الخميس، 29 يونيو 2023

خطبة عن الزواج وفضله وعزوف البعض عن الشباب

 الحمدلله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى ، ووعد بالنشأة الأخرى والحمدلله الذي جعل النكاح رحمة وسكنا ، وعافية وقراراً وأجرا  نحمده وهو العلي الأعلى ونصلي ونسلم على المبعوث بالنور والهدى نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى وعلى من تبعهم بإحسان مادامت الأرض والسماء أما بعد : 

فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : خلق الله الخلق وجعل آدم وذريتَّه في الأرض خليفة ليعمروها وجعلهم خلائف جيل يعقُبُه جيل ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات ليبلُوَكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفورٌ رحيم ) وكان شر بقاءهم التزاوج ، فلمّا كان التزاوج والإنجاب من النساء فطرة أودعها الله في الحياة البشرية صار العنصرُ البشري والحياة البشرية قائمة وكذلك كان عالم الحيوان وفي ذلك يقول الحقُّ تبارك وتعالى : ( فاطرُ السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير ) 

والتزاوج وخلقُ الأزواج من آيات الله ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ) وهذا يدلّل على كمال الله تعالى وغناه عن الخلق ويدلل على نقص الإنسان وعدم استغنائه عن الأنثى من الولادة إلى الموت فهي الأم والأخت والزوجة والخالة والعمة والبنت وكلٌ من الطرفين يكمّل الآخر وفي الحديث الصحيح : " إنما النساء شقائق الرجال " . 

عباد الله : النكاح سنة المرسلين وفطرة رب العالمين وعون للسالكين إلى مرضاة الرب المعين وهو في حق الشباب خاصة ألزم من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصنُ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء  " متفق عليه ، و في مسند الإمام أحمد وصححه ابن حبّان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان صلى الله عليه وسلم يأمُرنا بالباءة وينهانا عن التبتّل نهياً شديدا " وفي الحديث المتفق عليه : " جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلمّا أُخبِروا كأنهم تقالّوها ، وقالوا : أين نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ماتقدّم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدُهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر : وأنا فأصوم الدهر أبداً ولا أُفطر ، وقال الآخر : وأنا أعتزلُ النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال : " أنتم الذين قُلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأُفطر وأصلّي وأرقد وأتزوّج النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي " 

عباد الله : ماأرسل الله من رسولٍ لأمة من الأمم إلا كان له زوج أو أزواج وذرية ومن يتأمل سير الأنبياء يجد أنهم لايبعثون لأقوامهم إلا بعد زواجهم وهذا يدلل على أهمية النكاح ومعرفة أحوال وشؤون الأسرة لكي يبلغوا بعلمٍ وبصيرة ويقين ولأن الشرائع أتت للنساء والرجال : ( ولقد أرسلنا رُسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريّة . . ) فالنكاح مهمٌ ومُكمّلٌ للدين والعقل والرجولة وهو من أسباب السعادة والصلاح والإتزان ودر الأرزاق ، ولذا كان أسبق الناس إليه الأنبياء والصالحون والعقلاء والأكثر رشداً من هذه الأمة وإذا كان الأنبياء يوم القيامة يُكاثرون بأممهم فإن النبيَ صلى الله عليه وسلم أرشد وحثّ على الزواج من المرأة الودود الولود فقال : " تزوجوا الودود الولود فإني مُكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة " وجاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني أصبتُ امراة ذات حسبٍ وجمال ، وإنها لاتلد ، أفأتزوّجُها " قال : " لا " ثم أتاه الثانية فنههاه ثم أتاه الثالثة ، فقال : " تزوجُوا الودود الولود فإني مُكاثرٌ بكم الأمم " أخرجه أبوداود والنسائي .  

والودود هي : المرأة المتحببة لزوجها والولود : كثيرة الولادة ، وخير النساء ذاتُ الدين والتقوى وذلك هو الميزان الذي توزن به النساء وإن أعجبك جمال المرأة ياعباد الله أو مالُها أو نسبُها وحسبها وهذا الأمر لايُناسب أصحاب الشهوات وأهل الأهواء وغالباً مايندم كل من يتقدّمُ لخِطبة امرأة ونكاحها قاصداً من وراء ذلك ماسوى الدين ولكن لاينفع حينها الندم ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجّه لمثل ذلك  فيقول كما في الحديث المتفق عليه : " تُنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين ترِبت يداك " . 

عباد الله : إن من حق كل امرأة أن تتزوج الكفء الذي يرتضيه أهلها ويرُتضى دينُه وترتضى أخلاقُه وشمائله وترك التزويج يجرّ المجتمع بأسره إلى فساد عريض وشر كبير وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض "  وبناءاً على هذا الحديث فإن منع المرأة من الزواج أو تأخير زواجها يجرّ إلى هذا الفساد  وهو مع الأسف أمرٌ ابتُليت به بعض البيوت وهو شرٌّ وبليّة يجب على ولي الأمر أن يحذر من الوقوع فيه وأن لايشارك بإفساد المجتمع برد الخاطبين بدون سبب وعذر مقبول وليتق الله ربّه فإنه مسؤول عن هذه الرعيّة من بناته اللاتي قد لايجدن حيلة في إقناع آبائهن ويكتُمن مافي أنفسهن خشية التأنيب والشتم وليحذر من أن يقع في الحرج والإثم كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " أصلح الله أحوال بيوت المسلمين في كل مكان ، وجنبهم الإثم والعدوان إنه سميع مجيب أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم  .

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله ذي الفضل والمنة والإحسان أحمد وهو الجواد المنّان ونصلي ونسلم على نبينا محمد الذي أوتي الحكمة والبيان وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

عباد الله : اتقوا الله ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثمّ تُوفّى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون )  . 

عباد الله : وردت دراسة إحصائية في عام 1441هــ أن حوالي ستة وستين بالمائة من الشباب من الفئة العُمرية مابين الخامسة عشر والأربعة والثلاثون من العمر أنهم لم يسبق لهم الزواج وهذا دليلٌ على أن هناك فئات من الشباب عزف كثير منهم عن الزواج لعدة أسباب منها : التهرب من تكاليف الزواج أو التهرب من المسؤولية أو عدم الرغبة لإشباع شهوات محرمة أعاذنا الله وإياكم وشباب المسلمين أو لأسباب خفيّة بعضها يتم التكتم عنها . 

أخي الشاب : قد يمنعك من الزواج أسبابٌ أنت أدرى بها ولكن عندما تتأمل واقعك وزمنك الذي أنت فيه تجد أن الشهوات والفتن قد قامت على قدم وساق - أجارنا الله وإياكم منها جميعاً - وأن الرجل لايسلم من فتنة النساء خاصة إلا بسلوك درب النكاح حتى يتم غض بصره وحفظ فرجه ، وتأمل قول الله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانُهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فعالج مثل هذه الأسباب وتذكر قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل لم يتزوّج : " مايمنع الرجل من الزواج إلا عجزٌ أو فجور " أخرجه عبدالرزاق وابن أبي شيبة في مصنَّفهما . 

وفي دراسة أخرى تبين قلة الإنجاب في مجتمعنا مؤخراً مقارنة بأعوام سابقة وهذا الأمر يستدعي معرفة وحصر الأسباب وإيجاد الحلول ويُعد ارتفاع نسبة المواليد من عوامل القوة في كل أمة من الأمم وقلتها عامل ضعف واضمحلال فعلى كل رب أسرة ممن حُرم الإنجاب أو قلت نسبته في اسرته أن يبحث عن الأسباب ويوجد الحلول وهي كثيرة متنوعة ومتشعبة يطول حصرها والحديث عنها وأن يلجأ إلى ربه إن أغلقت الأبواب وبارت الحِيَل كما فعل زكريا عليه السلام : ( . . . فهب لي من لدنك وليّا * يرثني ويرث من آل يعقوب . . ) ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة . . . .

الخميس، 22 يونيو 2023

خطبة أخرى عن العشر وبعض أحكام الأضاحي ويوم عرفة

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي امتنّ به على عباده وفتح به أعيناً عُمياً وآذاناً صمّا ًوقلوباً غُلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وعلينا معهم إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : هانحن اليوم نعيش في خير أيام الدنيا على الإطلاق ، قد بلغك الله إياها بدون سؤال ، فالسباق لها السباق ، وعوّض مافات منها بالأعمال الصالحة المتلاحقة ، واجتناب الذنوب الموبقة ، واستغلال كل لحظة من لحظاتها فهي التجارة الرابحة وهذا وقت أوانها ، وقد انصرم من أيام العشر ما انصرم ولها ولياليها فضل ومزيّة عن غيرها من أيام وليالي السنة ، العمل في أيامها اعظم عند الله وأحب وأرفعُ درجة من غيرها من الأيام ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " أي : العشر قالوا يارسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " وقد أقسم الله بلياليها ولا يُقسم ربنا العظيم إلا بعظيم فقال : ( والفجر * وليالٍ عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر ) وكان السلف يحيون تلك الأيام بالذكر وتلاوة القرآن والطاعة والصيام والدعاء ولياليها بالقيام فيها والعبادة ، وهو موسم قصير وزمن تمضي أيامه وساعاته سريعة السير ، فابتغوا فيه رضا الله ، وعمل الصالحات والتشمير للطاعات قبل فوات الأوقات والساعات فيه ، وطوبى وهنيئاً لمن فيه سعى وابتدر الأوقات ، ويُخشى لمن ضيع ذلك الزمن الفاضل العظيم أن تحدقَ به الآلامُ والحسراتُ ، وما لزمن فات من إيابٍ بعد الفوات .

عباد الله : في هذه الأيام الناس يتسابقون لشراء الأضاحي والقرابين لله رب العالمين ولكن لابد من الفقه في دين الله وسؤال أهل العلم إن أشكل على العبد مايخص من أحكام الأضاحي ليتقرب لله على بصيرة وهدى ومن تلك الأحكام التي يجدر التنبيه لها ماورد في حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ لاتُجزئ في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضُها ، والعرجاء البين ظَلْعُها ، والكسيرة التي لاتُنقي " أخرجه النسائي وأبو داوود وابن ماجه ، ومعنى التي لاتُنقي : أي الهزيلة التي لامُخ فيها ، فيدخل في ذلك العمياء من البهائم من باب أولى وكذلك مقطوعة اليد والرجل وكذلك المُقعدة من البهائم ، وأما الكبش الذي قُطعت خصيتاه فيجوز وقد ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين - أي مقطوعا الخصية - ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ويجوز التضحية بمقطوعة الذيل لامقطوعة الإلية وكذلك البتراء التي لاذنب لها خِلقة ًعلى الراجح من الأقوال ، قال ابن قُدامة رحمه الله وإيانا في كتابه المُغني : " وتُجزئ البتراء وهي التي لاذنب لها خِلقة أو مقطوعاً . . إلى أن قال : لأن هذا نقصٌ لايُنقص اللحم ، ولا يُخل بالمقصود ولم يرد به نهي " وقال أيضاً : " ولا تُجزئ ماقُطع منه عضوٌ كالألية " وأما العضباء التي كُسر قرنها فالذي يُفتى به الآن إن كان الكسر أقل من النصف فلا حرج وإن كان نصف القرن فأكثر لم تصح ، وأما الجمّاء التي لم يُخلق لها قرنٌ أصلاً فتجزئ كما أورده ابن قدامة في المُغني ، وأما الجدعاء وهي : مقطوعة الأنف فلا تُجزئ وكذلك السكّاء وهي مقطوعة الأذنين وأما ماكان في أحد أذنيها قطعٌ فيكره أن يُضحى بها فالتي شُقت أذنها من الخلف أو من المُقدّم أو خُرقت أذنها فيصح التضحية بها مع الكراهة وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن " أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه ، والمقصود به ذهاب العينين أو واحدة منها وكذلك مقطوعة الأذنين أو واحدة منها بالكلية ، وكل ماكان أكمل وأبعد عن العيوب هو أحب وأرضى عند الله .

عباد الله : ومما يجدر الإشارة إليه أنه لايُجزئ بيع الأضحية إن عيّنها صاحبها ولا أن يهبها أو يرهنها عند أحد لأنها دخلت صارت وقفاً لله تعالى وأوقفت قرباناً له جلّ جلاله فلا يحلّ التصرف فيها إلا أن يستبدلها بأفضل منها .
ثم إن أفضلَ الأضاحي على الراجح البدنة الكاملة من الإبل ثم البقرة بلا اشتراك ثم الشاة ثم سُبع بدنة ثم سُبع بقرة لما ثبت في صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثمّ راح في الساعة الأولى فكأنمّا قرّب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً - وفي رواية كبشاً أقرن - ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " وهذا يدلل على فضل البدنة في تقريب الأضاحي ، فاللهم وفقنا لعمل الصالحات وترك المنكرات وفعل الخيرات يارب الأرض والسماوات ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل الذنوب والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الجواد الغفار .

============ الخطبة الثانية ============

الحمد لله كما يُحب أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والمجد وعلى من تقرب لمولاه وتعبد أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن النحر والذبح لبهيمة الأنعام تقرباً لله هي عبادةٌ مقصودة في ذاتها ، حيث يقول الحق تبارك وتعالى لنبيه : " فصلّ لربك وانحر " ومن يُنيب غيره وهو قادرٌ مستطيع على الذبح بيده ، أو يذهب بهذه الذبائح إلى المسالخ فقد فوّت على نفسه هذه الفضيلة وهذا الخيرِ العظيم ، وما كان صلى الله عليه وسلم ينيب غيره بالذبح بل كان يذبح تلك القرابين بيده كما في الحديث السابق ، ومن لم يستطع فهو مأجور ولكن عليه استحضار النية أنه متى مازال هذا العائق فإنه لايفرّط بالقيام بهذه الفضيلة ، وليأخذ من يوكّل الحذر من أن يُنيب عنه مشركٌ فالمشرك كالبوذي والهندوسي لايصح ذبحه ، ولو ذُكر صاحب الذبيحة اسم الله عليها أو ذكر هذا المشرك اسم الله عليها ، وهذا يجعل العبد يحرص كل الحرص على انتقاء من يوكّل في الذبح ، ومن ترك التسمية عامداً على الذبيحة فإنها لاتحل ، وأما ذبح اليهودي والنصراني فتحل بشرط أن لايذكر عليها اسم المسيح أو أي عزير أو أي نبي من الأنياء ، فإن تبين ذكر اسم المسيح أو غيره عليها فلا تحل وبذلك أفتى أهل العلم .
عباد الله : سيحل علينا يومٌ عظيم بعد عدة أيام ، يومٌ صيامه يكفّر ذنوب سنتين ، يومٌ يباهي الله فيه بأهل الموقف ويدنو منهم ، إنه يوم عرفة الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال في الحديث الصحيح عند مسلم : " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده " فلا تُفرّط فيه ياعبدَالله ، فصيامه غنيمة وأجرٌ عظيم وثواب لايستطيع العبد تداركَ مثله إلا بصيامه ، وفعل الطاعات فيه ، فاللهم بلّغنا مواسم الخيرات وتقبّل منّا واعف عنّا ولا تتوافانا إلا وأنت راض ٍعنّا ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على نبي الرحمة
  

الاثنين، 5 يونيو 2023

خطبة عن الرياضات المباحة والمحرمة

الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ومن عليه بالأنعام وأتمّ عليه المنّة والإحسان وكمّله بأحسن صورة وأحسن تقويمٍ في الأعضاء والأبدان والصلاة والسلام على المبعوث بالحكمة والقرآن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :

فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : أنعم الله على ابن آدم بصحة البدن والرزق المدرار والخير العميم وهداه لما فيه صلاح القلب والعقل والجسد بالمعاني الروحية والمواد والقوى الطبيعية ولذا أمر الله بإعداد النفس وتقويتها لمجاهدة عدوها المتربص بها ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوّة . . )  وتقوية النفس والقلب مقدّمٌ على تقوية الجسد والأعضاء وفي الحديث الصحيح عند مسلم أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " والأخذ بالأسباب المادية والتماسها مُعين على تقوية الجسد والشجاعة في قول الحق والثقة بالنفس وهو أبعد عن الأسقام والآلام وأبعد عن الشكوك والأوهام لأن الصحة الجسدية تعكس الصحة النفسية والفراغ والكسل يجلبان للعبد الإعتلال وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ " ولذا كان هناك رياضات يحث عليها الشرع الحنيف فمنها : السباحة والرمي وتأديب الفرس ويشملُ كل مركب يُركب عليه لقتال الأعداء وهو من أعمال القربات إذا نواها العبد ولذا أخرج النسائي في سننه والطبراني والبزار من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهوٌ أو سهو إلا أربع خصال : " مشي الرجل بين الغرضين وتأديبُه فرَسه وملاعبته أهله وتعليمه السباحة " والمقصود بالمشي بين الغرضين أي في الرمي فيمشي لكي يمرّن نفسه على القوة وإصابة الهدف وأما تأديب الفرس فهو إعدادها للقتال في سبيل الله وأما ملاعبة الرجل زوجته فهو لإذهاب الملل وإدخال السرور ولغرض الجماع وطلب الولد وأما السباحة ففيها إنقاذٌ للنفس من الغرق وإنقاذٌ للغير ومن يُعلم أحداً فإنه يُثاب ويؤجر على ذلك أجراً عظيماً وربما أنقذ من علّمته شخصاً آخر فلك أجرين بذلك أجرٌ لما علّمته وتشاركه في أجر نجاة الغريق . 

عباد الله : اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بالخيل والفروسية كيف لا ؟! وهو القائل عليه الصلاة والسلام : " الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة  " وكان يُجري وأصحابُه الخيل وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أجرى النبي صلى الله عليه وسلّم ماضُمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى مالم يُضمّر من الثنية إلى مسجد بني زريق " قال ابن عمر : وكُنت فيمن أجرى . يقول سُفيان رحمه الله : " من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زُريق ميل " والخيل غير المضمّرة هي الخيل التي تُطعم حتى تسمن فلم تعتد العدو الطويل  فناسب لها قِصَر المسافة ، وأما الخيل المضمّرة فهي الخيل المدربة التي لايضر بها العدو الطويل فناسب لها طول المسافة فكان عدوها بين الحفياء وثنية الوداع وأما الخيل التي لم تُضمّر فلما كانت تجْهدُ كان عدوها وجريُها مابين ثنية الوداع ومسجد بني زُريق وهي مسافة ميل واحد تقريباً كما أسلفنا . 

عباد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يُمارس رياضة المصارعة  لا لحظ من حظوظ الدنيا ولكن لدعوة الغير يقول ابن اسحاق : حدثني أبي إسحاق بن يسار قال : " كان رُكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبدمناف أشد قريش ، فخلا يوماً رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ( قبل الهجرة ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يارُكانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ؟ قال : إني لو أعلمُ أن الذي تقولَ حقاً لاتبعتك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفرايت إن صرعتُك ، أتعلم أن ما أقولُ حق ؟ قال : نعم ، قال : فقم حتى أصارعَك ، قال فقام إليه رُكانة يُصارعه ، فلمّا بطش به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أضجعه ، وهو لايملك من نفسه شيئاً ، ثم قال : عُد يامحمد فعاد فصرعه ، فقال : يامحمد والله إن هذا للعجب ، أتصرعني ! 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أن أُريكَه ، إن اتقيت الله واتبعت أمري ، قال : ماهو ؟ 

قال صلى الله عليه وسلم : ألا أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيَني ، قال : ادعُها ، فدعاها ، فاقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال لها : ارجعي إلى مكانِك ، فرجعت إلى مكانها ، قال : فذهب ركانة إلى قومه فقال : " يابني عبدمناف ، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فوالله ماعلمت أسحر منه قط " وأخبرهم بالذي راى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظروا كيف أن ذلك لم ينفعه في لحظتها ولم يُسلم ، فلما فُتحت مكة أسلم بعد ذلك ولا يستوي من أسلم قبل الفتح مع من أسلم بعده ، وصارع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابن ركانة يزيد وهو وأبوه لهم صحبة . 

يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما : " جاء يزيد بن ركانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة من الغنم ، فقال : يامحمد ، هل لك أن تُصارعَني ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " وما تجعلُ لي إن صرعتك ؟ قال : مائة من الغنم ، فصارعه فصرعه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ثم قال هل لك في العَود ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : وما تجعلُ لي ؟ قال : مائة أخرى ، فصارعه فصرعه - صلى الله عليه وسلم  - وذكر الثالثة أنه صرعه - فقال : " ماوضع جنبي على الأرض أحدٌ قبلك وما كان أحدٌ أبغض إليّ منك وأنا أشهدُ أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله " فقام عنه صلى الله عليه وسلم وردّ عليه غنمه ، وفي رواية أن النبي َ صلى الله عليه وسلم قال له : " ماكنّا لنجمع عليك أن نصرَعُك ونُغرِمُك ، خذ غنمك " وما أراد النبي صلى الله عليه من مصارعته إلا الأخذ بيده لطريق التوحيد وإنقاذه من الشرك وما كان حينها ليتحقق إلا بهذه الطريقة وهذا السبيل ، فكان خيراً ليزيدٍ وحرر نفسه من قيد الشرك وأستنار بنور الله وبدعوة سيد المرسلين بعد أن كان في براثن المشركين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============

الحمد لله المحمود بكل لسان المتفضل على عباده بالخير والإحسان والصلاة والسلام على المبعوث للإنس والجان نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أفضل الصلوات والتسليم من الله الكريم المنان أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله -  واعلموا أن كل رياضة تُلهي عن ذكر الله فهي محرمة ليست لذاتها وإنما بسبب أثرها وإلا فإن الرياضة في الأصل ، الأصل فيها الحل ، مالم ينص الشرع على حرمتها كمن يضع ذات الأرواح غرضاً ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليه أنه مرّ على فتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلمّا رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابنُ عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً . 

وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتفق عليه أيضاً قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصبَر البهائم " أي تُحبس للقتل وهذا دليل أن هذا الفعل كبيرة من كبائر الذنوب ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق ذكر أن من فعل ذلك ملعون - أجارنا الله وإياكم - 

عباد الله : انتشر في الآونة الأخيرة وخصوصاً بين النساء نوعٌ من انواع الرياضة وتسمى تمارين الطاقة أو اليوغا أو تدريبات للعلاج بالطاقة الحيوية وكلها في الواقع مآلها إلى الإعراض عن دين الله والتعلق بالماديات وعلاج الروح بالتأمل والسكون وإضاعة العمر فيما لاجدوى منه وأصل البعض منهاغ مستمدٌ من الديانة البوذية أو الهندوسية  وبعضها يؤدي في نهاية المطاف إلى التعلق بالشياطين وإلى الوقوع في السحر وهي تتدرج بالرجل أو المرأة حتى توقعه في مصيدة الدجل والشعوذة ، فالذين يروجون لمثل هذه الأشياء يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقد صُد كثير من هؤلاء المتعلقين بمثل هذه الرياضات الوثنية عن الصلاة وما فيها من راحة وأنس وانشراح فمثل هؤلاء كان الأجدر بهم أن يجدوا راحتهم في الصلاة وأكثر مايكون في وضعية السجود ، ولم يفهم الكثير من هؤلاء المتولّعين قولَ النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرحنا بها يابلال ) فمن لم يجد في الراحة والسكينة في صلاته فليُفتش عن السبب ، فما حُرم العبد ذلك إلا بذنبٍ أحدثه أو كان مُبتلى أو منشغلا عن خشوعه وطمأنينته في صلاته فاللهم أعنا على أنفسنا واجعل رضاكَ غايتُنا ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على خير البريّة وأزكى البشريّة محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما ) 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...