السبت، 26 أغسطس 2023

خطبة عن وصف الجنة ونعيمها

الحمدلله الذي وعد عباده المتقين بدار النعيم وأوعد الفجار بدار الذل والجحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم نبينا محمدٍ الذي دل على صراط الله المستقيم وسبيله القويم وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فهي وصية الله للأولين والآخرين ( . . ولقد وصينا الذين من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات ومافي الأرض وكان الله غنياً حميدا ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

إخوة الإيمان : دار النعيم سلعةُ الله تعالى تكد لها النفوس وتجهد لها الأرواح لطلبها وهي غالية لاينالها إلا المتقون ولا يحوزها إلا المجاهدون لأنفسهم المتغلبون على هواهم أمر الله بالمسارعة لها حيث قال جل شأنه : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) وقال في سورة الحديد : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )   

عباد الله : وصف الله جلّ وعلا في كتابه أنواع النعيم وقسم الناس مع هذا النعيم إلى فئتين وهما : السابقون ، وأصحاب اليمين ، وذكر الله صنوف النعيم للسابقين فقال : ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون ، في جنات النعيم * ثلّةٌ من الأولين * وقليلٌ من الآخرين * على سررٍ موضونة * متكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكوابٍ وأباريق وكأس من معين * لايصدّعون عنها ولا ينزِفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاءً بما كانوا يعملون ) ونعيمهم هذا أفضل من أصحاب اليمين وأرفع درجة ومنزلة عند الله وذلك يتبين في معرفة نعيم أصحاب اليمين حيث قال الله فيهم جلا وعلا : ( وأصحاب اليمين ماأصحاب اليمين * في سدرٍ مخضود * وطلحٍ منضود * وظلٍ ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة لامقطوعة ولا ممنوعة * وفرشٍ مرفوعة * إنا أنشأناهن إنشاءً * فجعلناهن أبكاراً * عُرباً أتراباً * لأصحاب اليمين * ثلة من الأولين * وثلّة من الآخرين ) ومعنى السرر الموضونة : هي السرر المنسوجة بأفضل النسج ، والمقصود بقوله : " وكأس من معين " أي من نهر خمر جارية ظاهرة لاتضعف ولا تنقطع والخمر في الدنيا - أجاركم الله - فيها أربع آفات تصيب ابن آدم وهي ذهاب العقل والصُداع والقيء والبول ، وقد نزّه الله خمر الآخرة عن هذه الآفات ولذا قال جلّ وعلا : ( لايُصدّعون عنها ولا يُنزفون ) أي لايصيبهم الصداع ولا تنزف عقولهم أي تذهب ، والسدر المخضود الذي ذكره لأصحاب اليمين هو شجر النّبق المخضود الذي نُزع شوكه ، وجاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ماهي " قال : " السدر فإن له شوكاً مؤذياً " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أليس الله يقول : ( في سدرٍ مخضود ) خضد الله شوكَهُ فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها لتُنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ، مافيها لون يشبه الآخر " والطلح المنضود وهو فاكهة الموز المتراكب بعضه فوق بعض . 

عباد الله : يتبين الفرق بين النعيمين أن قرب السابقين من الله أكثر من غيرهم وكذلك أنهم قلّة في هذه الأمة وأكثر هذه الأمة من أصحاب اليمين ، وروي في حديث عن الحسن البصري مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سوّى بين أصحاب اليمين من الأمم السابقة وبين أصحاب اليمين من هذه الأمة وكان السابقون من الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وكذلك في ذات النعيم وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه عند قول الله تعالى : ( عيناً يشربُ بها المقربون ) شُرباً وتمزجُ لأصحاب اليمين مزجاً وكذلك في النساء فرقٌ بين أصحاب اليمين والسابقين ، فقال بعض المفسرين : إن الحور العين للسابقين ، والعُربُ الأتراب لأصحاب اليمين ، والعَروب من النساء المتحببة لزوجها والأتراب من النساء هنّ المتساويات في السن وروي في أثر عند قول الله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) قيل : " جنتان من ذهب للمقربين أو قال : للسابقين ، وجنتان من ورِق - وهي الفضة - لأصحاب اليمين وهذا يدلل على التفاضل الكبير بين السابقين وأصحاب اليمين . 
عباد الله : إن أفضل درجات الجنة  الفردوس ولذا أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح أن نسأل الله الفردوس في دعائنا فقال عليه الصلاة والسلام : " إذا سألتُم الله فاسألوه الفردوس فإنها وسط الجنة وأعلاها وفوقُها عرش الرحمن ومنها تفجير أنهار الجنة " وفي الحديث الآخر : " في الجنّة مائة درجة مابين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجّر أنهار الجنة الأربعة ، ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " أخرجه الترمذي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه . 
والله جل وعلا بين صفات من يرثون الفردوس كما في سورة المؤمنون فقال جل شأنه : ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانُهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلوتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فتفقد أخي نفسك في تلك الأوصاف وهي أوصاف أهل الفردوس وطبق تلك الأوصاف على نفسك فإن كنت من أهلها فأبشر وأحسن بقيّة عمُرك وسابق إلى الخيرات واستعن بالغدوة والروحة وشيء من الدُلْجة كقيام الليل ، وكما قال المصطفى عليه السلام : " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة " ومعنى قوله : " من خاف أدلج " أي سار في الليل وفي وقت هجوع الناس لكي لايُدركه قُطاع الطرق وهو كناية عن المبادرة لفعل الخير والسباق في العمل لئلا يفجع ابن آدم الموت ويفوته الكثير من الخير وربما تحيط به سيئاته فيكون من أهل النار وكل عمل صالح إذا تقرّب ابن آدم لربه به ، وأكثر منه أبعده ذلك عن مزالق الفتنة ومهاوي الردى . 
عباد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يشحذ همم أصحابه ويحثهم أن يشمّروا لجنة الرحمن وييبن شيئاً من صفتها فيقول كما عند ابن ماجة وابن حبان رحمهما الله قال عليه الصلاة والسلام : " ألا هل مشمرٌ للجنة ؟ فإن الجنة لاخطرَ لها ، هي ورب الكعبة ! نورٌ يتلألأ وريحانةٌ تهتز ، وقصرٌ مشيد ونهرٌ مطّرد ، وفاكهة كثيرةٌ نضيجة ، وزوجةٌ حسناء جميلة ، وحللٌ كثيرة في مقامٍ أبداً . في حَبْرَةٍ ونَضرَة . في دار عالية سليمةٍ بهيّة " قالوا : نحن المشمّرون لها يارسول الله ، قال : " قولوا : إن شاء الله  " فقالوا : " إن شاء الله " والحديث له روايات متعددة . 
جعلنا الله وإياكم منهم وعاملنا بلطفه وإحسانه وزرقنا الفرودس دارَ رضوانه أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
================= الخطبة الثانية ===================
الحمدلله المنّان ذو الفضل والإحسان والصلاة والسلام على النبي من نسل عدنان وعلى من تبعه إلى يوم الدين بإحسان ، أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الفوارق كثيرة بين هذه الدار الدنيوية ودار النعيم التي هي دار أخروية فما في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء ولذا يروي الإمام سفيان الثوري ابن عباس رضي الله عنهما عند قول الله تعالى : ( وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار كلما رُزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأوتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مطهرة وهم فيها خالدون ) قال : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء " وكذلك عند وروي عن يحي بن أبي كثير قال : " يُؤتى أحدهم بالصحفة من الشيء ، فيأكل منها ثمّ يُؤتى بأخرى ، فيقول : " هذا الذي أوتينا به من قبل " فتقول الملائكة : " كل فاللون واحد ، والطعمُ مختلف " .
وذُكر عند قول الله تعالى في وصف الجنة : ( . . تجري من تحتها الأنهار . . ) ماروي عن ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنها الجنّة تفجّرُ من تحت تلال المسك أو من تحت جبال المسك " . وروى الإمام احمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا يارسول الله إنا إذا رأيناك رقّت قلوبُنا وكنّا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتْنا الدُنيا وشممنا النساء والأولاد ، قال : " لو تكونون - أو قال - لو أنّكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم ، ولو لم تُذنبوا لجاء الله بقومٍ يُذنبون كي يغفر لهم ، قال : قلنا : يارسول الله ، حدثنا عن الجنّة : مابناؤها ؟ قال : لبنة ذهب ولبنة فضة ومِلاطها المسك الأذفر - أي ما اشتدت رائجته وراجت - وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتُرابها الزعفران ، من يدخُلُها ينعمُ ولا يبأس ويخلُدُ ولا يموت ، لاتبلى ثيابُه ولا يفنى شبابُه " وصحح الحديث جمعٌ من أهل العلم . 
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأعلم آخرأهل النار خروجاً ، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة ، رجلٌ يخرجُ من النار حبواً ، فيقول الله تبارك وتعالى له : اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيُخيّل إليه أنها ملأى ، فيرجع فيقول : يارب وجدُتها ملأى ، فيقول تبارك وتعلى به : اذهب فادخل الجنة ، قال : فيأتيها فيُخيّل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول : يارب وجدتُها ملأى فيقول الله له : اذهب فادخل الجنة ؛ فإن لك مثل الدنيا وعشرُ أمثالها أو إن لك عشر أمثال الدنيا ، قال فيقول : أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك " قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجده ، قال : فكان يقال : ذاك أدنى أهل الجنة منزلة . أخرجه البخاري ومسلم .  
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال جل شأنه : ( إن الله وملائكتَه يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . 

الأربعاء، 23 أغسطس 2023

خطبة عن الحرائق والنيران والبراكين والعقوبات المتعلقة بها .

الحمدلله ذو الفضل والمنة له الحمد تترى في الكتاب والسنة وخلق النار والجنّة والصلاة والسلام على المبعوث للخلق كافة من الناس والجِنّة ، أنذرهم ليرشدوا وأبان لهم ليقتدوا وجعلهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى من سلك سبيله وسار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فبالتقوى لمقام ربكم تخافون ولوعيده تتقون ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : النار - أجارنا الله وإياكم - خلقٌ من خلق الله عظيم حذر الله منها ومن أسباب ولوجها ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودُها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون ) وأخبر الله عنها بأنها يجاء بها يوم القيامة أمام الناس ينظرون إليها فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " رواه مسلم ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وبرّزت الجحيم للغاوين ) وعلى متن الصراط المنصوب عليها يمر الناس مسلمهم وكافرهم بحسب أعمالهم يقول الحق تبارك وتعالى : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثمّ نُنجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا ) ويقول في آية أخرى لبني اسرائيل : ( سأريكم دار الفاسقين ) وذلك ليعلم الناجي منها فضل ومنة الله عليه بالسلامة والعافية من شرّها وعذابها .

عباد الله : نار الدُنيا عذاب يسلطه الله على من يشاء من عباده ورحمة للمؤمنين من الخلق ونذير عقوبة وقعت أو ستقع حتى يلجأ العباد إلى ربهم ويتوبوا وينبوا لخالقهم وهي قارعةٌ يصيب بها ربنا جل وعلا أقواماً كفروا به وباليوم الآخر ( ولا يزال الذين كفروا تُصيبُهم بما صنعوا قارعةً أو تحلّ قريباً من ديارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لايُخلف الميعاد ) كما يحصل الآن في بعض الدول الأوروبية وجزر هاواي وغيرها ومما ذُكر عن هذه الجزر بأنها كانت أفضل وجهة سياحية للشواذ - أعزكم الله - ولكن الله عاجلهم ببعض عقوبة بسبب إظهارهم للفساد ونشر للرذيلة والعهر ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) مع أن هذه النار جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم " قيل : يارسول الله ، إن كانت لكافية ، قال : " فُضّلت عليهن بتسعة وستين جزءاً كلُّهن مثل حرّها " .

عباد الله : من حق عليه القول ممن يسمع وعيد الله جل وعلا وتحذيره ونذيره ولا يرجع عن غيّه ولا عن ضلاله مع عطاء الله له كلَّ وسائل الإنتفاع من السمع والبصر والقلب والعقل السالمان من العلل فمن عدل الله تعالى أن يُعذّبه ؛ لأنه في الحقيقة لم ينتفع بهذه الأعضاء ويعتقدُ أن الله خلقها عبثاً ( أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لاتُرجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) وكذلك كان الكثير من الخلق يُفكرون بالوجود إما عن سبيل الصدفة وإما أن يعيشون دورة حياة كما تعيش البهائم ، وإما أن بعضهم يعلمون ولكنهم معرضون شاكون مستبعدون للبعث والنشور ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لايعقلون بها ولهم أعينٌ لايُبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) .

عباد الله : وصف الله النار وما فيها بأبشع الأوصاف فمن ذلك قول الله تعالى : ( إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا ) وقال : ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم ) فالتغيظ : الغضب والحنق والإندفاع والزفير : الصوت الشديد والمهل : المعدن المذاب وفي الحديث الصحيح من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه : " إن الرجل ليُجرّ إلى النار فتشهق إليه شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لايبقى أحدٌ إلا خاف " . 
عباد الله : إن من حكمة الله تعالى أن جعل النار عذاباً لمن حق عليه القول لأن لهم قلوب لاتلين لذكره ولا تلين لآياته ولا يصهر الحديد ولا الشيء الصلب إلا النيران مع أن أخبر في كتابه أن من الحجارة لما يتشقق فيخرج منها الماء ومنها من يهبط من علو إلى أسفل من خشية الله تعالى ولكنَّ كثيراً من الناس لايتصدع ولا يلين فؤاده وقلبه ولا يخشى مقام ربه ولا يخاف من مكره وعقوبته واستدراجه وذلك من شقاوته وإعراضه ( . . فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلالٍ مبين ) وقساوة القلب وجفاء الطبع من عقوبات الله على ابن آدم المعرض المعاند نعوذ بالله من الخذلان ومن القسوة والغفلة والضلال عن الملّة ياذا الجلال والإكرام .. أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  .

=============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله ذي العزة والجلال والصلاة والسلام على الرسول والصحب والآل وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المصير والمآل أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واحذروا من الوقوع في أسباب سخطه وعقوبته ودار نقمته واطلبوا أسباب مرضاته والفوزَ بدار كرامته واعلموا أن الله يبعث من الآيات العظام مايخوّف به أهل النهى والأحلام ومن مظاهر قدرة الله وآياته وهي نوعٌ من أنواع النيران الظاهرة على الأرض تلك البراكين المنتثرة على وجه الأرض والتي تُبِين مافي بطنها وجوفها وتخرج من سجين التي فيها عذاب أهل الجحيم وأعمالهم السيئة في دار البرزخ إلى قيام الساعة ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ماسجين * كتابٌ مرقوم * ويلٌ يومئذٍ للمكذبين ) . 
هذه البراكين التي تخمَدُ وتثور بين الفينة والأخرى لهي من أعاجيب خلق الله والتي تُصيّر الحجارة الصلدة الجامدة سائلاً يتدفق ويندفع ويمشي على الأرض يراه الناس بأعينهم ولا يستطيعون القرب منه لشدة حرارته ، قد كان منها شيء في هذه القارة العربية ( جزيرة العرب ) وكان منها في بلدان أخرى ، ومن آخر ماوقع من ثوران هذه البراكين ماكان في جبل الملساء في حرّة رُهاط حيث ثار في عام 654 للهجرة في أواخر الدولة العباسية وسارت منه حمم بركانية سائحة لأكثر من عشرين كيلو متراً حتى توقف قبل المسجد النبوي بحوالي ثمانية كيلو مترات وقد سبق ذلك زلزالٌ شديد ووصف ثورانه جمعٌ من المؤرخين علماً أن بلاد الحجاز مليئة بمثل هذه البراكين ، وقد أشار بعض العلماء أن هذه النار هي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه حيث قال عليه الصلاة والسلام : " لاتقوم الساعة حتى تخرجَ نارٌ من الحجاز تُضيء أعناق الإبل ببُصرى " أي بُصرى الشام  وهي بلدةٌ اليوم في جنوب غرب سوريا . 
عباد الله : إن مثل هذه الأحداث يُذكر بالنار التي تخرج في آخر الزمان من اليمن وفي رواية من قعر عدن وفي رواية أخرى : من حضرموت تطرد الناس إلى محشرهم وهي أرض الشام وأن الناس حينها يُحشرون فمنهم الراغب ومنهم الراهب فاثنان على بعير وثلاثة على بعير وعشرةٌ على بعير وأن هذه النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيتُ معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتُمسي معهم حيث أمسوا ويُذكّر بتسجير البحار وأهوال يوم القيامة أجارنا الله وإياكم من شرّ أهوالها وجعلنا ممن لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون وإلى ربهم يرغبون ,غلى الخيرات يُسابقون . . ثم صلوا وسلموا على خير خير عباد الله محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز شأنه : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عيله وسلّموا تسليما ) . 

الخميس، 10 أغسطس 2023

خطبة مختصرة عن الهجرة النبوية

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي اصطفاه ربه واجتباه وما قبضه حتى أقام به الملة العوجاء وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وأصلح به الفساد وسائر الأمور صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وعلينا معهم إلى يوم النشور وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : كان المسلمون في صدر الإسلام حين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يُمتحنون في دينهم ويفتنون والبعض منهم يُعذبون ليرجعوا عن دينهم ، ليرجعوا إلى الوثنية بعد الحنيفية وإلى الضلال بعد الهداية ، ثم إن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة بعدما زاد أذى كفار قريش للنبي صلى الله عليه وأصحابه فخرج ومعه صديق هذه الأمة مهاجرَين مستخفِيَيَن ، فلمّا علمت قريش بذلك رصدت مائة من الإبل كجائزة لمن يأتي بهما حيين أو ميتين ، وما كان الله ليُمكن أحداً من ذلك ، فطمع سُراقة بن مالك رضي الله عنه قبل إسلامه أن يظفر بهذه الجائزة فلحقهما بفرسه ، فلمّا رآه أبو بكر رضي الله عنه قال : " الطلب وراءنا يارسول الله " قال : " لاتخف " ، قال أبوبكر : " الطلبُ قاب قوسين " فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم اكفنيه بما شئت " يقول أهل السير : فغاصت قوائم فرسه الأربع في الأرض ، وكانت أرض صلبة وليست رملية ، ولاطيناً تلزق ولا ماء بل قاعدة صلبة جامدة ، فإذا بها تتفتح لقوائم الفرس وتنزل قوائم الفرس إلى الأسفل ، وفي بعض الروايات الأخرى فعَثرت به فرسُه فسقط عنها ، وما كان من خلُقِها ، وفي بعض الروايات : أخذ الأقداح وعمل القُرعة قبل ذلك والأقداح هي الأزلام المنهي عن استعمالها وكتب على بعضها تضره وبعضها لاتضره فخرج أربع مرات لاتضره وذلك من تقدير الله وحفظه لنبيه ولا يعني جواز استعمالها ولكن لكي تكون حجة على سُراقة فلم يقبل لأنه طمع بالإبل ، وبعدما دعا الله نبينا عليه ورأى مابه نادى سُراقة النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يدعو ربه لكي يُنجيه مما هو فيه فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وعرف سُراقة بن مالك أن هذا من تدبير الله لحفظ نبيه فآمن به وعرض عليهما الزاد فلم يقبلاه وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحال بأنه سيلبس سواري كسرى وهذه آية عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم تحققت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي دعاه لما فُتحت المدائن وألبسه إياهما ، فانظروا إلى هذه النفس العظيمة يخرج عليه الصلاة والسلام مُطارداً مطلوباً وهو مع ذلك يُبشّر ويدعو لدين الله وهو في تلك الظروف العصيبة وتلك نفوس الكبار ، ولمّا وصل المدينة عليه الصلاة والسلام فرح بذلك المسلمون وكانوا ينتظرون قدومه عليه الصلاة والسلام لأن من الأنصار من آمن به قبل الهجرة وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوا كان بهم خصاصة ومن يوق شُح نفسه فأولئك هم المفلحون ) فأقام صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية الأولى ووطد أركانها وما زال المسلمون في مكة يُعانون من أذى كفار قريش فجاء الفرج من الله ونزلت أول آية في النُصرة والقتال في سبيل الله وهي قول الله تعالى في سورة الحج : ( أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبِيَع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرَنَّ الله من ينصرُه إن الله لقوي عزيز )  فعرف أبو بكر رضي الله عنه أنه سيكون قتال فكانت الهجرة باب فتح ونصر للإسلام والمسلمين وكانت فرجاً للمظلومين من المسلمين ومن مُنع من الهجرة ولما جاءت غزوة بدر فرق الله بها بين جند الحق والباطل وأوقع رجزه على الذين كفروا وكل ذلك اجتماع المسلمين على نبيه بعد الهجرة ولهذا أوجب الله الهجرة على كل مستطيع من الرجال أو النساء وأوعد من لم يُهاجر قبل الموت من بلاد الكفار بالعذاب الأليم حيث قال جلا وعلا : ( إن الذين تتوافهم الملائكة ظالمي أنفُسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتُهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لايستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم وكان الله عفواً غفوراً ) والهجرة خيرٌ من الإقامة في دار الذلة والهوان ووعد الله من يهاجر في سبيله وفراراً بدينه وإن كانت هي أرضه في الأصل أن يعوّضَه خيرا وإن مات في الطريق فأجره على الله وله من الثواب اجزله وفي ذلك يقول ربُنا جلّ جلاله : ( ومن يُهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى ورسوله ثم يُدركه الموت فقد وقع أجره وكان الله غفوراً رحيما ) ومعنى قوله : " مُراغماً " أي : مُتحوّلاً وأرضاً يقرّ فيها ويتحول لها عما يكره . 
عباد الله : المهاجر أفضل من غيره وأرفع درجة عند الله ولهذا لايتساوى المهاجرون والأنصار في الفضل والدرجة وفقراء المهاجرين هم أول من يدخل الجنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه أن يكتب لهم تمام الهجرة وأن يثبتوا ففي صحيح البخاري من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم " يقول سعد : " لكن البائس سعد بن خولة رثى له النبي صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة " وكان جل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هاجروا غير سعدُ بن خولة . 
عباد الله : مما يدلل على وجوب الهجرة إلى بلاد الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن يُقيم بين ظهراني المشركين ، ففي حديث جرير بن عبدالله البجلي الذي أخرجه أبوداود والترمذي في سننِهما قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة إلى خثعم فاعتصم ناسٌ منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل ، قال : فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : " أنا بريء من كل مسلم يُقيم بين أظهر المشركين " قالوا : " يارسول الله لم ؟ قال : " لاتراءى ناراهما " أي تتباعدان ولا تتقاربان فلا يرى أحدهما الآخر ولا يجتمعان في مكان واحد بل يفترقان وفي حديث جرير أيضاً عند النسائي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " بايعني واشترط " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعبدُ الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتُفارق المشركين " وقال صلى الله عليه وسلم : " لايقبل الله عز وجل من مشرك عملاً بعدما أسلم أو يُفارق المشركين " وفي حديث آخر : " لايقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يُفارق المشركين " وهذا الحديث في حق من ارتد ثم أراد أن يُسلم وعلى وجه العموم ، فإن البقاء في بلاد اليهود والنصارى فيه خطرٌ عظيم على دين العبد وذريته حيث أن الخطورة تكمن في اختلاف الدين في المستقبل وذلك بسبب تأثر من يُقيم في أرض الشرك أو أرض اليهود والنصارى فالمجتمع يؤثر في دين الأفراد ولا يصمد الكثير من الأفراد بسبب ضغط المجتمع وتأثيره عليهم في اعتقادهم وسلوكهم وإن كانوا من أهل الإيمان فإذا كان الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام وهو نبي شرّفه الله بالرسالة وكمال الدين على الخلق يقول له : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركنُ إليهم شيئاً قليلا ) فكيف بمن دونه من الخلق ، جنبنا الله وإياكم مضلات الفتن ماظهر منها وما بطن أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
=============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله ذو المحامد والقول المبين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن في الهجرة منافع شتى لكافة أفراد الأمة فبه صلاح دينهم ودنياهم وبه أمان مستقبل أولادهم وحفظ دين الذريّة وبها يتحصل العبد على أعلى المنازل في دار النعيم ، ولذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لولا الهجرة لكُنتُ امرأً من الأنصار " وهذا يدلل على أن المهاجر المناصر لدين الله أفضل من غيره ممن يملك النصرة لدين الله فقط وكذلك كان الفرق بين المهاجرين والأنصار ، والهجرة فيها فراق للبلاد لوجه الله تعالى وبعدٌ عن مراتع الصبا ومكان العيش الأول ففيها مشقة على النفس وهي من جهاد النفس طلباً لرضا الرب سبحانه . 
عباد الله : إن وقت الهجرة النبوية من مكة للمدينة ليس كما يظن البعض أنه في أول السنة الهجرية أي في محرم وإنما هو في شهر صفر وبالتحديد كما ذكر ابن اسحاق في كتابه ( السيرة النبوية ) في السابع والعشرين منه وما وصل إلى المدينة إلا في الثاني عشر من شهر ربيع الأول الهجرة النبوية ولكن عمر بن الخطاب جعل بداية السنة الهجرية من شهر الله المحرم ، وإن في الهجرة لدروس وعبر نلخص شيئاً منها في مايلي : 
فمنها استحضار النيّة التي هي مدار الأعمال ولذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبُها أو امرأة يتزوجها فهجرتُه إلى ماهاجر إليه " . 
ومنها التضحية بمفارقة الأوطان طلباً لرضا الرحمن ولذا عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة توجه إليها وقال : " والله إنك لأحب البلاد إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني ماخرجت " وما كان من تضحية أبي بكر بماله في سبيل الله وخدمة لنبي الله عليه الصلاة والسلام ، وكذلك الفداء الذي يتفانى فيه الصحابة رضوان الله عليهم وما كان من علي رضي الله عنه حيث نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة تعمية على المشركين ، ومنها الصبر في سبيل الله الذي يتجلى في كامل قصة الهجرة وكذلك التخطيط للرحلة وخداع المشركين الذي يريدون إيقاع الأذى بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وصاحبُه رضي الله عنه وذلك في نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وخروج النبي ليلاً جهة الجنوب لغار ثور على غير العادة واختبائه فيه ثلاثة أيام قبل بدء الهجرة تعمية لخبره على المشركين وكذلك من الدروس حسن الظن بالله والثقة به واليقين والتوكل عليه وترك اليأس والعمل بلا ملل وبجد وهمة بلا عجز ولا توانٍ ولا كسل مع حسن الفأل وعدم الإستكانة والضعف بسبب الظروف المحيطة وغير ذلك من العبر ، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز جلاله وكمُلت صفاته وأفضالُه : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

خطبة عن الألعاب الرياضية والسباقات

 الحمدلله الذي لم يخلق سدى وبصرهم بطرق الخير والردى والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والهدى عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم من الجواد الرحيم أما بعد : 

 فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الرياضة والمسابقات والسباقات بشكل عام لها ترويحٌ للنفس واستجمام وإذهابٌ للملل وتُعالج كثيراً من الأمراض النفسية والجسدية وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يمارسون بعضاً منها كرياضة الفروسية والرمي بالنبل وكان يُجري الخيل من تجهيزها لقتال الأعداء ولكن الكثير يجهلون عن أحكام هذه السباقات وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاسَبَقَ إلا في خف أو نصل أو حافر " أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي وأحمد والسَبَق هو العوض بفتح الباء وأما بسكونها فالمقصود به المسابقة وقد ذكر الفقهاء وشرّاح الحديث أن المسابقات التي بعوض تكون في هذه الثلاثة وهي في سباق الإبل والرمي والخيل فالخف في الحديث المقصود به خف الإبل وهو كناية عن المسابقة بها والنصل هو رأس السهم الحاد وهو كناية عن الرمي والحافر المقصود به سباق الخيل وذكر أهل العلم العلّة في جواز ورصد العِوض في هذه الرياضات الثلاثة وقالوا : أنها سبيل لتدريب النفوس والدواب على الجهاد في سبيل الله والإستعداد لقتال الأعداء بناءاً على قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لاتُظلمون ) . . . يتبع 



خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...