الأربعاء، 19 أكتوبر 2022

خطبة عن كلام الله وصفة الكلام

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : من صفات الله جل وعلا والتي هي صفة كمال وجلال هي صفة الكلام ، فالله سبحانه الذي عظُمت أسمائه وجلّت صفاته يتكلم بكلام مسموع بحرف ٍوصوت بطريقة لاندركها ولا نعلمها سبحانه وتعالى ، وقد كلّم موسى عليه الصلاة والسلام بدليل قوله تعالى : ( وكلّم الله موسى تكليما ) أثبت سبحانه وتعالى بأن هذا القرآن كلامه فقال جل وعلا : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه . . ) الآية وقال في شأن اليهود : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ماعقلوه وهم يعلمون ) الآية وهذا مذهب الفرقة الناجية لا كما يقول الأشاعرة أن القرآن عندهم معنى قائم بذاته عبارة عن كلام الله ليس حرفاً ولا صوتاً ويقولون عنه بأنه مخلوق وأما المعتزله فهم يثبتون كلام الله بالقرآن حقيقة ولكنهم يقولون عنه بأنه مخلوق وكلا الطائفتين على ضلال فكلام الله منزلٌ غير مخلوق وكلام الله تكلم به بحرف وصوت وليس عبارة ولا حكاية عن كلام الله ونثبت لفظه ومعناه من الله كله ، وما سوى ذلك فهو ليس على طريق الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسبب الضلال لهذه الطوائف التي تدعي أنها على الحق - ياعباد الله - هو أن الإثبات لصفة الكلام لله بهذه الطريقة يعني تشبيه الله بخلقه وليس الأمر كما يعتقدون فإثبات الصفات لله لايقتضي التشبيه ومن اعتقد ذلك فعنده سوء فهم وقصور في الإدراك فهل صوت الناس يشبه بعضه بعضاً وهل صوت الحيوان يُشبه الإنسان ولله المثل الأعلى والوصف الأكمل والصفات الحسنى والأجمل ولكن الأمر كله هداية وتوفيق من الله وإقصاء للعقل في مقابل النص فلا يؤخذ بما تجيزه العقول في مقابل النص الشرعي وما ضل من ضلّ في المسائل العقدية خاصّة إلا بسبب تقديم العقول القاصرة على النصوص الظاهرة ، ومن عوفي من الإنحراف في المسائل العقدية فليحمد الله على العافية وعلى عدم الخوض في ذلك إلا ببرهان وبينة واتباع للدليل ، والمؤمن يدور مع الدليل ويتبع نهج النبي الجليل وأصحابه في الإثبات والنفي والتعليل ، وبهذا يسلم من زلة القدم في مثل تلك المسائل والقول على الله ورسوله بغير علم : ( قل إنما حرم الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم يُنزّل به سُلطاناً وأن تقولوا على الله مالاتعلمون ) .
عباد الله : ربنا جل وعلا سيُكلم عباده في الآخرة وبين في كتابه عن أقوام من أصحاب الموبقات أنه لن يكلمهم الله في الآخرة وذكر منهم الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب وكذلك الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً من متاع الدنيا الزائلة فقال جل شأنه :
( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك مايأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يُزكّيهم ولهم عذابٌ أليم ) وقال سبحانه : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يُكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم ) وذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح فقال : " مامنكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ماقدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ماقدّم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه .
وهذا دلالة واضحة على صفة الكلام التي يتحدث بها الله جل وعلا مع عباده بكلام مفهوم بصوت وحرف ، فمن أنكر مثل هذه النصوص الصريحة الواضحة ففي قلبه مرضٌ ومصيره دار البوار إن لم يتداركه الله بتوبة قبل الموت ، فاللهم أحينا على نهج القرآن والسنة وتوفنا عليهما ياذا الفضل والمنّة ، واجعل مثوانا أعلى الدرجات في الجنة ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

================ الخطبة الثانية ================

الحمدلله ذي الأسماء الحسنى والصفات العُلى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وأصحابه أولي الفضل والنهى ، ومن على نهجهم اقتفى وسلك سبيلهم واهتدى ، ثم أما بعد : 

عباد الله : من كمال نعيم الله على عباده في الجنة كلامه لهم ، ورؤيتهم إياه جل جلاله فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة : ياأهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم ، فيقولون : ومالنا لانرضى وقد أعطيتنا مالم تُعطِ أحداً من خلقك ، فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يارب وأيُ شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أُحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ، وروى مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : " تريدون شيئاً أزيدكم " فيقولون : " ألم تُبيّض وجوهنا ، ألم تُدخلْنا الجنة وتنجنا من النار ! قال : فيُكشف الحجاب ، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل .  

عباد الله : كلام الله لايتبدل ولا يتغيّر فليس مثل كلام البشر القابل للتغيير والإزالة ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فمن ذلك ماورد في وعد الله وكرامته لأولياءه المتقين ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) وفي المقابل من حق عليه القول من الأشقياء - نسأل الله العافية - فسوف تدركه كلمة الله النافذة التي حقت على من قبله من الأشقياء والكفار :      ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) ويُقال لهم وللشياطين من قرنائهم : ( لاتختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * مايبدل القول لدي وما أنا بظلامٍ للعبيد ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...