الأحد، 2 أبريل 2023

خطبة أخرى عن العشر الأواخر من رمضان وزكاة الفطر

الحمدلله الذي من على عباده بالفضائل والخيرات أحمده فهو أهل الثناء والمكرمات وأشكره على تتابع العطايا والهبات والصلاة والسلام على المبعوث للخلائق والبريّات نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل السلام والتحيات من رب الأرض والسماوات أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فقد فاز المتقون وسبق المفردون ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : من منّ الله عليه بإدراك مواسم فاضلة وأوقات جليلة فمن الحرمان والخسران أن يتشاغل عن العمل الصالح فيها وبذل الخير وتقديم الصالحات طلباً لرضا رب البريات فالعشر الأواخر من رمضان التي نعيش اليوم بموسمها المبارك فرصة عظيمة لتدارك الأعمار قبل الفوات والخسار فمن أعظم الخذلان أن تنسلخ هذه العشر أو ينسلخ رمضان ولم يُغفر لك وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغِم أنفُ رجلٍ ذُكرت عنده فم يصلّ عليّ ورغم أنفُ رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يُغفر له . . " أخرجه الترمذي .

 عباد الله : العشر الأواخر من رمضان تمتاز عن بقية الشهر بوجود ليلة من أعظم الليالي ألا وهي ليلة القدر حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُلتمس في العشر الأواخر ففي حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال : " من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد أريت هذه الليلة ثم أُنسيتُها ، وقد رأيتُني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر " فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش ، فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين " وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالايجتهد في غيرها من بقيّة الشهر وقد ( كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين - أي من رمضان - بصلاة وصوم ونوم فإذا كان العشر شمّر وشد المئزر ) كما روته عائشة رضي الله عنها ورواه أحمد رحمه الله في مسنده ، وفي الحديث المتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم بن الحجاج أنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر " وأما شدّهُ للمئزر فهو كناية عن التفرغ للعبادة واعتزال النساء في هذه الأيام الفاضلة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضيلة الرباط وأن من اعتكف في المسجد فهو ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون أجره كأجر المرابط في سبيل الله ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ " قالوا : بلى يارسول الله ، قال : " إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط " فسمّاه رباطاً عليه الصلاة والسلام لفضله وثوابه . 

عباد الله : الناس في هذه الحياة إما أن يتقدم أو يتأخر ، فيتقدم بفعل الطاعة ويتأخر بفعل المعصية ويتقدم بصعود الدرجات في الجنان أو يتأخر بنزولٍ في دركات الجحيم أجارنا الله وإياكم ( لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخر ) وهذا الأمر يحفّز ابن آدم على المسابقة للخيرات وتنظيف الصحائف من الذنوب والسيئات صغيرها وكبيرها طمعاً في رضا ربه ومولاه ، وموسم رمضان موسم الإقلاع عن الذنوب وخصوصاً الكبائر منها ، فلا خلاص من عذاب الله يوم القيامة إلا بترك الكبيرة واجتنابها ( إن تجتنبوا كبائر ماتُنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم ونُدخلكم مُدخلاً كريما ) وإن هنا شرطية فإذا تحقق الشرط حصل التكفير وإن لم يتحقق لم يحصل ، فينبغي أن يحرص العبدُ كل الحرص على اجتناب الكبائر التي توبق وتُهلك الإنسان ، وقد سمّاها النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات ( اجتنبوا السبع الموبقات . . ) فمن كان مصرّاً على كبيرة فليدَعْها مادام في زمن الإمهال وباب التوبة مفتوح ولن يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، والله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرُ الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثمّ لاتُنصرون ) . . وكذلك الإصرار على الصغائر أمره عظيم وفي الحديث : " إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن حتى يُهلكنه " فأكثروا من الإستغفار وطلب العفو فما عُبد اللهَ في هذه الأيام بأفضل منه ، تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ماأقول فيها ؟ " قال : " قولي اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعف عنّي " ..  فكونوا أكياساً فُطَناً - ياعباد الله - ولا تكونوا عاجزين فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============ الخطبة الثانية ==============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . . أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله افترض عليكم صدقة هي خيرٌ لكم من أنفَس الأموال وخيرٌ لكم من حُمُر النَّعم وهي زكاة الفطر أو صدقة الفطر وفي الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أنه قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير . . " وكثيراً مايُطلق اسم الصدقة على الزكاة ، وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : " فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم " .. ولا تؤدى على الصحيح إلا للفقير والمسكين فقط دون أصحاب الزكاة الآخرين من الأصناف الثمانية التي ذكرهم الله في كتابه ، والأفضل أن تُؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وهو وقت الفضيلة ، فمن فعل ذلك فقد أصاب السُنّة ، ويجوز أن تدفع للفقير أو المسكين قبل العيد بيوم أو يومين ، ولا يجوز دفع القيمة لصريح الحديث فقد حصرها في الطعام دون غيره وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء قديماً في المملكة ، حيث قالت : " ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً ، لأن الأدلة الشرعيّة قد دلّت على وجوب إخراجها طعاماً ، ولا يجوز العدولُ عن الأدلة الشرعية لقول أحدٍ من الناس " ومقدارها حوالي ثلاثةُ كيلوّات من قوت البلد جبراً للكسر ، وهي تجب عليك أخي الصائم ومن تعول ويُتستحب إخراجُها عن الجنين في بطن أمّه . . فطيبوا بها نفساً وهي غُنية للفقير والمسكين عن السؤال في هذا اليوم . . أغنانا الله وإياكم وفقراء المسلمين من واسع فضله وعطائه إنه جوادٌ كريم . . ثم صلوا وسلموا على المصطفى البشير والسراج المنير فقد قال عز من قائلٍ وتقدس : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...