الحمدلله الذي منّ على عباده بالطيبات من الرزق ، أحمده وهو الجواد الحق ، وأصلي وأسلم على من بعثه الله بالإخلاص والصدق ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات والتسليم عدد قطرات الودق ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الله جل وعلا أمر بالأكل من الطيبات فقال جل وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) . . " الحديث وهذا يدلل على إباحة الأكل من الطيبات ووجوب اجتناب المحرمات والخبائث من المشروبات والمأكولات ، ومن أوصاف نبينا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته أنه يُحل لأمته ولأهل الكتاب الطيبات ويُحرّم عليهم الخبائث كما ورد في كتاب الله جل وعلا ، ومن الكسب الطيب مايكسبه المرء بالصيد سواءاً كان ذلك الصيد بالبنادق أو الصقور أو الكلاب - أكرمكم الله - أو السهام ونحوها ، ولكن يجب أن يعرف العبد من أحكام الصيد مايُبيح ذلك الطير أو الحيوان المصطاد ، وفي شأن الصيد وإباحته يقول الحق تبارك وتعالى : ( يسألونك ماذا أحل ّ لهم قل أحلّ لكم الطيباتُ وماعلّمتم من الجوارح مكلّبين تعلمونهن مما علّمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) .
عباد الله : الجوارح في الصيد كل حيوانٍ وطير مُعلّم حتى لو كان ذا ناب كالأسد والنمِر والفهد فليس مقصوراً على الصقور والكلاب ونحوها فقط ، ولكي يُباح الصيد بالجوارح المُعلّمة يُشترط في ذلك شروط منها : أن يكون مُعلّماً وهذا بالإتفاق والإجماع بين العلماء وكذلك أن لايكون الحيوان المُرسل صاد لنفسه فلو صاد لنفسه فلا يحل الأكل من ذلك الحيوان أو الطير المصيد وكذلك أن يجرح الصيد الحيوان في أي موضع فينهر الدم وأما إن كان اصطاده بعض أو صدم ٍ فمات فلايحل أكله ، وهذا الشرط يُشترط في آلة الصيد أيضاً ، فلو رمى مِعراضاً وهي - خشبة يُصطاد بها - رماها فأصابت بعرضها ولم تُنهر الدم لم يُبح ، وكذلك أن يُسمّي عند الإرسال والتسمية واجبة فلا تسقط ، وكذلك أن يكون مُرسل الصيد مسلماً لايُشاركه في جارحته إلا مسلم مثلُه ، فلو شاركه في جارحته أو كلبه وثني أياً كان جنسه فإنه يحرم أخذاً بقاعدة : ( إذا اجتمع الحلال والحرام غُلّب الحرام ) وأن لايقعُد مدة طويلة عن طلب الصيد حين وقوع الإصطياد لأنه لايدري حينها فرُبما الجارحة أكلت منه وهو لايعلم ، ولو قطعت الجارحة عضواً من الحيوان المصيد وهو حي فإن العضو المنفصل المُبان من ذلك الحيوان يحرُم أكله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ماقُطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميْتَة " رواه أبو داود وصححه الألباني . وبالنسبة لصيد الصبي غير المميز أو الصبي المجنون فلا يحل الأكل من صيده وهو قول جماهير أهل العلم وذلك لأن الصبي غير العاقل أو غير المميز ليس من أهل الذكاة أصلاً وبالنسبة للحيوان المصيد يشترط أن يكون حلال اللحم فلا يحل صيد المحرّم من الحيوان كالخنازير البرية أو الحيوانات المفترسة من أجل أكلها ، وكذلك أن يكون الحيوان المَصيد متوحش أصلاً أي بأصل خلقته فلا يُمكن التحصل عليه إلا بحيلة وهي الصيد وأما الحيوانات الأهليه المملوكة فلا يحل صيدها ، وأن لايكون من صيد الحرم ، فالصيد الذي يعيش في حرم مكة والمدينة محرّم اصطياده على المُحل والمُحرم .
عباد الله : أجمع حديث ورد عن النبي صلى الله في أحكام الصيد حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه حيث قال : قلت يارسول الله ، إني أرسل الكلاب المُعلّمة فيُمسكن علي وأذكر اسم الله ؟ فقال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك " قلتُ : وإن قتلن ؟ قال : " وإن قتلن مالم يشْرَكُها كلبٌ ليس منها " قلتُ : فإني أرمي بالمِعراض الصيد فأصيب ؟ فقال : " إذا رميت بالمعراض فخَزَق - أي شق ونفذ وأنهر الدم - فكلْه ، وإن أصابه بعرضٍ فلا تأكُله " وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه : " إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ، وإن خالطها كلابٌ من غيرها فلا تأكل ، فإنما سمّيت على كلبك ولم تُسمّ على غيره " وفيه : " إذا أرسلت كلبك المُكلّب فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكُلْه ، فإن أخْذَ الكلب ذكاتُه " وفيه أيضاً : " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " وفيه : " فإن غاب عنك يوماً أو يومين - وفي رواية : اليومين والثلاثة - فلم تجد فيه إلا أثر سهمك ، فكلْ إن شئت ، فإن وجدْتَه غريقاً في الماء فلا تأكل ، فإنك لاتدري ، الماءُ قتلَه أو سهمك " متفق عليه ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله الذي هدى لدينه وأكرم ، ورزق من واسع فضله وأنعم ، والصلاة والسلام على النبي المكرّم الذي دل على سبيل ربه وأعلم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبعهم بإحسان ومن بالله آمن واعتصم أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن ماقيل في الجوارح من وجوب التسمية قبل إطلاق الجارحة وصيدها وكذلك كونه ينهر الدم ويخرق فإن ذلك يقال كذلك في مايُصاد بالآلات النارية كالبندقية مثلاً وقد أجاز أهل العلم الصيد بها ولكن يجب ذكر اسم الله عند إطلاق الطلقة من البندقية وليس عند إدخالها والعلة في ذلك أنك ربما أدخلتها ومكثت وقتاً لم تصدْ فكأنك لم تسمّ على مااصطدته من صيد ولذا لمّا سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذه المسألة قال : " الواجب ذكرُ اسم الله عند الرمي ولا يكفي ذكر ذلك عند إدخال الطلقة في البُندقيّة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله " متفق على صحته من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه واللفظ لمُسلم " انتهى كلامه وقد تقدّم أنك إذا أدركت الصيد به حياة مستقرة فإنك تسمي الله وتذبحه لأن من شروط حل الصيد أن يموت من أثر فعل الصيد ، وإذا كان حينها لم يمُت فهنا وُجدت حياة مستقرة فمن لم يسم الله ويذبحه الذبح الشرعي فإنه لايحل له ، فلا بد من موت الحيوان المصيد من أثر فعل الصيد وهذا ينبغي أن يتنبه له الصائد .
عباد الله : من الأدوات المحرمة التي لايجوز أن تُستخدم في الذبح السن والظفُر وذلك لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظُفُر ، أما السن فعظم وأما الظُفُر فمُدى الحبشة " وبناءاً على هذا الحديث فلا يجوز الذبح بالعظام ولا استخدام الأظفار للذبح وذلك بتطويلها لتكون أداة لذبح الطيور الصغيرة كما يفعل الأحباش الوثنيون .
عباد الله : لايجوز اتخاذُ أرواحِ الحيوان غرضاً يُرمى بأي حال كأن يضع حمامة مثلاً ويتراماها رُماة عدّة ، فمن فعل ذلك فهو مستوجب للعن ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله أنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً " نسأل الله العافية من كبائر الذنوب وصغارها ، وشرور المعاصي وآثارها وأن يجنبنا الجهل والضلال ، فهو المسؤول في كل حين وإليه الإنابة والمآل . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق