الحمدلله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى ، ووعد بالنشأة الأخرى والحمدلله الذي جعل النكاح رحمة وسكنا ، وعافية وقراراً وأجرا نحمده وهو العلي الأعلى ونصلي ونسلم على المبعوث بالنور والهدى نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى وعلى من تبعهم بإحسان مادامت الأرض والسماء أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : خلق الله الخلق وجعل آدم وذريتَّه في الأرض خليفة ليعمروها وجعلهم خلائف جيل يعقُبُه جيل ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات ليبلُوَكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفورٌ رحيم ) وكان شر بقاءهم التزاوج ، فلمّا كان التزاوج والإنجاب من النساء فطرة أودعها الله في الحياة البشرية صار العنصرُ البشري والحياة البشرية قائمة وكذلك كان عالم الحيوان وفي ذلك يقول الحقُّ تبارك وتعالى : ( فاطرُ السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير )
والتزاوج وخلقُ الأزواج من آيات الله ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ) وهذا يدلّل على كمال الله تعالى وغناه عن الخلق ويدلل على نقص الإنسان وعدم استغنائه عن الأنثى من الولادة إلى الموت فهي الأم والأخت والزوجة والخالة والعمة والبنت وكلٌ من الطرفين يكمّل الآخر وفي الحديث الصحيح : " إنما النساء شقائق الرجال " .
عباد الله : النكاح سنة المرسلين وفطرة رب العالمين وعون للسالكين إلى مرضاة الرب المعين وهو في حق الشباب خاصة ألزم من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصنُ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه ، و في مسند الإمام أحمد وصححه ابن حبّان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان صلى الله عليه وسلم يأمُرنا بالباءة وينهانا عن التبتّل نهياً شديدا " وفي الحديث المتفق عليه : " جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلمّا أُخبِروا كأنهم تقالّوها ، وقالوا : أين نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ماتقدّم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدُهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر : وأنا فأصوم الدهر أبداً ولا أُفطر ، وقال الآخر : وأنا أعتزلُ النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال : " أنتم الذين قُلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأُفطر وأصلّي وأرقد وأتزوّج النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي "
عباد الله : ماأرسل الله من رسولٍ لأمة من الأمم إلا كان له زوج أو أزواج وذرية ومن يتأمل سير الأنبياء يجد أنهم لايبعثون لأقوامهم إلا بعد زواجهم وهذا يدلل على أهمية النكاح ومعرفة أحوال وشؤون الأسرة لكي يبلغوا بعلمٍ وبصيرة ويقين ولأن الشرائع أتت للنساء والرجال : ( ولقد أرسلنا رُسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذريّة . . ) فالنكاح مهمٌ ومُكمّلٌ للدين والعقل والرجولة وهو من أسباب السعادة والصلاح والإتزان ودر الأرزاق ، ولذا كان أسبق الناس إليه الأنبياء والصالحون والعقلاء والأكثر رشداً من هذه الأمة وإذا كان الأنبياء يوم القيامة يُكاثرون بأممهم فإن النبيَ صلى الله عليه وسلم أرشد وحثّ على الزواج من المرأة الودود الولود فقال : " تزوجوا الودود الولود فإني مُكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة " وجاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني أصبتُ امراة ذات حسبٍ وجمال ، وإنها لاتلد ، أفأتزوّجُها " قال : " لا " ثم أتاه الثانية فنههاه ثم أتاه الثالثة ، فقال : " تزوجُوا الودود الولود فإني مُكاثرٌ بكم الأمم " أخرجه أبوداود والنسائي .
والودود هي : المرأة المتحببة لزوجها والولود : كثيرة الولادة ، وخير النساء ذاتُ الدين والتقوى وذلك هو الميزان الذي توزن به النساء وإن أعجبك جمال المرأة ياعباد الله أو مالُها أو نسبُها وحسبها وهذا الأمر لايُناسب أصحاب الشهوات وأهل الأهواء وغالباً مايندم كل من يتقدّمُ لخِطبة امرأة ونكاحها قاصداً من وراء ذلك ماسوى الدين ولكن لاينفع حينها الندم ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجّه لمثل ذلك فيقول كما في الحديث المتفق عليه : " تُنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين ترِبت يداك " .
عباد الله : إن من حق كل امرأة أن تتزوج الكفء الذي يرتضيه أهلها ويرُتضى دينُه وترتضى أخلاقُه وشمائله وترك التزويج يجرّ المجتمع بأسره إلى فساد عريض وشر كبير وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض " وبناءاً على هذا الحديث فإن منع المرأة من الزواج أو تأخير زواجها يجرّ إلى هذا الفساد وهو مع الأسف أمرٌ ابتُليت به بعض البيوت وهو شرٌّ وبليّة يجب على ولي الأمر أن يحذر من الوقوع فيه وأن لايشارك بإفساد المجتمع برد الخاطبين بدون سبب وعذر مقبول وليتق الله ربّه فإنه مسؤول عن هذه الرعيّة من بناته اللاتي قد لايجدن حيلة في إقناع آبائهن ويكتُمن مافي أنفسهن خشية التأنيب والشتم وليحذر من أن يقع في الحرج والإثم كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " أصلح الله أحوال بيوت المسلمين في كل مكان ، وجنبهم الإثم والعدوان إنه سميع مجيب أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله ذي الفضل والمنة والإحسان أحمد وهو الجواد المنّان ونصلي ونسلم على نبينا محمد الذي أوتي الحكمة والبيان وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :
عباد الله : اتقوا الله ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثمّ تُوفّى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون ) .
عباد الله : وردت دراسة إحصائية في عام 1441هــ أن حوالي ستة وستين بالمائة من الشباب من الفئة العُمرية مابين الخامسة عشر والأربعة والثلاثون من العمر أنهم لم يسبق لهم الزواج وهذا دليلٌ على أن هناك فئات من الشباب عزف كثير منهم عن الزواج لعدة أسباب منها : التهرب من تكاليف الزواج أو التهرب من المسؤولية أو عدم الرغبة لإشباع شهوات محرمة أعاذنا الله وإياكم وشباب المسلمين أو لأسباب خفيّة بعضها يتم التكتم عنها .
أخي الشاب : قد يمنعك من الزواج أسبابٌ أنت أدرى بها ولكن عندما تتأمل واقعك وزمنك الذي أنت فيه تجد أن الشهوات والفتن قد قامت على قدم وساق - أجارنا الله وإياكم منها جميعاً - وأن الرجل لايسلم من فتنة النساء خاصة إلا بسلوك درب النكاح حتى يتم غض بصره وحفظ فرجه ، وتأمل قول الله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانُهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فعالج مثل هذه الأسباب وتذكر قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل لم يتزوّج : " مايمنع الرجل من الزواج إلا عجزٌ أو فجور " أخرجه عبدالرزاق وابن أبي شيبة في مصنَّفهما .
وفي دراسة أخرى تبين قلة الإنجاب في مجتمعنا مؤخراً مقارنة بأعوام سابقة وهذا الأمر يستدعي معرفة وحصر الأسباب وإيجاد الحلول ويُعد ارتفاع نسبة المواليد من عوامل القوة في كل أمة من الأمم وقلتها عامل ضعف واضمحلال فعلى كل رب أسرة ممن حُرم الإنجاب أو قلت نسبته في اسرته أن يبحث عن الأسباب ويوجد الحلول وهي كثيرة متنوعة ومتشعبة يطول حصرها والحديث عنها وأن يلجأ إلى ربه إن أغلقت الأبواب وبارت الحِيَل كما فعل زكريا عليه السلام : ( . . . فهب لي من لدنك وليّا * يرثني ويرث من آل يعقوب . . ) ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة . . . .