فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى سبب ٌ لكل خير ، وصارفٌ لكل بليّة وشر ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الدعاء من أجلّ القربات وهو مخ العبادة وفي الحديث : " من لم يسأل الله يغضب عليه " وأمر الله بالدعاء وعدّ ترك الدعاء استكباراً عن عبادة الله فقال جلّ وعلا : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ووصف نفسه بالقرب وبأنه يُجيب دعاء من دعاه فقال سبحانه : ( وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريبٌ أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) وهو من أكرم العبادات على الله ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس شيٌ أكرم على الله من الدعاء " أخرجه الترمذي وحسّنه الألباني ، والدعاء يجب أن يكون وٍفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بوجه عام وذلك أنه يجب أن يجتنب في الدعاء عدة أمور وأشدّها الإعتداء في الدعاء ومن صوره :
* أن يُفصّل بدعاءه ولذا ورد في السنة أن عبدالله بن مُغفّل رضي الله عنه سمع ابنه يقول : " اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتُها ، فقال أي بُنيّ : سل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في هذه الأمة قومٌ يعتدون في الطَّهور والدعاء " أخرجه أبوداود في سُننه وهو حديثٌ صحيح .
* وكذلك أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم فمثلُ هذا يأثم ولا يؤجر ولا يُستجاب له .
ومن الأمور التي ينبغي أن يتجنبها : الدعاء برفع اليدين بعد الإنتهاء من الفريضة فإن ذلك بدعة إن داوم عليه وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رفع الأيدي في الدعاء بعد الفريضة فقال : " لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفريضة بل السنة أنه يذكر الله ويدعو لكن من دون رفع يدين بعد الفرائض الخمس أما بعد النافلة فلا أعلم بعد التتبع الكثير لاأعلم أنه رفع يديه بعد النافلة عليه الصلاة والسلام ولكن عموم الأحاديث الدالّة على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة يقتضي أنه لامانع من رفعها بعض الأحيان لايكون دائماً ، كما يرفعها إذا عنت له حاجة يرفع يديه ويدعو ولو من دون صلاة " انتهى كلامه ، فالمقصود من ذلك أنه يتجنب رفعها بعد الفريضة مباشرة لأن ذلك يُعدّ من البدعة وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الإبتداع في الدين فقال : " من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو ردّ " .
ومن الأشياء التي ينبغي أن يتجنبها عند الدعاء قوله : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت فتعليق الدعاء على مشيئة الله مكروه وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليُعظّم الرغبة فإن الله لايتعاظمه شيءٌ أعطاه " .
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم " طهورٌ إن شاء الله " للمريض الذي زاره من الأعراب ، فهذا كما قال الشيخ عبدالرحمن البرّاك : " أن هذا الأسلوب أسلوب خبر والخبر في مثل هذا يحسُن تعليقه على المشيئة ، مثال ذلك أن تقول : فلان رحمه الله أو اللهم ارحمه ، فلا يصحّ أن تُقيّد ذلك بالمشيئة ، بخلاف ما إذا قُلت فلانٌ مرحوم ، أو فلانٌ في الجنة ، فإنه لابد من التقييد بالمشيئة لأن الأول دُعاء والثاني خبر ، ولا يملك الإنسان الإخبار عن الغيب ، فإن أخبر عن ما يرجوه وجب تقييد ذلك بالمشيئة " .
ويكره للإنسان أن يدعو بدعوة ليس فيها حمد الله تعالى ولا الصلاة على نبيه فَضَالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته فلم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عجٍل هذا ثمّ دعاه فقال له أو لغيره إذا صلّى أحدُكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثمّ ليصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ ليدعو بعدُ بما شاء " أخرجه وأبو داود والترمذي في سننِهما وقال الترمذي : حديثٌ حسن صحيح .
وينبغي أن يدعو لنفسه بالخير ولا ينبغي أن يدعو على نفسه بتعجيل العقوبة له في الدنيا وفي صحيح مسلم أن رسولَ صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه " قال : نعم ، كنت أقول اللهم ماكنت به معاقبي في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله لاتُطيقه أو لاتستطيعُه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار " قال الراوي : فدعا الله له فشفاه .
