الخميس، 4 مارس 2021

خطبة عن أهوال يوم القيامة

الحمدلله الذي إليه المصير وإليه المآب ، الكريم التواب الغفور الوهاب الذي ذلت لعظمته الرقاب ولانت لقدرته الشدائد الصلاب ، والصلاة والسلام على النبي والأصحاب ومن تبعهم بإحسان وعلى كل من لربه أناب ثمّ أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم توُفى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون ) واعلموا أن ذلك اليوم الذي يرجع فيه الناس إلى ربهم يومٌ عظيم ، يوم الفاقة والسكرة يقول فيه ربنا جلا وعلا : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضعُ كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سُكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) ومن شدّته يريد الإنسان أن يفتدي منه ومن عذابه بابنه وقرابته . وقد صوّر الله ذلك الموقف حيث قال سبحانه في سورة المعارج : ( يودّ المجرم لو يفتدي يومئذٍ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعاً ثمّ يُنجيه ) .
عباد الله : قد صّور الله مايجري في الكون إذا كانت النفخة الثانية وهي نفخة البعث فقال جلا في أوائل سورة التكوير : ( إذا الشمس كوّرت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سُيّرت * وإذا العشار عُطّلت * وإذا الوحوش حُشرت * وإذا البحار سُجّرت * وإذا النفوس زوّجت * وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنبٍ قُتلت * وإذا الصُحف نشرت * وإذا السماء كُشطت * وإذا الجحيم سُعرت * وإذا الجنّة أزلفت * علمت نفسٌ ماأحضرت ) . . فالشمس في ذلك الموقف يذهب ضؤها ومصيرها إلى النار لأنها عُبدت من دون الله ( وذلك مصداقاً لقول الله تعالى : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) والنجوم تتساقط وتنتثر والجبال تزال عن مكان وتُسيّر على رسوّها وصلابتها ، والعشار وهي النوق الحوامل المُعشّرة ( وهي من أنفس أموال العرب ) تهجر وتترك ، وسائر الوحوش تُجمع للفصل بينها - مع أنها بهائم مُعجِمة - ومن ثمّ تكون تراباً والبحار توقد وتلتهب ناراً ، ويُضم المؤمنون مع بعضهم البعض والكفار وسائر ملل الكفر مع بعضهم وذلك مع تزويج النفوس الوارد في الآية ، والبنت الصغيرة تُسأل ويُحاسب حساباً شديداً من وأدها وهي صغيرة ، والسماء تنشق وتزال وتنفطر كما ورد في سورة الإنفطار والجحيم تُسعر والجنة تُقرّب وتدنو من المؤمنين ففي ذلك الموقف يتذكر الإنسان ويعلم ماذا كان عليه وماهو عمله وما مصيره ( يوم تجدُ كل نفسٍ ماعملت من خيرٍ مُحضرا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أن بينه وبيها أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوفٌ بالعباد ) ، واختصت سورة التكوير والإنفطار والإنشقاق بتصوير أهوال يوم القيامة أكثر من غيرها من سور القرآن ، ولذا أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ عينٍ فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت ) .
عباد الله : النار وماأدراك ما النار ؟ عذاب الله المُحتّم على العباد إلا من رحم الله والورود عليها أمر لن يسلم منه أحد ، حتى الأنبياءِ وأتباعهم ولكن الله ينجّي المؤمنين ويلقي فيها من حقّ عليه القول ، فيمرّ عليها العباد بحسب أعمالهم ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيّا * ثمّ ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا ) وفي وصف النار يقول الله تعالى : ( إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا ) وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال : " يؤتى بجهنم يومئذٍ - أي يوم القيامة لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملكٍ يجرونها ) بعيدة القعر خبيثة الطعام طعامهم من الزقوم -وهي شجرة تنبت في الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين والضريع وهو نبات كريه الطعم ذو شوك وشرابهم عليه الحميم الذي بلغ في الحرارة منتهاها ( وسقوا ماءاً حميماً فقطّع أمعاءهم ) نعوذ بالله من مصير أهل النار وبؤسهم وشقاءهم .
عباد الله : أخرج الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ سمع وجبةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ماهذا ؟ قال قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : " هذا حجرٌ رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها " . . وإن سألتم عن أهل النار فقد ورد في السنة أنه يعظّم فيها جسد الكافر وضرسه فقط يكون بمثل جبل أحد وليس ذلك تعظيماً لشأنه ولكن لكي يُزاد في عذابه وفي حديثٍ أخرجه ابن ماجه وصححه بعض أهل العلم من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع " وفي حديث آخر : " إن أهل النار ليبكون حتى لو أُجريت السفن في دموعهم لجرت وإنهم ليبكون الدم " فاللهم عافنا والطف بنا وارض عنّا وتجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا ياذا الجلال والإكرام أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

=========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله ذو البأس الشديد الفعّال لما يريد والصلاة والسلام على خير العبيد نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعنّا معهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المزيدأما بعد : 
 فاتقوا الله عباد الله فالتقوى عباد الله يعصم العبد من وعيد الله إذ لاعاصم من أمره إلا هو ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً ) . عباد الله : يمرّ الناس يوم القيامة بمراحل فيعيشونها مرحلة مرحلة وحالة حالة وهي التي أقسم الله في القرآن بتحقق وقوعها لامحالة فكل نفسٍ تمرّ بها ولا ريب ( فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبنّ طبقاً عن طبق * ) أي حالاً بعد حال ، فيبعث الناس من قبورهم ويأتون إلى أرض المحشر ويقومون قياماً طويلاً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، يطول على الكافر ويشق عليه ويقصُر على المؤمن حتى يكون كمثل الوقت الذي بين صلاة الظهر والعصر ، وتدنوا منهم الشمس قدر ميل فيعرقون ، وعرقُهم على قدر أعمالهم ومن ثم يكون الورود على حوض النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عنه كل منافق وكافر ويشرب منه المؤمنون شربة لايظمؤن بعده أبداً ، ومن ثمّ يؤذن بالشفاعة وهي الشفاعة الأولى التي يشفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لكي يأتي الله للفصل والقضاء بين العباد ، ثم يكون عرض الأعمال ثم يكون الحساب وبعد ذلك تتطاير الصحف فآخذٌ كتابه بيمينه وآخذٌ كتابه بشماله ثم يكون الميزان فتوزن الأعمال ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدون ) ثم يضرب الله الصراط على متن جهنم ويكونون في الظلمة دون الجسر فيمرون على الصراط على قدر أعمالهم فمنهم كالبرق ومنهم كالريح العاصفة ومنهم كالجواد السريع ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يحبو حبواً ومنهم من تخدشه النار ومنهم من تخطفه الكلاليب فيُلقى في جهنم والنبي صلى الله عليه وسلم يكون على طرف الصراط يدعوا الله : " اللهم سلّم سلّم " فالكفار والمنافقون لاينجون ، ولا يبقى إلا المؤمنون ومن ثم يبقى الإستفتاح لدار النعيم فيفتتحها النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يدخلها المهاجرون الأول ومن ثم الأنصار وبقية الناس والفقراء يدخلون الجنة بنصف يوم من أيام الله أي بنحو خمسمائة عام من أعوامنا كما ورد بذلك السنة ، فلا تفرح بالمال فطوبى للمنفق والباذل وياخسارة الشحيح والبخيل ، فاللهم آمنا يوم يخاف الناس وأسعدنا يوم يحزن الناس وأعذنا يوم القيامة من الشقاء والإفلاس ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...