الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

خطبة عن حفظ النفس من التلف وإنقاذها

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما ذكر الله جل وعلا نعمته على ابن آدم ومنها نعمة الكلام والسمع والبصر ونعمة التمييز بين الحق والباطل وطريق الخير والشر ، ذكر عقبة لايجتازها إلا الصادقون ولا يتقفاها إلا المشمرون المخلصون وأصحاب الأعمال الصالحة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل في سورة البلد : ( ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكّ رقبة * أو إطعام في يومٍ ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) ومن خلال هذه الآيات يُعلم بأهمية وفضيلة إنقاذ الناس من المجاعة والحفاظ على النفس البشرية من أسباب الردى والهلاك ، وفضيلة إعتاق الرقاب إن وُجدت وأن ذلك كلُّه من أسباب نجاة الإنسان ، وكل إطعام ٍللطعام له فضيلة ، وأفضل الإطعام في يوم المجاعة والمسغبة كما ذُكر في الآية ، وما كان للقريب اليتيم فهو أكثر فضيلة وكذلك للمسكين الذي من شدة جوعه لصق بطنه في التراب وذك معنى " متربة "  الآنفة الذكر ، وفي حديث عبدالله بن دينار رحمه الله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  قال : قيل يارسول الله ؟ من أحبُ الناس إلى الله ؟ قال : " أنفعُهم للناس ، وإنّ أحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مؤمن ، تكشِفُ عنه كرْباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرين - وفي رواية شهراً - في مسجد ، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يُثبتها له أثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ، وإن سوءَ الخُلق ليُفسد العمل كما يُفسد الخلّ العسل  " . أخرجه ابن أبي الدنيا وأخرج مثله الطبراني في المعجم الأوسط  .

وفي قصة عبدالله بن سلام رضي الله عنه الذي كان من أهل الكتاب أنه أول ماسمع من النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة : " يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " يقول الإمام الخطّابي : " جعل صلى الله عليه وسلم أفضلها - أي الأعمال - إطعام الطعام الذي هو قِوام الأبدان ثم جعل في خير الأقوال في البر والإكرام إفشاء السلام الذي يعم ولا يخص ، من عرف ومن لم يعرف ، حتى يكون خالصاً لله تعالى ، بريئاً من حظ النفس والتصنع ، لأنه شعار الإسلام ، فحق كل امرئ فيه شائع " .

عباد الله : كل عملٍ يدخل في الحفاظ على النفس البشرية المؤمنة خاصة ، من الكوارث الطبيعية  التي يقدرها الله جل وعلا لأسباب هو من أفضل الأعمال وأعظم القُربات ، كإنقاذها من الحرائق والغرق والأعاصير المدمرة والمجاعات والأوبئة الفتّاكة وحتى حوادث السيارات وغيرها والله جل وعلا أمر بالإحسان ومكارم الأخلاق فكونوا - عباد الله - من المحسنين ( والله يُحب المحسنين ) فإن الإحسان يملك الإنسان ويأسُره ، وما فُتحت كثير من البلدان وانتشر الإسلام فيها إلا بالإحسان وأخلاق أهل الإيمان ، وينبغي أن يتعلم المسلم ماهو وسيلة لإنقاذ النفس البشرية من الأسباب المادية والمعنوية كالإسعافات الأولية للمرضى ، والتعامل مع الجراحات والكسور والسباحة لإنقاذ الغرقى ، والتعامل مع الحروق لإنقاذ الحرقى ونحو ذلك هو من سبل فعل الخير والإحسان وسببٌ يؤجر عليه الإنسان إن أخلص فيه النية لرب البرية ، وكذلك من يتعلم الطب من أجل إنقاذ الأرواح بالأسباب المباحة فهو على خير ، وكان السلف يتهلفون على تضييع علم الطب ويقولون إن العلم علمان : علم إصلاح الأرواح وهو ماشرع الله من الذكر والصلاة وقراءة القرآن والدعاء وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، وعلم إصلاح الأبدان وهو معرفة الطب والغذاء النافع والضار ونحو ذلك  . 

عباد الله : كثير من الناس يُمارس أعماله الوظيفية بلا نية ولا إخلاص ، فصار عملُه عادة  ، ومن كان عمله عادة فاته الكثير ، وصار لايؤجر على مايصنع لأنه لم يحتسب ذلك وإن الأعمال بالنيات ولذا كان الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وعنا أجمعين يقول  " أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " ويُذكر عن بعض العلماء الكبار أنه قال : " والله منذ عقلت ماأذكر أني عملت عملاً لغير الله تعالى " فانظر كيف يحفظون جميع أعمالهم ويسثمرون الوقت في هذه الدنيا لكي تكون كلها شاهدة لهم لاعليهم وحسناتٌ لهم لايفوت منها شيء وكيف جعلوا هذه الدنيا مطية للآخرة ساعاتها ودقائقها وكل الأعمال جلُيلها ودقيقُها ، فاللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات في كل أحوالنا ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============
الحمدلله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانِه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أوتي جوامع الكلم وبيانِه ، ودل أمته على سبل الهداية بتوجيهه وخُلقه وإحسانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى اليوم الآخر أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أ ن من البشر من هو معصوم الدم كالمسلم والكافر الذمي والمعاهد والمستأمن فلا يحل التعرض لهم بأذى ويُعامل في الإنقاذ معاملة المسلم ، وإن من أهمية انقاذ النفوس من الهلكة أنك تقطع الصلاة من أجل انقاذهم ولو ضاق وقتها عليك وهذا ماقرّره الفقهاء ، كمن يغرق ويستصرخ بمُنقذ وهو يُصلي والإنقاذ مُقيّد بالقدرة والتمكن فمن استنجد به غريقٌ وهو لايُجيد السباحة فلا يجب عليه إنقاذه ، بل يحرم لأنه يُلقي بنفسه للهلاك ، بل إنه إذا خشي على نفسه الهلاك حينما حاول إنقاذ غريق مثلاً بسبب تشبثه به فله أن يتركه ولو غرق حفاظاً على نفسه ولقوله تعالى : ( ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وكذلك لو وقعت مجاعة شديدة وكان بيده طعام قليل بالكاد يكفي عياله فلا يلزمُه بذله للمضطر ، يقول ابن قدامة في المغني : " وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقاً كثيراً ، أو كان عند بعض الناس قدر كفايته أو كفاية عياله ، لم يلزمه بذلَه للمضطرين ، وليس لهم أخذه منه ، لأن ذلك يُفضي إلى وقوع الضرورة به ، ولا يدفعها عنهم ، وكذلك إن كانوا في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة ، لم يلزمه بذل مامعه للمضطرين ، لأن هذا مفضٍ إلى هلاك نفسه ، وهلاك عياله فلا يلزمُه ، كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه ، ولأن في بذله إلقاءٌ بيده إلى التهلكة ، وقد نهى الله عن ذلك " 

وقد قرر الفقهاء - ياعباد الله - أن الإيثار بالواجب محرّم ، فلو أن - على سبيل المثال - شخصاً ليس معه من الماء إلا مايكفي حاجته وطهارته ومعه شخصٌ آخر يحتاج إلى ماء فلا يُعطيْه ذلك الماء ، ويجب على الآخر أن يتيمم ، لو أعطاه إياه فإن إيثاره ذلك محرّم ، فاللهم فقهنا في الدين واجعلنا من عبادك المتقين ياذا الجلال والإكرام . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...