الاثنين، 17 يونيو 2019

خطبة عن الحفاظ عى النعمة وأثر ذلك

الحمدلله الذي امتن على عباده بالنعم وصرف عنهم الشرور والنِقم ، أحمده وهو الجواد الحكم وأثني عليه وهو أهل الثناء والكرم وأصلي وأسلم على المبعوث بالقول البيّن وجوامع الكلم وعلى آله وصحبه مصابيح الظُلم وأهل المناقب والقيم وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ومن سلك سبيل المؤمنين أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى يُنال المقصود ويستردّ كل خير مفقود ويرضى رب الوجود ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب . .) ثمّ اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتُها وكلّ محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : نعم الله علينا عظيمة كثيرةٌ تزداد حيناً وتقلّ حيناً آخر والفضل كلّه لله في ذلك ، يقول الحقّ تبارك وتعالى : [ وإن تعدوا نعمة الله لاتُحصوها إن الله لغفور رحين  ] وقال سبحانه : [ وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار ] .
فانظر كيف نسب لنفسه المغفرة والرحمة والإنعام بالتفضل على بني البشر بمغفرة ذنوبهم وسترها ورحمتهم وإدرار الرزق لهم ونسب للإنسان الكفر بالنعمة والظلم والطغيان لأنه في الغالب كذلك إلا من رحم الله وتأمل كيف أفرد الظلم وأتى بصيغة المبالغة التي تدل على كثرة الفعل في قوله " كفّار " لأن الإنسان يُكثر الكفر بالنعمة وسريعاً ماينساها خلا عباد الله المؤمنين الذين يديمون الشكر والثناء والحمد لله في العسر واليسر وهذه وقفة مع هذه الآية العظيمة التي فيها يقول ربنا جلا جلاله :

(( ألم تروا أن الله سخر لكم مافي السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يُجادل في الله بغير ولا هدىً ولا كتاب منير )) .

أخي المبارك : تأمل قول الله تعالى : " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " كيف أن الله استخدم كلمة " أسبغ " التي تدل على الكمال والتمام فنعم الله كثيرة وكبيرة ومتعددة ووافرة منها الظاهر الذي يراه الإنسان ويسمعه ويحسه ويلمسه ومن النعم ماهو باطن لايعرفه ابن آدم إلا إذا فقده وعدِمه وذُكّر به وهذا من فضل الله ورحمة أن لايُحاسب الإنسان على مجموع نعمه كلها بل على الظاهر البيّن  مع حلمه أيضاً في الظاهر منها فاللهم لانُحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك .

عباد الله : إن من أعظم نعم الله الظاهرة التي تستوجب الشكر السمع والبصر والحياة والهداية والعلم والرزق بما في ذلك توافر المال والأزواج والأولاد والليل والنهار والمسكن والملبس والمركب وفي ذلك كلّه يقول المُنعم الرحيم والرب الكريم : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) ويقول في الهداية : ( أومن كان ميتاً فاحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثلُه في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُين للكافرين ماكانوا يعملون ) وقال في العلم : ( ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون ) وقال في الرزق : ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركاءكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يُشركون ) وقال في الأزواج والأولاد : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) وقال في نعمة الليل والنهار : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من رحمته ولعلكم تشكرون ) وقال في المساكن والبيوت : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين ) وقال في الملبس والرداء : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون ) وقال في المراكب القديمة والحديثة : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالاتعلمون ) فتأمل كيف قال سبحانه ( ويخلق مالاتعلمون ) فهي شاملة لجميع المراكب الحديثة من سيارات وقطارات وطائرات وباخرات صغيرها وكبيرها وقديمها وحديثها وما فرّط سبحانه في الكتاب من شيء جل جلاله وتقدست اقواله وعظـُم في الناس نواله وعطاياه وهباته فهل من شكرٍ وحمد وثناءٍ على الله بما هو أهله ؟ 

فالحمد لله حمداً لو حمدناهُ 

بدهرنا كلّه ماقد وفينـــاهُ 
حمداً يُضاهي كثيراً من عطاياهُ
مدى الحياةِ لذي الأفضال والمنّة 
فنحمد الرب أولانا وأعطانا 
ونحمد الرب أعلانا وأسدانا 
ونحمد الرب إيماناً وإحسانا
ونسأل الله رضواناً مع الجنـــــــة 

عباد الله : إن مما يتوجب على العباد المحافظة على مثل هذه النعم العظيمة التي تزيد بالشكر وتقل بالتبذير والإسراف يقول سبحانه : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتُم إن عذابي لشديد ) وحذر في المُقابل - ياعباد الله - من الإسراف والتبذير الذي يجرّ إلى النقص في الأرزاق والنعم فقال موجهاً نبيه وأمته ( وآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) وتأمل كيف قرن حق القريب الذي اعتاد الناس عليه في إكرامه بالولائم المناسبة مع البذخ من بعضهم في الولائم التي يُقدمونها بغير حق وهي أكثر من اللازم المتوجّب الذي أدخل البعض في دائرة الإسراف والتبذير والذين استحقوا بالتالي أخوة الشيطان لاولاية الرحمن بفعلهم المشين والمقصود من ذلك كلّه أن تُستصحب خشية الله في تقدير تلك الولائم المُقدّمة للضيوف عموماً بغير إسراف ولا زيادة فاحشة ولا تبذير .

عباد الله : من قُدّر عليه أن ابتُلي بمثل ذلك حين إعداد تلك الولائم  فعليه أن يحذر من إلقاء تلك الأطعمة في المزابل القريبة أو البعيدة وعليه أن يتصل بجمعية حفظ النعمة أو جمعية إطعام والمنتشرة في مناطق المملكة كلها بل وفي كل مدينة  وليبادر لذلك بلا تردد خصوصاً أن تحركهم لتلقي مثل هذه الأنعام وهذه الأطعمة فوري ولله الحمد فكل ماعليك أن تحفظ رقمهم في جوالك إذا كنت عاجزاً عن تهيئة مثل هذه الأطعمة وتغليفها لإعطائها للفقراء والمحتاجين والمعوزين والذي بعضنا يجهل الكثير منهم وهم حولنا لمن بحث عنهم .

فلتنعاون جميعاً على البر والتقوى في هذا الشأن وهو من شكر الله المنُعم الكريم الجواد على أن وهبنا وفضلنا وأكرمنا ومن أراد أن يعرفَ حقاً نعمة الله عليه فليسأل كبار السنّ ممن مرّ عليهم سنوات المجاعة والحاجة يُحدثونك بأمورٍ من هولها لاتُصدقها العقول لولا أن المتحدّث من أهل الثقة والديانة وممن لامصلحة له في الكذب بل كان بعضُهم يتحدث وهو يبكي وينشج من عظيم نعمة الله علينا التي ماعرفها أولئك الآباء والأجداد في الماضي فهل من مُعتبر وشاكر ومُدّكر فاللهم ارزقنا شكر نعمك واجعلنا ممن يستعملها في طاعتك ونعوذ بك اللهم من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فمن استغفره رزقه وأعطاه ومن أعرض عنه أضلله وأغواه ومن توكل عليه كفاه .

=========== الخطبة الثانية ==========

الحمدلله الذي أعطى وهدى ورزق وكفى وأخرج المرعى فجعله غُثاءاً أحوى والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المُجتبى وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُهى وعلى من تبعهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم الفصل والقضاء وبعد :
أيها المؤمنون :
إن نعم الله جل جلاله إذا لم تُسخّر في طاعة الله ومرضاته وفي أمر الآخرة فإنها ستكون وبالاً على صاحبها وحسرة وندامة يوم القيامة فليحذر العباد من استعمالها في معصيته أو من ترك الشكر عليها فإن ذلك أبعد للعبد من الله وأبعد من الرحمة وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زُلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ) مع كون ذلك المال وتلك الأرزاق معرّضة للنقص والزيادة والإرتفاع والإنخفاض فليست على وتيرة واحدة فتجد من الناس من تجري عليه خسارة في ماله فيكون بين عشية وضحاها من المُفلسين ، بخلاف رزق الآخرة الذي لاينقطع أبداً وليس يعتريه نقص بل يزداد ويتكاثر ويتضاعف مضاعفة لايعلم مداها إلا الله وهذا يجعل العبد يرتبط بمقاييس الآخرة ويُعلق قلبه بما عند الله من كرامة وثواب ويبذل في ذلك الأسباب وفي تلك التجارة الرابحة يقول ربنا سبحانه : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّا ًوعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزدَهم من فضله غنه غفورٌ شكور ) .
عباد الله : ومن ابتُلي بنقص في رزقه بسبب عرفه أو لم يعرفه فليلزم الصبر وليتذكر أن من العباد ماتحصّل على عشر ماوجد وعليه أن يلزم القناعة ويسعى لطلب الآخرة في كل حال فإنها هي الدار الحقيقة للعبد وقد روى ابن ماجة في سننه عن محمد بن اسماعيل بن سمُرة قال حدثنا وكيع عن عبدالله بن عمرو بن مرّة عن أبيه عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال : " لمّا نزل في الفضة والذهب مانزل قالوا : فأي المال نتخذ ؟ قال عمر رضي الله عنه : " فأنا أعلم لكم ذلك " فأوضع على بعيره فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في إثره فقال يارسول الله : أي المال نتخذ ؟ فقال [[ ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناًَ ذاكراً وزوجة مؤمنة تُعين أحدكم على أمر الآخرة ]] .

عباد الله : فاطلبوا في ذلك العون من الله على شكر النعم فبعون الله يدوم الشكر والذكر والزموا الدعاء الوارد في ذلك عقب الصلوات المفروضة فإنه سبب للتوفيق للشكر وأداء ماأوجب الله على العبد وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين قال له : ( والله إني لأحبك أوصيك يامُعاذ لاتدعنّ دُبر كل صلاة تقول : " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " ) وفي الدعاء الآخر أيضاً كما عند الإمام الترمذي من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : ( ربّ اجعلني لك شكّارا ًلك ذكّارا ً لك رهّابا ًلك مِطواعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيبا ) وخير الأدعية ماكان من سنة المُصطفى عليه الصلاة والسلام لكونه أجمع وأحوى وأكمل وأهدى ، ثمّ تذكّروا أنكم مسؤولون عن ذلك النعيم الذي تعيشونه يقول سبحانه في محكم التنزيل : ( ثم لتُسألن يومئذٍ عن النعيم ) فأستعينوا بها على مايرضي الله ويُقرب منه فما فاز إلا الشاكرون الصابرون جعلنا الله وإياكم منهم .

هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى ونبي الرحمة من أرسله الله للأمة وكشف عنهم الغمة فاللهم احشرنا في زمرته وأدخلنا في شفاعته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لانظمأ بعدها أبداً يارب العالمين ، اللهم أعنا ولا تعن علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم ولّ علينا خيارنا واكفنا شرّ شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لهداه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الحق والخير وتعينه عليه ياذا الجلال والإكرام . 
اللهم كن لجنودنا البواسل في أرض اليمن وعلى الثغور ياحي ياقيوم ، اللهم تبل شهدائهم وارحم موتاهم وعافِ مُبتلاهم وكن للمجاهدين في سبيلك في أرض الشام والعراق ياحي ياقيوم وانصرهم نصراً من عندك تغنيهم به عن نصر من سواك ومكّن لهم في الأرض يارب العالمين .  

الخميس، 13 يونيو 2019

خطبة عن القسط والعدل المأمور به .

الحمدلله أحكم الحاكمين وأعدلهم وأقسط المقسطين ورب الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين حكم فعدل ودل على النور المبين وحثّ على سلوك درب الصالحين وعلى آله الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله فالتقوى يأمر بكل رشدٍ وخير وينهى عن كل إثمٍ وشر ويُقرّب البرّ من ربه ويبعدّ الفاجر من مولاه الذي توّلاه واعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار والزموا جماعة المسلمين فإن الله يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
عباد الله : يقول الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولوا على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تُعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) وهذه الآية تدل على قاعدة من الثوابت العظيمة في هذا الدين ومن أصول اتباع الشريعة والقيام بها في جوانب الحياة المختلفة على صعيد النفس ودائرة الأسرة وعالم المجتمع من حولنا فلا بدّ أن يكون الرجل من أهل القسط والعدالة ومن مروّجي العدل والآمرين به في كل حين وذلك حيث أن الله تعالى استخدم صيغة المبالغة في قوله ( قوّامين ) أي قائمين على الدوام وذلك يقتضي أن يُراعي العبد القسط والعدل في أحواله كلّها ، بل وفي قرارة نفسه التي منها تصدر النية ويكون مقاصد العمل في العبادات والمعاملات على وجه العمموم . 
وأصل هذه الآية نزلت عامة بسبب خاص وهو النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير فكان ضِلَعه مع الفقير - أي كان يميل مع الفقير على الغني - وكان يرى عليه الصلاة والسلام أن الفقير لايظلم الغني كما أورد ذلك ابن جرير في تفسيره " جامع البيان " فأمره الله نبيه وغيره من المؤمنين أن يعدلوا مع الفقراء والأغنياء وكأن الحقّ يُشير إلى أن ظلم الفقير للغني وارد وليس كما يظن الناس أن الغني هو الذي يظلم الفقير دائماً ، وعقّب على ذلك ابن جير بقوله : " وهذه الآية عندي تأديب من الله جل ثناؤه لعباده المؤمنين أن يفعلوا مافعله الذين عذروا بني أًبيرق - وهم فخذٌ من الأنصار - في سرقتهم ماسرقوا وخيانتهم ماخانوا من ذكر ماقيل عند رسول الله وشهادتهم لهم عنده بالصلاح فقال لهم : " إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه فقولوا فيها بالعدل ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآباءكم وأمهاتكم وأقربائكم ولا يحملنّكم غنى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورحِمُه منكم على الشهادة له بالزور ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها "  . 
عباد الله : إن العدل من أعظم القيَم التي يتحلى بها المسلم الصادق والذي لايصلح الشأن العام بدونه وعكسه الظلم الذي هو مقوّض للممالك ومسقط للدول ولا يصلح أمر كل أمة إلا بالعدل والقسط ونشره والأمر به والقيام بالواجب وخصوصاً من أصحاب المناصب في أي قطاع من القطاعات ، فهذا واجب متحتم مع القريب والبعيد والصديق والعدو غير المحارب فلنتق الله تعالى لنتأمل تلك الآية المشابهة للآية التي ذكرنا وهي قوله تعالى في سورة المائدة : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون )  فالقسط يكون عاماً شاملاً حتى مع من تكرههم وتبغضهم وهذا من أعظم صفات المؤمنين ولا يقدر عليه إلا من وفقه الله وسدّده وأعانه وقرّبه لتقواه - سبحانه - وأبعده من شهوته وهواه ولهذا قال : ( ولا يجرمنكم شنئان قوم ) أي لايحملكم بغض وكراهية قوم ( على أن لاتعدلوا ) أي على ترك العدل وارتكاب الظلم معهم ، ثم قال بعدها : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي أبعد عن الهوى وأقرب للإلتزام بما أمر الله تعالى ونبذ ٌ لشهوات النفس وإخراجٌ لدنس الباطل من النفوس . 
أيها المؤمنون : والأمر بالقسط تعدّى ليشمل حتى الكافر ولو كان الناس في زمن شدّة فإن الله تعالى أنزل قولَه سبحانه : ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يُحب المقسطين ) أنزل تلك الآية والناس في عهد النبي في زمن حرب ووقت شدّة وابتلاء من المشركين ، لكيلا يُحارَب غير المُحارب ولا يُعتدى على أحدٍ بدون حقٍ ظُلماً وعدوانا بل أمر سبحانه في معرض الآية بالعدل والبر والإحسان وفي المُقابل ينهى الله عن الإحسان إلى المحاربين من الكفرة من أهل الكتاب أن يُحسن إليهم لأن ذلك ذلّ للإسلام وأهله ومناقضة لعلاقة الولاء والبراء المأمور بها قال جل جلاله ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) 
عباد الله : إن من القوامة بالقسط نبذ العصبية التي تجرّ للظلم فلا يجتمع العدل والعصبية في شخصٍ أبداً فلابد إن استقر العدل في النفس أن يُخرجها من قلبه أو تكون الأخرى فتخرجُ العدل والقسط من النفوس والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " ومن دعا بدعوى الجاهليه فهو من جُثى جهنم " قالوا : يارسول الله وإن صلى وصام ؟ قال : " وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم " .
ومن القوامة بالقسط ياعباد الله : عدم ظلم من كان تحت اليد من عامل أو خادمة أو سائق او غير ذلك خصوصاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إخوانكم خولُكم - أي مخوّلين ومسخرين للعمل تحت أيديكم - جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تُكلفوهم من العمل مايغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم " رواه الشيخان البخاري ومُسلم . 
أيها المؤمنون : إن مما يلزم لإقامة القسط والعدل ونشر قيمة الإنصاف أن يُناصح كل من له ولاية في أمر يخصّ عامة الناس عموماً لأن السكوت على الباطل إعانة عليه والتخاذل عن الحق يُسوّد الباطل وينشره في نفوس الناس فيستمرونه وينشأؤون عليه ولذا كان حقاً علينا جميعاً أن نسعى للتصدي لإنتشار الفساد في البلاد سواءً كان ذلك في القيم والمبادئ أو كان ذلك في الولايات العامة أو الخاصة فإن ذلك أمرٌ يجب أولاً على العلماء وأهل الحلّ والعقد وعلى من يستطيعُه من عامة الناس إبراءً للذمة فاللهم إنا نسألك أن تحشرنا في زمرة المقسطين وأن تجعلنا من حزبك المفلحين وأوليائك المتقين يارب العالمين ، هذا واستغفروا ربكم وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 
============ الخطبة الثانية ============

الحمدلله حكم فعدل وأعطى فأجزل أحمده وهوالحكيم العدل وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أهل المكارم والفضل وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الفصل أما بعد : 
عباد الله : إن مما أعدّه لعباده المُقسطين العادلين في الآخرة منزلةٌ يغبطهم عليها  النبيون والشهداء يوم القيامة وذلك أنه روى عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المُقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه وهذا الحديث مُحفّز على عمل الآخرة ويبعث في النفس الهمة والعمل الحثيث لنيل تلك الدرجة الرفيعة والمنزلة العالية عند الله ، فلا عجب أن يكون ذلك لأن أهل القسط والعدل محبوبون من الله ومن أهل السماء ومن أهل الأرض من الناس والخلائق أجمعين وأهل الظلم واستلاب الحقوق مبغوضون من الله ومن ثمّ من أهل السماء والأرض فهل نتوقّى ذلك ، ولنظفر بمحبة الله أولاً التي من حازها حاز محبة بقية الخلائق كلهم استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب العبد دعا جبريل فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحببْه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه ثم يوضع له القبول في الأرض " 
ولا شك أن من أسباب ذلك القسط واتباع ماأمر الله والتزامه وتتبّع أسباب محبة الرب الذي من أسمائه الودود والودّ من أرفع أنواع المحبة التي يكتبها الله لعباده المؤمنين الذي يعملون الصالحات ، ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا )   . 
عباد الله : إن مما ينبغي التنبيه عليه هو معرفة الفرق بين المُقسط والقاسط فالمقسطون هم العادلون والقاسطون هم الظالمون ، فإن الله تعالى قال في شأن المقسطين (( إن الله يحب المقسطين )) كررها بهذا اللفظ ثلاث مرات في سورة المائدة والحجرات والممتحنة للتأكيد ولزوم انتشار ضرورة القسط في المجتمع المسلم وأما القاسطون وهم الظالمون فإنه قال فيهم سبحانه في سورة الجن :
(( وأما القسطون فكانوا لجهنم حطبا )) . 
أيها المؤمنون : ضرورة القسط وانتشار العدل والإنصاف والمساواة في بلدنا أمان عند الله من ذهاب الممالك والدول وذلك يتجلى بإقامة الحدود وتطبيق شريعة الله وفي ذلك يقول الله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) وهذا في حقّ من استحل ذلك ولم يعمل به فجمع بين الخطيئتين والكبيرتين العظيمتين وأما من لم يستحل الحكم بغير ماأنزل الله ولكن لم يطبق ويحكم بما أنزل الله لهوىً في نفسه ولشهوة يتبعها أو مجاراة لأهل الهوى من مسؤول أو غيره فقد ظلم وفسق قال سبحانه : (( ومن لم يحكم بغير ماأنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) وقال جل وعلا : 
(( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) ويستلزم ذلك تطبيق الحدود وعدم قبول الشفاعة فيها ، والشاهد في ذلك حديث المخزومية التي سرقت وأهمّ قريشً شأنها فقالوا : ومن يُكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا  : " ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشفع في حدّ من حدود الله " ثم قام فاختطب - أي خطب خطبة - قال فيها : " إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " رواه البخاري ومسلم . 
فلله درّ نبينا الذي أرسى العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع كلهم فقيرهم وغنيهم قويهم وضعيفهم، صغيرهم وكبيرهم ، فاللهم اهدنا سواء السبيل وأقمنا على صراطك المستقيم بالحق والدليل واشف منّا السقيم والعليل ياعليم ياجليل . 
هذا وصلو على محمد بن عبدالله كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . 


الاثنين، 3 يونيو 2019

خطبة لعيد الفطر المبارك

الحمدلله الذي أتم علينا نعمة الصيام وهدانا للقيام بأركان الإسلام نحمده وهو القدوس السلام ، الكريم الجواد العلام الذي امتن على عباده بالنفحات وحطّ الأوزار والآثام ووفق عباده للإتمام وتفضل عليهم وهو أهل الأفضال والإتمام والصلاة والسلام على رسول الأنام الذي بلغ عن الله رسالاته بجوامع الكلام ونصح له في بريّاته بالقول البليغ التمام وعلى آله وصحبه ذوي المكانة والمقام ومن تبعهم بإحسان مادامت الشهور والأيام أما بعد :  
فاتقوا الله تعالى وكبروه ، واحمدوه على وافر النعم واشكروه ، واثنوا عليه الخير كله ولا تكفروه ، فالحمدلله حمداً يُضاهي عدد نعمه ويرضيه فالسعيد من على طاعته يحييه ، وعلى دينه يُقيمه ويُبقيه . .  الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . 
عباد الله : كنتم بالأمس تستقبلون شهر الصيام بحلته الذي فيه يُزين الله جنته واليوم تودعونه شاهداً على بعضكم بالحسنى وعلى بعضٍ بالتفريط والتقصيير فياسعادة من وُفق لاغتنامه ورُزق فيه الجدّ والإجتهاد وياخسارة وندامة من تهاون وضيّع وغلبه فيه النوم والسُهاد حين فاز غيره بالأجر والمثوبة والمراد ، فيفرح ذلك المُجتهد الصبور حين يُبعث أهل القبور وتصير لله الأمور وحين تنشر الصحائف ويقوم الأشهاد . . الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . 
عباد الله : إن أعظم مايتعبد به المتعبدون ويتنسك به أهل النُسك المشمّرون المحافظة على فريضة الله العظمى وهي الصلوات المكتوبة بفروضها الخمسة التي حثّ عليها ربنا في كتابه المجيد ووحيه القديم والجديد من نزول آدم إلى بعثة محمد عليه الصلاة والسلام مروراً فيما بينهما من طول العهد وكثرة الأنبياء الذي نادوا بهذه الصلاة المفروضة ويكفي في ذلك قول ابراهيم عليه السلام حين عرف عظمة ومكانتها عند الله فقال يرجوا ويبتهل لربه : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دُعاء ) وقال جل جلاله يأمر نبينا وأمته بقوله : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) وبين أنها مؤقتة بقوله ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ) فلا حظ في الإسلام ياعباد الله لمن ضيّع هذه الصلاة ولا تسقط صلاة الجماعة في المسجد عن رجل إلا من عذرٍ كخوفٍ أو مرض أو سفر . . الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا وسبحان الله بُكرة وأصيلا . . عباد الله : يغفل الكثير منّا عن أداء الزكاة بالجملة سواءٌ كانت مالاً نقدياً أو بهيمة أنعام ٍأو عُروض تجارة ، وما علم هذا المتغافل المتجاهل لهذه الشعيرة العظيمة من آثارٍ عليه وعلى ماله بسبب تهاونه ، فما يعلم هذا المؤجل أو المتهاون في إخراج الزكاة في وقتها أنه رُبما أتته مصيبة في دنياه فاجتاحت ماله كلّه بسبب تهاونه وسخط الله عليه فاحذر كل الحذر من تأخير إخراج الزكاة عن وقتها الذي حددته لنفسك سواءٌ كان ذلك في رمضان أو في غيره ، لأن ذلك يجرك إلى التفريط والإهمال ومن ثم الفتنة والمصيبة والعذاب سواء كان ذلك في الدنيا والآخرة وتذكر نوعاً من العذاب ينتظر من لم يؤد زكاة ماله حين قال صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له يوم القيامة شُجاعاً أقرع - أي ثعباناً عظيماً - له زبيبتان يُطوّقه - أي يخنقه - يوم القيامة ثمّ يأخذ بلهزمتيه أي شدقيه فيقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا عليه الصلاة قوله تعالى : ( ولا تحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرّ لهم سيُطوّفون مابخلوا به يوم القيامة . .) نعوذ بالله من سوء المصير . 
الله أكبر  الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . 
عباد الله : بدخول شهر شوال تدخل أشهر الحج ، ومن الناس من يتهاون في أداء هذه الشعيرة والمبادرة إليها مع أنك تلحظه والسنّ يتقادم فيها وهو لايبالي ويؤجل كل سنة تأتية والتسويف من جنود إبليس فهل يدّكر من يصنع ذلك ويعتبر بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لايدري مايعرض له " رواه إمام السنة أحمد بن حنبل ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من أراد الحج فليتعجّل " وربما حصل له مرضٌ مقعد لايستطيع بعد صحة طويلة فرّط فيها فكيف سيخرج بعذر من الله حين الحساب . 
الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا وسبحان الله بُكرة وأصيلا 
عباد الله : إن على ابن آدم حقوقٌ تجاه المخلوقين بعد حق الله تعالى وعلى رأس تلك الحقوق : 
* حق الوالدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن صحبتهما وأداء حقهما على التمام والوجه الأكمل وحبس اللسان عن التضجر من أمرهما وإدخال السرور عليهما في كل آنٍ حسب الإستطاعة بل ربط رضاهما برضاه وسخطه بسخطهما فياخسارة من خسر والديه أو فرّط في حقهما وفي الحديث : " رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف ، قيل من يراسول الله قال : " من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة " رواه مسلم . 
* من الحقوق حقوق الأرحام من الصلة والزيارة فاحذر ممن قال الله فيهم : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) ومن أعظم الصلة : انتزاع الضغائن التي تحصل بينهم من طرفك أو المساهمة بالإصلاح إن كان من طرف غيرك ، وتذكّر الحديث العظيم حين قال صلى الله عليه وسلم : " ألا ادلّكم على بأفضل من الصيام والصلاة والصدقة ؟  " قالوا : بلى يارسول الله قال : " إصلاح ذات البين " وقال : " فساد ذات البين هي الحالقة ، لاأقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين "  . 
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله اكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد 








خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...