فاتقوا الله - عباد الله - فبالتقوى لمقام ربكم تخافون ولوعيده تتقون ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : النار - أجارنا الله وإياكم - خلقٌ من خلق الله عظيم حذر الله منها ومن أسباب ولوجها ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً وقودُها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون ) وأخبر الله عنها بأنها يجاء بها يوم القيامة أمام الناس ينظرون إليها فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " رواه مسلم ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وبرّزت الجحيم للغاوين ) وعلى متن الصراط المنصوب عليها يمر الناس مسلمهم وكافرهم بحسب أعمالهم يقول الحق تبارك وتعالى : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثمّ نُنجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا ) ويقول في آية أخرى لبني اسرائيل : ( سأريكم دار الفاسقين ) وذلك ليعلم الناجي منها فضل ومنة الله عليه بالسلامة والعافية من شرّها وعذابها .
عباد الله : نار الدُنيا عذاب يسلطه الله على من يشاء من عباده ورحمة للمؤمنين من الخلق ونذير عقوبة وقعت أو ستقع حتى يلجأ العباد إلى ربهم ويتوبوا وينبوا لخالقهم وهي قارعةٌ يصيب بها ربنا جل وعلا أقواماً كفروا به وباليوم الآخر ( ولا يزال الذين كفروا تُصيبُهم بما صنعوا قارعةً أو تحلّ قريباً من ديارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لايُخلف الميعاد ) كما يحصل الآن في بعض الدول الأوروبية وجزر هاواي وغيرها ومما ذُكر عن هذه الجزر بأنها كانت أفضل وجهة سياحية للشواذ - أعزكم الله - ولكن الله عاجلهم ببعض عقوبة بسبب إظهارهم للفساد ونشر للرذيلة والعهر ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) مع أن هذه النار جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم " قيل : يارسول الله ، إن كانت لكافية ، قال : " فُضّلت عليهن بتسعة وستين جزءاً كلُّهن مثل حرّها " .
عباد الله : من حق عليه القول ممن يسمع وعيد الله جل وعلا وتحذيره ونذيره ولا يرجع عن غيّه ولا عن ضلاله مع عطاء الله له كلَّ وسائل الإنتفاع من السمع والبصر والقلب والعقل السالمان من العلل فمن عدل الله تعالى أن يُعذّبه ؛ لأنه في الحقيقة لم ينتفع بهذه الأعضاء ويعتقدُ أن الله خلقها عبثاً ( أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لاتُرجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) وكذلك كان الكثير من الخلق يُفكرون بالوجود إما عن سبيل الصدفة وإما أن يعيشون دورة حياة كما تعيش البهائم ، وإما أن بعضهم يعلمون ولكنهم معرضون شاكون مستبعدون للبعث والنشور ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لايعقلون بها ولهم أعينٌ لايُبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) .
عباد الله : وصف الله النار وما فيها بأبشع الأوصاف فمن ذلك قول الله تعالى : ( إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا ) وقال : ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم ) فالتغيظ : الغضب والحنق والإندفاع والزفير : الصوت الشديد والمهل : المعدن المذاب وفي الحديث الصحيح من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه : " إن الرجل ليُجرّ إلى النار فتشهق إليه شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لايبقى أحدٌ إلا خاف " .
عباد الله : إن من حكمة الله تعالى أن جعل النار عذاباً لمن حق عليه القول لأن لهم قلوب لاتلين لذكره ولا تلين لآياته ولا يصهر الحديد ولا الشيء الصلب إلا النيران مع أن أخبر في كتابه أن من الحجارة لما يتشقق فيخرج منها الماء ومنها من يهبط من علو إلى أسفل من خشية الله تعالى ولكنَّ كثيراً من الناس لايتصدع ولا يلين فؤاده وقلبه ولا يخشى مقام ربه ولا يخاف من مكره وعقوبته واستدراجه وذلك من شقاوته وإعراضه ( . . فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلالٍ مبين ) وقساوة القلب وجفاء الطبع من عقوبات الله على ابن آدم المعرض المعاند نعوذ بالله من الخذلان ومن القسوة والغفلة والضلال عن الملّة ياذا الجلال والإكرام .. أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله ذي العزة والجلال والصلاة والسلام على الرسول والصحب والآل وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المصير والمآل أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واحذروا من الوقوع في أسباب سخطه وعقوبته ودار نقمته واطلبوا أسباب مرضاته والفوزَ بدار كرامته واعلموا أن الله يبعث من الآيات العظام مايخوّف به أهل النهى والأحلام ومن مظاهر قدرة الله وآياته وهي نوعٌ من أنواع النيران الظاهرة على الأرض تلك البراكين المنتثرة على وجه الأرض والتي تُبِين مافي بطنها وجوفها وتخرج من سجين التي فيها عذاب أهل الجحيم وأعمالهم السيئة في دار البرزخ إلى قيام الساعة ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ماسجين * كتابٌ مرقوم * ويلٌ يومئذٍ للمكذبين ) .
هذه البراكين التي تخمَدُ وتثور بين الفينة والأخرى لهي من أعاجيب خلق الله والتي تُصيّر الحجارة الصلدة الجامدة سائلاً يتدفق ويندفع ويمشي على الأرض يراه الناس بأعينهم ولا يستطيعون القرب منه لشدة حرارته ، قد كان منها شيء في هذه القارة العربية ( جزيرة العرب ) وكان منها في بلدان أخرى ، ومن آخر ماوقع من ثوران هذه البراكين ماكان في جبل الملساء في حرّة رُهاط حيث ثار في عام 654 للهجرة في أواخر الدولة العباسية وسارت منه حمم بركانية سائحة لأكثر من عشرين كيلو متراً حتى توقف قبل المسجد النبوي بحوالي ثمانية كيلو مترات وقد سبق ذلك زلزالٌ شديد ووصف ثورانه جمعٌ من المؤرخين علماً أن بلاد الحجاز مليئة بمثل هذه البراكين ، وقد أشار بعض العلماء أن هذه النار هي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه حيث قال عليه الصلاة والسلام : " لاتقوم الساعة حتى تخرجَ نارٌ من الحجاز تُضيء أعناق الإبل ببُصرى " أي بُصرى الشام وهي بلدةٌ اليوم في جنوب غرب سوريا .
عباد الله : إن مثل هذه الأحداث يُذكر بالنار التي تخرج في آخر الزمان من اليمن وفي رواية من قعر عدن وفي رواية أخرى : من حضرموت تطرد الناس إلى محشرهم وهي أرض الشام وأن الناس حينها يُحشرون فمنهم الراغب ومنهم الراهب فاثنان على بعير وثلاثة على بعير وعشرةٌ على بعير وأن هذه النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيتُ معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتُمسي معهم حيث أمسوا ويُذكّر بتسجير البحار وأهوال يوم القيامة أجارنا الله وإياكم من شرّ أهوالها وجعلنا ممن لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون وإلى ربهم يرغبون ,غلى الخيرات يُسابقون . . ثم صلوا وسلموا على خير خير عباد الله محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز شأنه : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عيله وسلّموا تسليما ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق