الجمعة، 30 أبريل 2021

خطبة عن عيد الفطر

الحمدلله أرسى دعائم الإسلام وأتم على عباده الصيام ورزقهم في شهر العبادة القيام وبين لهم سبل السلام وافتتح بشهر شوال أشهرَ الحج إلى بيته الحرام والصلاة والسلام على المبعوث للأنام بجوامع الكلام الذي جاهد في الله حق جهاده وصان النفس عن الآثام عليه وعلى آله وصحبه وحزبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أزكى الصلوات وأكملَ السلام أما بعد : 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . 

إخوة الإسلام : اتقوا الله تعالى  فالتقوى هو البضاعة الرابحة التي لاتكسد وصاحب التقوى ذو النهج الأرشد وبين الخلائق هو الأسيد ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير ) ( ياأيها الذين اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس ٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : العيد بهجة وسرور وفرحٌ وحبور وشكر لله الغفور على مامن به على عباده من إتمام الشهر الفضيل صياماً وعبادة ودعاءاً واستكانة وأسعد الناسِ به من وفقه الله واجتهد وثابر على السباق للخيرات بجلد واطّرح عنه الكسل والفتور والعجزَ والوهن فذلك المغبوط  الفائز ولكل خير وكرامة حائز فطوبى لمن جد واجتهد وماضيّع من الشهر شيئا ً ، فذلك قد له من الكرامة والخير نصيب الأسد واليوم وقت السرور والبشرى والدعاء لله بالقبول وهو خير مسؤول .

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .                   

عباد الله : قد كان شهر رمضان مدرسةً لكل من أناب لله وتاب إلى الغفور التوّاب سبحانه وخلق ربقة الهوى والنفسِ والشيطان ِ من عنقه فلزم درب التائبين الأوابين وتطهر وتزكى من الذنوب  ( والله يحب التوابين ويُحب المتطهرين ) ولكن من كان حاله قبل رمضان مثل حاله في رمضان أو بعد رمضان فعزاءنا إليه أن نفسُه أضلته وهواه أغواه وهو في بلاءٍ ومأساة ، فالمصطفى عليه الصلاة والسلام يقول : " رغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يُغفر له " أخرجه الترمذي وغيرُه بإسنادٍ جيّد . 

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحا الله بكرة وأصيلا . 

عباد الله : الصلاة ثم الصلاة ثمّ الصلاة وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام الكبرى قبل موته وهي الباب الأول لكل عملٍ صالح وهي الميزان الأعظم يوم القيامة فإن صلحت صلُح سائر عمل العبد وإن فسدت فسد سائر عمله وخسر خسراناً مبينا فحافظوا وعضوا عليها واستمسكوا بها فهي باب النجاة وهي خير وصيّة من رب البريّة ورسول البشرية وأدوها في بيوت الله بكامل طهارتها وخشوعها ولا تكونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليُصلي ستين سنة وما تُقبل له صلاة لعلّه يُتم الركوع ولا يُتم السجود ويُتمّ السجود ولا يُتمّ الركوع " والحديث في صحيح الترغيب والترهيب وحسنّه بعض أهل العلم ، واحذر أن يدخل في قلبك شُبهةَ المخذلين عن صلاة الجماعة أياً كانوا ولتعلم أنها باب لكل خير ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحنُ نرزقك والعاقبة للتقوى ) . 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .      

عباد الله : الزكاة باب للتزكي من الذنوب والصدقة بابٌ لرضا الله وإطفاء سخطه وبرهان على إيمان العبد وصنائعُ المعروف تقي مصارع السوء والله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة فعوّد نفسك على بذل الإحسان والمعروف ولا تستصغر شيئاً فوالله ماتدري أيُ عمل ٍ يُدخلك الجنة ؟ فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو كان هللات معدودات أو كلمة واحدة فابذلها فإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايحسب لها حساباً يرفعه الله بها درجات وإياك من شرّ الكلام ولو كان كلمة فما تدري فلربما تكون تلك الكلمة هي السبب في كتابة السخط عليك من الله فاحذر فالصمت لايندم عليه المرء ولكنه يندم على الكلام مرارا ، وآفة اللسان أكثر مايدخل العبد النار ، ومن استقام لسانه استقام دينه وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفّر اللسان تقول : اتق الله فينا لإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " . 

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحا الله بكرة وأصيلا . 

عباد الله : الذرية نعمة من الله من حُرمها تجد أنه يبذل الأدنى من ماله والأقصى لكي يُرزق بالذرية والله يُعطي الذرية من يشاء ابتلاءاً للعبد وفتنة ( إنما موالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم ) وهو الحكيم في عطاءه سبحانه ولكن التفريط في تربية الذرية والأولاد سبب للعقوبة والعذاب وكذلك إهمالهم وعدم توليّهم بالنصح والرعاية كل ذلك يُحاسب عليه العبد وفي الحديث : " كلكم راع ٍوكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته فالرجل راع ٍفي أهله ومسؤولٌ عن رعيته والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيّده مسؤول عن رعيّته " فمن غشّ أو فرّط وضيّع أهل بيته وأولاده فهو غاشٌ لهم ومن أعطاهم من الأجهزة مايفتح باب الشرّ عليهم بلا مراقبة ولا رعاية فقد غشهم ومن ترك بناته أو زوجته تلبس من ألبسة الزينة وغير الساترة التي تظهر للرجال ولم يوجهها أو يمنعها بالتي هي أحسن ويحذرها فقد غشّ أهل بيته وفي الحديث الصحيح : " مامن عبدٍ يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنّة " فالحذر الحذر ياعباد الله . 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .      

معشر المسلمين : البصر نعمةٌ من الله لايعرف ثمنه إلا من فقده والله أمر بحفظه وغضه لكلا الجنسين الرجال والنساء فقال سبحانه : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيرٌ بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن  . . . ) الآية وغض البصر في هذا الوقت أصبح ضرورة وواجب شرعي لكثرة الفتن والمناظر المخلة بالآداب والخادشة للحياء والمفسدة للنشء ، وغض البصر راحة للفؤاد ونور في الوجه وبه يزداد إيمان العبد ومن لم يزدد إيمانه فهو معرّض للنقص والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه : " ياعلي ، لاتتبع النظرة النظرة فإن لكل الأولى وليست لك الآخرة " 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ================

الحمدلله الذي الكريم المتعال الذي أجزل في العطايا والنوال ليس كمثله شيء وهو أهل الثناء والجلال والصلاة والسلام على النبي والأصحاب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ٍ ماكسبت وهم لايظلمون ) . 

معشر المسلمين : صلة الرحم من أسباب دخول الجنة والرفعة في الدرجات ولن الجنة قاطع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقطع الرحم إفسادٌ في الأرض وسبب للعنة الله كما قال الحق سبحانه : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ) فلا بدّ أن يُصلح العبد مابينه وبين أقاربهم والمبادر إلى الوصل والصلة هو المؤمن حقاً والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن إصلاح ذات البين خيرٌ من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، فلا يصلُح ولا يستقيم إيمان العبد مع القطيعة والهجران والمدار في ذلك على صلاح القلب فإن صلُح القلب أصلح العبد مابينه ومابين الله وأصلح مابينه مابين الخلق وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد  : " لايستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " . 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد 

أيتها الأخوات الفاضلات : مدار دين المرأة على حيائها ودينها وعفتها وخُلقها والله أمركن بالقرار في البيوت ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى . . ) والمرأة الخرّاجة الولّاجة هي قريبة من الشر بعيدة عن الخير ، وما زلّت قدم امرأة في منحدرات الفتنة إلا بسبب كثرة الخروج من البيت لأتفه الأسباب ، وباتباع الموضات التي هي مكمن لشر كبير ، فاستهدف الأعداء العباءة واستهدفوا الخمار بزينة تدعوا إلى الفتنة ونزع الحياء ومن ثم استهدفوها بلون سوى الأسود فإياك إياك والعباءةِ أو الخمارِ المزينان بزخارف أو بلون سوى الأسود ، وليكن قدوتك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة ذوات العفاف والحشمة ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالخروج للصلاة في يوم العيد وهو يوم فرح وسرور أمرهن أن يخرجن " تفِلات " أي مجتنبات لكل أنواع الزينة فكيف بمكن تخرج لأمر سوى الصلاة متزينة بأنواع الزينة فلتتقين الله في ذلك ولتحذرن من دعاة الشر والفتنة من النساء خاصة واحذري من تلك النسويات اللاتي ينشرن الضلال والتمرد على الولاية ويدعون إلى تفريق الأسرة في مواقع التواصل والله أعلم بما يبيتون ، يدعون إلى ذلك كلّه بكلام معسول ويدسون السم بالعسل فضح الله أمرهم ومكن القادة والمسؤولين من الإيقاع بهم ، فاهجري تلك المواقع اللاتي تفتح مثل هذه المواضيع إن كنت تريدين السلامة والعافية واحذري من الإختلاط أو العمل الذي يعمل به الرجال فمن شقاء المرأة وقلة توفيقها أن تعرّض نفسها لمواقع الفتنة وللاماكن اللاتي يرتادها الرجال فالعمل الذي يجرّ لمثل هذا الشرّ هجره واجب ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه . 

عباد الله : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على كل فردٍ من مجتمعنا ومن تخلّى عنه فإنه يساهم بغرق سفينة المجتمع فنحن كمن هو في البحر على سفينة حيث صوّر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بقوله : " مثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثلِ قومٍ استهموا على سفينة فصار بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّا على من فوقهم ، فقالوا -أي لبعضهم - لوأنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا . فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " والحديث أخرجه البخاري رحمه الله وإيانا جميعاً  ، وكلٌ على ثغـر ، فاحذروا  أن تساهموا  بترك هذه الشعيرة بسبب الكسل أوالعجز أوالتهاون أو الخجل وخذوا الأمر بجدّ فالأمر مصيري للجميع أعز الله دينه وأولياءه وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل غيور ٍ من المسلمين إنه جواد كريم . 

اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك 

الخميس، 29 أبريل 2021

خطبة عن الغزوات في رمضان

 الحمدلله ناصر عباده المؤمنين وخاذل الأعداء من الكفار والمنافقين ومجيب دعوة المضطرين ورب السماوات والأرضين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد الذي سلك سبيل المتقين وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثمّ توفى كل نفس ٍماكسبت وهم لايظلمون ) عباد الله : إن رمضان في التاريخ الإسلامي لم يكن شهر صيام وصدقة وعبادة فقط ولكنه كان شهر أحداث ونصر وتمكين لأمة الإسلام في ماضي عهدهم ، وفي مستقبلها بإذن الله تعالى وقد جرت فيه أحداث كثيرة من عصر النبوة إلى عصرنا هذا وكان من أول حدث في تاريخ المسلمين هو ( غزوة بدر ) التي وقعت في أحداثها في اليوم السابع عشر من رمضان وكان النصر حليف المسلمين وفيها تنزلت ملائكة الرحمن نصرة لأولياء الله وكان سببها اعتراض قافلة قريش من قِبل المسلمين بسبب استيلاء كفار قريش على أموال المهاجرين في مكة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابةَ رضوان الله عليهم بالخروج إليها وقال : " لعل الله أن ينفلكموها " أي تغنموها ولكن الله جل وعلا أراد أن تسلم القافلة لكونه يريد أن يلتقي الفريقان في معركة فاصلة ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فلما سلمت القافلة أصرّ صناديد قريش وعلى رأسهم رأس الكفر أبو جهل ( عمرو بن هشام ) على ملاقاة المسلمين وقتالهم فكانت النتيجة أن قُتل سبعون من صناديد الكفر والضلال وقد ذكر الله سبحانه في معرض الآيات في سورة الأنفال شيئاً من هذه الأحداث فقال : ( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا * ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيّ عن بينة وإن الله لسميعٌ عليم ) والعدوة الدنيا أي القريبة من المدينة والقصوى أي البعيدة منها والركب المقصود بهم القافلة والمعنى أنهم أسفل منكم قريباً من البحر وليس في الوادي نفسه ولما التقى الفريقان استفتح أبو جهل بقوله : " اللهم أينا أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة " أي عجّل بحتفه ، وكان المشركون كما ثبت عن بعض المفسرين حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة يقولون : " اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين " وانظر كيف يدعون الله في الشدة ويشركون في الرخاء فجاء الرد من الله سبحانه : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثُرت وأن الله مع المؤمنين ) . 

تنزل النصر من الله بفضله وكرمه على جموع المسلمين وقد كانوا أذلة وقلّة وفي ذلك يقول الله : ( ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) وشاركت ملائكة الرحمن في هذه المعركة الفاصلة جندَ المسلمين نصراً وتأييداً من الله عز وجل وكان المَلك يسبق المقاتل من المسلمين لقطع رؤوس الكفار أو ضرب وجوههم بسوط يخرون بعدها صرعى ففي حديث ابن عباس الذي رواه مسلم أنه قال رضي الله عنه : " بينما رجل من المسلمين يشتدّ في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت فارس يقول : أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقياً فإذا هو قد خُطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضرّ ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت ، ذلك من مدد السماء الثالثة " . 

ومن الأحداث التي وقعت في رمضان أيضاً فتح مكة وكانت في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم العاشر من رمضان ودخل مكة في ليلة التاسع عشر من رمضان وكان فتح مكة عز ونصر وانتشار للإسلام في القارة العربية كلّها 

ومما وقع من المعارك في الأندلس في رمضان معركة بلاط الشهداء التي وقعت في العام الرابع عشر ومائة من الهجرة بقرب باريس في فرنسا اليوم والتي استشهد فيها كثيرٌ من المسلمين 

ومما كان في رمضان أيضاً فتح عمورية وتقع الآن في تركيا باسم مقارب وتسمى اليوم ( أموريوم ) وسبب المعركة عدوان ملك الروم على أرض المسلمين واعتداءهم على النساء فوقعت امرأة في الأسر تنادي ( وامعتصماه ) فلبى المعتصم العباسي النداء وسيّر جيشاً هزم فيه الروم وكان ذلك في عام ثلاثة وعشرين ومائتين من الهجرة ، ومنها أيضاً فتح " حارم " وهو حصنٌ يقع اليوم ضمن أعمال حلب في الشام وكان قد استولى على الحصن الفرنجة فغزاها نور الدين زنكي وكان في رمضان من العام تسعٍ ٍوخمسين وخمسمائة من الهجرة فوقف بجيشه صفوفاً أمامهم فرزق الله فيها المسلين النصر وأسر فيها من أسيادهم وكان ذلك في زمن الدولة الزنكية والتي توالي الدولة العباسية وهي تتخذ الرايات السود علامة على تبعيتها للدولة العباسية ، فاللهم أعز جندك وانصر أوليائك واخذل أعدائك في كل مكان يارب العالمين أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية =================

الحمدلله الذي منّ على عباده بالعطايا والهبات وأسبغ عليهم من الخيرات ودفع عنهم الكثير من البليات والصلاة والسلام على المبعوث بالرحمات إلى كل البريّات عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ  عاطر التسليم والصلوات أما بعد : 

ومن  الأحداث الجارية في شهر رمضان معركة " عين جالوت " في فلسطين اليوم وكانت في العام ثمانٍ وخمسين وستمائةٍ من الهجرة ووقعت بين المسلمين والتتار وكان المسلمون بقيادة سيف الدين قطز حيث وقعت المعركة في الخامس والعشرين من الشهر الفضيل كسر فيه المسلمون شوكة التتار وحققوا فوزاً عظيماً بعد قتالهم إياهم قتالاً شديداً  . 

ومن الأحداث التي وقعت في رمضان ودونها التأريخ معركة شقحب وهو مكان قرب دمشق في الشام وكانت في العام الثاني بعد السبعمائة من الهجرة وفيها وقعت المعركة بين المسلمين والتتار وفي هذه المعركة أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بالفطر في رمضان وهو واجب إذا داهم العدو البلد ليتقوى الناس على قتال أعدائهم وذلك فقويت عزائم المسلمين على أعدائهم ونزل النصر من الله فقتل المسلمون من التتار مالا يعلم إلا الله فاقتحم التتار الجبال والتلال هرباً من سيوف المسلمين فحاصروهم المسلمون ورموهم عن قوسٍ واحدة فمات أكثرهم ومن هرب منهم ألقى نفسه في النهر فغرق وسلّم الله المسلمين من شرورهم . . ومن المعارك أيضاً التي جرت في رمضان معركة الزلاقة في الأندلس وكانت بين الجيش الإسلامي المرابطي بقيادة يوسف بن تاشفين الذي يقود الجيش وهو في الرابعة والثمانين من عمره وبين جيش الفرنجة الصليبي النصراني ، وقد كتب الله فيها النصر لجند المسلمين وكانت بداية لظهور دولة المرابطين في الأندلس وبداية عهد جديد لدولة المرابطين الموحدة  . . هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه  . . 

الأربعاء، 21 أبريل 2021

خطبة عن أحكام الصيام ومايتعلق به

الحمدلله الذي شرع لنبيه سنن الهدى وبين لنا سبل الردى ولم يخلق الخلق سُدى والصلاة والسلام على خير من اهتدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن على نهجه اقتفى وسار على سبيله واهتدى وسلّم تسليماً كثيراً أما بعد :  

فاتقوا - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : التعبد لله على بصيرة نهج المرسلين وعباد الله المفلحين ولا تستقيم عبادة ولا صوم المسلم إلا إذا كان تعبده على نهجٍ صحيح واعتقادٍ صواب ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) ( وما أمروا إلا ليعبدوا مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) ولابد للعبد أن يتعلم  أحكام دينه فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات ويسألَ أهل العلم حينما يُشكل عليه شيء من أحكام الدين لكي لايتعبد لله على جهل وما بُعث الأنبياء إلا ليبينوا للناس أحكام التنزيل والشريعة  يقول ربُنا تبارك وتعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون * بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون )  . 

عباد الله : من الأحكام التي تتعلق بالصوم أن من بقي عليه صيام من رمضان الفائت ولم يقضه تهاوناً وكسلاً فيلزمه التوبة إلى الله من هذا الفعل الآثم وعليه القضاء والكفارة عن عدد الأيام التي أخرها فيطعم عن كل يوم أخره مسكين ويطعمه نصف صاع من البر أوغيره 

وأما من لديه عذر فإن عليه التوبة والقضاء وليس عليه كفارة كما أفتى به الشيخ عبدالعزيز بن باز رحم الله الجميع ، وأما استعمال الكحل وكذلك استعمال قطرات العين والأنف والسواك كل ذلك لايفطر به الصائم ولكن لابد من الحذر من السواك الذي به نكهات فإنه لايحل استعماله للصائم وأما بخاخ الربو فيحل للصائم لأن المادة فيه لاتصل إلى المعدة وكذلك غاز الأكسجين وأما استعمال المنظار للمرضى فهذا لايفطر به الصائم إلا إذا استعمله مع مادة دهنية تدخل إلى المعدة فهنا يفطر الصائم بسبب دخول هذه المادة للمعدة وأما بالنسبة . 

وأما الحُقن فتختلف فمنها مغذٍ ومنها غير مغذي فغير المغذي منها كحقن الأنسولين والحقن العضلية والحقن الشرجية والمهبلية بالنسبة للمرأة وكذلك التحاميل ضد الحرارة والإبر المسكنة لها فكلها لاتفطر وكذلك اللصقات العلاجية  والأدهنة كمرطب الشفتين والمراهم وما يشابهها فهي لاتفطر وكذلك الإبر المخدرة كإبر تخدير الأسنان وقلع الضرس والرعاف ونحوها وكذلك الأقراص التي تحت اللسان لعلاج الأزمات القلبية والذبحة الصدرية وأما الإحتلام الذي يخرج معه المني فإنه لايُفطر 

وأما الإبر المغذية فهي تفطر كالتي تحتوي على المواد السكرية  وكذلك لصقات النيكوتين فهي تفطر لإحتوائها على مادة تغذي الدم وتعوضه عن النيكوتين الموجود في الدخان فينبغي تجنبها إلى مابعد الإفطار وليس على المرأة في البيت من حرج إذا تذوقت الطعام بشرط أن لاتبتلعه وأن يكون ذلك للحاجة . 

والقاعدة في ذلك : " أن ماكان أكلاً وشرباً أو كان في معنى الأكل والشرب من الإبر والحُقن وغيرها فهو مفطّر وما كان سوى ذلك فلا " وكل ماكان من القطرات التي تنفذ للحلق فيجب عدم ابتلاعها وإلا أفطر بها الصائم فلا بد من استخراج الطعوم التي تكون في الحلق من تلك القطرات سواء استعملها المريض عن طريق الأنف أو الأذن .  

ومن المفطرات - ياعباد الله - القيء العمد لامن ذرعه القيء - أي خرج رغماً عنه لقوله صلى الله عليه وسلم : " من ذرعه القيء - أي غلبه - فلا قضاء عليه ، ومن استقاء عمداً فليقض ِ " أخرجه الترمذي في سننه . . ومن المفطرات أيضاً الحجامة لقوله صلى الله عليه وسلم لمّا رأى رجلاً يحتجم في نهار رمضان قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وليُعلم أن الحاجم إذا حجم بآلات الحجامة الحديثة فإنه لايُفطر لأن علّة فطر الحاجم هي امتصاص الدم وقد كان في الماضي وأما هذه الأيام فإنه غير متحقق وأما المحجوم فإنه يُفطر ، ومن تلك المفطّرات الإستمناء وهو استعمال العادة السرية في نهار رمضان عمداً وصاحبها آثمٌ أشد الإثم وعليه التوبة والإستغفار وقضاء ذلك اليوم وليس عليه كفّارة كالجماع الذي هو أشدّ المفطرات وكفارته عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يتسطع فإطعام ستين مسكيناً وهي تشبه كفارة الظهار  حفظ الله لنا ولكم سائر العبادات مما يُنقصها أو يشوبها وأكمل لنا ولكم الأجر والمثوبة وجنبنا الآثام والعقوبة إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه من كل الآثام والأوزار يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار . 

============== الخطبة الثانية ================

الحمدلله الكريم المتعال ذو الإنعام والإفضال والعزة والجلال والصلاة والسلام على النبي المصطفى والأصحاب والآل ومن تبعهم بإحسان ٍ إلى يوم المآل أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من طرأ عليه السفر في نهار رمضان ونوى الإفطار فلا يحلّ له أن يتناول شيئاً من المفطرات حتى يخرج من البلد الذي نوى السفر منه ويخرج خارج العمران ولا يظن أنه بمجرد نيّة السفر يكون مسافراً ومن فعل شيئاً من المفطرات فعليه التوبة والإستغفار وإن كان المفطّر له مما يستوجب الكفارة فتلزمه كمن وقع على أهله قبل أن يغادر البلد وذلك ماأفتى به كبار أهل العلم كاللحيدان والعثيمين وغيرهم ، وهذه المسألة تغيب على كثير من الناس فليحذر المسلم من ذلك  .

ومن أكل أو شرب ظناً منه أن الشمس غربت فلا قضاء عليه على الصحيح لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت  : " أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس " 

والمرأة التي حاضت ثم طهرت في أثناء نهار رمضان فعليها أن تقضي ذلك اليوم وتمسك في بقيتة أو كان العكس بأن نوت الصوم ثم حاضت قبل مغيب الشمس ولو بدقائق فعليها ماأسلفنا أن تمسك وتقضي كما هو قول جماهير أهل العلم ومنهم كبار العلماء في عصرنا وهو القول الراجح  . 

وللتنبيه ياعباد الله : أهل الفساد في بعض وسائل الإعلام تنشط في بث منكرات شنيعة ومسلسلات هابطة تصّدر لقيم الفساد ، بل تطوّر مكرها في الدعوة للفاحشة والرذيلة علانية وكان من بعضهم التصريح بالإستهزاء بالدين وأهله والله جلا وعلا يقول : ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم . . ) ومن يشاهدهم له نصيب من الإثم لاريب ولا شك ولو قاطعت الجماهير أمثال هؤلاء ماروجوا لفجورهم وخبثهم ولكن وجدوا لهم من يداهنهم ويأخذ الأمر بتمييع وسخرية فحسبنا الله ونعم الوكيل . . فانجُ بنفسك من السقوط في أوحالهم ودنسهم لاكثر الله من أمثالهم في مجتمعنا وهيأ لولاة أمورنا من يضرب بيد من حديد على يد هؤلاء المستهترين ويكفّ عن المسلمين سفاهاتِهم وشرورِهم والله عزيز ذو انتقام . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 

الخميس، 15 أبريل 2021

خطبة عن الزكاة وإخراج الصدقة

 الحمدلله رب ذي الجود المتين الحق المبين يرزق من يشاء وهو خير الرزاقين يُعطي السائلين ويخلِف على عباده المنفقين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي أرسى دعائم الدين ووعظ وبين لعباد الله المؤمنين عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :                                                                       

فاتقوا الله عباد الله فالتقوى جُنّة من النيران وسبيل لرضا الرحمن ومجنبٌ لسبل الشيطان ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .                                 

عباد الله : الزكاة ركن الإسلام الثالث وهي زكاة للأموال كما أن الصلاة زكاة للأنفس والأبدان والزكاة أخت الصلاة وقرينتها التي لاتنفك عنها ودائماً ربُنا يقرن بين الزكاة مع الصلاة في خطابه المعظم : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " وقوله سبحانه : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة " وهي شريعةٌ قديمة مثل الصلاة والعباد لاتصلح أمورهم بدون الزكاة وبها يواسي بعضهم بعضاً ويعطف بعضهم على بعض وهي حق الله في المال لابد من إخراجه ، ويقول الحق تبارك وتعالى مادحاً عباده المؤمنين : ( والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم ) وقد توعد الله بمن يترك دفع الزكاة أو يتهاون فيها بأشد العقوبات في القبر ويوم العرصات حين جمع العالمين على أرض المحشر ومن نصوص الوعيد في ذلك : ماروى النسائي والترمذي وابن ماجه في سننهم وأحمد في مسنده من حديث عبدالله بن مسعود رض الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أحدٍ لايؤدي زكاة ماله إلا مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع - وهو الثعبان الضخم - حتى يُطوّق به عنقه " ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير "  وكذلك ماأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن صاحب ذهب ولا فضة لايؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، قيل يارسول الله فالإبل ؟ : " ولا صاحب إبلٍ لايؤدي منها حقها - ومن حقها حلبُها يوم وردها - إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قرقر - وهي الأرض المستوية التي لاشجر فيها - أوفر ماكانت لايفقد منها فصيلاً واحداً تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفوهها ، كلما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " وذكر مثل ذلك في صاحب البقر والغنم الذي لايؤدي زكاتها فاللهم رُحماك ولطفك يارب العالمين . 

عباد الله : من ملك نصاباً وحال عليه الحول وكان مُلكه تاماً على ماله بحيث أنه لايكون دين فتلزمه الزكاة ويجب أن يبادر لإخراجها ويحذر من التسويف فإن التسويف من جنود إبليس ، وينبغي على كل مسلم أن يجعل له وقتاً محدداً لإخراج الزكاة لأن الزكاة حولية وتختلف عن الصلاة التي هي وقتية يومية وقد اعتنى بعض العلماء ببيان نصاب الزكاة في كل عام من رمضان لأن الكثير من عباد الله يحرصون على أدائها في رمضان يطلبون مضاعفة الثواب في ذلك وفي هذا العام نظراً لارتفاع سعر الفضة فإن من ملك ألفاً وثمانمائة وعشرون ريالاً من المال النقدي كان فيه الزكاة  ونصاب الزكاة في الفضة نفسها إذا بلغت خمسمائة وخسمة وتسعون جراماً ففيها الزكاة وهو ربع العشر وكذلك الورق النقدي ، واستخدمت الفضة معياراً للزكاة في الورق النقدي لأن حسابها هو الأحض والأنفع للفقراء ، وماكان الناس قديماً يعرفون بالتعاملات المالية إلا بالذهب والفضة وبالنسبة لزكاة الذهب فلا تجب إلا من كان عنده خمسة وثمانون غراماً فصاعداً فيخرج ربع العشر منها . 

عباد الله : تُضم الأنصبة من المال الورقي والذهب والفضة إلى بعضها في تكميل النصاب وهذا قول جماهير العلماء وهو قرار هيئة كبار العلماء وعليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء وكذلك تُضم مع العروض المعدّة للتجارة ، وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مانصه : " وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أوفضة أو كانت تكمّل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدّة للتجارة . 

اللهم وفقنا لفعل الطاعات وجنبنا المنكرات وانتهاك الحرمات يارب الأرض والسماوات بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=============== الخطبة الثانية =============== 

الحمدلله إله العالمين وولي المتقين وإله والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

عباد الله : هناك مسائل في الزكاة تخفى على كثير من الناس فلعلنا نورد بعضها بعجالة فمنها : 

- من كانت له أرضٌ اشتراها بنية التجارة فإن فيها الزكاة إذا حال عليها الحول فينظر في قيمتها إذا حال عليها الحول ويخرج زكاتها ولا عبرة بقيمتها حين شراءها ، وليعلم أن السعر المعتبر هو ماكان حال إخراج الزكاة ، وأما المتردد بين البيع والشراء فلا عبرة بذلك إلا إذا كانت لديه نية جازمة للتجارة والبيع .                                                                                            - وكذلك من كان له أسهم في أراضي تعرض للبيع فإن فيها الزكاة فينظر إلى قيمة سهمه حال مضي الحول ويخرج الزكاة بحسب قيمة نصيبه .   

 - ومن لديه عقارٌ يؤجره كعمارة أو منزل أو سيارة ونحو ذلك فإن هذه العقارات ليس فيها زكاة بل في أجرتها فيحسب أرباح الأجرة ويؤدي زكاتها .  - ومن يُشرف على مال يتيم أو مجنون فإن مالهما تجب فيه الزكاة وهو قول جماهير العلماء ويجب على ولي أمرهما أن يتجر بماله لكي لايقل ماله ولكي يبارك الله فيه وقد ورد عند الدارقطني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال  : " من ولي مال يتيم فليتّجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " وهل يحل لمن يشرف على مال اليتيم أن يأخذ من ماله ؟          

فيٌقال نعم بشرطين : أن يكون قد أنفق على اليتيم من ماله هو ( أي الولي ) ويأخذ استرداداً للنفقة وكذلك إذا كان فقيراً محتاجاً إلى المال ولكن يأخذ بقدر كفايته بلا زيادة ولا يحل له أن يتوسع في النفقة على نفسه من مال اليتيم مطلقاً           عباد الله : البحث الآن عن الفقير يحتاج لعناية إلى حدّ ما ودفع الزكاة الآن أصبح سهلاً ميسراً ولله الحمد عبر المواقع الإلكترونية مع منصات وفرتها الدولة كمنصة إحسان وفُرجت ومنصة جود الإسكان وكذلك الجمعيات الخيرية التي وفرت ولله الحمد أرقام حسابات في متناول الكثير من الناس فاللهم وفقنا لعمل صالح يرضيك عنا واختم بالصالحات أعمالنا واجعلنا ممن  دعاك فأجبته واستهداك فهديته ومن كل شرّ وفتنة حفظته وآويته ياذا الجلال والإكرام  . 

الخميس، 8 أبريل 2021

خطبة عن استقبال رمضان والإجتهاد فيه

الحمدلله الذي من على عباده بمواسم الخيرات وحثهم على الإجتهاد فيه لنيل الدرجات ووفق من يشاء لنيل المكرمات ، وأشهد أن لاإله إلا الله رب الأرض والسماوات وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالنور والبينات إلى كل البريّات عليه وعلى آله وصحبه أزكى التسليم والصلوات أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس ٍواحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
عباد الله : من نعمة الله على العباد منته عليهم بإدراك مواسم فاضلة تُضاعف فيها الأعمال والأجور ويُزلفهم الله بأعمالهم قربى إليه ودرجاتٍ رفيعة لديه ويغفر لهم ويعتقهم في تلك الأزمنة من النار وهانحن ياعباد الله نستقبل شهر رمضان الذي فضله الله على سائر الشهور بنزول القرآن وفضله الله بمضاعفة الحسنات ومغفرة الذنوب والسيئات على مافيه من هداية الناس لما ينفعهم ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّةٌ من أيام أُخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون )  . 
شهرٌ يبدأ فيه الخير من أول ليلة والخير في كل ليلة فقد روى الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:ٍ (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، ويَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ )
عباد الله : الصيام له منافع عظيمة للأجساد ومنافع للأرواح فمن منافع الجسد أنه يبعد الإنسان عن الأسقام والآفات ويُعالج الكثير من الأمراض ويريح المعدة ويعالج أمراض الدم وغيرها وفي المقابل منافعه للروح أنه يربّي المسلم على الصبر والإحتساب ويكسر حدة الشهوة ويذكّر بحال الفقير والمسكين ويُرضي الرب سبحانه ، ويحوز المسلم من وراءه أعظم الأجور وينال المغفرة والشفاعة وفي الحديث : " عليك بالصوم فإنه لاعدل له " وفي رواية : " فإنه لامثل له ".
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) .
وروى البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
وروى أحمد في مسنده، بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: 
{ الصيام والقرآن يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَا } .
عباد الله : شهر رمضان فرصة عظيمة لتصحيح المسار والتوبة والإستغفار من الآثام والأوزار فيا أسيرَ المعاصي، يا سجينَ الشهوات ، هذا شهرٌ يُفَكّ فيه العاني، ويعتَق فيه الجاني، ويتجَاوَز فيه عن العاصي، فبادِر الفرصَة قبل حلول الآجال ، وانقطاع الأعمال ، وانتهز فُرص الفراغ قبل وقت الأشغال ، ولا تكن ممّن أبى، وخرج رمضان ولم ينَل فيه الغفرانَ والمُنى والرضا ، صعد رسول الله المنبَر فقال: ((آمينَ آمينَ آمين))، فقيل: يا رسول الله، إنّك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين!! فقال : ((إنّ جبريل عليه السلام أتاني فقال: مَن أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَر له فدخَل النار فأبعَده الله قل: آمين، قلت: آمين)) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان .
عباد الله : تنظيم الأوقات مع حلول الشهر الكريم أمرٌ مطلوب وواجب لمن يقصرّ في الصلاة أو ينام عنها ، ويأثم من يتعمّد النوم عن الصلاة ، وفتوى أهل العلم أن من تعمّد النوم عن الصلاة حتى خرج وقتُها كصلاة الظهر مثلاً فإنه يكفر بذلك فهو كمن يضبط المنبه على وقت العمل والدوام ولا يضبطه على وقت الصلاة فالأمر في ذلك خطير وليس بالهيّن فلا تغتر - ياعبدالله - بإمهال الله لك ، واتق الله بحفاظك على الصلاة المفروضة مع جماعة المسلمين في المسجد وتأمل كيف يستقيم صيامُ عبدٍ قصّر في الصلاة أو تركها حتى خرج وقتُها ، واعلم أنك إن جاهدت نفسك في هذا السبيل حتى تستقيمُ لك فأنت من خير الناس وإلا كنت من شرّهم  ومن عالج السهر لديه ورتّب وقتَه وسأل الله العون والتوفيق حقّق ونال الخير وأدّى الفرائض كما أُمر وسابق للخير وبلغ المراد وما يُنال المراد إلا بالحرص والإجتهاد . 
فاللهم وفقنا لاغتنام الأزمنة الفاضلة يامن لايرد سائلَه وبارك اللهم لنا في الكتاب والسنة وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============ الخطبة الثانية =============
الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أهل الفضل والتقوى وعلى من تبعهم بإحسانٍ  صلاة وسلاماً دائبين ملء الأرض والسماوات العلى أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - 
عباد الله : من أقصر الطرق لمرضاة الله وخير مايتعبد اللهُ به في الشهر الفضيل - سلامة الصدور وصلاح السرائر ، وهذا الشهرُ الفضيل فرصة لتطهير القلوب من شتى الخطايا القلبية والمكنونات الخفية فإن بعض الخطايا التي يجنيها الرجل بقلبه كالكبر والحسد ونحوها هي كبائر من الذنوب لها عظيم الأثر على دين العبد وأعماله ، فالخلاص منها خلاص من كبائر مهلكة تُذهب الحسنات والأجور للعبد وتقضي عليها ،وسلامة للمرء من عذاب الله في مستقبل أمره .

أخي المبارك : لاتدع لنفسك فراغاً في هذا الشهر الفضيل فهو موسمٌ يفوت ورمضان وقتٌ محددٌ وموقوت ، فمن أدركه الملل في وسطه أو أوله أو آخره فعليه بما يجمع عليه قلبه ويُعظم رغبته سواءٌ كان ذكراً أم تلاوة قرآن أم عبادة فالنفس تمَلّ في بعض الأحيان ، ولكن ليلتزم العبد قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فألزموها الفرائض . 
وإن مما يُستقبل به الشهر الفضيل الدعاء بالعون والتوفيق والقبول ، فالداعي مقرّب والدعاء مجرّب ولاتغفل عن الحوقلة ففيها حمل الأثقال وإنجار الأعمال فالزمها إذا كللت وأكثرمنها ومن الإستغفار إذا مللت . 
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مرسل أنه كان إذا استهل هلال شهر رمضان أقبل على الناس بوجهه ثم قال : " اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والعافية المجلّله ودفع الأسقام والعون على الصيام والصلاة وتلاوة القرآن ، اللهم سلّمنا لرمضان وسلمه لنا وتسلّمه منا حتى يخرج رمضان وقد غفرت لنا ورحمتنا وعفوت عنا  " وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف فهو من باب الدعاء وفضائل الأعمال  وهو مما أباح أهل العلم أن يُعمل به وقد ورد عن بعض السلف أنه كان يقول إذا دخل الشهر : " اللهم سلمني لرمضان وسلّم رمضان لي وتلّمه مني متقبلاً " . . وإن لم يحفظ العبد مثل هذه الأدعية فليدعو بما ورد في رؤية الهلال وهو حديث حسّنه الترمذي وبعض أهل العلم من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال : " اللهم أهِلّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله " وأما رواية : " هلال رشدٍ وخير " ففيها ضعف ، اللهم إنا نسألك أن تُبلغنا الشهر الفضيل وتعيينا على صيامه وقيامه وتجعله عصمة لنا من الذنوب والمعاصي ياذا الجلال والإكرام  . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...