فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : في خضم الإنفتاح الذي نعيشه هذا اليوم والذي يدعو إلى ترسيخ الثوابت وحفظ الدين والحذر من الوقوع في الفتن التي تعصف بالمجتمعات كافّة ورحاها تطرح الناس مابين قتيلٍ وجريح ومخدوش وسليم ، تظهر فتنة تقديم العقل على النصوص الشرعية بين طوائف من المنتسبين للعلم وبين شرائح من المثقفين والمفكرين يدّعون سلوك سبيل التنوير - حسب مازعموا - ويسيرون بمكر من الله بهم إلى الهاوية .
قد عجز الشيطان أن يخرجهم من الدين بالكليّة فدخل عليهم من باب العقل والمنطق ومن باب الفكرة والتأمل وما علم هؤلاء أن كل دواخل العقل ومخارجه قد أحاط الله به علما وكان به شيءٍ محيطاً وهو القوي المتين سبحانه ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتسوس به نفسُه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .
عباد الله : العقل نعمةٌ عظيمة ينبغي أن تُسخر في مرضاة الله تعالى وفي طاعته وأن يكون العقل يأمر صاحبه بالخير ويرشده له وإلا كان وبالاً على صاحبه ولذا تجد كثيراً من المشركين عندما يؤمرون بالتوحيد وإخلاص الدين لله أو اتباع ماأنزل الله يحتجون بعقولهم على أن كل رجل يتبع أبيه في دينه حتى لو كان على خطأ أو كان لايعقل ( وإذا قيل لهم اتبعوا ماأنزل الله قالوا بل نتبع ماألفينا عليه آبائنا أولوا كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولا يهتدون ) ولذا كان مصيرهم كما قال الله في شأن قومٍ لايعقلون بقلوبهم - والعقل والقلب مرتبطان ببعضهما - قال فيهم : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لايعقلون بها ولهم أعينٌ لايُبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون ) .
عباد الله : تقديم العقل على النقل خطيئة كبرى يقع بها كثيرٌ من المنتسبين للإسلام بحجج واهية ، علماً أنه من القواعد المقررة في دين الله أنه ( لا اجتهاد مع النص ) وكذلك القاعدة المقررة عند أهل العلم حين التعارض لو وُجد وهي تنص على ( تقديم النقل على العقل ) والله جل وعلا أعلم وأحكم وله الحجة البالغة سبحانه على عباده ( وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مرد له ومالهم من دونه من وال ) فلذا يجب أن نحذر من سلوك سبيل من يؤله العقل أو يُقدمه على مسلّمات شرعية فضلاً عن ثوابت أساسية في دين الله لاتقبل النقاش ولا الجدل ، وهكذا إذا استُعمل العقل في غير ماشرع الله أو في غير ماأباحه الله فإنه يحط بصاحبه في أدنى المنازل ويورده المهالك والشرور ويصليه عذاب الجحيم .
عباد الله : العقل يقصُر عن فهم ماحجب الله علمه عن العباد وهي أشياءٌ كثيرة ولذا من العقل والعلم والفطنة أن يُرد علم ذلك إلى الله ولا يضرب ويخرص بالظنون ويرجم بالغيب ، ولذا لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح أتى الرد من الله سبحانه بأن العقل قاصر عن كننها وأمر برد أمرها إليه فقال تقدست ذاته وكملت صفاته : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) .
عباد الله : زاغ بتقديم العقل على النقل فرقٌ كثيرة من المعتزلة والمرجئة وكثير من الملل والنحل لعدة أسباب منها : قلة العلم والفقه وانتشار الجهل وتصدر الجهال وتسفيه العلماء والعدول عن تأمل النصوص الشرعية وعدم معرفة منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التعامل مع النص والإستهانة بالنصوص أو التعلق بالشبهة من غير دليل صريح أو الجهل بمراد الله ومراد رسوله من هذه النصوص ، مع الإعراض عن تأمل النصوص وفهمها فهماً تاماً ، أو التلقي من مصادر لاتمت للإسلام بصلة من شياطين الإنس والجن وكأن الله يخاطبهم بهذه الآية : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ولذا كان الجدال بغير علم بابٌ للضلال ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ماضلّ قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم قرأ : ( ماضربوه لك إلا جدلا ) .
فاللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأقوالنا وأفعالنا ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله يهدي من يشاء برحمته ويُضل من يشاء بحكمته وحذّر العباد من عذابه ونقمته والصلاة والسلام على المبعوث بدين الله وشرعته وعلى آله وصحبه وأهل ملته ومن تبعهم بإحسان ٍإلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الوحي معصوم لايتطرق إليه الخطأ مهما كانت الظنون فيه ومهما تطاول بعض العقلانيين عليه وأن متبعيه هم المهتدون المهديون السائرون على النهج القويم ومن شكّ في عدم عصمته فقد كذّب الله ورسوله وأسقط الشرائع وجحد دعوة الأنبياء حيث أن الله يقول :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم . . . ) وكذلك قول الله تعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتابٌ عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد ) وكذلك قول الله تعالى : ( ولو أنهم فعلوا مايوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا * وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيما * ولهديناهم صراطاً مستقيما ) فدين الله عزيٌز غالب ولو قل بسلوك دربه السالكون أو تخاذل عنه المفتونون أو قذف بالشبهات فيه الضالون من أهل الكتاب وغيرهم وليُعلم أنهم لايضلون إلا أنفسهم ولايزيدون إلا حيرة على حيرتهم وزيغاً على انحرافهم والبصير العاقل يحذر ويُحذر من كيد الأعداء وشرَهم ( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلونكم وما يُضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ) وقال سبحانه في بعض أولئك ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يُضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) .
عباد الله : مازال أعداء الدين من اليهود والنصارى والرافضة وغيرهم يقذفون بالشبهة تلو الشبهة وبالفرية والكذب زوراً وبهتاناً وهناك مع الأسف سمّاعون لهم من بني جلدتنا ، ممن احتوى قلبه الأمراض المعنوية من سائر الشهوات واستحوذ الران على قلبه فبدأ دينه يخفّ وعقله يزيغ عن الجادة والصواب ، قد زيّن الشيطان له سوء عمله وبريق قوله فمثلُ هؤلاء تُقام عليهم الحجة ويُبين لهم سبيل المحجة البيضاء التي لايزيغ عنها إلا هالك ، ومتى قامت عليه الحجة فلاتذهب نفسك عليهم حسرات إن لم يهتدوا فالله يحتاجه كل أحد وليس يحتاج لأحد ودين الله عزيزٌ بأهله والعصمة بحبل الله أمرٌ مطلوب وقد فاز من لربه يؤوب فاللهم اجمع على دينك القلوب ويسر لعبادك كلََ مرغوب وخلصنا من المعاصي والذنوب ياذا الجلال والإكرام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق