الخميس، 22 يونيو 2023

خطبة أخرى عن العشر وبعض أحكام الأضاحي ويوم عرفة

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي امتنّ به على عباده وفتح به أعيناً عُمياً وآذاناً صمّا ًوقلوباً غُلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وعلينا معهم إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : هانحن اليوم نعيش في خير أيام الدنيا على الإطلاق ، قد بلغك الله إياها بدون سؤال ، فالسباق لها السباق ، وعوّض مافات منها بالأعمال الصالحة المتلاحقة ، واجتناب الذنوب الموبقة ، واستغلال كل لحظة من لحظاتها فهي التجارة الرابحة وهذا وقت أوانها ، وقد انصرم من أيام العشر ما انصرم ولها ولياليها فضل ومزيّة عن غيرها من أيام وليالي السنة ، العمل في أيامها اعظم عند الله وأحب وأرفعُ درجة من غيرها من الأيام ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " أي : العشر قالوا يارسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " وقد أقسم الله بلياليها ولا يُقسم ربنا العظيم إلا بعظيم فقال : ( والفجر * وليالٍ عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر ) وكان السلف يحيون تلك الأيام بالذكر وتلاوة القرآن والطاعة والصيام والدعاء ولياليها بالقيام فيها والعبادة ، وهو موسم قصير وزمن تمضي أيامه وساعاته سريعة السير ، فابتغوا فيه رضا الله ، وعمل الصالحات والتشمير للطاعات قبل فوات الأوقات والساعات فيه ، وطوبى وهنيئاً لمن فيه سعى وابتدر الأوقات ، ويُخشى لمن ضيع ذلك الزمن الفاضل العظيم أن تحدقَ به الآلامُ والحسراتُ ، وما لزمن فات من إيابٍ بعد الفوات .

عباد الله : في هذه الأيام الناس يتسابقون لشراء الأضاحي والقرابين لله رب العالمين ولكن لابد من الفقه في دين الله وسؤال أهل العلم إن أشكل على العبد مايخص من أحكام الأضاحي ليتقرب لله على بصيرة وهدى ومن تلك الأحكام التي يجدر التنبيه لها ماورد في حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ لاتُجزئ في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضُها ، والعرجاء البين ظَلْعُها ، والكسيرة التي لاتُنقي " أخرجه النسائي وأبو داوود وابن ماجه ، ومعنى التي لاتُنقي : أي الهزيلة التي لامُخ فيها ، فيدخل في ذلك العمياء من البهائم من باب أولى وكذلك مقطوعة اليد والرجل وكذلك المُقعدة من البهائم ، وأما الكبش الذي قُطعت خصيتاه فيجوز وقد ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين - أي مقطوعا الخصية - ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ويجوز التضحية بمقطوعة الذيل لامقطوعة الإلية وكذلك البتراء التي لاذنب لها خِلقة ًعلى الراجح من الأقوال ، قال ابن قُدامة رحمه الله وإيانا في كتابه المُغني : " وتُجزئ البتراء وهي التي لاذنب لها خِلقة أو مقطوعاً . . إلى أن قال : لأن هذا نقصٌ لايُنقص اللحم ، ولا يُخل بالمقصود ولم يرد به نهي " وقال أيضاً : " ولا تُجزئ ماقُطع منه عضوٌ كالألية " وأما العضباء التي كُسر قرنها فالذي يُفتى به الآن إن كان الكسر أقل من النصف فلا حرج وإن كان نصف القرن فأكثر لم تصح ، وأما الجمّاء التي لم يُخلق لها قرنٌ أصلاً فتجزئ كما أورده ابن قدامة في المُغني ، وأما الجدعاء وهي : مقطوعة الأنف فلا تُجزئ وكذلك السكّاء وهي مقطوعة الأذنين وأما ماكان في أحد أذنيها قطعٌ فيكره أن يُضحى بها فالتي شُقت أذنها من الخلف أو من المُقدّم أو خُرقت أذنها فيصح التضحية بها مع الكراهة وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن " أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه ، والمقصود به ذهاب العينين أو واحدة منها وكذلك مقطوعة الأذنين أو واحدة منها بالكلية ، وكل ماكان أكمل وأبعد عن العيوب هو أحب وأرضى عند الله .

عباد الله : ومما يجدر الإشارة إليه أنه لايُجزئ بيع الأضحية إن عيّنها صاحبها ولا أن يهبها أو يرهنها عند أحد لأنها دخلت صارت وقفاً لله تعالى وأوقفت قرباناً له جلّ جلاله فلا يحلّ التصرف فيها إلا أن يستبدلها بأفضل منها .
ثم إن أفضلَ الأضاحي على الراجح البدنة الكاملة من الإبل ثم البقرة بلا اشتراك ثم الشاة ثم سُبع بدنة ثم سُبع بقرة لما ثبت في صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثمّ راح في الساعة الأولى فكأنمّا قرّب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً - وفي رواية كبشاً أقرن - ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " وهذا يدلل على فضل البدنة في تقريب الأضاحي ، فاللهم وفقنا لعمل الصالحات وترك المنكرات وفعل الخيرات يارب الأرض والسماوات ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل الذنوب والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الجواد الغفار .

============ الخطبة الثانية ============

الحمد لله كما يُحب أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والمجد وعلى من تقرب لمولاه وتعبد أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن النحر والذبح لبهيمة الأنعام تقرباً لله هي عبادةٌ مقصودة في ذاتها ، حيث يقول الحق تبارك وتعالى لنبيه : " فصلّ لربك وانحر " ومن يُنيب غيره وهو قادرٌ مستطيع على الذبح بيده ، أو يذهب بهذه الذبائح إلى المسالخ فقد فوّت على نفسه هذه الفضيلة وهذا الخيرِ العظيم ، وما كان صلى الله عليه وسلم ينيب غيره بالذبح بل كان يذبح تلك القرابين بيده كما في الحديث السابق ، ومن لم يستطع فهو مأجور ولكن عليه استحضار النية أنه متى مازال هذا العائق فإنه لايفرّط بالقيام بهذه الفضيلة ، وليأخذ من يوكّل الحذر من أن يُنيب عنه مشركٌ فالمشرك كالبوذي والهندوسي لايصح ذبحه ، ولو ذُكر صاحب الذبيحة اسم الله عليها أو ذكر هذا المشرك اسم الله عليها ، وهذا يجعل العبد يحرص كل الحرص على انتقاء من يوكّل في الذبح ، ومن ترك التسمية عامداً على الذبيحة فإنها لاتحل ، وأما ذبح اليهودي والنصراني فتحل بشرط أن لايذكر عليها اسم المسيح أو أي عزير أو أي نبي من الأنياء ، فإن تبين ذكر اسم المسيح أو غيره عليها فلا تحل وبذلك أفتى أهل العلم .
عباد الله : سيحل علينا يومٌ عظيم بعد عدة أيام ، يومٌ صيامه يكفّر ذنوب سنتين ، يومٌ يباهي الله فيه بأهل الموقف ويدنو منهم ، إنه يوم عرفة الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال في الحديث الصحيح عند مسلم : " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده " فلا تُفرّط فيه ياعبدَالله ، فصيامه غنيمة وأجرٌ عظيم وثواب لايستطيع العبد تداركَ مثله إلا بصيامه ، وفعل الطاعات فيه ، فاللهم بلّغنا مواسم الخيرات وتقبّل منّا واعف عنّا ولا تتوافانا إلا وأنت راض ٍعنّا ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على نبي الرحمة
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...