الحمدلله أرسى دعائم الإسلام وأتم على عباده الصيام ورزقهم في شهر العبادة القيام وبين لهم سبل السلام وافتتح بشهر شوال أشهرَ الحج إلى بيته الحرام والصلاة والسلام على المبعوث للأنام بجوامع الكلام الذي جاهد في الله حق جهاده وصان النفس عن الآثام عليه وعلى آله وصحبه وحزبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أزكى الصلوات وأكملَ السلام أما بعد :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
إخوة الإسلام : اتقوا الله تعالى فالتقوى هو البضاعة الرابحة التي لاتكسد وصاحب التقوى ذو النهج الأرشد وبين الخلائق هو الأسيد ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير ) ( ياأيها الذين اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس ٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : العيد بهجة وسرور وفرحٌ وحبور وشكر لله الغفور على مامن به على عباده من إتمام الشهر الفضيل صياماً وعبادة ودعاءاً واستكانة وأسعد الناسِ به من وفقه الله واجتهد وثابر على السباق للخيرات بجلد واطّرح عنه الكسل والفتور والعجزَ والوهن فذلك المغبوط الفائز ولكل خير وكرامة حائز فطوبى لمن جد واجتهد وماضيّع من الشهر شيئا ً ، فذلك قد له من الكرامة والخير نصيب الأسد واليوم وقت السرور والبشرى والدعاء لله بالقبول وهو خير مسؤول .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
عباد الله : قد كان شهر رمضان مدرسةً لكل من أناب لله وتاب إلى الغفور التوّاب سبحانه وخلق ربقة الهوى والنفسِ والشيطان ِ من عنقه فلزم درب التائبين الأوابين وتطهر وتزكى من الذنوب ( والله يحب التوابين ويُحب المتطهرين ) ولكن من كان حاله قبل رمضان مثل حاله في رمضان أو بعد رمضان فعزاءنا إليه أن نفسُه أضلته وهواه أغواه وهو في بلاءٍ ومأساة ، فالمصطفى عليه الصلاة والسلام يقول : " رغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يُغفر له " أخرجه الترمذي وغيرُه بإسنادٍ جيّد .
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحا الله بكرة وأصيلا .
عباد الله : الصلاة ثم الصلاة ثمّ الصلاة وصية المصطفى عليه الصلاة والسلام الكبرى قبل موته وهي الباب الأول لكل عملٍ صالح وهي الميزان الأعظم يوم القيامة فإن صلحت صلُح سائر عمل العبد وإن فسدت فسد سائر عمله وخسر خسراناً مبينا فحافظوا وعضوا عليها واستمسكوا بها فهي باب النجاة وهي خير وصيّة من رب البريّة ورسول البشرية وأدوها في بيوت الله بكامل طهارتها وخشوعها ولا تكونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليُصلي ستين سنة وما تُقبل له صلاة لعلّه يُتم الركوع ولا يُتم السجود ويُتمّ السجود ولا يُتمّ الركوع " والحديث في صحيح الترغيب والترهيب وحسنّه بعض أهل العلم ، واحذر أن يدخل في قلبك شُبهةَ المخذلين عن صلاة الجماعة أياً كانوا ولتعلم أنها باب لكل خير ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحنُ نرزقك والعاقبة للتقوى ) .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
عباد الله : الزكاة باب للتزكي من الذنوب والصدقة بابٌ لرضا الله وإطفاء سخطه وبرهان على إيمان العبد وصنائعُ المعروف تقي مصارع السوء والله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة فعوّد نفسك على بذل الإحسان والمعروف ولا تستصغر شيئاً فوالله ماتدري أيُ عمل ٍ يُدخلك الجنة ؟ فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو كان هللات معدودات أو كلمة واحدة فابذلها فإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايحسب لها حساباً يرفعه الله بها درجات وإياك من شرّ الكلام ولو كان كلمة فما تدري فلربما تكون تلك الكلمة هي السبب في كتابة السخط عليك من الله فاحذر فالصمت لايندم عليه المرء ولكنه يندم على الكلام مرارا ، وآفة اللسان أكثر مايدخل العبد النار ، ومن استقام لسانه استقام دينه وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفّر اللسان تقول : اتق الله فينا لإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " .
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحا الله بكرة وأصيلا .
عباد الله : الذرية نعمة من الله من حُرمها تجد أنه يبذل الأدنى من ماله والأقصى لكي يُرزق بالذرية والله يُعطي الذرية من يشاء ابتلاءاً للعبد وفتنة ( إنما موالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم ) وهو الحكيم في عطاءه سبحانه ولكن التفريط في تربية الذرية والأولاد سبب للعقوبة والعذاب وكذلك إهمالهم وعدم توليّهم بالنصح والرعاية كل ذلك يُحاسب عليه العبد وفي الحديث : " كلكم راع ٍوكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته فالرجل راع ٍفي أهله ومسؤولٌ عن رعيته والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيّده مسؤول عن رعيّته " فمن غشّ أو فرّط وضيّع أهل بيته وأولاده فهو غاشٌ لهم ومن أعطاهم من الأجهزة مايفتح باب الشرّ عليهم بلا مراقبة ولا رعاية فقد غشهم ومن ترك بناته أو زوجته تلبس من ألبسة الزينة وغير الساترة التي تظهر للرجال ولم يوجهها أو يمنعها بالتي هي أحسن ويحذرها فقد غشّ أهل بيته وفي الحديث الصحيح : " مامن عبدٍ يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنّة " فالحذر الحذر ياعباد الله .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
معشر المسلمين : البصر نعمةٌ من الله لايعرف ثمنه إلا من فقده والله أمر بحفظه وغضه لكلا الجنسين الرجال والنساء فقال سبحانه : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيرٌ بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن . . . ) الآية وغض البصر في هذا الوقت أصبح ضرورة وواجب شرعي لكثرة الفتن والمناظر المخلة بالآداب والخادشة للحياء والمفسدة للنشء ، وغض البصر راحة للفؤاد ونور في الوجه وبه يزداد إيمان العبد ومن لم يزدد إيمانه فهو معرّض للنقص والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه : " ياعلي ، لاتتبع النظرة النظرة فإن لكل الأولى وليست لك الآخرة "
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============= الخطبة الثانية ================
الحمدلله الذي الكريم المتعال الذي أجزل في العطايا والنوال ليس كمثله شيء وهو أهل الثناء والجلال والصلاة والسلام على النبي والأصحاب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ٍ ماكسبت وهم لايظلمون ) .
معشر المسلمين : صلة الرحم من أسباب دخول الجنة والرفعة في الدرجات ولن الجنة قاطع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وقطع الرحم إفسادٌ في الأرض وسبب للعنة الله كما قال الحق سبحانه : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ) فلا بدّ أن يُصلح العبد مابينه وبين أقاربهم والمبادر إلى الوصل والصلة هو المؤمن حقاً والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن إصلاح ذات البين خيرٌ من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، فلا يصلُح ولا يستقيم إيمان العبد مع القطيعة والهجران والمدار في ذلك على صلاح القلب فإن صلُح القلب أصلح العبد مابينه ومابين الله وأصلح مابينه مابين الخلق وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد : " لايستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لاإله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيتها الأخوات الفاضلات : مدار دين المرأة على حيائها ودينها وعفتها وخُلقها والله أمركن بالقرار في البيوت ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى . . ) والمرأة الخرّاجة الولّاجة هي قريبة من الشر بعيدة عن الخير ، وما زلّت قدم امرأة في منحدرات الفتنة إلا بسبب كثرة الخروج من البيت لأتفه الأسباب ، وباتباع الموضات التي هي مكمن لشر كبير ، فاستهدف الأعداء العباءة واستهدفوا الخمار بزينة تدعوا إلى الفتنة ونزع الحياء ومن ثم استهدفوها بلون سوى الأسود فإياك إياك والعباءةِ أو الخمارِ المزينان بزخارف أو بلون سوى الأسود ، وليكن قدوتك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة ذوات العفاف والحشمة ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بالخروج للصلاة في يوم العيد وهو يوم فرح وسرور أمرهن أن يخرجن " تفِلات " أي مجتنبات لكل أنواع الزينة فكيف بمكن تخرج لأمر سوى الصلاة متزينة بأنواع الزينة فلتتقين الله في ذلك ولتحذرن من دعاة الشر والفتنة من النساء خاصة واحذري من تلك النسويات اللاتي ينشرن الضلال والتمرد على الولاية ويدعون إلى تفريق الأسرة في مواقع التواصل والله أعلم بما يبيتون ، يدعون إلى ذلك كلّه بكلام معسول ويدسون السم بالعسل فضح الله أمرهم ومكن القادة والمسؤولين من الإيقاع بهم ، فاهجري تلك المواقع اللاتي تفتح مثل هذه المواضيع إن كنت تريدين السلامة والعافية واحذري من الإختلاط أو العمل الذي يعمل به الرجال فمن شقاء المرأة وقلة توفيقها أن تعرّض نفسها لمواقع الفتنة وللاماكن اللاتي يرتادها الرجال فالعمل الذي يجرّ لمثل هذا الشرّ هجره واجب ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
عباد الله : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على كل فردٍ من مجتمعنا ومن تخلّى عنه فإنه يساهم بغرق سفينة المجتمع فنحن كمن هو في البحر على سفينة حيث صوّر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بقوله : " مثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثلِ قومٍ استهموا على سفينة فصار بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّا على من فوقهم ، فقالوا -أي لبعضهم - لوأنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا . فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " والحديث أخرجه البخاري رحمه الله وإيانا جميعاً ، وكلٌ على ثغـر ، فاحذروا أن تساهموا بترك هذه الشعيرة بسبب الكسل أوالعجز أوالتهاون أو الخجل وخذوا الأمر بجدّ فالأمر مصيري للجميع أعز الله دينه وأولياءه وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل غيور ٍ من المسلمين إنه جواد كريم .
اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك