الأربعاء، 3 نوفمبر 2021

خطبة استسقاء عامة

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تُنال العطايا وتستدفع البلايا ( ولو أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )  . 

عباد الله : لايُنال ماعند الله من الغيث ولا يستجلب إلا بالإستغفار من الذنوب والكفّ عن فعل الكبائر والسيئات يقول نبي الله هودٌ لقومه : ( وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوّة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) ويحكي الله قول نوحٍ لقومه : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفّارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهارا ) فالتوبة والإستغفار خير ماترصد لوقت القحط والجدب وخرج عمر بن الخطاب ذات مرّة يستسقي فما زاد على الإستغفار ولمّا قيل له في ذلك قال : " لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل لها المطر " وهذا أثر عن الشعبي رواه سعيد بن منصور في سننه  . 

عباد الله : الإستسقاء سنّة قائمة من قديم الزمان وكانت الأمم تستسقي بطرق بعضها باطلٌ ومنكر ، وبعضها حق وسنة شرعها الله وقد استسقى موسى لقومه فسقى الله قومه من عيون نبعت من ظاهر الأرض حيث يقول جل وعلا : ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس ٍمشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )  وعند بعض الأمم في أفريقيا وآسيا يجتمعون ويحدثون أهازيج ورقصات يسمونها ( رقصات المطر ) في اعتقاد أولئك أنها سبب لنزول الغيث ، وهذا جهل وخرافة وضلال مبين فالقحط والجدب سببه ذنوب العباد قطعاً كما هو صريح قول الله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفواعن كثير ) وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان أن رسول الله قال : " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه ولا يرد القَدَر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البرّ " . 

عباد الله : يقول أبي هريرة رضي الله عنه : " إن الحباري - وهي نوعٌ من الطيور - لتموت في وكرها من ظلم الظالم " ويقول الحبر التابعي مجاهد بن جبر رحمه الله وإيانا أجمعين : " إن البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدّت السَنَة - أي القحط - وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية بني آدم " ويقول عكرمة تلميذ ابن عباس رضي الله عنه : " دواب الأرض وهوامها حتى الخنافسُ والعقارب يقولون : " منعنا القطر بذنوب بني آدم " .

عباد الله : منع الزكاة ونقص المكيال والميزان ذنبٌ عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب لانجاة للعبد ولا غيث ينزل من السماء إلا بالتوبة من ذلك والإقلاع عن هذه الطامّة والكبيرة التي ضررها ليس قاصراً على العاصي وإنما يمتدّ ضررها إلى الغير  وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يامعشر المهاجرين ، خمسٌ إذا ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنّ : 

لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطّ حتّى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا .

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجور السُلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولا البهائم لم يُمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدّوا من غيرهم فأخذوا بعض مافي أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " 

عباد الله : من نعمة الله على ابن آدم أنه يُعجّل له العقوبة في الدُنيا ولا يمتّعه في هذه الحياة متاع المنافقين والكفار ثمّ يأخذهم فلا يُفلتهم في عذاب دائم لاينقطع ولا يزول ولا عنهم يحول ، ومن مُتّع في هذه الحياة الدنيا وهو مقيمٌ على معصية الله فإن هذا استدراجٌ من الله للعبد ، ففي حديث عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيت الله يُعطي العبد مايُحبّ وهو مُقيمٌ على معاصيه فإنما ذلك له منه استدراج ، ثم نزع هذه الآية : ( فلمّا نسوا ماذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذاهم مبلسون * فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله رب العالمين ) رواه الطبراني وصححه الألباني . 

عباد الله : يُستحسن في صلاة الإستسقاء إخراج الضعفاء للصلاة والدعاء وأمرهم بذلك ممن يستطيع منهم وهو أقرب للإجابة وأجدر لقبول الدعاء وتعجيل الرزق والغيث ففي حديث أبي الدرداء عويمر بن زيد وقيل عويمر بن عامر رضي الله عنه أنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبغوني الضعفاء - أي اطلبوا لي الضعفاء - فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفاءكم ) أخرجه أبوداوود بسننه وصححه جمعٌ من أهل العلم  ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

================ الخطبة الثانية ================

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد : 

عباد الله : اتقوا الله تعالى فالله قريبٌ ممن يتقيه وابذلوا من أموالكم وأحسنوا إلى العباد فإن رحمة الله قريبٌ من المحسنين ولا ييأسن أحدكم من الرحمة فاليأس من رحمة الله وروحه من صفات أهل الضلال والكفر حيث قال سبحانه على لسان يعقوب : ( ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) وذكر سبحانه لكي يرغّب العباد في الإنابة والرجوع إليه ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لاتنصرون ) 

فاللهم ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين ) اللهم اغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلمنا وما أنت أعلم به منّا أنت المُقدّم وأنت المؤخر لاإله إلا أنت اللهم إنك ترى مكاننا وتسمع كلامنا وتعلم سّرنا وعلانيتنا ، لايخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء ، المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المقرون المعترفون بذنوبهم  ، اللهم فلاتجعلنا بدعائك أشقياء ، واجعلنا من عبادك الأتقياء ، وكن بنا رؤوفاً رحيما ياخير المسؤولين وياخير المعطين يار ب العالمين 

اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا 

اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا . . 

" اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً طَبَــقاً مجللاً عاجلاً غير رائث نافعاً غير ضار عامّاً سحا دائماً  " يارب العالمين 

عباد الله : اقتدوا بنبيكم واقلبوا أرديتكم فقد كان عليه الصلاة والسلام يقلب ردائه استكانة لله وتضرعاً لعل الله أن يبدل الحال ويُغيث العباد والبلاد إنه كريمٌ جواد  . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...