الثلاثاء، 15 فبراير 2022

خطبة عن عوائق الطرق والآبار المكشوفة وخطرها وآثارها

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من كمال هذا الدين وعدله أن أمر شارعه وهو ربنا جل وعلا بحفظ الأنفس من التلف والإتلاف وكذلك الأموال وجعل حفظ النفوس والأموال من الضروريات الخمس التي أتت بحفظها الشرائع والله جل وعلا بين أن النفوس معصومة وحرّم الله سفك دمها أو التسبب بموتها وإلحاق الضرر بها بأي صورة كانت وتجريم وتعزير من يفعل ذلك ، وليس حفظ النفس واجبٌ على ولي الأمر فقط بل هو واجبٌ وفرضٌ على المجتمع المسلم كلّه ولذا ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " قُتل غلامٌ غيلة وذلك في اليمن - فقال عمر : لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به " وهذا الحديث من إخراج البخاري ، ومن حفظ النفوس - ياعباد الله - إزالة كل عائق يكون بطريق أو مكان يأوي إليه الناس وذلك إبعاداً للضرر عن المسلمين كافة والمصطفى صلى الله عليه وسلم بين أن من شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق ومن إماطة الأذى عن الطريق الإبلاغ للمسؤول المعني بذلك عن كل مايؤذي المسلمين سواءاً كانت شجرة أو حُفرة أو أي نوعٍ من المؤذيات في الطريق إذا كان لايستطيع إزالته بنفسه .
عباد الله : كثُرت في وقتنا هذا الدحول والصدوع والآبار المكشوفة في الأراضي البرية التي تؤذي أو تهلك المتنزهين وذلك لجهلهم بالمكان الذي يرتادونه ، وأكثر مايتعرض لذلك إما الأطفال وإما أصحاب الدراجات النارية ويأتي بدرجة أقل سائقوا السيارات وترك الإبلاغ عن مثل هذه الدحول أو الآبار المكشوفة يُعرض النفوس للهلاك أو الضرر فلذا ينبغي التعاون على البر والتقوى في هذا المجال وقد خصصت له الجهات المسؤولة الرقم 939 لتسهيل عملية الإبلاغ والحل لمثل هذه المخاطر التي تهدد حياة المتنزهين ومرتادي البراري والأودية والشعاب .
عباد الله : ومما يُعيق الطريق ويؤذي المارّة البهائم السائبة التي تُترك بلا رعاية ولا حفظ وهذا يأثم صاحبها إثماً عظيماً إذا فرّط في حفظها وذلك حينما يتسبب بحوادث مُهلكة لقواد المركبات بسبب إهماله هذه البهائم وهو مسؤولٌ عن تفريطه بحفظ هذه البهائم من الإضرار بالمارّة .
عباد الله : في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العجماء جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار وفي الركاز الخُمُس " ومعنى جُبار أي هدر لاضمان فيه وهو نص عام مقيّد بما سيذكر ، وهذا الحديث يتناول البهائم السائبة والآبار المكشوفة ويقول النووي رحمنا الله وإياه : " العجماء جُبار فمحمولٌ إذا ماأتلفت شيء بالنهار أو بالليل بغير تفريط مالكها " وقال الحافظ العراقي : قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور : " إنما يجب الضمان على أصحاب البهائم إذا كان ذلك نهاراً ، فأما إذا كان بالليل فإن عليهم حفظُها ، فإذا انفلتت بتقصير منهم وجب عليهم ضمان ماأتلفته ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبوداود والنسائي وابن ماجه من رواية الزهري عن حرام بن محيِّصة الأنصاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطاً فأفسدت فيه ، فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها ، وأن على أهل المواشي ماأصابت ماشيتهم بالليل " وهذا الحديث معشر الإخوة يقيّد حديث " العجماء جُبار " فليس معنى الحديث أن ما أتلفت البهيمة غير مضمون في كل حال وإنما من فرّط فيها بالليل فيضمن .
وأما قوله : " والبئر جُبار " أي هدر أي لاضمان على صاحبها إذا كانت في أرضه وسقط فيها إنسان ، وقد بوّب البخاري : " بابٌ من حفر بئراً في أرضه لم يضمن " ويقول النووي أيضاً في قوله : " البئر جُبار " : أنه يحفرها في ملكه أو في موات - أي أرضٍ موات - فيقع فيها إنسانٌ أو غيره ويتلف فلا ضمان ، وكذا لو استأجره لحفرها فوقعت عليه فمات فلا ضمان .
وأما قوله : " والمعدن جُبار " أي أنه لو استأجر للعمل في المعادن والحديد فهلك بسبب ذلك إفلا شيء على من استأجره إذا لك يكن فرّط في ذلك ويؤيد ذلك روايةٌ أوردها الإمام مسلم في صحيحه : " والمعدِن جرحُها جُبار " ويقول ابن حجر صاحب فتح الباري شرح صحيح البخاري : " ويلتحق بالبئر والمعدِن كل أجير على عمل كمن استؤجر على صعود نخلة فسقط منها فمات - أي أنه لايضمن - ردّ الله عنا وعنكم الشرور والمخاطر ووفقنا لكل عمل يرضى به عنّا
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم

=============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - " واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايظلمون "
عباد الله : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أن في الركاز الخُمُس والركاز هو أموال مدفونة من عصر الجاهلية وعليها علامة تدل على ذلك وسمّي ركازاً لأنه مركوز وثابت مستقر في الأرض التي وُجد بها .
ويجب إخراج الخمُس لبيت مال المسلمين والباقي لواجده ، ولا يدخل في الركاز المعادن الموجودة في باطن الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغيرها ، ولا يدخل في الركاز ماعليه علامة للمسلمين أو لدولة إسلامية بائدة فإن هذا يسميه الفُقهاء لُقَطة يملكها صاحبُها إذا تقادم عهدها وإن كانت حديثة فيجب تعريفُها والبحث عن أصحابها عاماً كاملاً فإن لم يجدْ صاحبَها ملكَها من وجدها على أن يردها لصاحبها إن وجده فيما بعد ، وقد جاء في الموسوعة الفقهيّة : " أن لا خلاف بين الفُقهاء في أنّ دفين أهل الإسلام لُقطة ، وقال ابن قُدامة في المغني : " وإن كان على بعضه - أي الركاز أو اللقطة - علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك - أي لُقطة - لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم ولم يُعلم زواله عن مِلكِ المسلمين ، فأشبه مالو كان على جميعه علامة المسلمين " وذكر في الموسوعة أيضاً أن قول ابن قدامة هذا هو قول بقيّة الفقهاء وليس الحنابلة وحدهم ، ومن اشترى أرضاً ووجد فيها ركازاً من دفن الجاهلية فالصحيح أنه لمن اشترى الأرض أو وُهبت له وهو مذهب الإمام احمد في رواية وبعض المالكية لأن الرّكاز لايُملك بمُلك الأرض وإنما يُملك بالظهور عليه " .
ومن وجد ركازاً في بلد غير إسلامي فإن الخُمُس يوزعه على الفقراء والمحتاجين ولا يعطيه لحكومة الدولة الكافرة كما ذكر ابن باز رحمه الله ، وهذا النصيب من الزكاة ( أي الخُمس ) هوخاصٌ بالركاز وكذلك الغنائم في الحروب ونصيب الزكاة المشتهر في الأموال هو ربع العشر كما تعلمون إلا ماكان في الخارج من الأرض فما سُقي منه بمؤونة وكُلفة نصف العشر وما سُقي بلا مؤونة ولا كُلفة العشرُ منه ، فاللهم أعنا على طاعتك ومرضاتك في كل أحوالنا وأعنا على أمور ديننا ودنيانا إنك أنت المستعان وعليك التكلان . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عزّ من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...