الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

خطبة عن الطلاق وآثاره

 الحمدلله الذي بقدرته خلق الزوجين الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تُمنى ، وله المثل الأعلى ، والحمدلله الذي بيده الآخرة والأولى ، وأنعم على عباده وأولى ،  والصلاة والسلام على المبعوث بالحق والهدى ، إلى جميع الخلق ولم يتركهم سُدى وعلى آ له وصحبه ومن لزم صراط ربه واهتدى ، أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون بها والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) . 

عباد الله : كلٌ منا يسعى لحياة مستقرّة وبيت ٍأُسري خالٍ من المنغصات والمشاكل الزوجية وإن أكبر خطرٍ يهدد البيوت ويقض أركانها هو الطلاق الذي بدأت آثار انتشاره تبدو واضحة في مجتمعنا والعالم الإسلامي إلا من رحم الله ، ولا شك أن الزوجة الصالحة - ياعباد الله - هي خير مايدّخر العبد ويحوز في دنياه ، وذلك أن الزوجة بشكل عام  هي في الواقع قاعدة للبيت وإذا كانت صالحة فهي صلاح لدينك ودنياك وصلاحٌ لولدك الذي تبني عليه آمالك وتؤمل فيه ، ولذا ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أُنزلت في الذهب والفضة - أي قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم ) لو علمنا أي المال خيرٌ فنتخذَه ، فقال - أي صلى الله عليه وسلم : " أفضله لسان ذاكر وقلبٌ شاكر وزوجة مؤمنة تُعينه على إيمانه " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ، وفي رواية في مسند الإمام أحمد : " وزوجة صالحة تُعينه على أمر الآخرة " . 

عباد الله : إن أعظم سبل الشيطان وسبب ضياع الأبناء والبنين هو اللجوء إلى الطلاق ، فيفرّق الإنسان شمله بسبب لحظة غضب يندم عليها ابن آدم أشدّ الندم ، وتضيع بسبب ذلك الموقف أسرتُه ، فليتق اللهَ العبدُ المؤمن ويتعامل مع الغضب وذلك الموقف بالحكمة والبصيرة والعقل ، وليصبر ولا يضع مستقبل نفسه وأبناءه وأسرته رهن موقف واحد وليعالج الأمور بالتي هي أحسن ، وإن من أشد مايفرح به الشيطان وشياطين الإنس والجن وقوع الطلاق وتشتت الأسر ، فإن هذا يُرضي شهواتهم بسبب ذواتهم الشريرة وسرائرهم الخبيثة وفي الحديث : " إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثمّ يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، فيقول : فعلتُ كذا وكذا ، فيقول : ماصنعتَ شيئاً ، قال ثم يجيئ أحدهم فيقول : ماتركتُه حتى فرّقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : " نعم أنت " قال الأعمش أُراه قال : " فيلتزمُه " رواه مسلم . 

عباد الله : إن الله لم يشرع الطلاق لتفرقة البيوت وحاشاه جلّ وعلا ، ولكن الله شرعه لتُحلّ مشكلة ، وليس لتُفرق أسرة ، ولتُفرّج كربة ، وليس ليفرح عدو ، ولتؤدى حقوق ، وليس لتضيعَ أسرة  ، وبعض الناس - هداهم الله وعافاهم - يستخدمون هذا الطلاق أسوأ استخدام فالأصل في البيوت أنها قائمة شامخة بأهلها موطدة الأركان وثابتة البنيان ، ولذا كان الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ولذا كان الطلاق تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة : فيباح عند الحاجة الشديدة ، ويُكره عند عدمها ، ويجب عند عدم رجوع الزوج لزوجته وإهماله لحقها ، فإن الله رصد لمن يترك معاشرة زوجته أربعة أشهر ، فإن رجع الزوج لزوجته وإلا وجب الطلاق إن طلبت الزوجة ذلك ، ويحرم الطلاق في حال الحيض ، وفي حال طُهر المرأة إذا جامعها فيه ، ويستحب أو يُندب إذا فرّطت المرأة في حقوق الله الواجبة كالصلاة أو تكون - لاقدر الله - غير عفيفة أو نحو ذلك .

إن البيت المستقر ياعباد الله من النعيم في هذه الدنيا وكان من دعاء السلف " اللهم إني أسألك عيشة هنيّة وميتة سويّة ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح  " فالبيت المطمئن والأسرة المستقرة من أفضل النعيم ، ومن رزقه الله ذلك فليكثر من حمد الله تعالى وشكره ، فإن من البيوت من تئن ، إما من تشتت سببه طلاق ، وإما من ضياع أفراد سببه انفصال بين الزوجين وافتراق ،  وإما من انحراف سببه قلة مسؤولية ونقص ديانة وعدم متابعة للأبناء والبنات بعد حدوث الطلاق  فاللهم أصلح أحوال المسلمين ، وأصلح ذات بينهم واجمع شمل أسرٍ افترقت وبيوتٍ تصدّعت ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  .

=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله له الحمد كلُّه وله الشكر كلُّه وإليه يُرجعُ الأمر كله دقُّه وجلًّه وأولهُ وآخرُه وعلانيتهُ وسرُّه ، والصلاة والسلام على المبعوث للناس رحمة ، فأحيا به الله الملّة وأزاح الظُلمة وكشف الله به الغُمّة عن الأمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع كتاب ربه والسُنّة أما بعد : 

عباد الله : فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن هناك أسبابٌ كثيرة يجب على المسلم  أن يحذر منها من أجل أن يبقى بيت الزوجية مستقراً ولايداهمه الطلاق ، ولعلنا أن نأتي على بعض تلك الأسباب فمنها : عدم التوافق بين الزوجين من أيام الزواج الأولى وسبب ذلك تزويج المرأة وهي كارهة أو عدم أخذ رأيها في ذلك ، وفي الحديث : " لاتُنكح الأيّم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا : يارسول الله ، وكيف إذنها ، قال : " أن تسكت " متفق عليه .

ومن تلك الأسباب التقصير من الزوج أو الزوجة في حق الآخر فيُحدث هذا الأمر الكراهية من أحدهما للآخر وينبغي في هذه الحال حل الأمور بالصبر والتأني والنصح والتوجيه ، فإن البغضاء والكراهية إذا حلت في بيت أفسدته وفي الحديث : " لايفرُك مؤمنٌ مؤمنة إن كرهَ منها خُلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم 

ومن تلك الأسباب عدم الإتفاق على الشروط أو عدم إثباتها في العقد ، ومنها نقمة الزوجة على الزوج عند الزواج بأخرى ، وهذا يُعالج بالحكمة وليس ببت الأمر بالطلاق حتى وإن طال الهجر من الزوجة الأولى ، فإياك أن تفرّق أسرتك بسبب غيرتها وتنافسِ ضرّتها ، ومنها أن يتراكم الخلاف فلا يُحلّ في وقته فيؤدي إلى حدوث نُفرة لاتتدارك فيما بعد ، ومنها اختلاف المستوى الإجتماعي ومستوى الدخل ، وإرهاق الزوج مالياً ، ومنها تعويد النفس على بعض الألفاظ التي تهدم الأسرة وتُحدث الطلاق كعبارة ( عليّ الطلاق أن تفعل كذا . . ) ونحوها من الألفاظ ، فكيف لعاقل أن يجعل مُستقبل أسرته وأولاده مُعلّقاً على أمر حدث أو لم يحدث ، وكيف لعاقل أن يهدم مابناه في عشرين سنة بكلمة أو عبارة طائشة يذهب ضحيتها أسرة لا ذنب لها ، فليتق الله المسلم وليحذر أشد الحذر من هذا الفعل المشين وليستبدل هذه العبارات السيئة التي اعتاد إطلاقها بعبارات أخرى لايدخل فيها الطلاق ،  فالطلاق أصبح اليوم كالشبح الذي يهدد البيوت ، والخاسر فيها والضحية هو أنت أولاً وأسرتك ثانياً بمن فيها الزوجة والأبناء . 

معشر الأزواج إن التعامل مع المرأة يحتاج لحكمة وتأنٍ وبعدٍ عن أسباب التشاحن والخلافات فإن المرأة لم تُخلق مُكمّلة الخلقة ففيها نقص ٌ فطري في خلقتها وقد أوصى بها النبيُ صلى الله عليه وسلم فقال : " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خُلقن من ضِلَع ، وإن أعوج شيء في الضِلَع أعلاه ، فإن ذهبت تُقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " رواه البُخاري .

وهذه الوصية النبوية ميزان عام في العلاقات الزوجية لتهنأ البيوت باستقرار وطمأنينة ، فاللهم أصلحنا وأصلح لنا أهالينا وذرارينا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين لاضالين ولا مُضلين . . ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...