فاتقوا الله - عباد الله - ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثمّ توفى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون )
عباد الله : الشفاعة في الآخرة أمنية لكل مؤمن وهدف منشود تنشُده النفس المؤمنة ، وتسعى له بعد رضا الله عز وجل والله جل وعلا خص المصطفى عليه الصلاة والسلام بكثير من الفضائل التي ماأعطاها لنبي سواه ومنها الشفاعة وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة وعلى نبيها الكريم ، فاللهم لك الحمد كما تحب وترضى ، والشفاعة قسمان منفية ومثبتة فالمنفية : هي ماتُطلب من غير الله ومانفاها الله ونفى وقوعها ومنفعتَها للمشفوعين وهي شفاعة الأوثان أوالأصنام أوالأولياء لعابديها - كما يزعم أتباعها - ومن ذلك قول الله تعالى : ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولوا كانوا لايملكون شيئاً ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض ثم إليه تُرجعون ) ( ويعبدون من دون الله مالاينفعهم ولا يضرّهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يُشركون ) .
والمثبتة : هي الشفاعة التي تُطلب من الله والشافع مأذون له ومكرّم بالشفاعة والمشفوع له قد أذن الله أن يُشفع له كما قال تعالى : ( يومئذٍ لاتنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )
عباد الله : حبى الله نبينا وأعطاه الشفاعة وأجلّها وأعظمها الشفاعة العظمى للخلائق حينما يطول وقوفهم في أرض المحشر ويبلُغ بهم الكرب والغم مالايطيقون فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم لكي يأتي الله للفصل والقضاء بين الخلائق ، وهي المقام المحمود : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محمودا ) وذلك حينما يأتون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى فيعتذر كل واحد منهم فتنتهي الشفاعة لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " أنا لها ، أنا لها " ، فيشفع للخلائق كلهم أن يأتي الله للفصل والقضاء والحساب ، ويقال له : " ارفع رأسك وقل يُسمع ، واشفع تُشفّع " .
ومنها : أن يشفع لأهل الجنة أن يدخلوها وهذه من شفاعاته عليه الصلاة والسلام وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً " وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال : " آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول الخازن من أنت ؟ فأقول : " محمد " فيقول : بك أُمرت لاأفتح لأحد قبلك " .
ومن شفاعته صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أناس يدخلون الجنة بلا حساب .
ومن شفاعته صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أقوام من أهل الجنة أن تُرفع درجاتهم
ومن أنواع الشفاعة التي أوتيها عليه الصلاة والسلام : شفاعته في أناس من أهل النار أن لايدخلوها
ومن أنواعها ايضاً : شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من النار بعد دخولها وذلك لحديث : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " رواه أبوداود والترمذي
ومن شفاعاته أيضاً : شفاعته في عمّه أبو طالب الذي لولا فضل الله ثم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار ، فقد قال صلى الله عليه وسلم عن عمه : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجعل في ضحضاح من نار ، يبلُغ كعبيه يغلي منه دماغه " .
هذه شفاعته صلى الله عليه وسلم وفي ذلك اليوم يشفع الملائكة وتشفع الأنبياء ويشفع المؤمنون ويخرج الله من النار أناساً لم يعلموا خيراً قط ولكن أتوا بأصل التوحيد وكلمتِه ( لاإله إلا الله ) بل ويُدخل الله بشفاعة رجل من أمة محمد ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومُضر فانظروا بركة الصلاح والخير على الشافع والمشفوع له ، وفي حديث الشفاعة الطويل عند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حتى إذا خلَصَ المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده مامنكم من أحد بأشدّ مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون ، فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم ، فتحرّم صورهم على النار ، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه ، وإلى رُكبتيه ، ثم يقولون : ربنا مابقي فيها من أحد ممن أمرتنا به ، فيقولون : ارجعوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا .
ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيُخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيُخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيراً ، وكان أبوسعيد الخدري - وهو راوي الحديث - إن لم تصدقوني بهذا الحديث ، فاقرؤا إن شئتم : ( إن الله لايظلم مثقال ذرة وإن تكُ حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما ) فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ، قد عادوا حُمَمَاً ، فيُلقيهم في نهر في أفواه الجنة يُقال له نهر الحياة ، فيخرجون كما تخرُج الحبة في حميل السيل ، فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة ، هؤلاء عُتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عملٍ عمِلوه ولاخيرٍ قدموه " وقد بيّن أهل العلم أن هذه الشفاعة لمن قال لاإله إلا الله ولكنه لم يعمل خيراً قط ، فنسأل الله أن يقينا شر يوم الدين ويجلعنا وإياكم من عباده المتقين وحزبه المُفلحين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============ الخطبة الثانية ============
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لخلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
عباد الله : نص الشرع الحكيم على أن هناك من المسلمين من يشفعون لأهليهم وقرابتهم - كالشهداء والأفراط - وهم الصغار الذين يتوفاهم الله بعد نفخ الروح فيهم وقبل سن البلوغ ، ودليل شفاعة الشهداء مارواه أبو داود من حديث أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُشفّع الشهيد في سبعين من أهل بيته " وفي الأفراط كان السلف يستحبون أن تقول : اللهم اجعله فرطاً لوالديه وشفيعاً مُجاباً ، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح المؤمنين واجعله في كفالة ابراهيم وقهِ برحمتك عذاب الجحيم ، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله ، اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ، ومن سبقنا بالإيمان " وقد أورد هذا الدعاء ابن قُدامة في كتابه المُغني وغيره من السلف ، وورد عند عبدالرزاق في مُصنفه وذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على شفاعة الأفراط بتصريح أبين وهو قوله : " اللهم اجعله فرطاً وسَلفاً وأجرا " وسُمّي الفرط بهذا الإسم لأنه يسبق أبويه لدخول الجنة .
وفي معنى حديث : " كل غلام ٍ مُرتهن بعقيقته " أنه لايشفع لوالديه يوم القيامة حتى يُعق عنه وقد رجح ذلك الإمام أحمد هذا المعنى على غيره رحمه الله تعالى .
عباد الله : إن أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه "
وهناك أعمال صالحة تنفع صاحبها وتشفع له يوم الدين ينبغي أن يحرص عليها العبد كالصيام ومداومة تلاوة القرآن وسُكنى المدينة والصبر على شدتها ولأوائها والموت بها والبُعد عن اللعن والحذر منه ومُصاحبة أهل الإيمان والدعاء لنبينا حين سماع النداء بقوله : " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه الله مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لاتُخلف الميعاد " فاللهم اجعلنا من أهل الشفاعة وآمنا يوم تقوم الساعة ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق