إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين . .
"ولله مافي السماوات ومافي الأرض ولقد وصينا الذين من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميدا " عباد الله : يقول نبينا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم وعند الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يُمسي الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويسمي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا " ومن هذا الحديث نعلمُ أن المبادرة بالأعمال الصالحة يقي من الفتن بإذن الله مع الدعاء بأن يدفعها الرب جل جلاله وأن الحبيب عليه الصلاة والسلام حث على البدار بالأعمال الصالحة والتزود من الخير قبل أن ينشغل الرجل بشيء من أمور الفتنة حين تقع وأن مثل هذه الفتن تُلهي عن الإستزادة من القربات لله تعالى ، يقول النووي رحمه الله وهو شارح لصحيح مسلم : الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والإشتغال عنها - أي عن الأعمال الصالحة - بما يحدث من الفتن الشاغلة والمتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم .
وذات مرة عليه الصلاة والسلام أشرف على أطم من آطام المدينة فقال : هل ترون ماأرى إني لأرى مواقع الفتن حول بيوتكم كمواقع القطر " رواه مسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه ، وهذا في مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام فكيف بغيرها من الديار والأقطار .
والفتن كثيرة لاحصر لها ولكن القول في ذلك والمخرج كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولا سبيل ولاطريق للنجاة إلا بهما وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالموعظة والقول الحسن والنصح لولي الأمر وإبراء الذمة في ذلك وإن لم يستطع المسلم ذلك فلا أقل أن ينكر بقلبه وهو أضعف الإيمان ، ثم إن الإنكار بالقلب هو أول مايعمله المسلم ليسلم له قلبه من الزيغ والإنحراف في ذلك فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن ذلك أنه قال : " تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأيما قلب أُشربَها نُكت في قبله نكتة سوداء ، وأيما قلب أنكرها نُكت في قلبه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين : أبيض مثل الصفا لاتضره فتنة مادامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا - أي شديد السواد - كالكوز مجخياً - أي كالكأس المقلوب لايعرف معروفاً ولا يُنكر منكراً إلا ماأشرب من هواه " متفق عليه من حديث حذيفة رضي الله عنه .
وهذا فيه ترهيب من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا بد من التفاؤل في هذا الشأن والقيام بما أوجب الله على المرء فعلُه من عملية الإصلاح والنصح يقول صلى الله عليه وسلم : " طوبى للغرباء " قيل وما الغرباء يارسول الله قال : " الذين يُصلحون ماأفسد الناس أو الذين يَصلحون إذا فسد الناس " ولا شك أن اجتماع الصلاح والإصلاح في الشخص هو غاية الكمال في الإيمان وصاحبه يرتقي في منازل الآخره بصبره على أذية الناس ونصحه لهم والوقوف معهم في عُسرهم ويُسرهم وبؤسهم ورخاءهم ، وكما ورد في الحديث : أن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لايُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " .
ولا تحقرن كلمات تؤديها نصيحة لوجه الله تعالى بصدق ويقين فكلمات قليلة لو وافقت قلباً غافلاً لنفعته .
فهذا التابعي الجليل الربيع بن خُثيم رضي الله عنه فقد
أراد بعض أهل الكوفة أن يُضلوه فبعثوا له امرأة بارعة الجمال يريدون أن تُضله وأعطوها ألف دينار على أن تُوقعه فتعرضت له وهو خارج من المسجد متبرجة متعطرة سافرة عن وجهها فلما رآها راعه أمرها وقال : " ياأمة الله ياأمة الله كيف بك لو نزلت الحمى فغيرت ملامح وجهك وبهتجك ، أم كيف بك لو نزل ملك الموت ليقبض روحك ، أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ، أم كيف بك لو وقفت بين الرب العظيم ، أم كيف بك حين تُرمَين في الجحيم " فصرخت المرأة وغشي عُليها ثم تابت وأصبحت بعد ذلك تُلقب عابدة الكوفة وقيل أنها كانت كأنها جذم محترق من كثرة عبادتها ، فسبحان من يهدي من يشاء بكلمات ويُضل من يشاء بألفاظ وعبارات . . وإن العبادة في زمن الفتنة كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث معقل بن يسار : " العبادة في الهرج كهجرة إلي " وهو في الواقع كأنه يُشير إلى قوله في الأول : " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المُظلم . . " ولا يأس ولا حزن ولا تواكل في كل أمر هام يحتاج منك أن تقوم به بنفسك فيما يخص دينك والإستبشار أمر مطلوب ومطلب مرغوب لتقوى العزائم ويذهب الهوان والذل والعجز والتقصير ، والحذر من الجلوس مع المثبطين والمرجفين والناعين لحال الأمة ومما قاله شيخ الإسلام في هذا الشأن كما ورد في الفتاوى 18 / 295 عنه أنه قال رحمه الله تعالى : " وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكلّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهي عن هذا ، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأن العاقبة للتقوى وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر إن وعد الله حق وليستغفر لذنبه وليسبّح بحمد ربه بالعشي والإبكار " انتهى كلامه ، ثم اعلم أن النتائج بيد الله تعالى ولست مُوكل ولا موكّل بمتابعتها ، بل كل ماعليك فعله هو بذل الأسباب وحث الناس من الغرباء والأصحاب على سلوك الطريق القويم والنهج السليم فلعل الله أن يلطف بنا ويجمع الشمل ويدفع البلاء ومكر الأعداء وسوء القضاء إنه على ذلك قدير مجيب وبالإجابه جدير قريب . بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إنه كان غفارا .
فهذا التابعي الجليل الربيع بن خُثيم رضي الله عنه فقد
أراد بعض أهل الكوفة أن يُضلوه فبعثوا له امرأة بارعة الجمال يريدون أن تُضله وأعطوها ألف دينار على أن تُوقعه فتعرضت له وهو خارج من المسجد متبرجة متعطرة سافرة عن وجهها فلما رآها راعه أمرها وقال : " ياأمة الله ياأمة الله كيف بك لو نزلت الحمى فغيرت ملامح وجهك وبهتجك ، أم كيف بك لو نزل ملك الموت ليقبض روحك ، أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ، أم كيف بك لو وقفت بين الرب العظيم ، أم كيف بك حين تُرمَين في الجحيم " فصرخت المرأة وغشي عُليها ثم تابت وأصبحت بعد ذلك تُلقب عابدة الكوفة وقيل أنها كانت كأنها جذم محترق من كثرة عبادتها ، فسبحان من يهدي من يشاء بكلمات ويُضل من يشاء بألفاظ وعبارات . . وإن العبادة في زمن الفتنة كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث معقل بن يسار : " العبادة في الهرج كهجرة إلي " وهو في الواقع كأنه يُشير إلى قوله في الأول : " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المُظلم . . " ولا يأس ولا حزن ولا تواكل في كل أمر هام يحتاج منك أن تقوم به بنفسك فيما يخص دينك والإستبشار أمر مطلوب ومطلب مرغوب لتقوى العزائم ويذهب الهوان والذل والعجز والتقصير ، والحذر من الجلوس مع المثبطين والمرجفين والناعين لحال الأمة ومما قاله شيخ الإسلام في هذا الشأن كما ورد في الفتاوى 18 / 295 عنه أنه قال رحمه الله تعالى : " وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكلّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهي عن هذا ، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأن العاقبة للتقوى وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر إن وعد الله حق وليستغفر لذنبه وليسبّح بحمد ربه بالعشي والإبكار " انتهى كلامه ، ثم اعلم أن النتائج بيد الله تعالى ولست مُوكل ولا موكّل بمتابعتها ، بل كل ماعليك فعله هو بذل الأسباب وحث الناس من الغرباء والأصحاب على سلوك الطريق القويم والنهج السليم فلعل الله أن يلطف بنا ويجمع الشمل ويدفع البلاء ومكر الأعداء وسوء القضاء إنه على ذلك قدير مجيب وبالإجابه جدير قريب . بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إنه كان غفارا .
============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله كما ينبغي أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبّد أما بعد :
يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " من كان منكم مستنـّـاً فليستن بمن قد مات فإن الحي لاتؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هذه الأمه : أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم قدرهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الصراط المستقيم " وأرد هذا ابن عبدالبر رحمه الله في جامع العلم وفضله وأورد مثله أبو نُعيم في حلية الأولياء .
إن اتباع منهج السلف الصالح وتتبع أخبارهم وآثارهم له دور عظيم في الثبات أمام الفتن والبلايا والصبر على المصائب حتى الممات وذلك أن المسلم يتذكر حين يبتلى أنموذجاً من هؤلاء القُدوات ويستعرض ماابتُلي به ومن ثم يطبقه على نفسه فيتعلم من أولئك الصحابة أو أولئك التابعين الصبر والثبات والعزم والحزم على سلوك الجادة الموصلة لرضوان الله تعالى ومواجهة الأخطار والفتن بقلب شجاع ونفس صابرة تحتمل كل مشقة حتى تصل بصبرها وعزيمتها وثباتها واستقامتها مهما كانت المُغريات غايةَ المُنى فتفوزَ بأفضل المنازل الرفيعة في جنة عالية قطوفها دانية ، وبعد هذا يزول العنا ويُقال : " كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية " . يقول الحق تبارك وتعالى : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون "
ولا بد لهذا الفوز من سبُل تسلك ومسلكٌ يتجرد صاحبه لطلب الحق ومن أجل ذلك يجب ويلزم اجتناب الأهواء بشتى طرقها صغيرها وكبيرها وخفيها وظاهرها والهوى يهوي بصاحبه إلى أدنى المنازل وحضيض الدرجات " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون * إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين " .
اللهم اجعلنا من أولياءك المتقين وحزبك المفلحين ومن عبادك الصالحين المُنيبين المخبتين لك يارب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق