الخميس، 29 سبتمبر 2022

خطبة عن ضيق الصدر والخلُق والملل

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عبادالله : إن من صور النعيم في الدنيا والآخرة السعادة وانشراح الصدر والطمأنينة فهذا نعيمٌ يُدخل النعيم الأكبر وهو دخول جنة الرحمن والطمأنينة والسعادة وانشراح البال والخاطر في وقتنا هذا أصبحت عزيزة في وقتنا هذا خاصة فلاتُنال بالمال ولا بكثرة الأعمال ولا بالذكاء والفطنة وإنما هي توفيقٌ من الله أولاً وعملٌ بأسباب الإنشراح والطمأنينة والسعادة وأول تلك الأسباب هي كثرة الذكر حتى يطمئن العبد به اطمئناناً لايرغبُ باستبداله أياً بأي شيء من عرض الدنيا الزائل القليل مع التزود الحرص على التزود بالأعمال الصالحة ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) والله جل وعلا ماوصف في كتابه أياً من العبادات بوصف الكثرة كما وصف الذكر : (( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بُكرة وأصيلا )) ولما ذكر أوصاف المتعبدين له يسائر العبادات أفرد الذاكرين والذاكرات من بين المتعبدين بالكثرة وحثهم على الإكثار من ذلك ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما ) وهذا يدل على أن مايوصل ابن آدم للدرجة المطلوبة من الرضا واليقين والطمأنينة والسعادة والإنشراح إلا كثرة الذكر ومما يدلل على ذلك أن المنافقين قد ذكر الله عنهم أنهم يذكرون الله ولكن ذكرهم لله قليلٌ ومع ذلك مانفعهما ذلك لعظم جرمهم وقلة ذكرهم لله ( إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولايذكرون الله إلا قليلا ) 

عباد الله : ومن تلك الأسباب التي تجلب الطمأنية والإنشراح : اجتناب مواطن الغفلة كلها قدر الإمكان ، فإن صاحَبَ تلك الغفلة وجود محرمات ومحظورات شرعية فإن هذا هو الذي يجلب الهم والنكد للعبد ، وما جعل الله أنس وراحة ابنِ آدم في ماحرّم عليه أبداً ، وإن أبدى ابنُ آدم الفرح والسرور ، والله قد قطع العهد على نفسه جل وعلا بأن يـُشقي المعرض عن ذكره ويسلّط عليه الضنك والضيق ويُعقبُه سوء المصير ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرُه يوم القيامة أعمى * قال ربِّ لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) 

عباد الله : ومن الأسباب أيضاً كثرة الدعاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من التعوذ من الهم والحزَن ، فقد روى البخاري رحمه الله وإيانا أجمعين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أخدمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل ،فكنت أسمعه يُكثر أن يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزَن والعجز والكسل والبُخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال " وهل رأيتُم في يومٍ من الأيام أن الهمّ والحَزَن عالج مشكلة أو حلّ معضلة أو جلب نصراً أو فتحَ قُطرا ، أو رفع بلوى ، أو دفع شكوى ، أو دفعك لعمل الخير أو صرف عنك الشرّ .

 الهم والحزَن - ياعباد الله - يُشغل القلب والفكر وإن استشرى بالعبد أقعده عن فعل الفرائض والواجبات ، وأثقل بدنه وفكره ، وربما سبب له أمراضاً مستعصية ، وجلب له ضيق الصدر وسوء الخُلق والتشاؤم وعندما تسبُر هذا الداء تجد أنه ضعفٌ في القلب وضعفٌ في الإيمان أيضاً 

يقول ابن القيم رحمنا الله وإياه والمسلمين : " إن المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قوت قلبه قوي بدنه ، وأما الفاجر فإنه - وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة ، فتخونه قوّته عند أحوج مايكون إلى نفسه " 

ولا يُقوّي القلب إلا أمدادٌ من التقوى والإيمان فالتمس لقلبك كلَّ مايقويه من معاني الإيمان واليقين والتقوى فما دخل النقص على ابن آدم إلا بخلل في إيمانه ويقينه وتقواه وعلامة ذلك كما قال الله جلّ وعلا : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياتُه زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) وكما قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) جعلنا الله وإياكم منهم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة قاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان أفضل الصلوات والتسليم من الله العلي الكبير أما بعد : 

عباد الله : عندما تُعاشر الناس في مجالسهم ومنتدياتهم تجد من الناس من يشكو لك من مللٍ أو ضيقٍ أو همٍ ألمّ به فهذا العبد هو في حالة تُشبه حالة الغريق الذي يستنجد بغيره لينقذه مما هو فيه ، وهنا يأتي دور الناصح المُصلح الذي ينتشل أمثال هؤلاء فيوجههم بموعظة صادقة بليغة تُغير مسار حياتهم ونمط عيشهم وتعامُلِهم مع مايطرأ لهم من مُشكلات وهذا من أجلّ الأعمال الفاضلة التي وردت في الحديث حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه : " سرورٌ تُدخله على مسلم : تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً " فانظر كيف فسر السرور في هذا الحديث بكشف الكرب وقضاء الدين وطرد الجوع ، وليس ذلك للحصر ولكن أفضلَ مايُدخل السرور على العبد هذه الأمور لقلّة من يقوى عليها غالباً ، ومايزال الخير قائماً في هذه الأمة حتى يرث الله الأرض وماعليها . 

وماعولجت - ياعباد الله - الضائقات والهموم والأحزان بمثل التفاؤل والأسباب الروحية كسماع القرآن بكثرة والظن الحسن بالله والرضا بأقداره والإستسلام لأمره في شأن العبد كلّه وهو المنّان الذي يرسل تلك الهموم والأحزان على عبده المؤمن ليكفر عن خطاياه ويرزقه السعادة والرضا والقبول فأبشر ياعبدالله بالخير كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : " مايُصيب المؤمن من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حَزَن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكُها إلا كفّر الله بها من خطاياه " وفي حديثٍ آخر : " من يُرد الله به خيراً يُصب منه " وقال أيضاً في حديث آخر : " أبشروا وأمّلوا مايسركم " وفي حديث عبدالله بن عمرو عند ابن ماجه قال رضي الله عنه : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقَّب من عقًّب ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسرعاً قد حفزه النفس ، وقد حسر عن ركبتيه ، فقال : " أبشروا ، هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء ، يُباهي بكم الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " . 

ثم صلوا وسلموا على صفوة الأبرار النبي المختار كما قال جلا وعلا : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 



الخميس، 22 سبتمبر 2022

خطبة عن النعم وشكرها وآثار زوالها

 إن الحمد لله الذي أنعم على عباده بوافر النعم ، وخلقهم من عدم ، واصطفاهم على سائر الأمم وهو ذو الجود والكرم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين فأزاح الله به الظُلَم ، وثبت الله به دعائم الإسلام والقيَم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والشيم ومن لهديه اقتفى والتزم أما بعد : 

أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما نتأمل نعم الله علينا وعلى عباده نجد كمّاً هائلاً وزخماً مهولاً من النعم التي لاينقضي ولا تنتهي يستوجب منا اللهج الدائم بالحمد للمنعم الذي بيده ملكوت كل شيء ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار ) ( وإن تعدوا نعمة الله لاتُحصوها إن الله لغفورٌ رحيم ) ونعمة الله قديمة وحادثة ومتجددة والله جل وعلا دائماً يُذكر بنعمته في معرض الكتاب وكذلك كان الأنبياء يُذكّرون أممهم بنعمة الله تعالى عليهم ويذكّرهم الله بنعمته ، يقول هودٌ لقومه : ( واذكروا إذ جعلكم من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تُفلحون ) وآلاء الله نعمه وعطاياه ، وقال صالحٌ لقومه : ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وقال موسى لقومه : ( وإذ قال موسى لقومه ياقومِ اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤتِ أحداً من العالمين ) ويقول الله في شأن عيسى عليه السلام : ( إذ قال الله ياعيسى بنَ مريم اذكر نعمتي عليه وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القُدس تُكلّم الناس في المهد وكهلا . . . ) الآية وكان الأنبياء دأبهم وعادتهم الحمد والشكر لله على نعمه وآلائه فقال في شأن نوح أبي البشرية الثاني : ( إنه كان عبداً شكوراً ) وقال في ابراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام : ( إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين * شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيم ) وكان نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم عبداً شاكراً لربه ذاكراً  صلى الله عليه وسلم وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت له عائشة يوماً : " لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر " قال : " أفلا أكون عبداً شكورا " وفي رواية : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا " متفق عليه . 

عباد الله : نعم الله لايحصيها العادون ولا يقدُر قدرها الشاكرون ولذا كان الله دائماً ينكر على الثقلين الجن والإنس تكذيبهم بنعم الله ويقول : ( فبأي آلاء رببكما تُكذبان ) في واحدٍ وثلاثين موضعاً في سورة الرحمن لأن كثيراً من نعم الله ذُكرت في سورة الرحمن ، وأعظم تلك النعم نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان فمع فقد الأمن لاتقوم حياة الإنسان ولاتصلح أحوال المعيشة وعدّ الله تعالى تلك النعمة على عرب الجزيرة خاصّة من أفضل الله وحذّر من الكفر بها فقال جلا وعلا : ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويُتخطّف الناس من حولهم أفالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) ووجود كلاً من الحرمين المعظمين سبب للتمكين وهيبة الناس حتى من الكفار من اليهود والنصارى والله ذكر مايدل على الحرمين في التوراة والإنجيل تلميحاً لاتصريحاً بالإسم وذكر وصف كلٍ منهما ، ولذا كانت اليهود تستوطن أرض يثرب في قديم الزمان قبل الأنصار تيمناً بخروج نبي به يسودون رقاب الأمم حسب زعمهم فلمّا خرج وعرفوا أنه ليس من ولد إسرائيل الذي هو نبي الله يعقوب كفروا به حسداً من عندهم لولد إسماعيل ويحكي الله ذلك عنهم في محكم التنزيل فيقول : ( ولمّا جاءهم كتابٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) . 

عباد الله : وعندما يفقد ابن آدم الصحة في البدن فإنه لايستطعم هذه الحياة ولا يطمئن بها ويكون عالة على الناس ومحتاجاً إليهم في كثير من شؤونه في ذهابه وإيابه وأكله وشربه وقضاء حاجته ولا تحصلُ له فرصةَ العمل بها لله فيُحرمُ المسلم  بذل تلك الأعضاء واستعمالها في مايقرب العبد من مولاه ، ولذا كان من دعاء المصطفى عليه الصلاة والسلام : " ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبداً ماأبقيتنا واجعله الوارث منّا " وذلك أن العبد يستفيد من هذه الأعضاء في استعمالها بالطاعة واجعل ذلك السمع والبصر والقوّة كالوارث لي بعد الموت أي اجعلها سليمة أستغني بها وأعمل بها في طاعتك ورضوانك وليس كما يظن البعض أن السمع والبصر والقوة اجعلهم للوارثين من الأبناء والبنات وغيرهم . 

ومن تلك النعم نعمة وجود الرزق والغذاء والشراب والدواء فمع الجوع لاتستقيم الأبدان ولايعيش الإنسان فتخيل حالك - ياعبدالله - بعد زوال هذه النعم الثلاث خاصة كيف تحيا بونها وكيف تنام ، وكيف تذهب وتأتي ، وكيف تُصلح أمورك وتطلب كسب رزقك ، فمع وجود هذه النعم الثلاث التي هي أساس النعم بعد نعمة الهداية لهذا الدين تصلح أمور الدنيا ويحيا ابن آدم حياة كريمة طيبة يعبد فيها مولاه ويشكر عطاياه ويسعى لرضاه ، وقد بيّن ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه النعم في الحديث الحسن الذي رواه عبيدالله بن مِحْصَن الخطمي أنه صلى الله عليه وسلم قال  : " من كان آمناً في سربه ، معافاً في جسده ، عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها " - أي بأسرها -  أخرجه الترمذي وابن ماجه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " عنده قوت يومه " فقط ، فكيف بمن عنده قوت سنين طويلة ، ومع ذلك يعجزُ عن الحمد والشكر لله تعالى المنعم المتفضل بل ويستخدم ماوهبه الله تعالى في معصيته ، فهل من مستيقظ من غفلته ؟ وهل تُديم لله الحمد والثناء لله بما هو أهله ؟ فاللهم لك الحمد حمداً يُضاهي عدد تلك النعم ، ويحثنا للمزيد من الشكر لذي الحلم والكرم ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم وهو الغفور الرحيم ذو الفضل العميم  . 

============== الخطبة الثانية =================

الحمدلله ذو الفضل والإحسان والجود والإمتنان والصلاة والسلام على المبعوث بالفُرقان والحكمة والبيان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولو الفضل والعرفان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله جلا وعلا وعد بالزيادة لمن شكر وبالخوف والجوع وشدة المؤونة لمن بطر وكفر ( وإذ تاذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) فتلك سنة الله التي لاتتبدل على مرّ العصور ولا تتغير في سائر الأيام والدهور ، فلا نكن كقوم سبأ الذين وهبهم الله جنتين عن يمينٍ أوديتهم وشِمالها ، فلما كان منهم الكفر والإعراض أرسل الله عليهم سيل العرم الذي يجرف ماأمامه من شيء وبدلهم بجتَيْهِم جنتين اجتمع فيهما الشوك وشجر مر الطعم وأشجار صحراوية ليست من أشجار الجنان التي تُزيّن البساتين والضيعات والحدائق وباعد الله بين أسفارهم وجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق ، فذلك فصلٌ وقصة من قصص الجحود والكفران عافانا الله وإياكم منه ، وإن أول الكفر والجحود والتغيير يكون من القلب فإن القلب في بعض الأحيان يكتنفه الأشر والبطر ، فيدخل ابن آدم بتماديه مرحلة الفسوق والكفر والعصيان ومن يأتي التغيير الإلهي ، فاحذر ياعبدالله من شرّ نفسك وسوء السريرة واستعذ بالله من ذلك ( إن الله لايُغير مابقوم حتى يغيّروا مابأنفسهم . . ) . 

عباد الله : إن التغيير الإلهي وتبديل النعمة بنقمة عندما يأتي - لاقدر الله - يكون عامّاً شاملاً يشمل جميع فئات المجتمع كبيرُهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم وصالحهم وفاسقهم وسببه هم المترفون الفسقة الذين ينبغي أن يؤخذ على أيديهم : ( وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ويرشد لذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام لذلك فيقول : " مامن رجل ٍ يكون في قوم يعملُ فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغيروا عليه ، فلا يُغيروا ، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا " أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبودود وابن ماجه .

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

خطبة عن حفظ النفس من التلف وإنقاذها

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما ذكر الله جل وعلا نعمته على ابن آدم ومنها نعمة الكلام والسمع والبصر ونعمة التمييز بين الحق والباطل وطريق الخير والشر ، ذكر عقبة لايجتازها إلا الصادقون ولا يتقفاها إلا المشمرون المخلصون وأصحاب الأعمال الصالحة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل في سورة البلد : ( ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكّ رقبة * أو إطعام في يومٍ ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) ومن خلال هذه الآيات يُعلم بأهمية وفضيلة إنقاذ الناس من المجاعة والحفاظ على النفس البشرية من أسباب الردى والهلاك ، وفضيلة إعتاق الرقاب إن وُجدت وأن ذلك كلُّه من أسباب نجاة الإنسان ، وكل إطعام ٍللطعام له فضيلة ، وأفضل الإطعام في يوم المجاعة والمسغبة كما ذُكر في الآية ، وما كان للقريب اليتيم فهو أكثر فضيلة وكذلك للمسكين الذي من شدة جوعه لصق بطنه في التراب وذك معنى " متربة "  الآنفة الذكر ، وفي حديث عبدالله بن دينار رحمه الله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  قال : قيل يارسول الله ؟ من أحبُ الناس إلى الله ؟ قال : " أنفعُهم للناس ، وإنّ أحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مؤمن ، تكشِفُ عنه كرْباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرين - وفي رواية شهراً - في مسجد ، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يُثبتها له أثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ، وإن سوءَ الخُلق ليُفسد العمل كما يُفسد الخلّ العسل  " . أخرجه ابن أبي الدنيا وأخرج مثله الطبراني في المعجم الأوسط  .

وفي قصة عبدالله بن سلام رضي الله عنه الذي كان من أهل الكتاب أنه أول ماسمع من النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة : " يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " يقول الإمام الخطّابي : " جعل صلى الله عليه وسلم أفضلها - أي الأعمال - إطعام الطعام الذي هو قِوام الأبدان ثم جعل في خير الأقوال في البر والإكرام إفشاء السلام الذي يعم ولا يخص ، من عرف ومن لم يعرف ، حتى يكون خالصاً لله تعالى ، بريئاً من حظ النفس والتصنع ، لأنه شعار الإسلام ، فحق كل امرئ فيه شائع " .

عباد الله : كل عملٍ يدخل في الحفاظ على النفس البشرية المؤمنة خاصة ، من الكوارث الطبيعية  التي يقدرها الله جل وعلا لأسباب هو من أفضل الأعمال وأعظم القُربات ، كإنقاذها من الحرائق والغرق والأعاصير المدمرة والمجاعات والأوبئة الفتّاكة وحتى حوادث السيارات وغيرها والله جل وعلا أمر بالإحسان ومكارم الأخلاق فكونوا - عباد الله - من المحسنين ( والله يُحب المحسنين ) فإن الإحسان يملك الإنسان ويأسُره ، وما فُتحت كثير من البلدان وانتشر الإسلام فيها إلا بالإحسان وأخلاق أهل الإيمان ، وينبغي أن يتعلم المسلم ماهو وسيلة لإنقاذ النفس البشرية من الأسباب المادية والمعنوية كالإسعافات الأولية للمرضى ، والتعامل مع الجراحات والكسور والسباحة لإنقاذ الغرقى ، والتعامل مع الحروق لإنقاذ الحرقى ونحو ذلك هو من سبل فعل الخير والإحسان وسببٌ يؤجر عليه الإنسان إن أخلص فيه النية لرب البرية ، وكذلك من يتعلم الطب من أجل إنقاذ الأرواح بالأسباب المباحة فهو على خير ، وكان السلف يتهلفون على تضييع علم الطب ويقولون إن العلم علمان : علم إصلاح الأرواح وهو ماشرع الله من الذكر والصلاة وقراءة القرآن والدعاء وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، وعلم إصلاح الأبدان وهو معرفة الطب والغذاء النافع والضار ونحو ذلك  . 

عباد الله : كثير من الناس يُمارس أعماله الوظيفية بلا نية ولا إخلاص ، فصار عملُه عادة  ، ومن كان عمله عادة فاته الكثير ، وصار لايؤجر على مايصنع لأنه لم يحتسب ذلك وإن الأعمال بالنيات ولذا كان الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وعنا أجمعين يقول  " أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " ويُذكر عن بعض العلماء الكبار أنه قال : " والله منذ عقلت ماأذكر أني عملت عملاً لغير الله تعالى " فانظر كيف يحفظون جميع أعمالهم ويسثمرون الوقت في هذه الدنيا لكي تكون كلها شاهدة لهم لاعليهم وحسناتٌ لهم لايفوت منها شيء وكيف جعلوا هذه الدنيا مطية للآخرة ساعاتها ودقائقها وكل الأعمال جلُيلها ودقيقُها ، فاللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات في كل أحوالنا ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============
الحمدلله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانِه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أوتي جوامع الكلم وبيانِه ، ودل أمته على سبل الهداية بتوجيهه وخُلقه وإحسانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى اليوم الآخر أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أ ن من البشر من هو معصوم الدم كالمسلم والكافر الذمي والمعاهد والمستأمن فلا يحل التعرض لهم بأذى ويُعامل في الإنقاذ معاملة المسلم ، وإن من أهمية انقاذ النفوس من الهلكة أنك تقطع الصلاة من أجل انقاذهم ولو ضاق وقتها عليك وهذا ماقرّره الفقهاء ، كمن يغرق ويستصرخ بمُنقذ وهو يُصلي والإنقاذ مُقيّد بالقدرة والتمكن فمن استنجد به غريقٌ وهو لايُجيد السباحة فلا يجب عليه إنقاذه ، بل يحرم لأنه يُلقي بنفسه للهلاك ، بل إنه إذا خشي على نفسه الهلاك حينما حاول إنقاذ غريق مثلاً بسبب تشبثه به فله أن يتركه ولو غرق حفاظاً على نفسه ولقوله تعالى : ( ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وكذلك لو وقعت مجاعة شديدة وكان بيده طعام قليل بالكاد يكفي عياله فلا يلزمُه بذله للمضطر ، يقول ابن قدامة في المغني : " وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقاً كثيراً ، أو كان عند بعض الناس قدر كفايته أو كفاية عياله ، لم يلزمه بذلَه للمضطرين ، وليس لهم أخذه منه ، لأن ذلك يُفضي إلى وقوع الضرورة به ، ولا يدفعها عنهم ، وكذلك إن كانوا في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة ، لم يلزمه بذل مامعه للمضطرين ، لأن هذا مفضٍ إلى هلاك نفسه ، وهلاك عياله فلا يلزمُه ، كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه ، ولأن في بذله إلقاءٌ بيده إلى التهلكة ، وقد نهى الله عن ذلك " 

وقد قرر الفقهاء - ياعباد الله - أن الإيثار بالواجب محرّم ، فلو أن - على سبيل المثال - شخصاً ليس معه من الماء إلا مايكفي حاجته وطهارته ومعه شخصٌ آخر يحتاج إلى ماء فلا يُعطيْه ذلك الماء ، ويجب على الآخر أن يتيمم ، لو أعطاه إياه فإن إيثاره ذلك محرّم ، فاللهم فقهنا في الدين واجعلنا من عبادك المتقين ياذا الجلال والإكرام . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 


الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

خطبة عن الطلاق وآثاره

 الحمدلله الذي بقدرته خلق الزوجين الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تُمنى ، وله المثل الأعلى ، والحمدلله الذي بيده الآخرة والأولى ، وأنعم على عباده وأولى ،  والصلاة والسلام على المبعوث بالحق والهدى ، إلى جميع الخلق ولم يتركهم سُدى وعلى آ له وصحبه ومن لزم صراط ربه واهتدى ، أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون بها والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) . 

عباد الله : كلٌ منا يسعى لحياة مستقرّة وبيت ٍأُسري خالٍ من المنغصات والمشاكل الزوجية وإن أكبر خطرٍ يهدد البيوت ويقض أركانها هو الطلاق الذي بدأت آثار انتشاره تبدو واضحة في مجتمعنا والعالم الإسلامي إلا من رحم الله ، ولا شك أن الزوجة الصالحة - ياعباد الله - هي خير مايدّخر العبد ويحوز في دنياه ، وذلك أن الزوجة بشكل عام  هي في الواقع قاعدة للبيت وإذا كانت صالحة فهي صلاح لدينك ودنياك وصلاحٌ لولدك الذي تبني عليه آمالك وتؤمل فيه ، ولذا ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أُنزلت في الذهب والفضة - أي قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم ) لو علمنا أي المال خيرٌ فنتخذَه ، فقال - أي صلى الله عليه وسلم : " أفضله لسان ذاكر وقلبٌ شاكر وزوجة مؤمنة تُعينه على إيمانه " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ، وفي رواية في مسند الإمام أحمد : " وزوجة صالحة تُعينه على أمر الآخرة " . 

عباد الله : إن أعظم سبل الشيطان وسبب ضياع الأبناء والبنين هو اللجوء إلى الطلاق ، فيفرّق الإنسان شمله بسبب لحظة غضب يندم عليها ابن آدم أشدّ الندم ، وتضيع بسبب ذلك الموقف أسرتُه ، فليتق اللهَ العبدُ المؤمن ويتعامل مع الغضب وذلك الموقف بالحكمة والبصيرة والعقل ، وليصبر ولا يضع مستقبل نفسه وأبناءه وأسرته رهن موقف واحد وليعالج الأمور بالتي هي أحسن ، وإن من أشد مايفرح به الشيطان وشياطين الإنس والجن وقوع الطلاق وتشتت الأسر ، فإن هذا يُرضي شهواتهم بسبب ذواتهم الشريرة وسرائرهم الخبيثة وفي الحديث : " إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثمّ يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، فيقول : فعلتُ كذا وكذا ، فيقول : ماصنعتَ شيئاً ، قال ثم يجيئ أحدهم فيقول : ماتركتُه حتى فرّقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : " نعم أنت " قال الأعمش أُراه قال : " فيلتزمُه " رواه مسلم . 

عباد الله : إن الله لم يشرع الطلاق لتفرقة البيوت وحاشاه جلّ وعلا ، ولكن الله شرعه لتُحلّ مشكلة ، وليس لتُفرق أسرة ، ولتُفرّج كربة ، وليس ليفرح عدو ، ولتؤدى حقوق ، وليس لتضيعَ أسرة  ، وبعض الناس - هداهم الله وعافاهم - يستخدمون هذا الطلاق أسوأ استخدام فالأصل في البيوت أنها قائمة شامخة بأهلها موطدة الأركان وثابتة البنيان ، ولذا كان الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ولذا كان الطلاق تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة : فيباح عند الحاجة الشديدة ، ويُكره عند عدمها ، ويجب عند عدم رجوع الزوج لزوجته وإهماله لحقها ، فإن الله رصد لمن يترك معاشرة زوجته أربعة أشهر ، فإن رجع الزوج لزوجته وإلا وجب الطلاق إن طلبت الزوجة ذلك ، ويحرم الطلاق في حال الحيض ، وفي حال طُهر المرأة إذا جامعها فيه ، ويستحب أو يُندب إذا فرّطت المرأة في حقوق الله الواجبة كالصلاة أو تكون - لاقدر الله - غير عفيفة أو نحو ذلك .

إن البيت المستقر ياعباد الله من النعيم في هذه الدنيا وكان من دعاء السلف " اللهم إني أسألك عيشة هنيّة وميتة سويّة ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح  " فالبيت المطمئن والأسرة المستقرة من أفضل النعيم ، ومن رزقه الله ذلك فليكثر من حمد الله تعالى وشكره ، فإن من البيوت من تئن ، إما من تشتت سببه طلاق ، وإما من ضياع أفراد سببه انفصال بين الزوجين وافتراق ،  وإما من انحراف سببه قلة مسؤولية ونقص ديانة وعدم متابعة للأبناء والبنات بعد حدوث الطلاق  فاللهم أصلح أحوال المسلمين ، وأصلح ذات بينهم واجمع شمل أسرٍ افترقت وبيوتٍ تصدّعت ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  .

=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله له الحمد كلُّه وله الشكر كلُّه وإليه يُرجعُ الأمر كله دقُّه وجلًّه وأولهُ وآخرُه وعلانيتهُ وسرُّه ، والصلاة والسلام على المبعوث للناس رحمة ، فأحيا به الله الملّة وأزاح الظُلمة وكشف الله به الغُمّة عن الأمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع كتاب ربه والسُنّة أما بعد : 

عباد الله : فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن هناك أسبابٌ كثيرة يجب على المسلم  أن يحذر منها من أجل أن يبقى بيت الزوجية مستقراً ولايداهمه الطلاق ، ولعلنا أن نأتي على بعض تلك الأسباب فمنها : عدم التوافق بين الزوجين من أيام الزواج الأولى وسبب ذلك تزويج المرأة وهي كارهة أو عدم أخذ رأيها في ذلك ، وفي الحديث : " لاتُنكح الأيّم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا : يارسول الله ، وكيف إذنها ، قال : " أن تسكت " متفق عليه .

ومن تلك الأسباب التقصير من الزوج أو الزوجة في حق الآخر فيُحدث هذا الأمر الكراهية من أحدهما للآخر وينبغي في هذه الحال حل الأمور بالصبر والتأني والنصح والتوجيه ، فإن البغضاء والكراهية إذا حلت في بيت أفسدته وفي الحديث : " لايفرُك مؤمنٌ مؤمنة إن كرهَ منها خُلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم 

ومن تلك الأسباب عدم الإتفاق على الشروط أو عدم إثباتها في العقد ، ومنها نقمة الزوجة على الزوج عند الزواج بأخرى ، وهذا يُعالج بالحكمة وليس ببت الأمر بالطلاق حتى وإن طال الهجر من الزوجة الأولى ، فإياك أن تفرّق أسرتك بسبب غيرتها وتنافسِ ضرّتها ، ومنها أن يتراكم الخلاف فلا يُحلّ في وقته فيؤدي إلى حدوث نُفرة لاتتدارك فيما بعد ، ومنها اختلاف المستوى الإجتماعي ومستوى الدخل ، وإرهاق الزوج مالياً ، ومنها تعويد النفس على بعض الألفاظ التي تهدم الأسرة وتُحدث الطلاق كعبارة ( عليّ الطلاق أن تفعل كذا . . ) ونحوها من الألفاظ ، فكيف لعاقل أن يجعل مُستقبل أسرته وأولاده مُعلّقاً على أمر حدث أو لم يحدث ، وكيف لعاقل أن يهدم مابناه في عشرين سنة بكلمة أو عبارة طائشة يذهب ضحيتها أسرة لا ذنب لها ، فليتق الله المسلم وليحذر أشد الحذر من هذا الفعل المشين وليستبدل هذه العبارات السيئة التي اعتاد إطلاقها بعبارات أخرى لايدخل فيها الطلاق ،  فالطلاق أصبح اليوم كالشبح الذي يهدد البيوت ، والخاسر فيها والضحية هو أنت أولاً وأسرتك ثانياً بمن فيها الزوجة والأبناء . 

معشر الأزواج إن التعامل مع المرأة يحتاج لحكمة وتأنٍ وبعدٍ عن أسباب التشاحن والخلافات فإن المرأة لم تُخلق مُكمّلة الخلقة ففيها نقص ٌ فطري في خلقتها وقد أوصى بها النبيُ صلى الله عليه وسلم فقال : " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خُلقن من ضِلَع ، وإن أعوج شيء في الضِلَع أعلاه ، فإن ذهبت تُقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " رواه البُخاري .

وهذه الوصية النبوية ميزان عام في العلاقات الزوجية لتهنأ البيوت باستقرار وطمأنينة ، فاللهم أصلحنا وأصلح لنا أهالينا وذرارينا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين لاضالين ولا مُضلين . . ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...