الاثنين، 15 نوفمبر 2021

خطبة عن المسح على الخفين

الحمدلله الذي يسّر على عباده سبل الطاعات وحثهم على المسابقة للخيرات وبيّن لهم مايجب عليهم من الفرائض والواجبات والصلاة على صفيّه ورسوله الذي كرّمه بالوحي والنبوءات وفضله على عباده بالكرامات والمعجزات وعلى آله وصحبه أهل الفضل والقربات وعلى من تبعه بإحسانٍ إلى يوم البعث بعد الممات وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن دين الله قائمٌ على اليسر والإستطاعة ولله الحمد والفضل والمنّة وإن تيسير الله على عباده في العبادات خاصّة الصلاة أمرٌ مشهود ومتحقق في تشريعه وأحكامه جلّ وعلا وذلك أن الإنسان يتقلّبُ بين الصحة والمرض والعسر واليسر وينتقل من الشباب إلى الشيخوخة والعجز ومن تيسيره أيضاً في العبادات تخفيف الصلاة على المسافر وكذلك من تيسيره المسح على الخفين والله جل وعلا كما أخبر في كتابه لم يجعل في الدين من حرج أي مشقة وكُلفة حيث قال ( ماجعل عليكم في الدين من حرج ملّة ابيكم ابراهيم هو سمّاكم المسلين من قبل  . . ) ولمّا كان المسلم يتقلب بين الحرّ والبرد كان المسح على الخفين من تيسير الله ومن محاسن هذا الدين وقد ثبت في السنة أحاديث كثيرة في مسح النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين ، ويقول الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة ومن أئمة الحديث وله أكبر كتاب مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالرواية المتصلة حيث يقول رحمه الله : " ليس في نفسي من المسح على الخفين شيءٌ ، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم " . 
يقول ابن المنذر ورُوّينا عن الحسن البصري قال : " حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين " . 
ومن الأحاديث في ذلك حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقضى حاجته ثمّ توضأ ومسح على خفّيه ، قلت : يارسول الله ، أنسيت ؟ قال : " بل أنت نسيت ، بهذا أمرني ربي " رواه الإمام أحمد وأبوداود ، وجرير البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له : تفعل هكذا ؟ قال : "  نعم ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثمّ توضأ ومسح على خفيه " . 
بل من يسر هذا الدين أنه يجوز المسح على العمامة للرجل إذا كان يشق نزعها بحيث أنه تكون ملفوفة على الرأس ومحنّكة ( أي تدور على الحنك ) والمرأة يجوز لها أن تمسح على خمارها كما أفتى بذلك أهل العلم إذا كان يشقّ عليها نزعه وذلك لحديث بلال رضي الله أنه قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار " والخمار هنا المقصود العمامة وليس خمار المرأة وذلك أن كل مايخمّر به الرأس يُسمّى خمار وقد قُصرت تسميته في الغالب على خمار المرأة ، والموق الوارد في الحديث هو خف قصير يغطي الكعبين ولا يغطي الساق 
ومع تلك الأحاديث المتواترة الصحيحة يأتي أناس ممن ينتسبون لهذا الدين من الخوارج وبعض الطوائف من المبتدعة وأهل الأهواء فلا يرون جواز المسح على الخفين أصلاً وكذلك الرافضة واليهود فلا يرون المسح على الخفين وهم لكما نقل ذلك الشعبي ، وهم لايُعتدّ بخلافهم ، وهو من تعسير الله عليهم في الحياة مع ماينالهم من النكال والعقوبة بعد الممات نسأل الله العافية والسلامة ومسألة المسح على الخفين ممن أجمع على جوازها الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك ممن أتى بعدهم من الفقهاء كما نقل ذلك ابن المنذر الإجماع على ذلك في كتابه " الإجماع "  . 

عباد الله : ومما ينبغي التذكير فيه في مسألة المسح على الخفين أن مدة المسح للمسافر يوم وليلة وللمقيم ثلاثة أيام بلياليها كما وردت به السنة ويكون بداية المسح من أول مسحة بعد حدث فإذا توضأ بعد حدث مسح على خفيه وليس من أول وضوء ولا أول صلاة بعد حدث وأما المدة التي تكون بعد لبسك للجوارب والخفاف وقبل الحدث فلا تعتدّ بها ولو طالت لأن المسح لم يبدأ بعد وهذا هو الصحيح ومن يعتقد أنه يجب عليه خلع الشراب أو الخفاف والجوارب والوضوء بعد خمس فروض وصلوات فقد أخطأ ، فالمسح يبدأ من وقت المسح بعد الحدث وليس من لبس الشراب والجوارب . 
بل إنه لو انتهت مدة المسح وأنت على طهارة فإنك تُصلي مادام أنه لم ينتقض وضوءُك ولو صليت أكثر من وقت وهذا هو ترجيح الكثير من العلماء المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك ابن عثيمين وغيرهم . 
ولابد للمسح من عدة شروط يجب تحققها فمنها أن يكون الخف أو الجورب ساتراً للقدمين ولو كانا شفافين على الصحيح مع أن هذه المسألة وهي المسح على الجورب الشفاف هي من المسائل التي تردّد فيها الكثير من أهل العلم فأفتى مرة بالحرمة ثم أفتى بالجواز ومن يتأمل المسألة لايجد فيها دليلاً ظاهراً بعدم الجواز وذلك أن الجورب ولو كان شفّافاً يسمّى جورباً ، ومن الشروط أن يكونا طاهرين ويلبسهما على طهارة ويكون المسح في أثناء مدة المسح ويجب عليه خلعهما بعدها إذا انتقض وضوءه  . 
عباد الله : من المسائل التي يجدر التنبيه لها المسح على الشُرّاب المثقوب فالمسح عليه جائز مالم يكن الثقب والشق كبيراً ويعود ذلك لعرف الناس يقول الشيخُ ابنُ بازٍ رحمه الله : " فالصواب أنه إن شاء الله لايؤثر الثُقب اليسير لأنه هذا قد يُبتلى به الناس ولا سيما الفقراء ، أما إذا كان شقّاً واسعاً فينبغي له أن لايمسح " أي عليه  . 
وكذلك من المسائل أيضاً أن بعض الناس قد يُصاب بكسر فيجبّر موضع الكسر فالواجب عليه أن يمسح عليها فإن لم يستطع المسح فليتوضأ وضوءاً كاملاً وليتيمم لذلك العضو المكسور ، ومن اكتفى بالتيمم فقط فقد أخطأ ، ومن ترك المسح وهو يقدر عليه فقد أخطأ ، ويأثم بذلك وكذلك من أصابته جنابة وابتُلي بعضو مكسور فيجب عليه أن يغتسل ويمسح أو يتيمم بحسب الإستطاعة لذلك العضو وقد قد سئُل ابن عُثيمين عن رجلٍ كانت عليه جنابة وكانت على يده جبيرة فاكتفى بالتيمم هل يأثم بذلك ؟ فأجاب : بنعم عليه إثمٌ في ذلك لأن الواجب على من بيده جبيرة أن يغسل البدن إلا محل الجبيرة لقول الله تعالى : " فاتقوا الله مااستطعتم " . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

======= الخطبة الثانية  =======
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع سبيلهم إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله : ومن المسائل التي يجدر الإشارة لها في باب المسح على الخفين من لبس جورباً وأراد أن يلبس آخر لحاجته للدفء فالمسألة هذه فيها تفصيل : 
- فإن لبس الجورب الثاني قبل المسح على الأول فإن المسح والخلع للجورب يتعلق بالثاني ولا حرج أن ينزع الجورب الثاني قبل بدء المسح عليه . 
- وإن لبس الجورب الثاني بعد بدء المسح على الأول فالمسح يتعلق بالثاني والخلع يتعلق بالأول أي يجوز في هذه الحالة أن يمسح على الثاني ولكن مدة خلع الجورب تتعلق بالأول فيبدأ بحساب المدة من مسح الأول لأن الحكم في المدة تعلّق به . 
وشبيهة هذه المسألة لو لبس شخصٌ جوربين أو شُرّابين ومسح عليهما ثم أراد أن يخفف عنه بخلع الفوقاني منهما وكان قد مسح عليه فإنه لايمسح على الجورب الباقي على القدم حتى يخلعه ويتوضأ لأن الفوقاني تعلّق به حكم المسح وقد خلعه وإذا خلعه بطل المسح فلينتبه لهذا . 
ومن المسائل كذلك المسح على الجزمة العسكرية التي يسمونها البسطار وهو مما يشق خلعه فالحكم فيه أنه يجوز المسح عليه كما أفتى مشائخنا حفظهم الله ولكن بشرط أنه لايخلعهما وقت الصلاة وإلا بطل مسحه وإذا أراد أن يخلعهما لكثرة الدخول للمسجد فليمسح على الجورب والشرّاب التي يلبسها ومن ثم يمسح على البسطار فيما بعد ، مالم تنته مدة المسح وهي متعلقة بالشراب لا بالبسطار فيكون البسطار حكمه حكم الجوارب الفوقانية التي ذكرناها آنفاً  . 
ومن المسائل - ياعباد الله -  التي ينبغي التنبيه لها لو أنه مسح وهو مقيم ثم سافر بعد المسح فيمسح مسح مسافر فتتحول المدة من يوم وليلة إلى ثلاثة أيام بلياليها وكذلك لو أنه كان مسافراً ومسح مسح مسافر ثم بدا له أن يرجع فإذا وصل تحوّل إلى مسح مقيم وهو يوم وليلة .
وهناك مسألة يُخطئ فيها بعض الناس فيظن أنه ينتقض وضوءه وهو في الحقيقة لم ينتقض وهو أن الرجل إذا مسح على جوربيه ثم بدا له أن ينزعهما وهو لم ينتقض وضوءه بعد فهنا يبطل المسح ولكن الطهارة لاتبطل لأنه كان على طهارة فيصلي بتلك الطهارة حتى ينتقض وضوءه ولكن لايُعيد الجوارب مرة أخرى ليمسح عليهما إلا بوضوء وهذا هو اختيار جمع من المحققين منهم شيخ الإسلام وابن عثيمين وغيرهم . 
اللهم فقهنا وفقه الأمة في الدين وارزقنا الصبر والعلم واليقين ياكريم يامعين  . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...