وينبغي للعبد أن يتأدب مع الله جلّ وعلا في الدعاء فينتقي الألفاظَ الكريمة والعباراتَ المستقيمة ويبتعد عن الألفاظ القبيحة والأوصاف المستكرهه والأسماء المَهينة ، فاللهم وفقنا لأحسن الأقوال والأعمال وجنبنا سبل الزيغ والضلال ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============= الخطبة الثانية ==============
الحمدلله الذي هدى لطاعته ومرضاته ومنّ على عباده بجميل هباته وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد الذي أرسله إلى خلقه وبريّاته وأنزل عليه آياتِه صلى الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ ملءَ أراضيه وسماواته أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - واعلموا أن الله ذكر صورة من صور الإعتداء في العبادات في الحديث السابق ( حديث عبدالله بن مغفّل رضي الله عنه ) وهي الإعتداء في الطَّهور ، والطَّهور - بفتح الطاء - هو اسمٌ لما يُتطهر به وأما الطُهور - بضم الطاء - هو اسمٌ للفعل ومثله الوَضوء والوُضوء والسَّحور والسُحور ، وصور الإعتداء في الطّهور كثيرة منها :
* أن يزيد على الثلاث وهذه الزيادة على الثلاث ورد في التحذير منها نصٌّ نبوي ففي الحديث الذي أخرجه النسائي وأبوداود وأحمد رحمهم الله من حديث عمرو بن شٌُعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنه قال : " جاء أعرابي يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء ، فأراه الوُضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال :
( هكذا الوُضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم ) .
ثمّ إن الزيادة على ثلاث عمداً لايجوز كما أخبر بذلك أهل العلم ، وأما شكّاً فهو باب من أبواب الوسوسة فيجب على العبد الحذر منه وأن لايستجّره الشيطان فيُصاب مع مطاوعة هذا الشك بالوسواس القهري الذي استفحل خطره مؤخراً وهو عقوبة - نسأل الله العافية - لمن تعدّى الحد الشرعي في الوَضوء ، والأمر تمادى ببعضهم حتى خرج وقت الصلاة بسبب سيطرة الوسواس عليه ومطاوعة النفس والشيطان مع أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد حذّر من شيطان الماء وهو حديث فيه ضعف ولكن ذُكر في حديث مرسل للحسن البصري : " إن للوضوء شيطاناً يُقال له : الولهان ، فاحذروه ، وروى البيهقي في السسن الكبرى عن سفيان الثوري عن يونس بن عُبيد رحمه الله أنه قال : " كان يُقال إن للماء وُسواساً فاتقوا وسواس الماء " .
وأيضاً يقع من يزيد على الثلاث بالإسراف في الماء إسرافاً لاحدّ له ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بسعد بن مُعاذ رضي الله عنه فقال له : "ماهذا السَّرَف ياسعد ؟ قال : أفي الوضوء سرَفٌ يارسول الله قال : " نعم ، ولو كنت على نهرٍ جار ٍ" .
* ومن صور الإعتداء في الطهور القصور عن الحد الواجب وهو الغسل مرة واحدة ولكن لايُسبغه ولا يأتي به على الوجه المطلوب ومن النصوص النبوية المشتهرة في هذا الشأن : " ويلٌ للأعقاب من النار " فالوُضوء عبادة وشرطٌ لقبول الصلاة فالإخلال به سبب لردّ الصلاة وعدم قبولها .
ويدخل في الإعتداء أيضاً مخالفة طريقة النبي صلى الله عليه وسلّم عمداً وتأويل النصوص كما يفعل الرافضة الذين يمسحون أرجلهم ولا يغسلونها لأن الله قال كما يزعمون : ( وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين . . ) وهذا جهلٌ باللغة العربية وبدين الله والأرجل معطوفة على الوجوه والأيدي ولو كانت معطوفة الممسوح وهو الرؤوس لقال : " وأرجُلِكم " بكسر اللام لابفتحها وهذا واضحٌ لمن تأمله . . فنسأل الله الفقه في الدين وحسن عبادته حتى اليقين ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق