الأربعاء، 2 فبراير 2022

خطبة عن فضل الصحابة رضوان الله عليهم

 الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى والبينات والفُرقان إلى الثقلين الإنس والجان ، أحمده سبحانه وهو العزيز المنّان وأصلي وأُسلم على النبي المختار صلاة وسلاماً دائمين دائبين على مرّ الزمان وعلى صحبه وحزبه أهل الفضل والعرفان الذين ساروا على نهجه حتى فارقوا الأهل والخلاّن ، وبذلوا في حياتهم المُهَج والأبدان وجاهدوا في الله مع نبيه أهل الكفر والعصيان حتى علت راية التوحيد على سائر الأوطان والبلدان وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين بإحسان أزكى الصلاة والتحايا من رب البرايا  أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : على مرّ العصور كان لكل نبي أصحابٌ يأخذون عنه شرع الله ويطبقون وصاياه ويستنون بسنته ويهتدون بهديه فكان لموسى عليه السلام أصحابٌ ولعيسى حواريون مقرّبون ولمحمد صلى الله عليه وسلم أصحابٌ أجلاّء وهم خير أصحاب الأنبياء على الإطلاق ، وقد جرى على جميع صحب الرسل الإبتلاء فجرى أصحاب موسى أنه أمرهم ذات مرّة أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي أرض فلسطين اليوم فأبوا بحجّة أن فيها قوماً جبّارين وكان يحكمها  رجال من الحيثانيين والكنعانيين  والفزريين كما ورد في المراجع وقال رجلان منهم وهم يوشع بن نون وكلاب بن يافنا ( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون * وعلى الله فتاوكلوا إن كنتم مؤمنين ) فأبوا أن يدخلوها وقالوا كلمتهم لموسى ( إنا لن ندخلها أبداً مادموا فيها فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) وحرّم الله دخولها عليهم أربعين سنة كما ورد في كتاب الله ، ومات موسى عليه السلام على حدود أرض فلسطين عليه السلام ومات جلّ أصحابه في أرض التيه في سيناء إلا هذان الرجلان منهم فدخلوها منتصرين فيما بعد وقد قيل أن يوشع بن نون وهو نبي من أنباء بني اسرائيل  سأل الله أن تُحبس له الشمس لكي يدخل الأرض المقدسة فاتحاً منتصراً بمن معه فأجيب لذلك وقد ورد في السنة أن الشمس لم تُحبس لنبي إلا له ، ولايوجد نبي يشبه نبياً قط في جهاده ودعوته كما يُشبه موسى نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وسلم فيشبهه في الجهاد لأعداء الدين عامّة وفي جهاد قومه خاصّة ويُشبهه بكثرة الأتباع وأنزلت التوراة كتاب في أحكامٌ وتشريع وكذلك القرآن أعمّ وأشمل وأما عيسى فلم يجاهد حتى رُفع عليه الصلاة والسلام وسيرجع يجاهد أعداء الدين في آخر الزمان . 

عباد الله : وجرى على أصحابه الإبتلاء وابتلوا في إيمانهم لمّا رأى عيسى عليه الصلاة والسلام كفر بني إسرائيل حيث ييقول جلّ وعلا : ( فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنّا مسلمون )  ولما رُفع عيسى عليه السلام وألقي شبهه على بعض أصحابه فأمسك به اليهود وقتلوه وصلبوه ثم عدوا على أصحابه فيما بعد فعذبوهم وأورد ذلك ابن الجوزي رحمنا الله وإياه في كتبه : " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " ونسبه لابن إسحاق وهو محمد بن اسحاق المدني الذي توفي في منصف القرن الثاني الهجري  .

وأما أصحاب نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهم من أشدّ الناس بلاءاً وذلك لمحبة الله لهم ولسابقتهم لهذا الدين ولقوة إيمانهم وصبرهم وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل ؟ أي الناس أشد بلاءاً قال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، فيُبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقّة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ماعليه خطيئة " أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه . 

فهاهو أبوبكر رضي الله عنه يضرب حتى يسيل الدم على وجهه وضُرب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأوذي من أجل ترك الإسلام والرجوع إلى الشرك فأبى وهاهو عمار يعذبه المشركون هو وأبوه وأمه رضي الله عنهم أجمعين فلا يصده ذلك عن دين الله وكان يسميه النبي صلى الله عليه وسلم بالطيّب المُطيّب وهاهو بلال رضي الله عنه  يُعذّب في بطحاء مكة ويفرش جسده في الظهيرة ويُلقى على صدره صخرة عظيمة فيأبى أن يرجع عن الإسلام ويقول أحدٌ أحد رضي الله عنه وكذلك وخباب بن الأرتّ وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم والذين منهم لم يتعرض للتعذيب في السِّلم تعرّض للتعذيب في الحروب ، كما جرى لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة فقد قُطعت يمينه وشماله ولم يتوانى بحمل الراية حتى سقط شهيداً وكذلك قُتل فيها زيد بن حارثة وكذلك عبدالله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين هكذا كانوا في المعارك سواء مع النبي صلى الله عليه وسلم في معاركه مع المشركين أو حين يبعثهم سرايا وغُزاة فكانوا يُبلون بلاءاً حسناً ويُقدمون ويبذلون الغالي والنفيس من أجل نصرة هذا الدين ورفع كلمة الله في كل بلد ووطن يطؤونه . 

عباد الله : فضل الصحابة على هذه الأمة عظيم وأجل من أن يُحصر وحفظهم للسنة وبذلهم للعلم وتعليمهم للناس وجهادهم بكل مايملكون من قولٍ أو عمل يفوق الوصف والتعبير ، ولذا كانوا أئمة في الدين ومشكاة هدى ومشاعل نورٍ وهداية بداية بالخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك الناس بسنتهم بعد سنّته عليه الصلاة والسلام فقال : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ " ومروراً بسائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقد روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : " اقتدوا بالّذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد عبدالله بن مسعود " وفي رواية : " وماحدثكم ابن مسعودٍ فصدقوه " وأما قوله وتمسكوا بعهد ابن مسعود أي بما يوصيكم به وينصحكم بفعله رضي الله عنهم وعنّا أجمعين أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله الذي بيده الفضل والإحسان أحمده وهو اللطيف المنّان وأصلي وأسلم على المبعوث بالكتاب المنزّل والتبيان وعلى آله وصحبه أولي المكارم والعرفان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله جلّ وعلا امتدح صحابة نبيه وقد ذكر لهم مثلاً مشرّفاً  في التوراة والإنجيل فامتدحهم في الكتب المنزلة رضوان الله عليهم أجمعين وبين أن من كره أعيانهم فهو كافرٌ كما قال الله تعالى في كتابه : ( محمدٌ رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سُجداً يبغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كرزع ٍ أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما ) ولذا قال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله وإيانا أجمعين : " من أصبح في قلبه غيظ على أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية . 

عباد الله : معرفة حق الصحابة والترضي عنهم والدعاء لهم نهجٌ أمر الله به عباده في كتابه حيث قال جل وعلا : ( والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم ) فهم قومٌ رضي الله عنهم كما قال تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم )  ومن أشد ماوري في فضل الصحابة رضوان الله عليهم ماأخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه ( فضائل الصحابة ) عن عبدالله بن مُغفّل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله الله في أصحابي ، لاتتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ، ومن آذى لله يوشك أن يأخذه " وكذلك حديثٌ أخرجه الطبراني ورواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سبّ أصحابي فعليه لعنه الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين " وهذا الحديث يصححه بعض أهل العلم وقد ورد بألفاظ كثيرة . 

عباد الله : الإطلاع في سيرة الصحابة ومن تبعهم من أخيار هذه الأمة يزيد في الإيمان والصبر ويجعل العبد يحذو حذوهم ويجاهد نفسه كجهادهم لأنفسهم ويسلّي العبد فيما يصيبه من بلوى ومشقة في هذه الحياة ليصعد في درجات الإيمان عند الله بصبره وعزيمته فكم من موقف لصحابي أو تابعي من السلف كان له تأثير كبير على من أتى بعدهم من الخلف وكل ذلك لايُنال إلا بالإخلاص والصدق مع الله في أحوال العبد كلّها جعلني وإياكم من عباده الصادقين المخلصين ومن حزبه المفلحين وأولياءه المتقين ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاو والسلام عليه . .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...