الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ومن عليه بالأنعام وأتمّ عليه المنّة والإحسان وكمّله بأحسن صورة وأحسن تقويمٍ في الأعضاء والأبدان والصلاة والسلام على المبعوث بالحكمة والقرآن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : أنعم الله على ابن آدم بصحة البدن والرزق المدرار والخير العميم وهداه لما فيه صلاح القلب والعقل والجسد بالمعاني الروحية والمواد والقوى الطبيعية ولذا أمر الله بإعداد النفس وتقويتها لمجاهدة عدوها المتربص بها ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوّة . . ) وتقوية النفس والقلب مقدّمٌ على تقوية الجسد والأعضاء وفي الحديث الصحيح عند مسلم أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " والأخذ بالأسباب المادية والتماسها مُعين على تقوية الجسد والشجاعة في قول الحق والثقة بالنفس وهو أبعد عن الأسقام والآلام وأبعد عن الشكوك والأوهام لأن الصحة الجسدية تعكس الصحة النفسية والفراغ والكسل يجلبان للعبد الإعتلال وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ " ولذا كان هناك رياضات يحث عليها الشرع الحنيف فمنها : السباحة والرمي وتأديب الفرس ويشملُ كل مركب يُركب عليه لقتال الأعداء وهو من أعمال القربات إذا نواها العبد ولذا أخرج النسائي في سننه والطبراني والبزار من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهوٌ أو سهو إلا أربع خصال : " مشي الرجل بين الغرضين وتأديبُه فرَسه وملاعبته أهله وتعليمه السباحة " والمقصود بالمشي بين الغرضين أي في الرمي فيمشي لكي يمرّن نفسه على القوة وإصابة الهدف وأما تأديب الفرس فهو إعدادها للقتال في سبيل الله وأما ملاعبة الرجل زوجته فهو لإذهاب الملل وإدخال السرور ولغرض الجماع وطلب الولد وأما السباحة ففيها إنقاذٌ للنفس من الغرق وإنقاذٌ للغير ومن يُعلم أحداً فإنه يُثاب ويؤجر على ذلك أجراً عظيماً وربما أنقذ من علّمته شخصاً آخر فلك أجرين بذلك أجرٌ لما علّمته وتشاركه في أجر نجاة الغريق .
عباد الله : اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بالخيل والفروسية كيف لا ؟! وهو القائل عليه الصلاة والسلام : " الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " وكان يُجري وأصحابُه الخيل وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أجرى النبي صلى الله عليه وسلّم ماضُمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى مالم يُضمّر من الثنية إلى مسجد بني زريق " قال ابن عمر : وكُنت فيمن أجرى . يقول سُفيان رحمه الله : " من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زُريق ميل " والخيل غير المضمّرة هي الخيل التي تُطعم حتى تسمن فلم تعتد العدو الطويل فناسب لها قِصَر المسافة ، وأما الخيل المضمّرة فهي الخيل المدربة التي لايضر بها العدو الطويل فناسب لها طول المسافة فكان عدوها بين الحفياء وثنية الوداع وأما الخيل التي لم تُضمّر فلما كانت تجْهدُ كان عدوها وجريُها مابين ثنية الوداع ومسجد بني زُريق وهي مسافة ميل واحد تقريباً كما أسلفنا .
عباد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يُمارس رياضة المصارعة لا لحظ من حظوظ الدنيا ولكن لدعوة الغير يقول ابن اسحاق : حدثني أبي إسحاق بن يسار قال : " كان رُكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبدمناف أشد قريش ، فخلا يوماً رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ( قبل الهجرة ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يارُكانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ؟ قال : إني لو أعلمُ أن الذي تقولَ حقاً لاتبعتك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفرايت إن صرعتُك ، أتعلم أن ما أقولُ حق ؟ قال : نعم ، قال : فقم حتى أصارعَك ، قال فقام إليه رُكانة يُصارعه ، فلمّا بطش به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أضجعه ، وهو لايملك من نفسه شيئاً ، ثم قال : عُد يامحمد فعاد فصرعه ، فقال : يامحمد والله إن هذا للعجب ، أتصرعني !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب من ذلك إن شئت أن أُريكَه ، إن اتقيت الله واتبعت أمري ، قال : ماهو ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ألا أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيَني ، قال : ادعُها ، فدعاها ، فاقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال لها : ارجعي إلى مكانِك ، فرجعت إلى مكانها ، قال : فذهب ركانة إلى قومه فقال : " يابني عبدمناف ، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فوالله ماعلمت أسحر منه قط " وأخبرهم بالذي راى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظروا كيف أن ذلك لم ينفعه في لحظتها ولم يُسلم ، فلما فُتحت مكة أسلم بعد ذلك ولا يستوي من أسلم قبل الفتح مع من أسلم بعده ، وصارع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابن ركانة يزيد وهو وأبوه لهم صحبة .
يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما : " جاء يزيد بن ركانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة من الغنم ، فقال : يامحمد ، هل لك أن تُصارعَني ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " وما تجعلُ لي إن صرعتك ؟ قال : مائة من الغنم ، فصارعه فصرعه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - ثم قال هل لك في العَود ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : وما تجعلُ لي ؟ قال : مائة أخرى ، فصارعه فصرعه - صلى الله عليه وسلم - وذكر الثالثة أنه صرعه - فقال : " ماوضع جنبي على الأرض أحدٌ قبلك وما كان أحدٌ أبغض إليّ منك وأنا أشهدُ أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله " فقام عنه صلى الله عليه وسلم وردّ عليه غنمه ، وفي رواية أن النبي َ صلى الله عليه وسلم قال له : " ماكنّا لنجمع عليك أن نصرَعُك ونُغرِمُك ، خذ غنمك " وما أراد النبي صلى الله عليه من مصارعته إلا الأخذ بيده لطريق التوحيد وإنقاذه من الشرك وما كان حينها ليتحقق إلا بهذه الطريقة وهذا السبيل ، فكان خيراً ليزيدٍ وحرر نفسه من قيد الشرك وأستنار بنور الله وبدعوة سيد المرسلين بعد أن كان في براثن المشركين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
============== الخطبة الثانية ==============
الحمد لله المحمود بكل لسان المتفضل على عباده بالخير والإحسان والصلاة والسلام على المبعوث للإنس والجان نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أفضل الصلوات والتسليم من الله الكريم المنان أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن كل رياضة تُلهي عن ذكر الله فهي محرمة ليست لذاتها وإنما بسبب أثرها وإلا فإن الرياضة في الأصل ، الأصل فيها الحل ، مالم ينص الشرع على حرمتها كمن يضع ذات الأرواح غرضاً ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليه أنه مرّ على فتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلمّا رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابنُ عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً .
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه المتفق عليه أيضاً قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصبَر البهائم " أي تُحبس للقتل وهذا دليل أن هذا الفعل كبيرة من كبائر الذنوب ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق ذكر أن من فعل ذلك ملعون - أجارنا الله وإياكم -
عباد الله : انتشر في الآونة الأخيرة وخصوصاً بين النساء نوعٌ من انواع الرياضة وتسمى تمارين الطاقة أو اليوغا أو تدريبات للعلاج بالطاقة الحيوية وكلها في الواقع مآلها إلى الإعراض عن دين الله والتعلق بالماديات وعلاج الروح بالتأمل والسكون وإضاعة العمر فيما لاجدوى منه وأصل البعض منهاغ مستمدٌ من الديانة البوذية أو الهندوسية وبعضها يؤدي في نهاية المطاف إلى التعلق بالشياطين وإلى الوقوع في السحر وهي تتدرج بالرجل أو المرأة حتى توقعه في مصيدة الدجل والشعوذة ، فالذين يروجون لمثل هذه الأشياء يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقد صُد كثير من هؤلاء المتعلقين بمثل هذه الرياضات الوثنية عن الصلاة وما فيها من راحة وأنس وانشراح فمثل هؤلاء كان الأجدر بهم أن يجدوا راحتهم في الصلاة وأكثر مايكون في وضعية السجود ، ولم يفهم الكثير من هؤلاء المتولّعين قولَ النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرحنا بها يابلال ) فمن لم يجد في الراحة والسكينة في صلاته فليُفتش عن السبب ، فما حُرم العبد ذلك إلا بذنبٍ أحدثه أو كان مُبتلى أو منشغلا عن خشوعه وطمأنينته في صلاته فاللهم أعنا على أنفسنا واجعل رضاكَ غايتُنا ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على خير البريّة وأزكى البشريّة محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق