الاثنين، 11 يوليو 2022

خطبة عن الزيارة للإخوان والأقارب

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الزيارات الأخوية بين الأقارب والإخوان والزملاء عملٌ صالح يكسب المرء به المعارف والخبرات ويؤجر عليه العبد إذا احتسب ذلك عند الله فهو خيرٌ من شخص متقوقعٍ ٍعلى نفسه وانطوائي على أهله وجماعته لايهتم بمن حوله من الناس إلا في إطار مصلحته ، ولو سألت أي مسلمٍ يدب على وجه الأرض ماردة فعلك وكيف سرورك عندما يناديك الآن منادٍ كم السماء " أن طبت وطاب ممشاك وتبوّأت من الجنة منزلا " فيقول لك مندهشاً أنا أريد ولا أظن أن أحداً يأبى ذلك ، فيقال له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوّأت من الجنة منزلاً "  أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . 

عباد الله : إن الزيارة الأخوية من عوامل جلب محبة الله تعالى ومن أحبّه الله وُضع له القبول في الأرض وأحبه كل أحد ففي الحديث الصحيح : " أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه ، قال : " أين تُريد ؟ " قال : أخاً لي في هذه القرية ، قال : " هل لك عليه من نعمةٍ تربُّها عليه ؟ " قال : لا ، غير أني أحببته في الله تعالى ، قال : " فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه " والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه  . 

عبادالله : الناس مع الزيارات بشكلٍ عام على ثلاثة أقسام : 

- فقسمٌ يحتسب هذه الزيارات في الله في كل مرة يغدو ويذهب فيها إلى صاحبه أو أخيه المُزار طلباً للأجر والثواب وحرصاً على نيل الفضل والكرامة من الله وليس ضيفاً ثقيلاً حين الزياة فيطيل المُكث حتى ينفر منه المضيّفُ والحاضرون مع حرصه على حفظ لسانه من القيل والقال والغيبة والنميمة ولغو الكلام فهذا عند الله بأعلى المنازل وأفضل المقامات ، وهو أشد الناس اتباعاً للمصطفى عليه الصلاة والسلام فهذه المجالس التي يجلسها وهذه الزيارات التي يقوم بها نورٌ له وسرور في صحيفة أعماله . 

- وقسمٌ منهم دون الأول فتجد أنه يحتسب بعض تلك الزيارات دون أكثرها وبكونه مطبوعٌ على حب تلك اللقاءات والإجتماعات فتجد أنه اعتاد عليها ، فلا يتخلى عنها حتى في المواسم الفاضلة التي يعتاد الناس فيها على ارتياد المساجد والسعي للعمل الصالح فغالب زياراته من باب الأنس والفضول وحب الإجتماع فقط ، ويفوته أكثر الإحتساب فيها ، ومثل هذا تجد أنه لايسلم من الغيبة واللغو والكلام الباطل والمُزاح الشديد الذي يثير الصدور والحقد بين أصحاب تلك المجالس ، فهذا أفرط في هذه الزيارات وتجاوز الحد المسموح بها مما أوقعه في المحرم مهو مأزور غير مأجور فيما تجاوز به ، ومأجور فيما احتسبه منها ، والسبيل القويم في ذلك الإقلال من هذه الزيارات في حقه وسلوك سبيل الإعتدال فيها فلا إفراط ولا تفريط . 

- وقسمٌ لايعرف لمثل هذه الزيارات سبيلاً وزيارته فقط لاتباع مصالحه ، علاقته مع الناس علاقة دنيا ، لايجيب دعوة ولا يعرف حقاً لكبيرٍ مريض ربما يكون من أقاربه الذين تجب زيارتهم ، مع تحذر النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من قطع الرحم ، وكذلك أخبر أن من الناس من لايألف ولا يؤلف لاخير فيه ، ففي حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يألف ويُؤلف ولا خير فيمن لايألف ولا يؤلف " رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني وغيرهم  . 

عباد الله : لاشك أن مثل هذه الزيارات تتآلف فيها القلوب وتصلح معها الأنفس وتتواد معها النفوس ، إن سلمت من المنغصات والإثم ، وربما تصالح بسببها متشاحنون وتآلف بها متنافرون ، فطوبى لمن استمثر مثل هذه المجالس وتلك الزيارات بما ينفعُه وينفعُ غيره من الناس ، وسعى في الإصلاح بين متعادين أو زاد في ألفةٍ بين الزائرين مع أن بعض تلك الزيارات هي من حق المسلم على المسلم  ، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حق المسلم على المسلم ست " قيل وما هنّ يارسول الله : " إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصحه له ، وإذا عطس فحمد الله فشمّته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه " رواه مسلم ، وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال :  " حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " متفق عليه .

فاللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات واعصمنا من الخطايا والسيئات يارب العالمين أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============ الخطبة الثانية =============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وعلى من تبعه إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنه مما ينبغي معرفته أن حقوق المسلم التي وردت في الأحاديث السابقة منها ماهو واجب عيني يجب على المسلم بعينه ومنها ماهو واجب كفائي إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ومنها ماهو مستحب ، ولمّا أورد الشوكاني في كتابه " نيل الأوطار " ذلك الحديث الذي فيه إثبات الحقوق الستة الآنفة الذكر قال : " والمراد بقوله : ( حق المسلم ) أنه لاينبغي تركه ويكون فعله إما واجباً أو مندوباً ندباً مؤكداً شبيهاً بالواجب الذي لاينبغي تركه ، ويكون استعماله في المعنيين من باب استعمال المُشترك في معنييه ، فإن الحق يُستعمل في معنى الواجب كذا ذكره ابن الأعرابي ، وكذا يُستعمل في معنى اللازم ومعنى الصدق وغير ذلك ، وقال ابن بطال : " المراد بالحق هنا الحُرمة والصحبة " .

عباد الله : رد السلام واجب إذا كان السلام على واحد ، وإذا كان على جماعة كان فرضاً على الكفاية ، وأما عيادة المريض ففرض كفاية ، وكذلك واتباع وتشييع الجنازة كذلك على الكفاية ، وأما تشميت العاطس فالصحيح أنه واجب على الواحد الذي مامعه أحد ، وفرض كفاية على الجماعة إن شمّت واحد كفى عن الباقين ، وأما بذل النصيحة لمن استنصح أحداً من المسلمين فواجب ، وأما إجابة الدعوة فواجبة إذا دُعي الرجل بعينه ، وأما إذا كانت عامّة فلا يجب إجابتها وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " بئس الطعام طعام الوليمة يُدعى إليها الأغنياء ويُترك المساكين ، فمن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله " أخرجه الإمام مالك في الموطأ ، ومع أن طعام الوليمة كما ورد بنص آخر يُمنعها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها وهي شرّ الطعام كما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يعذر الله ورسوله من يتخلّف عنها كل ذلك لجبر الخواطر وتـأليف القلوب وزرع المودة والمحبة بين الناس ومشاركة أفراحهم إيناساً لهم وكل مافيه جمعٌ للقلوب والتأليف بينها أمر به الشرع ، وكل مافيه فرقة ونزاع وتنافر بين القلوب في المجتمعات المسلمة نهى عنه الشرع ، فاللهم لك الحمد على تمام شرعك المحكم ، ونعمتك وفضائلك ياأعز ياأكرم . . ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...