الأرواح جنودٌ مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " ورواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً وذكر النووي في كتابه : " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج " قال : " يقول أهل العلم : جموعٌ مختلفة - أي الأرواح - أو أنواعٌ مختلفة وأما تعارفُها فهو لأمر ٍجعلها الله عليها وتناسُبها في شِيمها ، وقيل لأنها خُلقت مجتمعة ثم فُرّقت في أجسادها ، فمن وافق بشيَمه ألِفه ، ومن باعدَه نافره وخالفه " وقال الخطابي وغيرُه : تآلفُها هو ماخلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين . 
 فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ماخُلقت عليه ، فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار وكذلك معشر الإخوة تآلفُها في الطباع وهذا مُلاحظ فالنفس تميل لمثل طباعها وفي مُسند أبي يعلى الموصلي عن عمرة بنتَ عبدِالرحمن رحمها الله قالت : " كانت امرأة مزّاحة بمكة ، فنزلت على امرأة مثلَها في المدينة فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت : " صدق حُبي " - تعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر في الحديث عليه الصلاة والسلام  . 
 وكذلك تميل الأرواح لمن يُلاينها في الكلام وتكره الفضاضة وهذا  يُبين أثرَ الكلمة في النفس والأرواح ، ولذا من أطاب الكلام كان له غرف في الجنة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنُها من ظاهرها كما ورد المصطفى عليه الصلاة والسلام جعلنا الله وإياكم منهم ثم صلوا وسلموا على النبي المصطفى والنبي المجتبى كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال عزّ من قائلٍ عليما : ( إنّ الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما ) 

الخميس، 20 أبريل 2023

خطبة مختصرة ليوم الجمعة إذا وافق يوم عيد

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله  - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )
عباد الله : مجالس العيد مجالس أنسٍ يتجاذب بها المتجالسون من الأرحام وغيرهم أطراف الحديث فيسأل بعضهم بعضاً عن حالهم وأوضاعهم ويدعو بعضهم لبعض بصلاح الأحوال وبقبول العمل الصالح ويدار فيها بما لذ وطاب من طيب المأكولات والمشروبات وهي تذكر بمجلس أهل الجنّة واجتماعهم على سرر متقابلين ينزع منهم كل غل وضغينة فتلك هي الفرحة الحقيقة التي ينبغي على العبد أن يسعى لها ( إن المتقين في جنات وعيون * ادخلوها بسلامٍ آمنين * ونزعنا مافي صدورهم من غلّ إخواناً على سرر متقابلين * لايمسهم فيها تنصب وماهم منها بمخرجين ) وقال في سورة الصافات ( إلا عباد الله المخلصين * أولئك لهم رزقٌ معلوم * فواكه وهم مكرمون * في جنّات النعيم * على سرر متقابلين * يُطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذّة للشاربين ) . 
عباد الله : من الجدير بالذكر أن يراعي المتجالسين حدود الله وخصوصية الناس أثناء الحديث فمن أهم مايجب اجتنابه الغيبة والنميمة ، فهي فخٌ قلّ من يسلم منهما امرؤ مسلم والغيبة هي الأكثر وقوعاً وهي مسلكٌ عاقبته دينٌ يؤخذ من من أعمال العبد ، فكن أخي حريصاً غيوراً على عملك الصالح الذي تجمعه وتفرّقُه على من اغتبتهم وتناوشت أعراضهم بالسلب والثلب ، فالعاقل المؤمن الفطِن يحفظ عمله الصالح ويتقرب إلى الله بهجر المعاصي والمهاجر من هجر مانهى الله عنه كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام . 
ثم إنه ينبغي لمن يرتاد المجالس أن يراعي خصوصية الناس وحال المتحدث معه فلا يتدخل فيما لايعنيه أثناء الحديث ولا يفتش عن عورات الناس ولا يُلقي الكلام على عواهنه فيجرح غيره بكلامه وهو لايشعر ، فربما حملها السامع في قلبه ردحاً طويلاً من الزمن ، فالنفوس تختلف والقلوب تختلف فتجب مراعاة السامع ، وإن الصمت لخير من لغو الكلام فإنه ليس عضو أحق بطول سجن ٍمن اللسان وكما قال بعض الحكماء عن اللسان : " ربّ منطق صدّع جمْعا ، وسكوت شعب صدعا " والعاقل لايهذي بكل شيء وإن من تمام العقل قلة الكلام ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إذا تمّ العقل وكمُل نقص الكلام " أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
=============== الخطبة الثانية ================
الحمد وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - وإنه مما ورد عند البيهقي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مِرار : " رحم الله امرأ تكلم فغنم أو سكت فسلم " ويرويه الحسن البصري مرسلا 
قال الماوردي عن هذا الحديث : يشير به إلى أن الكلام يعبّر عن مستودعات الضمائر ويُخبر عن مكنونات السرائر لايمكن استرجاع بوادره ولا يقدر على دفع شوارده ، فحُق على العاقل أن يحترز من زللــه بالإمساك عنه أو الإقلال منه ، قال علي رضي الله عنه : " اللسان معيارٌ أطاشه الجهل وأرجحه العقل " . 
عباد الله : مما يجدر التنبيه له أن بعض الناس لايوفق بين راحة بدنه في هذه الأيام والحرص على الصلاة وخصوصاً صلاتي الظهر والعصر وهو خطأ جسيم ينبغي للمسلم أن يحرص على حضور الصلاة مع الجماعة فإن إهمال البعض لها بحجة التعب والسهر ليس مبرّراً شرعيا لتضيع الصلوات والنبي أخبر كما في الحديث أن من فاتته صلاة العصر فقد حبط عملُه فليس ذلك بالأمر الهيّن حفظ الله علينا فرائضه أن تضيع وحدود أن تُضّع إنه جواد كريم . . 
ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم ربكم فقال عز شأنه : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) 

الأحد، 2 أبريل 2023

خطبة أخرى عن العشر الأواخر من رمضان وزكاة الفطر

الحمدلله الذي من على عباده بالفضائل والخيرات أحمده فهو أهل الثناء والمكرمات وأشكره على تتابع العطايا والهبات والصلاة والسلام على المبعوث للخلائق والبريّات نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل السلام والتحيات من رب الأرض والسماوات أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فقد فاز المتقون وسبق المفردون ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : من منّ الله عليه بإدراك مواسم فاضلة وأوقات جليلة فمن الحرمان والخسران أن يتشاغل عن العمل الصالح فيها وبذل الخير وتقديم الصالحات طلباً لرضا رب البريات فالعشر الأواخر من رمضان التي نعيش اليوم بموسمها المبارك فرصة عظيمة لتدارك الأعمار قبل الفوات والخسار فمن أعظم الخذلان أن تنسلخ هذه العشر أو ينسلخ رمضان ولم يُغفر لك وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغِم أنفُ رجلٍ ذُكرت عنده فم يصلّ عليّ ورغم أنفُ رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يُغفر له . . " أخرجه الترمذي .

 عباد الله : العشر الأواخر من رمضان تمتاز عن بقية الشهر بوجود ليلة من أعظم الليالي ألا وهي ليلة القدر حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُلتمس في العشر الأواخر ففي حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال : " من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد أريت هذه الليلة ثم أُنسيتُها ، وقد رأيتُني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر " فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش ، فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالايجتهد في غيرها من بقيّة الشهر وقد ( كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين - أي من رمضان - بصلاة وصوم ونوم فإذا كان العشر شمّر وشد المئزر ) كما روته عائشة رضي الله عنها ورواه أحمد رحمه الله في مسنده ، وفي الحديث المتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم بن الحجاج أنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر " وأما شدّهُ للمئزر فهو كناية عن التفرغ للعبادة واعتزال النساء في هذه الأيام الفاضلة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضيلة الرباط وأن من اعتكف في المسجد فهو ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون أجره كأجر المرابط في سبيل الله ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا : بلى يارسول الله ، قال : " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط " فسمّاه رباطاً عليه الصلاة والسلام لفضله وثوابه . 

عباد الله : الناس في هذه الحياة إما أن يتقدم أو يتأخر ، فيتقدم بفعل الطاعة ويتأخر بفعل المعصية ويتقدم بصعود الدرجات في الجنان أو يتأخر بنزولٍ في دركات الجحيم أجارنا الله وإياكم ( لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخر ) وهذا الأمر يحفّز ابن آدم على المسابقة للخيرات وتنظيف الصحائف من الذنوب والسيئات صغيرها وكبيرها طمعاً في رضا ربه ومولاه ، وموسم رمضان موسم الإقلاع عن الذنوب وخصوصاً الكبائر منها ، فلا خلاص من عذاب الله يوم القيامة إلا بترك الكبيرة واجتنابها ( إن تجتنبوا كبائر ماتُنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم ونُدخلكم مُدخلاً كريما ) وإن هنا شرطية فإذا تحقق الشرط حصل التكفير وإن لم يتحقق لم يحصل ، فينبغي أن يحرص العبدُ كل الحرص على اجتناب الكبائر التي توبق وتُهلك الإنسان ، وقد سمّاها النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات ( اجتنبوا السبع الموبقات . . ) فمن كان مصرّاً على كبيرة فليدَعْها مادام في زمن الإمهال وباب التوبة مفتوح ولن يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، والله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرُ الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثمّ لاتُنصرون ) . . وكذلك الإصرار على الصغائر أمره عظيم وفي الحديث : " إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن حتى يُهلكنه " فأكثروا من الإستغفار وطلب العفو فما عُبد اللهَ في هذه الأيام بأفضل منه ، تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ماأقول فيها ؟ " قال : " قولي اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعف عنّي " ..  فكونوا أكياساً فُطَناً - ياعباد الله - ولا تكونوا عاجزين فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============ الخطبة الثانية ==============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . . أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله افترض عليكم صدقة هي خيرٌ لكم من أنفَس الأموال وخيرٌ لكم من حُمُر النَّعم وهي زكاة الفطر أو صدقة الفطر وفي الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أنه قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير . . " وكثيراً مايُطلق اسم الصدقة على الزكاة ، وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : " فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم " .. ولا تؤدى على الصحيح إلا للفقير والمسكين فقط دون أصحاب الزكاة الآخرين من الأصناف الثمانية التي ذكرهم الله في كتابه ، والأفضل أن تُؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وهو وقت الفضيلة ، فمن فعل ذلك فقد أصاب السُنّة ، ويجوز أن تدفع للفقير أو المسكين قبل العيد بيوم أو يومين ، ولا يجوز دفع القيمة لصريح الحديث فقد حصرها في الطعام دون غيره وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قديماً في المملكة ، حيث قالت : " ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً ، لأن الأدلة الشرعيّة قد دلّت على وجوب إخراجها طعاماً ، ولا يجوز العدولُ عن الأدلة الشرعية لقول أحدٍ من الناس " ومقدارها حوالي ثلاثةُ كيلوّات من قوت البلد جبراً للكسر ، وهي تجب عليك أخي الصائم ومن تعول ويُتستحب إخراجُها عن الجنين في بطن أمّه . . فطيبوا بها نفساً وهي غُنية للفقير والمسكين عن السؤال في هذا اليوم . . أغنانا الله وإياكم وفقراء المسلمين من واسع فضله وعطائه إنه جوادٌ كريم . . ثم صلوا وسلموا على المصطفى البشير والسراج المنير فقد قال عز من قائلٍ وتقدس : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً ) 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...