الخميس، 22 سبتمبر 2022

خطبة عن النعم وشكرها وآثار زوالها

 إن الحمد لله الذي أنعم على عباده بوافر النعم ، وخلقهم من عدم ، واصطفاهم على سائر الأمم وهو ذو الجود والكرم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين فأزاح الله به الظُلَم ، وثبت الله به دعائم الإسلام والقيَم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والشيم ومن لهديه اقتفى والتزم أما بعد : 

أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما نتأمل نعم الله علينا وعلى عباده نجد كمّاً هائلاً وزخماً مهولاً من النعم التي لاينقضي ولا تنتهي يستوجب منا اللهج الدائم بالحمد للمنعم الذي بيده ملكوت كل شيء ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار ) ( وإن تعدوا نعمة الله لاتُحصوها إن الله لغفورٌ رحيم ) ونعمة الله قديمة وحادثة ومتجددة والله جل وعلا دائماً يُذكر بنعمته في معرض الكتاب وكذلك كان الأنبياء يُذكّرون أممهم بنعمة الله تعالى عليهم ويذكّرهم الله بنعمته ، يقول هودٌ لقومه : ( واذكروا إذ جعلكم من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تُفلحون ) وآلاء الله نعمه وعطاياه ، وقال صالحٌ لقومه : ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وقال موسى لقومه : ( وإذ قال موسى لقومه ياقومِ اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤتِ أحداً من العالمين ) ويقول الله في شأن عيسى عليه السلام : ( إذ قال الله ياعيسى بنَ مريم اذكر نعمتي عليه وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القُدس تُكلّم الناس في المهد وكهلا . . . ) الآية وكان الأنبياء دأبهم وعادتهم الحمد والشكر لله على نعمه وآلائه فقال في شأن نوح أبي البشرية الثاني : ( إنه كان عبداً شكوراً ) وقال في ابراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام : ( إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين * شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيم ) وكان نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم عبداً شاكراً لربه ذاكراً  صلى الله عليه وسلم وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت له عائشة يوماً : " لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر " قال : " أفلا أكون عبداً شكورا " وفي رواية : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا " متفق عليه . 

عباد الله : نعم الله لايحصيها العادون ولا يقدُر قدرها الشاكرون ولذا كان الله دائماً ينكر على الثقلين الجن والإنس تكذيبهم بنعم الله ويقول : ( فبأي آلاء رببكما تُكذبان ) في واحدٍ وثلاثين موضعاً في سورة الرحمن لأن كثيراً من نعم الله ذُكرت في سورة الرحمن ، وأعظم تلك النعم نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان فمع فقد الأمن لاتقوم حياة الإنسان ولاتصلح أحوال المعيشة وعدّ الله تعالى تلك النعمة على عرب الجزيرة خاصّة من أفضل الله وحذّر من الكفر بها فقال جلا وعلا : ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويُتخطّف الناس من حولهم أفالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) ووجود كلاً من الحرمين المعظمين سبب للتمكين وهيبة الناس حتى من الكفار من اليهود والنصارى والله ذكر مايدل على الحرمين في التوراة والإنجيل تلميحاً لاتصريحاً بالإسم وذكر وصف كلٍ منهما ، ولذا كانت اليهود تستوطن أرض يثرب في قديم الزمان قبل الأنصار تيمناً بخروج نبي به يسودون رقاب الأمم حسب زعمهم فلمّا خرج وعرفوا أنه ليس من ولد إسرائيل الذي هو نبي الله يعقوب كفروا به حسداً من عندهم لولد إسماعيل ويحكي الله ذلك عنهم في محكم التنزيل فيقول : ( ولمّا جاءهم كتابٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) . 

عباد الله : وعندما يفقد ابن آدم الصحة في البدن فإنه لايستطعم هذه الحياة ولا يطمئن بها ويكون عالة على الناس ومحتاجاً إليهم في كثير من شؤونه في ذهابه وإيابه وأكله وشربه وقضاء حاجته ولا تحصلُ له فرصةَ العمل بها لله فيُحرمُ المسلم  بذل تلك الأعضاء واستعمالها في مايقرب العبد من مولاه ، ولذا كان من دعاء المصطفى عليه الصلاة والسلام : " ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبداً ماأبقيتنا واجعله الوارث منّا " وذلك أن العبد يستفيد من هذه الأعضاء في استعمالها بالطاعة واجعل ذلك السمع والبصر والقوّة كالوارث لي بعد الموت أي اجعلها سليمة أستغني بها وأعمل بها في طاعتك ورضوانك وليس كما يظن البعض أن السمع والبصر والقوة اجعلهم للوارثين من الأبناء والبنات وغيرهم . 

ومن تلك النعم نعمة وجود الرزق والغذاء والشراب والدواء فمع الجوع لاتستقيم الأبدان ولايعيش الإنسان فتخيل حالك - ياعبدالله - بعد زوال هذه النعم الثلاث خاصة كيف تحيا بونها وكيف تنام ، وكيف تذهب وتأتي ، وكيف تُصلح أمورك وتطلب كسب رزقك ، فمع وجود هذه النعم الثلاث التي هي أساس النعم بعد نعمة الهداية لهذا الدين تصلح أمور الدنيا ويحيا ابن آدم حياة كريمة طيبة يعبد فيها مولاه ويشكر عطاياه ويسعى لرضاه ، وقد بيّن ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه النعم في الحديث الحسن الذي رواه عبيدالله بن مِحْصَن الخطمي أنه صلى الله عليه وسلم قال  : " من كان آمناً في سربه ، معافاً في جسده ، عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها " - أي بأسرها -  أخرجه الترمذي وابن ماجه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " عنده قوت يومه " فقط ، فكيف بمن عنده قوت سنين طويلة ، ومع ذلك يعجزُ عن الحمد والشكر لله تعالى المنعم المتفضل بل ويستخدم ماوهبه الله تعالى في معصيته ، فهل من مستيقظ من غفلته ؟ وهل تُديم لله الحمد والثناء لله بما هو أهله ؟ فاللهم لك الحمد حمداً يُضاهي عدد تلك النعم ، ويحثنا للمزيد من الشكر لذي الحلم والكرم ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم وهو الغفور الرحيم ذو الفضل العميم  . 

============== الخطبة الثانية =================

الحمدلله ذو الفضل والإحسان والجود والإمتنان والصلاة والسلام على المبعوث بالفُرقان والحكمة والبيان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولو الفضل والعرفان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله جلا وعلا وعد بالزيادة لمن شكر وبالخوف والجوع وشدة المؤونة لمن بطر وكفر ( وإذ تاذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) فتلك سنة الله التي لاتتبدل على مرّ العصور ولا تتغير في سائر الأيام والدهور ، فلا نكن كقوم سبأ الذين وهبهم الله جنتين عن يمينٍ أوديتهم وشِمالها ، فلما كان منهم الكفر والإعراض أرسل الله عليهم سيل العرم الذي يجرف ماأمامه من شيء وبدلهم بجتَيْهِم جنتين اجتمع فيهما الشوك وشجر مر الطعم وأشجار صحراوية ليست من أشجار الجنان التي تُزيّن البساتين والضيعات والحدائق وباعد الله بين أسفارهم وجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق ، فذلك فصلٌ وقصة من قصص الجحود والكفران عافانا الله وإياكم منه ، وإن أول الكفر والجحود والتغيير يكون من القلب فإن القلب في بعض الأحيان يكتنفه الأشر والبطر ، فيدخل ابن آدم بتماديه مرحلة الفسوق والكفر والعصيان ومن يأتي التغيير الإلهي ، فاحذر ياعبدالله من شرّ نفسك وسوء السريرة واستعذ بالله من ذلك ( إن الله لايُغير مابقوم حتى يغيّروا مابأنفسهم . . ) . 

عباد الله : إن التغيير الإلهي وتبديل النعمة بنقمة عندما يأتي - لاقدر الله - يكون عامّاً شاملاً يشمل جميع فئات المجتمع كبيرُهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم وصالحهم وفاسقهم وسببه هم المترفون الفسقة الذين ينبغي أن يؤخذ على أيديهم : ( وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ويرشد لذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام لذلك فيقول : " مامن رجل ٍ يكون في قوم يعملُ فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغيروا عليه ، فلا يُغيروا ، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا " أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبودود وابن ماجه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...