فاتقوا الله -عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلُ محدذة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من الأزمنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعنيها ويهتم بها ويكثر فيها من الصيام شهر شعبان وقد سُمي بذلك لأن الناس تتشعب بالأودية فيه وينتشرون ، وهو شهرٌ يغفل عنه الناس وهو شهرٌ يسبق رمضان كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه كله وقد يترك منه يوم أو يومين فقد روى الإمام أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : " مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين إلا أنه كان يصلُ شعبان برمضان " وفي حديث عائشة الذي أخرجه مسلم أنها قالت : " ولم أره صائماً من شهر قطّ أكثر من صيامه من شعبان ، كان يصوم شعبان كلّه كان يصوم شعبان إلا قليلاً " والمختار الذي عليه أهل العلم أنه النبي لم يكن يستكمل الشهر صياماً بل يخرم منه يوم أو يومين لئلا يشبهه برمضان ويشهد لهذا ماورد من أثر ابن عباس رضي الله عنهما والذي أخرجه البخاري ومسلم أنه قال : " ماصام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان " وأما ماورد في الرد على حديث أم سلمة الآنف الذكر فقد ورد أنه يجوز في كلام العرب أن يُقال فلان صام الشهر إذا صام أكثر الشهر ولذا ورد عن ابن المبارك كما نقل الترمذي أنه قال : " جائزٌ في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كلَّه " ومن الحكم في صيامه أنه شهرٌ ترفع فيه الأعمال فكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يُرفع عمله وهو صائم وأورد ابن رجب في كتابه ( لطائف المعارف ) أنه قال : " صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكُلفة ، بل قد تمرّن على الصيام واعتاده ووجد بشهر شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته ، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط " وقال أيضاً : " لمّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرع فيه مايُشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن " ا.هــ
وقد كان السلف يجتهدون فيه بقراءة القرآن حتى كانوا يسمونه بـ( شهر القراء) بل كان منهم من يُغلق حانوته ودُكانه ويتفرغ فيه للقراءة ومما روي من أقوال السلف فيه مقالة أبو بكر البلخي رحمه الله فكان يقول : " شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان للسقي وشهر رمضان شهر الحصاد " وقال أيضاً : " مثلُ شهر رجب مثل الريح ومثلُ شهر شعبان مثل الغيم ، ومثل شهر رمضان مثلُ المطر " .
وتعددت عبارات العلماء فيها فقال بعضهم : " السنة مثل الشجرة وشهر رجب أيام توريقها وشعبان أيام تفريعها ورمضان أيام قطفها " وقال بعضهم : " شهر رجب شهر التوبة وشهر شعبان شهر المحبة ورمضان شهر القربة " .
والمقصود أن على العباد أن يتقوا الله في هذه المواسم التي تمر عليهم وأن لايفوتوا فيها السباق إلى الخيرات ونيل الكرامات والسباق لرفيع الدرجات فمن فوّت تلك المواسم فمتى يلتفت إلى آخرته وقد أشغلته دنياه ومتى يصلح نفسه وقد أشغله شيطانه وهواه .
عباد الله : ولنعلم أن ليلة النصف من شعبان لم يرد بها حديث صحيح فلا تُخص بدعاء ولا قيام ليل وكل ماورد فيها أحاديث ضعيفة أو موضوعة وهذا الذي عليه كبار أهل العلم وهم أهل الفهم والبصيرة في الدين فاللهم اهدنا لسبيلك القويم واهدنا صراطك المستقيم واجعلنا من أهل دار النعيم ياقريب يا مجيب أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
========== الخطبة الثانية ==========
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ثم أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - وتقربوا إليه بكل عملٍ صالح يرضيه وكل متقرب إليه يُعليه ومن سبق إليه يُدنيه : ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون ) .
عباد الله : لقد أصبح الناس مع شهر رجب وشعبان ورمضان على ثلاثة أنواع :
- فمنهم من يجتهد في رجب أو بعضه ويقلّ اجتهاده في رمضان وهم الرجبية وبعض الفرق الصوفية التي زاغت عن جادة الصواب ومنهم من يجتهد في رمضان ولا يعرف الله في بقية الشهور وهم كثير من عوام المسلمين ومنهم من يجتهد في شعبان بالصوم وقراءة القرآن وفي رمضان يزيدُ اجتهاده وجلَدُه ويهجر الكسل والراحة وذلك من أنار الله بصيرته ووفقه لاغتنام الأوقات قبل الممات فتجده يتقلب بين صيام وذكر ودعاء وقراءة قرآن وإكثار من النوافل وإطعام للطعام مع عمل المعروف والإحسان إلى كل محتاج وله عمل سرّ خفي وخبيئة عند الله لايعلمها الناس يرجوا ماعند الله من الثواب والأجر فلله درّه وليعلم أن الله لايضيع أجر المحسنين ( ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ) وفي محكم التنزيل ( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ) .
واحرصوا معشر الإخوة على الدعاء بأن يبلغكم الله شهر رمضان وأن يتقبل منكم صيامه وقيامه فكم من أناس تخطفتهم يد المنية قبل أن يبلغوا الشهر الفضيل وكم من أناس أتاه رمضان وهو عليل لايستطيع الصيام والصوم خيرٌ له إن استطاع ( وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ) ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق