السبت، 6 نوفمبر 2021

خطبة عن عقوق الوالدين

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما أكدته الشرائع على مر التاريخ وهو من أعظم الوصايا بل هو في صدر الوصايا بعد حق الله تعالى وهو في المنزلة الثانية بعد مايجب لله تعالى من الحق المأمور به وهو حكم الله تعالى الذي لايتبدل على مرّ الزمان وكثيراً مايحث الله عليه في كتابه العزيز ألا وهو حق الوالدين ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا . . ) وهذا الحق العظيم للوالدين من الوصايا العشر التي ذُكرت في التوراة والإنجيل وذكر الله شيئاً من تلك الوصايا فقال في شأن بني اسرائيل : ( وإذ أخذنا ميثاق بني اسرائيل لاتعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً . .  ) وقال جل وعلا : ( قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا . . ) وقال سبحانه : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا . . ) ويقول الله على لسان عيسى عليه السلام : ( وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً ) أي أمرني ببرّ والدتي وكذلك قال في شأن يحي عليه السلام : ( وبرّاً بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا ) وكان ابراهيم الخليل أبو الأنبياء يلاطف أباه الكافر بلطيفٍ وليّنٍ من القول مع أنه كافر كفراً بيّناً فيقول : ( ياأبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * ياأبت إني أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمن فتكون للشيطان وليّا ) بل كان فوق ذلك يستغفر له حيث يقول : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالّين )  حتى تبيّن له أنه عدوّ لله كما قال تعالى : ( وماكان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواهٌ حليم ) ووصّى الله الإنسان بوالديه إحسانا كما أخبر الله في كتابه . 
عباد الله : بر الوالدين فريضة من فرائض الإسلام وحقّ واجب وهو من أحب الأعمال إلى الله ففي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : " الصلاة لوقتها " قال : قلت : ثمّ أي ؟ قال : " برّ الوالدين " قلت : ثمّ أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " متفق عليه . 
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة لأنها أهم الأعمال ومن صلُحت علاقته بربّه صلُحت علاقته بوالديه وأما من لم تصلُح صلاته فمن باب أولى أن لاتصلُح علاقته بوالديه .
عباد الله : عقوق الوالدين من أكبر الكبائر وأشنع الذنوب وأقبح الأفعال يأتي بعد الإشراك بالله ففي حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس وقال : " ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكرّرها حتى قلنا ليته سكت ( أي شفقة عليه ) وهذا الحديث متفق على صحته ، والعاقّ لوالديه لاينظر الله إليه والجنّة عليه حرامٌ وهو ملعونٌ ومطرودٌ من الرحمة وممن حقّ عليه القول ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لاينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجّلة ، والديّوث ، وثلاثة لايدخلون الجنّة : العاقّ لوالديه ، والمدمن على الخمر ، والمنّان بما أعطى " وعند الطبراني في المعجم الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " ملعونٌ من عقّ والديه " . 
عباد الله : من عقّ والديه لن يفرح بالنجاة من عذاب الله مهما عمل من عملٍ صالح ولن يرحْ رائحةَ الجنة ولو أتى بأركان الإسلام الخمسة مالم يتب ويرجع عن هذا الجرم العظيم ، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله شهدتُ أن لاإله إلا الله وأنّك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب إصبعيه - مالم يعقَّ والديه " والعقوق ياعباد الله دينٌ موفّى وشرٌ مورّث من فعله ووقع فيه أقتص منه في الدنيا لامحالة مادام العبد على ظهر الحياة ، وعواقب ذلك استمرار الشرّ في النسل والذريّة وعلاج ذلك الإستعانة بالله والإحسان إلى الوالدين والليونة معهما فلا سبيل ولا نجاة إلا بالبرّ ولا طريق للسعادة غيرُه  فاخفض لوالديك جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمها كما ربياني صغيرا فإنهما باب التوفيق والخير ومسألة البر والعقوق يتساوى فيها الكافر والمؤمن وهذا من عدل الله مع عباده فتجد من الكفار من هو برٌّ بأبيه وأمّه ومن ثمّ ينهجُ ولده أو بنته مانهج بوالديه والعكس بالعكس من عقّ وأساء مع والديه فُعل به كما فعل فسبحان الرب المقسط العدل الذي كان على شيءٍ رقيباً وعليه حسيبا ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  

================= الخطبة الثانية ==================

الحمدلله الذي أمر بالبر والإحسان وحذّر من الفسوق والعصيان ورغّبهم لجنة الحيوان والصلاة والسلام على نبي الثقلين من الإنس والجانّ وعلى من تبعه بإحسان على مرّ الزمان أما بعد : 

فاتقوا الله - ياعباد الله -  واعلموا أن هناك أفعالٌ مقيتة هي من العقوق والإساءة للوالدين يفعلها بعض الناس جهلاً واستخفافاً بوالديه وقلة حياءٍ منهُ تجاههما ومن ذلك رفع الصوت على الوالدين أو نهرهما وزجرهما وهذا أسوأ من الذي قبله وإذا كان الله جل وعلا نهى عن الأوفّ وهو التضجر من الأوامر أو إبداء التضجر فمن باب أولى مايكون من الأفعال التي هي أشنع من التضجر كرفع الصوت نحوه كما أسلفنا ، والله أمر أن يُقال لهما قولاً كريما كما قال تعالى :    ( فلا تقل لهما أوف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا ) . . 
عباد الله : ومن تلك الأفعال التعليق الساخر الذي يفعله بعض الناس أو يصوّره على والديه أو أحدهما وهذا يُعدّ قلة عقل ٍوحياء وجهلٌ واستخفاف بالوالدين ، ومن تلك الأفعال إطالة النظر بالأجهزة بحضرة الوالدين وهي عادةٌ ذميمة ابتلي بها الكثير من فئة الشباب واعلم أن ذلك تهميشٌ للوالد أو الوالدة ولو كانا لاينهيانك أو أن يأمرانك وتأمر أحدَ إخوتك من دون ضرورة ، واعلم أن من يهاب والده أو والدته أن يُكلّماه فهو شخصٌ عاقٌ قد ارتكب جُرماً عظيماً ومن كثُرت عليه أوامر والديه فهذا دليل محبة من الوالدين ورضا من الله جلّ وعلا والوالدان لايأمران إلا من يُطيع من الأبناء والبنات بلا تنكيدٍ أو تنغيص ٍفي الطاعة لهما ورضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما كما ورد في الحديث الصحيح . 
أخي الشاب : لايلزم أن تكون مستعدّاً لطاعة والديك حينما يأمرانك فلو كان البرّ الحقيقي بذلك لكان كل الناس بارّين بوالديهم ولكن كثيراً ماتأتي الأوامر من الوالدين وأنت حينها غير مستعدّ لطاعتهما فهنا الإمتحان من الله لك بالطاعة أو العصيان فإياك أن تتخلّف عن الطاعة حينها واعلم أن لكل أمرٍ متعسّر حلّ ومخرج ، وطاعة الوالدين حال الكِبَر أشدّ إلزاماً وأكثر فرضيّة من وقتٍ سابقٍ لأنهم أحوج حينها من أي وقتٍ مضى فاطلب العون من الله واحذر من التقصير معهما وقدّم مايطلبانه على هوى نفسك وولدك فحقهما عظيم ماداما على قيد الحياة خاصّة . 
عباد الله : لاينتهي أمر البرّ والإحسان للوالدين بموتهما وبرّهما مدودة حباله حتى بعد الموت لمن أراد أن يستكمل الخيرات ويحوز عالي الدرجات ويرى أثر ذلك في ذريّـته من بعده فقد أخرج أبوداود وابن ماجة في سننِهما من حديث مالك الساعدي رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ من بني سلمة فقال : يارسول الله : هل بقي من برّ أبوي شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الصلاة عليهما والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لاتُوصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " فمن كان عنده قصورٌ في ذلك فليبادر وليتدراك مافات قبل الموت والفوات فاللهم أعنّا لتدراك الأعمار وحسن المعشر والجوار ياجواد ياغفار ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...