فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : كثيراً مايأمرالله جل وعلا في كتابه بالسير في الأرض للتدبر والذكرى ومعرفة عاقبة الذين كفروا ومن ذلك يقول جل وعلا : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) وقال سبحانه : ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ) وقال للتأمل وإحياء القلوب ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وقال جل ذكره : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيءٍ قدير ) . . والله جل ذكر السياحة والسير في كتابه في عدة مواضع ومن ذكره للسياحة قوله في صفات المؤمنين : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشّر المؤمنين ) وقال لأمهات المؤمنين في صفات النساء ( عسى ربُّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلماتٍ مؤمناتٍ قانتاتٍ تائباتٍ عابداتٍ سائحاتٍ ثيّباتٍ وأبكارا ) والسياحة في كتاب الله ليس كما يظن البعض بأنها السفر للمتعة وسبر الديار وإنما هو الصيام وقد ساق ابن جرير بتفسيره أسانيد كثيرة تؤيد هذا القول وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السائحون هم الصائمون) وسُمّي السائح صائماً لأنه يترك اللذات كالمسافر الذي يخرج من بلده حيث كان السفر في ذلك الوقت أكثر مشقة وجهداً ونصباً من وقتنا الحاضر وقد ورد مثل هذا القول عن سفيان بن عيينة وذُكر عن ابن قتيبة أنه قال : "السائحون: الصائمون، وأصل السائح الذاهب في الأرض.. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات فشبه الصائم به لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح ".
والسياحة ياعباد الله في بلاد الكفار مما حرّمه العلماء إلا للضرورة القصوى وخصوا من ذلك من يسافر للدعوة أو للعلاج أو للعلم الضروري التي تحتاجه الأمة وأما السفر للسياحة والإستطلاع فقد حرّمه أهل العلم وحتى السفر للتجارة وقد وردت فتوى لابن باز سئل فيها أسئلةً متعددة ومن ذلك سائلٌ يسأل فيقول : " نلاحظُ تناقضاً كبيراً بين المسلمين في القول والعمل فالمسلمون الذين يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعتادون المساجد ويؤدون الفرائض نجد من بعضهم سلوكاً يختلفُ عن سلوك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعندما يسافر أحدٌ من الناس إلى أوروبا التي أصبحت بلا دين بعد أن تركت تعاليم الكنيسة يعود المسافر ويقول : لقد رأيت أخلاقاً أفضل من أخلاق المسلمين فبماذا توجّهون أمثال هؤلاء وفقكم الله ؟ "
فأجاب رحمنا الله وإياه بقوله : " لايجوز السفر إلى بلاد أهل الشرك لأن السفر إليهم من أسباب الضلالة ومن أسباب الرجوع عن الدين ، ومن أسباب سماع شُبَههم وضلالاتهم وكيدهم للإسلام ، فربما ضل بأسبابهم ، وما يلقون عليهم من الشُبَه ، فلا يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلاد أهل الشرك ولا الإقامة بينهم ، لما في هذا من الخطر العظيم ، ولما يُلقونه من الشُبه ، ولما يراه من الفساد العظيم هناك من الشركيات والزنا واللواط وسائر المعاصي الكثيرة ، فرُبّما تأثر بها وزاغ قلبه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( أنا بريءٌ من كل مسلم يُقيم بين المشركين ، لاتراءى ناراهما ) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من جامع المشرك - أي اجتمع معه - أو سكن معه فهو مثله ) فيجب على المسلم أن يحذر السفر إلى بلاد أهل الشرك والإقامة بينهم ، لا للتجارة ولا غيرها ، فيجب الحذر ولا سيّما في هذه الأوقات التي كثُر فيها الشرك والفساد وانتشر فيها الكفر والإلحاد ، فينبغي الحذر ، اللهم إلا أن يكون ذا علمٍ وذا بصيرةٍ يدعو إلى الله ويُعلّمُ الناس الخير ويرشدهم إلى الحق فهذا معذور ، لأنه يدعو إلى الله ويُظهر دينه فهو نافعٌ هناك وقد يهدي الله على يديه جمّاً غفيراً ، أما الجاهل والذي ليس عنده بصيرة في دينه ، فهذا يجب عليه الحذر وأن لا يسافر ، أما كونه يغترُّ بأخلاقهم وأعمالهم فهذا من جملة الفساد الذي يُخشى منه ، فقد يغترّ بهم من جهة ماعندهم من صناعات أو اختراعات أو أشياء أخرى تغرّ هذا المسكين الجاهل الذي لايعرفُ الإسلام ولا احكام الإسلام وإنما يعرفُ بعض المسلمين وبعض المسلمين عندهم أخلاقٌ سيئة . . عندهم كذبٌ ، عندهم ربا ، عندهم زنا ، عندهم شُرب مسكر ، ليس كل مسلمٍ متحفظاً تاركاً لما حرّم الله عليه ، فقد يغترّ هذا المسكين الذي سافر إلى بلاد الشرك ويرى عند أولئك شيئاً من أخلاقهم الدنيوية المعيشيّة فيغتر بها ، فيجب الحذر من السفر إليهم والإقامة بينهم ويجب على المسلم أن يعتصم بدينه ويتمسّك بدينه ويُكثر من قراءة القرآن وتدبّر القرآن حتى يعرف دين الله وهكذا يتبصر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه الذين هم خير الخلق بعد الأنبياء حتى يعرف أعمالهم الطيّبة وسيرتهم الحميدة وجهادهم الصادق ، فيعلم أنهم هم أهل الخير وهم القدوة وهم السادة وهم الذين ينبغي التأسي بهم والسير على مناهجهم ، وإذا خالفهم من من بعدهم من المسلمين في بعض الأخلاق فاللوم على من خالفهم وتنكّب طريقهم ، فعليك - ياعبدالله - أن تسلك الطريق المعروف الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وسلكه أصحابه في الأخلاق والأعمال والسيرة ، ولا تغترّ بمن حاد عن طريقهم من المسلمين أو غيرهم نسأل الله السلامة " انتهى كلامه رحمه الله .
معشر الشباب وأولياء الأمور : ثقافة السفر والسياحة التي أصبحت مع الأسف رائجة عند كثير من البيوت التي تُصرف فيها أموال طائلة تجاوزت حدّ الإسراف بلا مبرّر سوى المتعة لاشك أن ذلك وبالٌ على أهله وذلك ان الإنسان يُسأل سؤال محاسبة عن تلك الأموال التي ضيّع كما أخبر بذلك المصطفى عليه السلام كما في الحديث الصحيح : " لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمُره فيما أفناه ؟ وعن علمه فيمَ فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟ " .
فسؤال الله للعبد ومحاسبته ليس بالأمر الهيّن وذلك أن من نوقش الحساب عُذّب ففي حديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نوقش الحساب عُذّب ) فقالت : " أوليس يقول الله تعالي : ( فسوب يُحاسب حساباً يسيراً ) فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك " فنسأل الله العافية لنا ولكم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم أنه هو الغفور الرحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أتقى خلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
التفاخر والمباهاة - ياعباد الله - مرضٌ استشرى في مجتمعنا وبلغ حدّ السُخف والحمق وسطحيّة العقول والطيش وكل ذلك بسبب تصدير مشاهير في مواقع التواصل الإجتماعي ركبوا موجة الشهرة وتصدير الذات على قصورها وجذب متابعين ليس همهم إلا ماتمليه أهوائهم وأنفسهم ويتبعون الملذات والشهوات ويتفاخرون بالمآكل والمشارب وبالسفر للبلد الفلاني والبلد الفلاني وبعضهم كاذبٌ فيما يقول ، وبلغ ببعضهم من يصوّر نفسه مع كأس أو وعاء أو مكان لكي يُري من يتابعه من باب التفاخر والعُجب ولا يهمه انكسار قلب فقير أو صاحب عاهة مرضيّة أو يتيم أو نحو ذلك ، فهذا لاعبٌ كرة يتباهي ويتفاخر أمام متابعيه ، وهذا شابٌ ذا طيش وخفة عقل يتباهى بسخافاته أمام زملائه بل حُكي أن بعض المعلمين والمعلمات يُوردون مثل هذه الأشياء لا لهدف تربوي ولكن لتفاخر شخصي مع الأسف وهذا شرٌ وبلاء وفتنة فلا بد من الترّوي وإحكام العقل في هذا الموضوع ، والتفاخر بهذه الأمور يجرّ لعواقب وخيمة ومساوئ وسلبيات يطول ذكرها وربما فقد تلك النعمة بسبب عين حاسد قلبت عليه حياته رأساً على عقب أوحُرقة ضمير من فقير لايجد مايأكل من الخبر اليابس فضلاً عن طعام يُشبعه فلنتق الله ، وتجد أيضاً مع الأسف من ابتُلي بهذا التفاخر والتباهي لو دُعي للإنفاق في وجوه الخير لأبى أن يشارك بأدنى مبلغ مالي ، مع أنه يعلم أن من حوله من الديار كالشام واليمن وغيرها تتلوى بطون صبيانهم ونسائهم من الجوع وليتذكّر قول الله تعالى : ( ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم ) وإن بداية هلاك العباد يكون بفسق المترفين وبَطَر المسرفين وعدوان الظالمين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ويقول سبحانه : ( وكم أهلكنا من قرية بطِرَت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلا وكنّا نحن الوارثين ) فادرأ ياعبد الله عنك عذاب الله بفعل مايرضيه وتجنّب مايسخطه ويغضبه ، فمن أسخط ربّه فأي سماء تُظلّه وأي أرضٍ تؤويه . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق