السبت، 15 ديسمبر 2018

خطبة عن الأيمان والنذور

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، الذي أذن بالأيمان والقسم فبه يُقسمون وباسمه يحلفون وله الحكم وإليه تُرجعون ، أحمده وهو أهل الحمد والثناء المصون وأصلي وأسلم على النبي الكريم المأمون وعلى آله وصحبه الذين له متبعون وبالدين قائمون وعلينا ومن تبعهم بإحسان مامضت السنون أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تتمايز الأمور وتُنفى الشرور ويُؤمن المحذور ( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفـر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) . . واعلموا - عباد الله أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الامور محدثاتها وكلّ مُحدثة في دين الله بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما يجري في كلام الله القسم بشيء من مخلوقاته ولله أن يُقسم بما شاء من خلقه وليس لأحدٍ أن يُقسم إلا بالله والقسم من الله تعظيم لشأن ذلك المخلوق المُقسم به ويرد ذلك كثيراً في كتاب ربنا سبحانه حيث يقول جلّ شأنه وعلا ذكره  : ( والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلّاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها ) وقال أيضاً : ( فلاأقسم بالخنّس * الجوار الكنّس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفّس ) والخنّس النجوم الخفيه التي تغاب عن الناظرين في النهار وقال : ( لاأقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوّامة * أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) وقوله : " لاأقسم " معناه  أقسم وليس معناه نفي القسم بل إثباته  - فليُنتبه لذلك - وأحرف القسم في قسم الله والمخلوقين ثلاثة هي الواو والباء والتاء فتقول : " والله " و " بالله " و " تالله " والقسم من المخلوق : هو الحلف بالله أو صفة من صفاته ويجب على الناس أن يجتنبوا الحلف بالله قدر الإمكان لقوله تعالى : ( ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميعٌ عليم ) واجتنابه هو تعظيمٌ لله تعالى وهيبة وإن الشخص الذي يُكثرُ الحلف يهون على الناس وينزِل قدرهُ عندهم وذلك لحلفه على أتفه الأمور وأبسط الأشياء فيجب الحذر والتورّع عن ذلك ومما يأخذ حكم القَسَم والحلف مايُسمّى بالنذر وذلك لأنه يُشبه القسم في الكفارة والحلِف عدة أنواع : 

الأول : أن يحلف على فعل شيء يستطيع فعله وهو محرم فلا يجوز أن يفعل ذلك الذي حلف على فعله  ويجب عليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين من الطعام المتوسط وقوت البلد أو يكسوهم أو يُعتق رقبة فإن عجزَ عن كل ذلك فإنه يصوم ثلاثة أيام ولا يجوز له أن يبدأ بالصيام قبل الإطعام والكسوة والعتق . 
الثاني : أن يحلف على فعل طاعة فيجب عليه أن يفعلها وإن تركها وجبت عليه الكفارة ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يُطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " والحلِف يأخذ حكم النذر .
الثالث : لغو اليمين ، ولغو اليمين هو مايجري على اللسان من الحلف ولكن قائله لايقصد الحلف بالله مثل قوله : " لا والله " و " بلى والله " و " إي والله " وهذا لاكفارة فيه ودليله قول الله تعالى : ( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان . . )   .

الرابع : اليمين الغَـموس وسميت غَـموساً لأنها تغمس صاحبها في النار وهي كبيرة من كبائر الذنوب وذلك أن يحلف على أمرٍ يعلم أنه كذب فيقتطع حق امرئ مُسلم بغير حق والغالب أنه لاينجو صاحبها من عذاب الجحيم ومن أحاديث الوعيد التي وردت في ذلك  حديث رواه مسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنّة " قالوا : يارسول الله : وإن كان شيئاً يسيراً ، قال : " وإن قضيباً من أراك " 
فالحذر الحذر أن تقع في مثل هذه اليمين أو تكثر الحلف في البيع والشراء خاصة لحديث سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لايُكلمهم الله ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم : أشيمط زان - وهو الرجل الذي شاخ وهو مُصرٌ على الزنا - وعائل مستكبر - وهو الفقير الذي يتكبر على الناس - ورجلٌ جعل الله بضاعته لايشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه " رواه الطبراني بسند صحيح  . 
ومما ينبغي الحذر منه أيضا ً أن تسبق شهادة الرجل يمينه بتعجّله وعدم تثبته أو يمينه شهادته وهو من علامات الساعة أن يتسرّع الناس باليمين والشهادة إما بغياً وظلماً وإما تعجّلا ً واستخفافاً ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته " 
- عباد الله : كان السلف يضربون صبيانهم على الشهادة والعهد ، فيقول ابراهيم النخعي : " كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار " وفي حديث آخر من رواية مسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يُستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السِّمن " وهو كناية عن الترف وقلة الإهتمام والعناية بطلب الآخرة مع الحرص على متاع الحياة الدنيا ، ولا يجوز الحلف بالآباء ولا بالأنبياء ولا بالمخلوقات وغيرها لأن ذلك من الشرك وكان السلف يُعظمونه ويحذرون منه ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " لأن أحلف بالله كاذبا ً أحب إليّ من أحلف بغيره صادقاً " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالأمانة فليس منّا " وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم :" من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " . 
عباد الله : قد يورّي الشخص بيمينه ويُعـرّض بيمينه أو يتأوّل فيها والتأوّل باليمين هو :  " أن يُطلق الحالف لفظاً ظاهرا ً في معنى ويُريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ وذلك من خلال ازدواجية اللفظ الذي تلفظ به كأن يحلف على شخص أنه أخوه ويقصد أخوّة الإسلام لاالنسب ويُسمّى تورية وتعريضا ً والمتأوّل له ثلاثة أنواع : 
* أن يحلف متأوّلا ً لرد ظلم وقع عليه أو على غيره وذلك جائزٌ للحديث المتفق عليه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما أتى على جبّار من الجبابرة فقال عن زوجته سارة عندما سُئل عنها قال : " هذه أُختي " وكان ذلك الجبّار يستولي على النساء فأراد دفع الظُلم عن نفسه وزوجته عليها السلام . 
* الثاني : أن يحلف ظالماً لكي يأخذ حقّ أحدٍ من النّاس كمن يستحلفه القاضي في ذلك فهذا يأثمّ بتأوّله ولا ينفعه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مُسلم قال : " اليمين على نيّة المُستلحف " أي على طالب الحلِف والقسم وهو الحاكم أو القاضي أو الوالي ومن يقوم مقامهم ، فتكون اليمين على نيّة المستحلف لاعلى نيّة المتّأول . 
* الثالث : إذا لم تدعُ الحاجة إليه ولم يترتّب عليه مفسدة دينية ولا دنيويه ولكن يأتي به ليتخلّص من أسئلة وإحراج الناس ولكي يحفظ ودّه وخُلقه فله أن يحلف متأولا ً ويصحّ تأوّ ُله على الراجح ، وقد ورد في ذلك حديث أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن زاهرا ً رضي الله عنه من خلفه ، وجعل يقول : " من يشتري العبد ؟ " فقال يارسول الله : إذاً والله تجدني كاسداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكنك عن الله لست بكاسد " أو قال " لكنك عند الله أنت غالٍ " رواه الإمام أحمد والترمذي وسنده صحيح . 
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ثم توبوا إن ربي رحيمٌ ودود . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمد لله ذي القول المبين والقوة المتين والصلاة والسلام على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا أن النذر يأخذ حكم الحلف في الغالب ولكن اللفظ يختلف ومعنى النذر : هو إيجاب العبد على نفسه عبادة أو نحوها ماليس واجباً عليه في الأصل ، وقد امتدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر ، قال تعالى في سورة الإنسان : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيرا ) وذلك أن ترك الوفاء بالنذر كذبٌ على الله أولاً وكذبٌ على النفس وتركُ الوفاء به من صفات المنافقين ، وقد كان الصالحون والصالحات من المؤمنين ينذرون ويوفون ، فقال سبحانه وتعالى حكاية عن مريم عليها السلام : ( إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم اليوم إنسيا ) وكذلك جاء رجلٌ من الصالحين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يارسول الله ، إني نذرت أن أذبح إبلاً ببوانة - وهي موضع قرب ينبع - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد " قالوا : لا ، قال : " هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم " قالوا : لا ، قال : " أوفِ بنذرك فإنه لاوفاء لنذرٍ في معصية الله ولا في مالايملك ابن آدم " .
ويُستدل بهذا الحديث على عدم جواز نذر المعصية ، وأن النذر لابدّ أن يراعى فيه المصالح والمفاسد فإن طغت المفاسد فلا يجوز الوفاء به ويُستدل به على أن الرجل يجب أن يكون نذره فيما يستطيعه ، فأما الذي لايستطيعه فلا يملك الوفاء به والأصل في النذر الكراهة لأن المسلم ربما لايستطيع الوفاء به تكاسلاً أوعجزاً مع أنه قادرٌ عليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم :
" لاتنذروا ، فإن النذر لايُغني من القَدر شيئاً ، وإنما يُستخرج به من البخيل " 
وللنذر أنواع منها : 
* فمنها : نذر الطاعة وهو كل نذر ٍفيه تزودٌ من الطاعات كمن نذر أن يُصلي مئة ركعة إن رُزق بمولود فهذا نذرٌ يجب الوفاء به 
* ومنها : نذر المعصية وهو كل نذرٍ فيه معصية لله تعالى كمن نذر أن يزور ضريحاً ليطوف به ويدعوه فهذا لايجوز الوفاء به وعليه وجوباً أن يكفّر ولا يوفِ بنذره مهما كان . 
* ومنها : نذرٌ في أصله مباح ولكنه صادمَ نصّا ًمن النصوص الشرعيه كمن نذر أن يصُوم كل خميس فوافق يوم العيد فهذا يُوفِي بنذره في كل خميس ولا يجوز له أن يُخالف النص فيصوم يوم الخميس لنهي الشارع عن صيام يوم العيد أو النحر . 
* ومنها النذر المُباح المُطلق الذي لايُعارضه شيء فهذا يلزم صاحبه أن يأتي به ويوفي به بلا خلاف . 
* ومنها النذر المكروه : كأن يقول : إن فعلت كذا طلّقت امرأتي فهذا يُستحب اسحتباباً تاماً أن يُكفّر ، ولا ينبغي له أن يُعرّض نفسه ولا أسرته لمثل هذه النذور لما له من أثر سلبي على الأسرة كاملة ، فليتق الله من يُقدم على مثل ذلك . 
* نذر اللجاج والغضب : وهو كل نذرٍ يصدر من الناذر في وقت غضب وكأن النذر يخرج من الناذر مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه وهذا يوفي بنذره فإن كان لايُطيق ذلك فعليه كفارة يمين . 
* ومنها : النذر غير المُسمّى ، كأن يقول لله علي نذر إن تفوقت في العمل أو الإختبار فهذا يُكفر وجوباً كفارة يمين لحديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفّارة النذر إذا لم يُسمّ كفارة يمين " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ، والقاعدة عموماً في النذور : " كل نذرٍ نذره صاحبه فيجب الوفاء به مادام يُطيق ذلك وإلا لزمته كفارة يمين إذا ترك ذلك " فاللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك وألزمنا تقواك ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المُهداة والنعمة المسداة نبينا نبي الرحمة والهدى والملحمة . . . 

الأحد، 25 نوفمبر 2018

خطبة عن تفسير الأحلام والتصدر له وخطورة التسرع في التفسير

الحمدلله الذي خلق العقول والأحلام وعلّم عباده من الأنام وبيّن لهم دعائم الدين وأركان الإسلام ، أحمده وهو أهل الحمد وطيْب الكلام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للخلائق المبرأ من الآثام الداعي إلى الجنة دار السلام وعلى آله وصحبه الميامين الكرام ومن تبعهم بإحسان ٍوعلينا معهم مادامت السنين والأعوام أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله هو السبيل إلى رضا ربنا الجليل : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) . 
عباد الله : العقل نعمة من الله سبحانه وتعالى عظيم القدر جليل المنزلة وهو الفارق بين الإنسان المكلف وبين غيره من المسلوبين إياه أو المجانين وفارقٌ بينه وبين سائر المخلوقات من البهائم والعجماوات ، والله جل جلاله زجر من لم يفكّر بعقله أو يعتبرْ وكذا من لم يهتدِ للحق ولم يُميّز بين الحق والباطل أو لا يتأمل به ولم يفعّله فقال سبحانه :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لايفقهون بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) وقال ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وحثهم أيضاً على التعقل في الآيات في عشرات المواضع كقوله تعالى : ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) ( إن في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون ) ( كذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون ) . 
عباد الله : ومما يجري في العقول والأذهان تلك الأحلام التي يُسخرها الله لحكمة ويجريها على الناس كافّة وهي من إيجاد الله وتصوير الملك أو الشيطان وتفسيرها بابٌ من أبواب هذا الدين ليس كل أحدٍ يفهمه ويُحسنه ، بل إن له رجاله وأهله ، ومعرفتها وحسن تفسيرها فضيلة وكرامة وممن أُكرم بذلك من الرسل وغالبهم يُحسن ذلك ، وممن اشتهر في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام وأبوه يعقوب الذي فهم تأويل رؤياه حينما قال : ( ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ففهم ذلك أبوه يعقوب عليه السلام وعلم أنها كرامة له ستكون بعد بلوى فقال له يعقوب عليه السلام : ( يابُني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين ) وكذلك نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي رأى عدة رؤى وفسرها ففتح للمتأملين والمهتمين بتفسيرها باباً عظيماً من تفسير الرؤى للعارفين المتقين أصحاب القلوب الرقيقة الرحيمة فإن أسعد الناس بتفسير الرؤى وفهمها وكثرتها هو سليم القلب والرحيم الرقيق من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأبعدهم عنها وعن فهمها وتتابعها هو الجاف الغليظ ثخين القلب والجفاء في النار كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فمن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " رأيت في سيفي ذي الفقار فلاّ ، فأولته - أي فسرته - فلّاّ يكون فيكم - أي انهزاماً - ورأيت أني مُردفٌ كبشاً فأوّلته كبشُ الكتيبة ، ورأيت أني في درع ٍحصينة فأولتها المدينة ، ورأيت بقراً تُذبح فبقرٌ والله خير فبقرٌ والله خير ، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهذا كلّه جرى في غزوة أحد فهُزم المسلمون في غـزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين في أول المعركة وذلك بسبب مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرهم ألا لاينزلوا عن جبل الرُماة وأما الكبش الذي كان يحمله في الرؤيا عليه الصلاة والسلام فهو عثمان بن أبي طلحة حامل لواء المشركين الذي قتله علي رضي الله عنه وسُرّ بذلك النبي حينها عليه الصلاة والسلام ، ورأى رؤياً أخرى في أُحدٍ أيضاً فقال عليه الصلاة والسلام : " رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ماأصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ماكان فإذا هو ماجاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقراً والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد " أخرجه الشيخان . عباد الله : ومن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عُقبة بن رافع فأُتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب " رواه مسلم . 
ومنها أيضاً : " أنه رأى في يديه سوارين من ذهب فكرههما فنفخَهما فطارا فأولهما الكذّابََين : صاحب اليمن وصاحب اليمامة " والمقصود بهما من ادعى النبوة من بعده وهم الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة الكذاب في اليمامة فكان ذلك .
ومن الرؤى التي رآها أيضاً عليه الصلاة والسلام الرؤيا الطويلة التي رآها حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه إلا وقد صحّ رأسه كما كان فيفعل به مثل مافعل بالمرّة الأولى ، قال : قلت لهما سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق ٍلقفاه وإذا آخر قائمٍ عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل مافعل في الجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يفرغ ذلك الجانب كما كان ثم يعود إليه فيفعل مثل مافعل المرّة الأولى ، قال قلت : سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور ، قال الراوي : فأحسب أنه قال فيه لغط وأصوات فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال : قلت ماهؤلاء : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم وإذا النهر رجل سابح يسبح وإذا على شطّ النهر رجلٌ قد جمع حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح مايسبح ثمّ يأتي ذلك الذي قد جمع حجارة عنده الحجارة فيفغر له فاه فيُلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغـر له فاه فألقمه حجراً قال : قلت لهما : ماهذان ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على رجل ٍكريه المَرآة ، كأكره ماأنت راءٍ رجلاً مرآةٍ وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها قال : قلت ماهذا ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لاأكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ قال قلت لهما : ماهذا ماهؤلاء ؟ قال : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن قال : قالا لي ارقَ فيها قال : فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب ولَبِن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ماأنت راءٍ وشطرٌ كأقبح ماأنت راءٍ قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فذهبوا فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة ، قال قالا لي : هذه جنّة عدن وهذاك منزلك قال : فسما بصري صعُداً فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء قال : قالا لي : هذاك منزلك قلت : بارك الله فيكما ذراني فأدخُله قالا : أما الآن فلا وأنت داخله ، قال قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت ، قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العُراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزُناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحُشّها ويسعى حولها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال : فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين ، وأمّا القوم الذين شطرٌ منهم حسناً وشطرٌ منهم قبيحاً فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم " انتهى ورواه البخاري في صحيحه ، فاللهم أصلح فساد أعمالنا وقلوبنا في الحياة وتداركْنا بلطفك ورحمتك قبل الممات واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل خطيئة وإثم فتوبوا بصدق واستغفروه بحقّ إنه كان غفارا .

  ============ الخطبة الثانية ============   

الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على الهادي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى وبالحق اهتدى وبه اكتفى أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن بعض الرؤى نعمة عظيمة تستلزم الشكر فهي رسالة من الله لك عن طريق الملك إن كان ماتراه حقاً ، 
وهي على ثلاثة أنواع : 
  • أولاً : الرؤيا من الله وهي تأتي بواسطة الملك فيجيء الملك لمحل الأحلام من الدماغ فيصور لابن آدم شيء يفعله من المحضورات للتحذير منه واجتنابه أو شيء مقصر فيه ليفعله أو يخبره بحدث في المستقبل أو مصيبة ليصبر عليها وكل ذلك يدور في فلك إرادة الله بالعبد خيراً فيسلّم العبد ويستسلم لله رب العالمين ويهديه الله لأسباب الصبر والفلاح برحمته ولطفه . 
  • ثانياً : رؤيا من الشيطان وهي باطلٌ وتلاعب من الشيطان بالعبد وكيدٌ له وتشفي منه وذلك يقع لمن فرّط في الأذكار والأوراد الشرعيه عند النوم ، وما أكثر مايُفرّطون فيها بسبب هذه الأجهزة التي ربّما لا ينام في كل ليلة إلا وقد أشغله جهازه عن أذكار النوم فنام بدون أن يقرأها فالله المستعان . 
  • ثالثاً : حديث النفس في اليقظة يراه في المنام وذلك أن يتمنّى تحصيل شيء ولا يتسنّى له ذلك في اليقظة فيراه في المنام وهو تفريغ للنشاط السلبي في اليقظة عن طريق رؤية مثل هذه الأحلام وبعض النفسيين ذكروا أن ذلك يكون إرضاء للعاطفة وأن الأحلام ضرورية لصحة الجسد والعقل والعاطفة ، فالرؤيا الأولى التي تأتي من الله هي حق ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : " الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من النبوة " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فالإيمان بها واجب والإستهانة بها فسقٌ وجهل ، بل إن الرؤيا الصالحة قد يراها حتى الكافر امتحاناً له كما رأى فرعون في منامه أن ولداً من أبناء بني اسرائيل يكون ذهاب ملكه على يديه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لم يبق َمن النبوة إلا المبشرات " قالوا :  وما المبشرات ؟ قال : " الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له " وأصدق الناس في الرؤيا وأوقعهم لما رآه هو أصدقهم فانظر إلى فضل لزوم الصدق حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إذا اقترب الزمان لم تكن رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدق الناس حديثاً أصدقهم رؤيا "  ثمّ لايُحدث بهذه الرؤيا غلا من يُحبّ ، وأمّا الرؤيا التي من الشيطان فهي لاتضرّ ابن آدم ، ولكن عليه غن رأى حلْماً وفزع بالليل أن يُغيّر ضجعته وأن ينفث عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يُحدّث بها أحداً ولن تضرّه ، والحديث مثل هذه الأحلام الشيطانيه من نعمة الله أنها لاتبقى في الذهن طويلاً بل تزول من يومها وتُنسى وتتلاشى .   
ثم إنه معشر الإخوة قد انتشر في هذا الوقت مفسّري الرؤى الذين يجيبون عن أسئلة الرائين وبعضهم في الواقع ليس بمؤهلٍ وبضاعته في تفسير الرؤى قليلة ومع ذلك تصدّر للتفسير علما ًأن الإجابة على الرؤيا فتوى ، فلا ينبغي لأحدٍ أن يُجيب على أي رؤياً أو يتكلّف فيها ملا علم له به ( ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) فلا تستفتِ إلا من وثقت بخبرته ومعرفته وعلمه ، علماً أن معرفة تفسير الرؤى هبةٌ من الله لبعض الخواص من الناس لايُتعلّم بكتاب ولايُدوّن بالمحابر ولا تُبذل فيه الأسباب ، لأنه يختلف باختلاف الزمان والبيئة والناس ، ولا يُشترط أن يكون مفسّر الرؤى والأحلام من العلماء ، بل كثير منهم ليس ملتزماً في الظاهر ولكنّه عُرف بالأمانة وصلاح القلب وسلامة الصدر وممن وفّق في هذا المجال بسبب صدقه ونقاء سريرته  ، فاللهم وفقنا بتوفيقك واكلأنا برعايتك واحرسنا بعنايتك في منامنا ويقظتنا وفي الحياة وعند الممات وسائر المسلمين والمسلمات يارب الأض والسماوات . . هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى ونور الدجى . . 

















   

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

قصة أصحاب الكهف - خطبة للجمعه

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله معلماً للخلائق ومظهراً للحقائق ومفسراً للأمور الدقائق فبلغ للناس وأسمع للبشر وبشّر وأنذر وأصلح الله به الأعم الأكثر وقصم المنافق والكافر الأشر أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
- عباد الله - إن في القصص عبرة وعظة للأنبياء والمرسلين ولعباد الله المؤمنين وزيادة لإيمانهم وتأنيسٌ لهم على مصابهم واستخراجٌ لصبرهم وتثبيتٌ لهم وإخباراً لهم بأحوال ماقد سبق من الأمم يقول الحق تبارك وتعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ماكان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كلّ شيء وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون ) وقال : ( وكلاً نقصّ عليك من أنباء الرسل مانثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحقّ وموعظةٌ وذكرى للمؤمنين ) وقال : ( فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ) ومن القَصص الوارد في القرآن قصة أصحاب الكهف في سورة الكهف التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل أول عشر آياتٍ منها فقال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من المسيح الدجال " والحديث رواه مسلم .
- عباد الله - ومما ينبغي على كل أب أن يُعلّم ويُحفّظ ابناءه وبناته لهذه السورة وإن لم يستطع فلا أقل من عشر آيات من أولها يُلزمهم بحفظها وله أجر ثوابها ماتُليت ، يعصمون بها من الفتن ومن فتنة الدجاّل التي هي من أعظم الفتن التي تزيغ فيها الأحلام وقصة أصحاب الكهف من أعجب القصص الواردة في القرآن وهم فتية الله أعلم بعدتهم وأكثر ماقيل : أنهم سبعة ، وكانوا في زمن ملكٍ يقال له :
" دقيانوس " من ملوك الإمبراطوية الرومانية التي مقرها روما القديمة ، وهذا الملك حمل على قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام كما روى المفسرون ، فكان لايدع العامة من الناس حتى يأتوا ويسجدوا ويعّظّموا هذه الأصنام ، فلمّا كان هذا حال أولئك هذا الفعل المقيت ، امتنع أولئك الفتية من السجود لهذه الأوثان وتلك الأصنام وفرّوا من آبائهم وأمهاتهم فرارا ًبدينهم وعصياناً لذلك الملك الفاجر الذي استعبد الناس وعبّدهم لغير الله وفي ذلك يقول الله : ( إنهم فتية ٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) أي بهتاناً عظيماً وقولاً بعيداً عن الحق ، وكان أولئك الفتية من أبناء أكابر حاشية الملك وفي ذلك وكان الملك يطلُبهم ، ففرّوا لكهف في جبلٍ وحبب الله لهم الإعتزال فاعتزلوا قومهم دهراً طويلاً وألقى الله عليهم النوم فناموا نومة طويلة ورقدة رقوداً في زمن ذلك البحث ولبثوا في تلك النومة تسع وثلاثمائة سنة وفي ذلك يقول الله : ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ) فرعاهم الله وحماهم من بطش ذلك الطاغية بتلك الرقدة وقد وقع هذا في حوالي القرن الرابع قبل الهجرة النبوية تقريباً  حسب بعض المصادر التأريخية وقد كانوا في تلك الرقدة يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لكيلا تأكل أجسادهم الأرض والشمس تعطيهم من ثم إن الملك الطاغي هلك وجاء ملوك بعده ، وقد كان من ضوء الشمس مايدخل عليهم ويميل الشعاع جهة يمين الباب للداخل منه فيتقلص الفيء من جهة اليمين لارتفاع الشمس في الأفق وتغرب الشمس فيميل شعاعها جهة الشمال للداخل من الباب وكل ذلك لامدادهم بالطاقة والهواء الذين لو لم يوجدا لفسدت الأجساد وشروقها وغروبها سخره الله بهذه الطريقة لئلا تصيب أجسادهم الشمس فتؤذيهم وربما تحرق أجسادهم وكل ذلك من آيات الله ذكره الله في كتابه حيث قال : ( وترى الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله . . ) وذكر بعض المفسرين أن طريقة دخول بعض ضوء الشمس للكهف يدلّل أن باب الكهف من جهة الشمال ، وذلك يعلمه من يتأمل ويدقق ويتدبر في الآيات وذلك ، ونقل ذلك ابن كثير والشوكاني في تفسيرهما .

- عباد الله - ثم إنهم ناموا تلك النومة الدهرية وعيونهم مفتوحة وذلك أعجب ، وعادة الإنسان أنه لايستطيع النوم بحال إلا وعينه مطبقة مُغلقة بالأجفان لئلا تجفّ فتتلف ، وفي ذلك من العجب الذي يجلب الوحشة الشيءُ الكثير ، وفي ذلك يحكي الله عن نبيه : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمُلئت منهم رعبا ) وانظر لحفظ الله لهؤلاء وكيف أن الله أوقف في عقولهم الزمن وكذلك النائم لايُحس بمرور الوقت ، ولهذا عندما يُبعث الناس عامة والمجرمون خاصة في الآخرة لايفجعهم إلا قيام الساعة بغتة فيُحسوا أنهم مالبثوا في قبورهم إلا زمناً يسيراً وما عاشوا إلا سويعات فلهذا يقول الله عنهم :( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ ٍزرقا * يتخافتون بينهم إن لبثم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) وكانوا قد لبثوا آلاف السنين ، سنين في حياتهم وكم هائل من السنين بعد مماتهم فسبحان الله ، ثم إن فتية الكهف لما استيقظوا أمروا أحدهم أن يأخذ الورِق ليأتوا لهم بطعام - وهو الفضة وليس الورق الذي يُكتب به كما يعتقد البعض - فأخذ ذلك الورِق فلما أتى المدينة وقيل أنها طرسوس الواقعة في تركيا الآن وقيل أنه في الأردن - وليس لنا كثير فائدة في معرفة موقعه عموماً ، ولو كان لنا فائدة في ذلك لذكر الله موقعه ومكانه - وتكملة للقصة لما أتى ذلك الرجل الذي بعثوه المدينة وجد أن الناس والزمان قد اختلفا فسألوه عن حاله ورفعوا أمره إلى الملك في ذلك الوقت  
- وانظر إلى الغلو في الصالحين ماذا يصنع في القلوب المريضة - فقرر الملك ومن معه من الحاشية قرروا أن يتخذوا على مكانهم الذي باتوا فيه معبداً وذلك قول الله تعالى : ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) ، ولما ذكر الله قصة أهل الكهف أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلّق كل أمرٍ يُريده على مشيئة الله فقال سبحانه : ( ولا تقولنّ لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) وسبب نزول تلك الآية أن كفار قريش أرسلوا رجلا ً يُدعى النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى المدينة فلمّا قدموا المدينة سألوا أحبار اليهود عن محمدٍ وما كان من أمره ، فقالوا : سلوه عن ثلاث خلال : عن فتية مضوا في الزمن الأول وقد كان لهم خبرٌ ونبأ وحديث مُعجب ، وعن رجلٍ طوّاف ٍبلغ من البلاد مالم يبلغه غيره ؟ وعن الروح ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غداً أخبركم عن ذلك " ولم يستثنِ ، فمكث عنه جبريل بضعة عشر ليلة مايأتيه ولا يراه ، حتى أرجف به أهل مكة ، فقالوا : إن محمداً وعدنا أن يُخبرنا عمّا سألناه عنه غدا ً فهذه بضعة عشر ليلة ، فكبُرَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم لُبث جبريل عنه ، ثم جاءه بسورة الكهف كاملة حسب ماذُكر بما فيها قوله الله سلفاً : ( ولا تقولن لشأي إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) ، ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " لقد احتُبست عنّي ياجبريل حتى سئت ظنــّا ً فأنزل الله آية في سورة مريم : ( ومانتنزّل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيّا ) ومن ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن المقصود بالفتية أهل الكهف وبالرجل الطواف في البلاد أنه ذو القرنين وأما الروح فذكر أنها من أمر الله وأنها من عجيب صنعه وأنهم لم يؤتوا من العلم لكي يلعمون كنهها وكيفيتها لقصر عقولهم عن فهم ذلك ، وذلك قول الله تعالى المصدق لهذا السؤال الذي سألوه : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ً ) . 
- عباد الله - هناك الكثير والكثير من آيات الله التي نجهلها ولا نعلمها علماً أن قصة أهل الكهف التي بلغت في العجب مبلغا ً عند اليهود والنصارى والمسلمين ليست هي أعجب آيات الله لمن تدّبر تلك الآيات وفتّش في كتاب الله واطلع على آيات الله الكونية من خلق السماوات والأرض وغيرذلك ولهذا يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي أنها يامحمد ليست بأعجب آياتنا فلا تظن مثل هذا الظنّ ، والرقيم الوارد ذكره في الآيات قيل بأنه لوحُ فيه أٍسماؤهم وقيل هو اسم الوادي الذي يقع عليه ذلك الكهف وقيل : اسم الجبل ، وأصح ماقيل في ذلك أنه : لوحٌ يحوي على أسمائهم وقصتهم وهذا المتبادر في التفسير اللغوي لأن الرقيم مأخوذ من الرقمة وهي العلامة التي تدل على شيء فعُلم أنه شيء - أي الرقيم - شيء مكتوب ومُعلّم بعلامة - والله أعلم وأحكم ، فاللهم علّمنا وأرشدنا لكل خير وارزقنا حسن النظر والتوفيق في سائر أمورنا وبارك لنا في القرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم واغفر لنا ولوالدينا ووفقنا للإستغفار في الليسر والإعسار إنك أنت الكريم الودود الغفار . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمدلله الذي عُرف بآياته واستُدل بهن على ذاته أحمده وهو المعظّم في أرضه وسماواته والصلاة والسلام على من اصطفاه ربه من خلقه وبريّاته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه من أمته وأهل ملّته وسلّم تسليما كثيراً أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وثقوا أن أعظم حافظٍ في كل فتنة ومن كل شرّ ٍومحنة توحيد الله الذي هو الحبل الوثيق في الشدائد والضيق ، وماكان حفظ الله لأهل الكهف من بطش الطالبين المناوئين لهم وكذلك جعلهم عبرة للناس وقدوة في الخير إلا بتوحيدهم الذي سطّروه في الكتب المنزلة ومنها القرآن بقوله : ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) ولهذا كان مما يشبه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يومٍ مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، والشاهد قوله : " كانت له حرزا ًمن الشيطان " أي حفظا ً منه وشروره وذريته حتى يُمسي  . 
- عباد الله - من كان يَعجبُ من قصة إيقاظ الله جلّ جلاله لأهل الكهف بعد رقودهم الطويل ، فليعلم أن الله أحيا ألوفاً بعد ماأماتهم وهذا أعجب وأغرب وأشدّ دهشة لمن تأمله وتفكّر فيه ، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة البقرة : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوفٌ حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون ) وذكر بعض المفسرين أن ذلك وقع وجرى في العراق في قرية يُقال لها " داوردان " قريبا ً من مدينة يُقال لها واسط وهي بهذا المسمًى في العراق الآن ، وأنهم خرجوا فراراً من الطاعون وكانوا حوالي أربعة آلاف كما ذُكر ذلك عن ابن عبّاس فأرسل الله عليهم الموت فماتوا جميعاً وبليت عظامهم وأنه مرّ بهم نبي من بني اسرائيل يُقال له : " حزقيال " فدعا الله وابتهل أن يُحييهم ، فأحياهم الله جميعا وأمره أن ينادي بهم فيقول : " ياأيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي " فاجتمعت ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم " فاكتست ، ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " ياأيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك " فقاموا بإذن الله تعالى وقدرته ، وهذا من أعجب ماسُمع به في إحياء الموتى وقد ذُكرت هذه القصة في التوراة وكتب أهل الكتاب ، ويُشبه ذلك قصة ابراهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن حينما قال لربه : " ربِّ أرتي كيف تُحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهنّ أليك - أي اجمعهن إليك - ثم اجعل على كل جبلٍ منهن جزءا ثمّ ادعهن يأتيك سعيا واعلم أن الله عزيزٌ حكيم ) ففعل ابراهيم ماقال له ربّه وأخذ أربعة من الطير من أنواع متفرقة أيضا ًكما ورد عن المفسرين مقطعة قطعاً قطعاً فرقهن ووضع كل قطعة منهن على رأس كل جبل من جبالٍ اربعة ثم أمره الله أن يناديهن فاجتمعن بقدرة الله وجئنه يسعين وذلك مشهدٌ من مشاهد إحياء الموتى الذي يكون على جميع الخلائق من الجن والإنس والحيوان يوم الدين ، فاللهم كن لنا جاراً يوم الفزع الأكبر عزّ جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماءك ولا إله غيرك . . هذا وصلوا وسلموا على المصطفى المختار وسيد البررة الأخيار فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان غلى يوم الدين وعنّا معهم يارب العالمين . 









الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

خطبة عن تصحيح الإعتقاد والتصورات والمسميات

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين مادارت الساعات والأيام وتصرّمت السنين والأعوام أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله في السر والنجوى عافية من كل بلوى وأمان الله لايتأتّى إلا بالتقوى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم ) . 
عباد الله : إن هذا الدين الحنيف أتى بنجاة العباد من الذلّة والإستعباد وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم ونسب سبحانه العزة له وللمؤمنين حيث قال سبحانه : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون ) وقال : ( إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم ) ومن أعظم أسباب العزة وصلاح الحال والنجاة في الآخرة صلاح المعتقد والتصور وقد كفّر الله المؤلهين لغيره باللفظ أو بالفعل حيث كفر النصارى القائلين بالتثليث فقال : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله ٌواحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذابٌ أليم ) وكفّـر الناسبين لله نقصاً أو أنكروا له اسماً أو صفة أو نسبوا له وصفاً سيئاً لايليق أو من نسب لله الولد الذي يستلزم الزوجه له والولاده للإله الإبن وغير ذلك جل الله وتقدّس عمّا يقول الظالمون فقال في شأن ذلك كلّه : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ماقالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدّمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) وقال : ( وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يُضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ) واستعظم الله قولهم فقال : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا *لقد جئتم شيئاً إدّا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هداّ * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا *إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * ) وقال في شأن من تناول بعض أسماء الله بالنفي أو الميل بها عن مراد الله إلى مراد ذلك الضالّ المنحرف مثل إنكار اسم الله الرحمن الذي أنكره بعض كفّار قريش فقال الله في ذلك : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ماتدعوا فله الأسماء الحسنى .... ) وقال أيضاً : ( إن الذين يُلحدون في أسمائنا لايخفون علينا أفمن يُلقى في النار خيرٌ أمّن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير ) ومن صور الإلحاد في ذلك أيضاً اشتقاق اسم أو صفة من صفات الله كما فعل بعض المشركين الذين اشتقوا من اسم الله " العزيز " اسم صنمهم : " العزى " واشتقوا من اسم الله : " المنّان " مناة وكثيرٌ في كتاب الله تلك الآيات التي تُعين على تقويم عقيدة المؤمن وتحقيق التوحيد ونبذ التصورات الفاسدة عن الإله جل جلاله في الفعل والعمل خاصة وكذلك في اللفظ والقول أيضاً كما ورد عن المصطفى عليه السلام في النهي عن بعض الألفاظ الشركيه التي تجرّ إلى سوء التصوّر والمعتقد الباطل وترسّخ التصور النقي الفطري الذي ينبغي للإله ولمقام الألوهية الذي يلزم العباد صرفه للبارئ سبحانه وتعالى حتى في أضيق الأحوال وأشدّ الظروف فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أصاب أحدكم همّ أو لأواء فليقل : الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً " أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ، وفي حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك كلماتٍ تقولينها عند الكرب ، أو في الكرب : الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً " رواه أبوداوود وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وصححه جمعٌ من أهل العلم ، وكذلك نسبة النعمة لله الذي يحقق أيضاً التصور الصحيح لحصول النعم وأن المُنعم سبحانه هو من سخرها ووهبها ، وأن لايتعلق الإنسان بغير ربّه فيُفسد التصوّر الصحيح الذي رسّخ له هذا الدين ، ففي حديث زيد بن خالد الجُهني رضي الله عنه قال : " صلى بنا رسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلمّا انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب ، وأما من قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب " وكذلك نهى عن كل لفظٍ يُفسد صحة الإعتقاد والتصوّر المعتقدي الصحيح فنهى عن قول : " ماشاء الله وشئت " وعن الحلف إلا بالله دون غيره فعن ابن عباّس رضي الله عنه وعن أبيه : " أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ماشاء الله وشئت ، فقال - أي النبي عليه الصلاة والسلام - : أجعلتني لله ندّاً ، بل ماشاء الله وحده ، وفي حديث آخر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : " ورب الكعبة ، وأن يقولوا : ماشاء الله ثمّ شئت " رواه النسائي وصححه ، ومن المناهي اللفظية - وقصدنا بذلك تلك الألفاظ التي نهى عن استعمالها الشرع لأنها تحـْرِفُ عقيدة العبد ، نقول : منها : سبّ الدهر ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر أُقلّب الليل والنهار " وفي رواية : لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " ومن المناهي اللفظية - تعبيد الأسماء لغير الله : كعبد الكعبة وعبد النبي وعبدالحارث وعبدزيد وأشنع من ذلك من تعبّد للأوثان كعبد مناة وعبدالعزى ، وذكر الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا عبدالصمد قال حدثنا عمر بن ابراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا ولدت حوّاء طاف بها إبليس وكان لايعيش لها ولد فقال : سمّيه عبدالحارث فإنه يعيش ، فسمته عبدالحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ، وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن عبدالصمد بن عبدالوارث به ، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآيه عن محمد بن المثنى عن عبدالصمد به وقال : هذا حديث حسن غريب لانعرفه إلا من حديث عمر بن ابراهيم ، ورواه الحاكم في مستدركه مرفوعاً ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه - أي الشيخين البخاري ومسلم  وروى مثله جماعة من المفسرين وذُكر كل هذا عند قول الله تعالى : ( فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عمّا يُشركون ) . 
 ومن المناهي اللفظية ياعباد الله التسمي بملك الملوك أو ملك الأملاك وما يرادفها في اللغات الأخرى ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخنع اسمٍ عند الله رجل ٌتسمّى ملك الملوك ، لامالك إلا الله " وفي رواية أخرى : " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه " ، وفي رواية : " إن أوضع اسم عند الله . .  - الحديث - " أي أحقر وأصغر . 
ومثله الحكم فكان أبو شريح رجل ٌمن الصحابة رضوان الله عليهم يُسمّى " أبا الحكم " فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : " إن الله هو الحكم ، وإليه الحُكُم " فقال : " إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " ماأحسن هذا ، فما لك من الولد ؟ " قال : شُريح ومسلم وعبدالله  ، قال : " فمن أكبرهم " قلت: شُريح ، قال : " فأنت أبو شُريح " . رواه أبوداوود وجمعٌ من المحدثين ، فصارت سنّة بعد ذلك ونِعم السُنّة ، وإن من كريم الأخلاق وحسين الصفات وكمال خُلق المسلم أن ينادي أخيه بكنيته لاباسمه والذي نشاهده ولله الحمد منتشراً في بلادنا ، فاللهم أقم لنا ألسنتنا على الرشد والخير واكفنا شر أنفسنا وشر الأشرار من الغير ، وبارك الله لي ولكم في القُرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=============  الخطبة الثانيه ============= 
الحمدلله الكريم المنّان ذو الفضل والإحسان والجود والإمتنان نحمده في كل آن ونشكره على ماأولى من النعم في الأرزاق والأبدان والصلاة والسلام على المبعوث بالقرآن والحكمة والإيمان وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما ًكثيرا أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أننا لو تتبعنا الألفاظ التي نهى عن استعمالها الشرع لطال بنا المقام ولكن من أراد ضبط ذلك فليعلم أن التسميات عموما ً ومثلها الألفاظ تنقسم إلى قسمين : 
* الأول : ماكان من الأسماء والألفاظ مايقدح في التوحيد كالتسمية ببعض أسماء الله وصفاته أو تعبيد الأسماء لغير الله أو التسمية بأسماء أصنام تُعظم أو آلهة وثنية أو نحو ذلك أو تحتوي على تعظيم الأشخاص كاسم السيد لأن السيد هو الله كما ورد في الحديث ، ولكن لو قال سيدي لكان جائز . 
* الثاني : ماكان يحتوي من الأسماء والألفاظ على معنى فاسد وقبيح فهذا لايصح التسمية فيه لتأثيره على الشخص المسمى فكثيراً مايفعل ذلك المعنى الذي سُمّي به وذكر الأطباء النفسيون أن الإسم له تأثير على من سُمّي به ، وإن لم يبدو أثره الآن والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحسين الأسماء وتسهيلها والإبتعاد عن العسير وما يجلب الشر منها وكذلك الأسماء التي فيها تأول على الله أو تزكية للنفس  كاسم بّرة والذي هو من البرّ فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم زوجته برّة بن جحش إلى زينب بنت جحش وقال : " لاتزكوا أنفسكم فإن الله هو أعلم بالبرّة منكن والفاجرة " رواه البخاري في الأدب المفرد وغيراسم عاصية إلى جميلة وجثّامة إلى حسّانة وغيرها من الأسماء ، ومن ذلك اسم حزَن للرجال فقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم رجل حزن إلى سهل فعن سعيد بن المُسيّب عن أبيه عن جدّه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له - أي لجدّه : " مااسمك ؟ قال : " حزَن " قال : " أنت سهل " قال : " لا ، السهل يُوطأ ويُمتهن " قال سعيد : فظننت أنه سيصيبنا بعده حُزُونة ، ثم قال - أي جدُّه - : لاأغير اسماً سمّانيه أبي ، قال سعيد : " فما زالت الحُزُونة فينا بعد " والمقصود من ذلك كلّه هو : عدم تسرّب المعنى الرديء إلى النفس وتأثيرها فيه وإن كان أصل التسمية من مبدأ القوة والشجاعة والبأس والإفتخار ، وذلك أن العرب تُسمي الأرض الصلبة بالحَزَن واللينة بالسهل ، ولكن وقوع الإسم على النفس يُعطي ذلك المعنى والوصف السيء الذي يجلب الهموم والغموم وهو الحُزُن والذي كان دائماً عليه الصلاة والسلام يستعيذ منه ويأمر بالإستعاذة منه ، لأنه يجعل الرجل لايقوم بمصالحه ولاحتى فروض دينه ويعقل العقل عن التفكير الإيجابي ، ومما يُؤسف له في هذه الأام انتشار أسماءٍ دخيلة علينا لها معانٍ فاسدة بل وفي بعضها شرك وكُفر وليست بعربية ومن تسمّى بأسماء ملة غير الإسلام شابههم في أفعالهم أو قارب ذلك وإذا كان التكلّم بغير العربية مكروه فكيف بالتسمي بأسماء من يصدّون عن دين الله ويُحرضون على قتل المسلمين أو يعينون على قتلهم في كل مكان علماً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلٌ يتكلم بالفارسية فقال له : " أترضى بالمجوسية بعد الحنيفية "  ويامن أبتليت بمثل ذلك فلزاماً على كل رجل منّا أن يبحث عن معنى كل اسم يُريد أن يُسمّى به وتغيير اسم الأنثى ليس كالذكر ، واعلم أن الإسم إذا سمّيت به فإنه سيعيش بعد موتك سنين عديده فاحذر عند الإختيار أن تُسمّي باسمٍ محظورٍ شرعاً يكون سُنّة متبوعة بعد رحيلك ، فاللهم إياك نسأل ولك ندعو ونبتهل أن تهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال ، ياواسع الإنعام والإفضال وحقق مانصبو إليه من آمال . .


الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

خطبة عن استهداف المملكة من قِبل الأعداء

الحمدلله  الحفيظ الكريم  العزيز العليم الرب الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين أرسله ربنا بالآيات والذكر الحكيم نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وعنّا معهم  ملء السماوات والأرض وملء العرش العظيم . .  أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله غنىً ومنّه وطريق التقوى موصلٌ إلى الجنّة
( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )  . . واعلموا عباد الله : أن بلادكم وعقيدتكم  مستهدفون ومحاربون من أطراف الأعداء الذين قد أكثروا توجيه السهام إلى هذه البلاد وولاة أمرها وأهلها ، يخلقون في سبيل ذلك النزاعات والخصومات ويحرضون ولايرعوون  ، ولكل شرّ يجلبون ، يخططون الليل والنهار بدون قرار ولاتروّي ومنهم من يُبدي العداوة ومنهم من يخفيها ، حتى لاتضيع مصالحه ولا يُقطع خطّ امداده ، طوائف وملل وطرقٌ ونحل من نصارى ضالين ويهود مناكفين ورافضةٍ حاقدين ومنافقين وعلمانيين وأعداءٍ محاربين همهم صنع فجوة بين الشعب والولاة أو بين حكام بلاد الحرمين وبين أشقائهم في البلدان العربية والإسلامية ، أكثر أولئك المتربصون في الأرض الفساد وعثوا في البلاد . 
لقد غاضهم اجتماع الكلمة ووحدة الصف فأرادوا شق الصفوف وارتفاع الأمن ونزول الخوف حالهم كما قال الله تعالى في شأن المنافقين : ( لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليمٌ بالظالمين ) بل كان لهم سجلٌ حافلٌ بالمكر والخديعة وتزوير الحقائق وتشويه السمعة ونشر الأكاذيب والإفتراءات التي باءت بالفشل وأُُجهضت وتلاشت وانمحقت وحالهم كما قال الله :
( لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون)

ويهمنا معشر المسلمين في ذلك أن يحرص الإنسان أن لايكون يداً أو معولاً ينفذ الأعداء من خلاله للنيل من دينه وأمته وولاة أمره ، فيجب التحرز في ذلك ، وأسمى المواقف في ذلك هو الدفاع عن الدين وبلاد الحرمين وولاة الأمر في ذلك ، ومن لم يستطع في ذلك فعليه بالسكوت والصمت وأن لايلج في أمرٍ لاعلم له به ولم يقتف أثره كما قال الهادي سبحانه وتعالى : ( ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) . 
- عباد الله : إن أعداء الله لن يرضوا عن شعوبٍ اختارت الإيمانَ بخاتم الأنبياء والمرسلين وآمنت بالله ورسله ولم تُفرق بين الله ورسله حتى تتبع أولئك الشعوب دينهم وملتهم وتعتقد معتقدهم وفي الذكر الحكيم : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم . . ) الآيه وقد أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يهجرهم ولا يطيعهم وأن يحذر من اتباع اهوائهم وشهواتهم ، وأمره أن يبين لهم أن هدى الله هو الذي يهدي للصراط المستقيم والسبيل القويم وليس ماتُمليه عليه نفوسهم وشهواتهم ، وأن المتهدي من هداه الله ، فقال جل في تدبيره : ( قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ) وقال في موضعٍ ٍآخر ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يُصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثير من الناس لفاسقون ) وقال أيضاً : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) 
- عباد الله إن أعداء الله لهم تأريخ طويل في الكيد لهذه البلاد وأهلها من عهد النبوة إلى يومنا هذا ومن ذلك على سبيل المثال ولكن الطآمة في ذلك عندما يكون أولئك  من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا فذلك خلل في البنية الوحدويه وثلمة في اللحمة الوطنية ، همّ أولئك أن يبايعوا ولي أمرهم على المال إن أُعطي منه رضي وإن لم يُعط منه سخط وصار يؤلب على الوالي ويُغري غيره للنيل من الولاة أو ممن ينسب إليه ، وقد ورد في ذلك التحذير الشديد في أحاديث الوعيد حيث قال صلى الله عليه وسلم :" ثلاثٌ لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : رجل على فضل ماء - أي ماءٌ يزيد عن حاجته - بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه ، وهو على غير ذلك ، ورجلٌ بايع إماماً لايبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه منها وفّى وإن لم يعطه منها لم يوفّ " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، واعلم يامن اتصفت بتلك الصفات المذمومة أن من تخوّض بالمال بشكل علم حتى لو كان له ولاية صغيرة أو كبيرة أنه معرض لعذاب الله ولدخول الجحيم وصلي العذاب الأليم ففي الحديث : " إن رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " رواه البخاري من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها وعنا جميعاً ، وهذا يشمل من خاض في المال فصرفه لغير حاجة وفي غير مصرفه الذي أعدّ له ، أو بذّره في شؤون تافهة وهو يعلم أن أناساً يجاورنه يتقلبون من الجوع ويواجهون الموت بسبب جفافٍ أو مجاعة أو نحوها ، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري : " أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ، وهو أعمّ من أن يكون بالقسمة وبغيرها " ومعنى كلامه رحمنا الله وإياه ، أي أنه لايلزم من ذلك الخوض المذموم أن يمنحك الحاكم أو الوالي مالاً ومن ثمّ تسعى في صرفه بوجوه الباطل وإنما كل مالٍ كسبته فأنت مسؤول عنه ولا يحلّ لك أن تصرفه إلا بحق ، وذلك يصدّقه قول الله تعالى : ( واحفظوا أموالكم )  وقوله : ( ولاتؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما . . ) فالواجب على الجميع من صغير أو كبير حاكم أومحكوم أن يتخذ السبل الشرعيه في الإنفاق والإدخار وهذه معادلة موزونة وضع الله قاعدتها ونهجها بقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنُقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا )  .
عباد الله : نحن مأمورون مهما أنشبت الفتنة أظفارها أن نصبر وأن لاننزع يداً من طاعة مهما كثر الفساد في البلاد أو لم يكثُر حتى يغير الله الحال ويُصلح الأحوال وأن نقوم بدور المصلح في مجتمعنا حيث قال صلى الله علي وسلم : " إنكم ستلقون بعدي أثرة - أي استئثاراً بتولي الأمور - فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقد أخرج هذا الحديث البخاري رحمنا الله وإياه ، وقال أيضاً عليه الصلاو والسلام : " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " قالوا من يارسول الله ؟ قال : " الذين يَصلحون إذا فسد الناس " وفي رواية : " يُصلحون ماأفسد الناس من سُنّتي " رواه الإمام أحمد في مسنده ، وفي رواية لمسلم : " هم أناسٌ صالحون قليل في أناس سوءٍ كثير " . 
فالمخرج من ذلك كلّه هو الإصلاح والنهي عن الفساد بما يستطيعه العبد وفي ذلك يقول الرب سبحانه : ( فلمّا نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيس بما كانوا يفسقون ) . . فاللهم أصلح لنا ديننا وولاة أمرنا وأفراد أمتنا واجتمع كلمتنا على الحق المبين واجعلنا ممن تمسك بحبلك المتين فممنت عليه بالنصر والتمكين ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول هذا فإن كان صواباً فمن الله وإن كان فيه زلل فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 

============ الخطبة الثانيه ============ 
الحمدلله الذي الذي منّ علينا وأعطانا ومن لدنه أولانا ولدينه الحنيف هدانا والصلاة والسلام على خير عباده شهادة به وإيمانا الذي بتبليغه وهديه أرشدنا وبه من الضلالة كفانا وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إسراراً بذاك وإعلانا أما بعد : 
فالتقوى ياعباد الله به أوصيكم ، فإن بتحقيقه الله يرضيكم ، ومن واسع فضله  يُغنيكم ثمّ ، إن على كل واحد منّا مسؤولية اصلاح ومشروع نصحٍ وتوجيه دائمٍ في كل سبيل ، مادام يصل لذلك سبيلا ، ومن اكتنفته بتوجيهك من صغير أو أحطته بنصحك من كبير ومسؤول فاعلم أن الله في ذلك لايُضيع أجر المصلحين وليكن جرير بن عبدالله البجلي هو قدوتك في ذلك ففي الأثر يقول عن نفسه رضي الله عنا وعنه : " بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " والنصيحة لها أدبها وطريقتها لكي تؤتي النصيحة ثمارها ويظهر أثرها ونتاجها ، واعلموا أن من شر الناس من دخل الأعداء ونفذوا لأمته من قِبله وجهته فيكون بذلك كمن فتح لهم الباب بعد أن كان منغلقا وكان وثغرة فساد وخيانة بعد أن كان مصمتا ، وقد ورد في الحديث في صحيح البُخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : " لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به " ويُقام هذا اللواء أو هذه الراية من وراء ظهره عند مؤخرته يراها الناس كلهم ويقال : هذه غدرة فلان بن فلان كما ورد ذلك في رواية أخرى . 
ولا مانع ياعباد الله من نُصح ولاة الأمر فهم لايردون أحداً في الغالب لإبراء الذمة بالكلمة الطيبة والقول الحسن أو بتوجيه من يتحدث معهم ممن ترى أنه أوجه منك ، وإن لم يُسمع منك أو منه فقد أديت الذي عليك وبرأت ذمتك وسلمت من تبعية ذلك وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : ( الدين النصيحة ) قلنا لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " أخرجه مسلم من حديث تميم الداري ، ولنعلم أن الضرر الحاصل الذي ينبني من عدم سماع النصيحة أهون بكثير من الضرر الذي يحصل بسبب استخدام العنف والتغيير بالقوة وحمل السلاح فمن مات بهذا السبيل عُد خارجياً حتى لو كان أصل فعله إرادة الإصلاح ، والله يتولى هذا الأمر بخيره وشرّه ، وإنما في كل ذلك ماعليك إلا أن تُناصح وتدعوا لسبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن لم تستطع تُنكر ذلك بقلبك فتسلم ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع " قال : أفلا نُقاتلهم قال : " لا ، ماصلوا " رواه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها ، قال النووي في شرح مسلم : " فيه - أي الحديث - دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لايأثم بمجرد السكوت "  انتهى ، وهذه منّة ورحمة من الله على عباده فإن الخلق كلّهم لايستطيعون الإنكار بالقول ، بل ولا يُحسنون الإنكار فبقي عليهم أن يُنكروا بقلوبهم ، علماً أن هذه الدرجة من الإنكار هي أقل منازل الإيمان وأضعفها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم . 
فاللهم ياجواد ياوهاب آت نفوسنا تقواها وهداها واصرف عنها شرها وطغواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها ، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال  " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . .   

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

خطبة عن كبار السن وتقديرهم واحترامهم



الحمدلله الذي خلق الإنسان وصوّره ، وشقّ سمعه وبصره ، وأبان له النجدين من الشر والخير ويسّره له من المحامد والثناء أوفره ، ومن الشكر أجزله وأكثره والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي فضله ربنا وآثره نبينا محمد وعلى آله وصحبه البرره ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله ترفع المقامات وتقضى الحاجات وتفرج الكربات وتتيسر الأمور والطاعات ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له اجرا ) .
- عباد الله : ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام من حديث " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط " رواه أبوداوود ن حديث أبي موسى وهو حديث حسن ، ومن هذا الحديث سنتناول أدباً جماً يُعلّمه الصغار ويُنشأوون عليه وهو خلق ضروري لابُد منه وهو من تعظيم الله تعالى و‘جلاله كما ورد في الحديث : ألا وهو احترام وتوقير كبار السن الذين لهم حقٌ واجب على الصغار خصوصاً من أفراد المسلمين عامّة ، وهذا الخلق الواجب هو سبيل من سبل الرُقي بالأخلاق والفضائل والقيم والحضارة وكذلك هو مرتبطٌ بكمال الإيمان والذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أكمل الممؤمنين ايماناً أحسنهم خُلقا " .
- عباد الله : لقد انتشر في وقتنا هذا هجر توقير الكبير من قِبل صغار السن هداهم الله مع سوء سلوكٍ وقلّة حياء وطيشٍ وعدم مبالاة ، وربّما كان ذلك مع عدم اهتمامٍ من أولياء الأمور والذين يشاهدونهم يصنعون مثل ذلك ، ولا يوجهونهم ولاينبهونهم ويناصحونهم ويلزمون حينها الصمت وهذا بلا شكّ مبدأ منحط يُفضي مع مرور الوقت إلى انفراط المنظومة الأخلاقية في مجتمعنا ، وقد يُفضي إلى التخاصم والعداوة بين الأقارب ، وكل ذلك يكون إذا انعدمت السماحة من الجميع ، وانتصر بعض أولياء الأمور لأبنائهم وهم يرونهم على أخطاء وسلبيات ومع ذلك يخيّم عليهم الصمت ، ولاحتى يقبلون توجيه غيرهم لأبنائهم وتلك رزيّة عظيمة يقع في وحلها ودنائتها ذاك الأب المُدلّل والإبن المُدلًّل ، والذي لايجاوز فكرة أرنبة أنفه ولا رمش عينيه ، فاعلم ياولي الأمر ويامن ابتليت من الآباء بمثل هذا الصنيع ، أن من لم يحتمل النصح والتوجيه والتوبيخ عند الخطأ والتقريع والإنكار من الأبناء حينما يخطئ أو يتهاون بمثل تلك الحقوق والواجبات أنه لن يتحمّل ويحتمل خلُقك إن كبرت ، وصرت بحاجة في وقت الحاجة لذلك الإبن الذي أفسدت أخلاقه ورجولته بيديك وكنت في تمييزه وشبابه تُسارع في هواه وشهوته بغض النظر إن كان فعله صواباً أو خطأ ، فاتق الله وكن ممن يتصرفُ التصرف الصحيح اللائق حينما يقع الإبن بمثل ذلك


- عباد الله : إن كبار السن في مجتمعنا السن لهم حقوق على من دونهم من المسلمين من تقبيل رؤوسهم وتقديمهم في المجالس وتوقيرهم واحترامهم وعدم مقاطعتهم في الحديث والقيام بواجب الطاعة لهم في المعروف وكل ذلك مردود لفاعله في كِبَره وشيخوخته ولنتذكر فيهم قول النبي عليه الصلاة والسلام : " ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا " وفي رواية : " حق كبيرنا " رواه أبوداوود والترمذي وقال : " حديث حسن صحيح " من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه .

- أيها المؤمنون : إن الكبير إذا رأى من الصغير أو ممّن هو أقل منه في السنّ قلة تبجيل وسوء صحبة فإنه تبعد به الظنون ويدخل في همّ تحسون به إذا كبرتم وشختم ، وربما يحترق فؤاده مما يرى من الجفوة من الناس ولايُبدي مافي نفسه إما ليأسه وإما حياءً فلنتق الله فيهم ، فهم أسوة وقدوة في الخير مالم يحيدوا عن صراط الله ، ومنهم تؤخذ المشورة والرأي لأنهم أعرف بأمور الحياة وتجارب الزمن من حدثاء الأسنان الذين تغيب عن أذهانهم كثير من الأمور التي تحتاج لمراسٍ وتجربة وخبرة ، وعلى الآباء المكرمين من كبار السن الموقرين أن يبادروا بالنصيحة والتوجيه لمن هم دونهم ولايحملهم في ذلك العجز والتواني أو اليأس ممن هم دونهم فكم من كلمة صادقة من شخص ناصح مشفق أثّرت في قلوب المستمعين بتوفيق الله رب العالمين .

- عباد الله : وكان لله عليه وسلم قدوةً لأمته وأسوةً لهم في توقير الكبير ، ففي فتح مكة أتى أبوبكر بأبيه أبا قحافة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " هلاّ تركت الشيخ حتى آتيه " وفي رواية لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه " فقال أبو بكر رضي الله عنه وعن أبيه قال : " هو أحقّ أن يأتيك " ومن توقير دييننا في الجملة للكبير أن الصغير يُسلّم على الكبير ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يُسلّم الصغير على الكبير والمارُّ على القاعد والقليل على الكثير ) رواه البخاري وفي رواية لمسلم : ( والراكب على الماشي ) ، بل إنه عُدّ من يستهين بحق الكبير أن فيه نفاق فقد رُوي في الأثر : " ثلاثةٌ لايستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمامٌ مُقسط " وقد أورد هذه الرواية : المنذري في صحيح الترغيب والترهيب ، ومما روي عن توقير الكبير من الصحابة رضوان الله عليهم بتقديمهم في الكلام والإحجام عن معارضتهم في القول قدر الإمكان مارواه الشيخان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال : " لقد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غُلاماً فكنت عنه ، فما يمنعني من القول أنّ ههنا رجالاً هم أسنّ مني " .

وقد ورد في كتاب الخراج لأبي يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصاري رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بباب قوم ٍ وعليه سائل يسأل شيخٌ كبير ضرير البصر أي أعمى البصر - فضرب عضُده من خلفه فقال : " من أي أهل الكتاب أنت ؟ " قال : " يهودي " قال : " فما ألجأك إلى ماأرى " قال : " أُسْأل الجزية والحاجة والسن ؟ " قال : فأخذ عمر رضي الله عنه بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له - أي أعطاه - من المنزل شيءٌ ، ثمّ أرسل إلى خازن بيت المال ، فقال : " انظر هذا وضُرباءَه ، والله ماأنصفناه إذ أكلنا شبيبته - أي وقت شبابه - ثم نخذُله عند الهرم " فوضع عنه الجزية ومن كان مثلُه .

وروى مجاهدٌ أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً : " أخبروني عن شجرةٍ مثلُها مثلُ المؤمن " فجعل القوم يذكرون من شجر البوادي ، وألقِي في نفسي أو رَوعي أنها النخلة ، فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم فأهاب أن أتكلم ، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " ورواه مسلم في صحيحه .

- عباد الله : ومما ينبغي أن يُجلّ ويبجل الذي يحفظ القرآن ويعمل به ، وينبغي أن نكون قدوة في توقيره واحترامه وتبجيله ونعلّم هذا الخلُق لأولادنا وأحفادنا ياعباد الله حتى لوكان صغير السنّ وهذا الغالب في حفظة القرآن ، فإن توقيره ورفع شأنه ليس من أجل ذلك الحافظ وإنما لما يحمله في صدره من آياتٍ بينات ، فتعظيمه وتوقيره هو تبجيلٌ وتعظيمٌ لله تعالى قبل كل شيء الذي أنزل هذا النور الذي بين أيدينا ، فمن الذي يُعظّم ويبجّــل إذا لم يُعظّم ويبجل حامل القرآن ، ومن الذي يُقدّم في المجالس والملتقيات إذا لم يُقدّم حملة الوحي ، أيُقدّم سفلةُ القوم وغوغائهم والرويبضة في مجتمعنا ، أم المنحطّين من المغنيين ، ومن الفنانين وغيرهم الذين يُضلّون بأهوائهم ويُفسدون في الأرض بعد اصلاحها ، ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنةٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم ) .

ولاشك أن الناس يهابون ويوقّرون ظاهراً وباطناً عند الناس بالجملة بحسب هيبتهم لله تعالى وبحسب مايحملونه من علمٍ وحفظٍ ودينٍ وتقوى ، وإذا رأيت رجلا ً من الناس يوقّر أهل الهوى والفساد أو أهل الشهوات والشُبهات فاعلم أن في قلبه زيغ وفي ديانته انحرافٌ وهوى ، فاحذر الهوى فما سُمّي بذلك إلا لأنه يهوي بصاحبه في أدنى الدركات وأحطّ المنازل ، فاللهم جنبنا الهوى والردى ولاتُذهبُ أعمالنا سُدى واجعلنا ممن سلك طريق الحق واهتدى ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما في من الآيات والحكمة أقول قولي وأستغفر ربي لي ولكم ولسائر المسلمين ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .


============ الخطبة الثانيه ============


الحمدلله العزيز الحميد والصلاة والسلام على المبعوث بالقول السديد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي الفضائل ومن اقتفى أثرهم ونهج منهجهم إلى يوم المزيد أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فأهل التقوى لطريق الحق سالكون ومن الله مقربون ، ثم اعلموا - عباد الله - أن ممن يجب توقيرهم وتبجيلهم وبيان فضلهم أولئك العلماء الذين منّ الله عليهم بالفقه في الدين وبمعرفة التأويل والأحكام ومعرفة شرائع الإسلام ممن نذروا أنفسهم وضحّوا بأوقاتهم لبيانها للناس ورفع الجهل عنهم وتوجيههم وإرشادهم وتحذيرهم مما يُخاف ويُحذر من طرق الغواية والضلال وتبصيرهم بطريق مايُرجى ويُتمنى من طرق الفلاح والفوز والنجاح في الآخرة خاصّة ، مع تصحيح الأخطاء في العبادات والمعاملات والتحذير من الشرور والموبقات ، فأولئك الأفاضل الذين لهم فضلٌ على الناس بعد فضل الله تعالى علينا جميعا ً بالهداية لهذا الدين ، ويستبين فضلهم حينما يعز ّّ وجود العلماء فلا يجد الناس من يستفتون في أمور دينهم ولا يجدوا من يستشيرون ويسألون ، ويستبين فضلهم حينما يتخذ الناس رؤوساً جُهّالا ً فيُضلون الناس بغير علم ويوردونهم الجحيم نعوذ بالله العظيم ويستبين فضلهم عندما يقبضهم الله تعالى وحينها يفتقد الناس علمهم واجتهادَهم لكونهم محل الإجتهاد والإستنباط والنظر وذلك لايكون إلا بالإحاطة بالنصوص القرآنيه والنبوية ومعرفة لغة العرب وكلامهم بجاهليتهم وإسلامهم وهذا مسلك ٌطويل يحتاج لبذل حياة كاملة من الصغر ويمتد إلى الكبر والشيخوخة ، وانظر لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام حينما قال : " ألا إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا " رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .

ثم يجب أن نعلم أن العلماء من أولياء الله المتقين في الأعم الأغلب والله سبحانه وتعالى ينتصر لأوليائه ويُعادي من يعاديهم ويدخل في هذه الولايه من الناس من كان من أهل الإيمان والتقوى وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عادى لي وليّا ًفقد آذنته بالحرب " أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد ذكر شيخ الإسلام أحمد بن تيميه رحمنا الله وإياه في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) " أن من مؤمناً تقيّا كان لله وليّا فمن آذى مؤمنا ً فقد آذنه الله - أي أعلمه الله - أنه محارب له والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه " فيجب الحذر من التعرض للعلماء خاصة بالهمز واللمز أو الإستنقاص ، وإن مما يقع في زماننا هذا وخصوصاً في المجالس تضخيم زلّة العالم ونشر النقد فيه بين الناس والسخرية به وتلك والله هوان وذلة من الله للعبد واستدراجٌ للإنسان من حيث لايدري ولا يعلم وما يهزأ بالأكابر إلا الأسافل والأصاغر ، واجتهاد العلماء في الغالب أنه لايأتي إلا بعد استفراغ وسع واستنفاد طاقة فلم لايُلتمس لهم العذر والله في ذلك عذرهم ولايكلّف الله نفساً إلا وسعها فهم على خير ورشد وصلاح وإن كان الله قدّر الحق مع غيرهم من العلماء فهذا لايُنقص قدرهم في الجملة ، ولهم أجرهم وعلى النائل من عرضهم وزره ومما ورد في الأثر عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " رواه مسلم .

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبي الرحمة والملحمة وصاحب الحجة القائمة نبينا محمد كما قال ربنا : " إن الله ملائكته يُصلوّن على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما " .

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

خطبة عن المواطنة وحقوقها وأهدافها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لأمة حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنكم قادمون عليه ومقبلون إليه فأعدوا لذلك واستعدوا وحاسبوا وتحسبوا وإلى ربكم ارغبوا ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفـّى كل نفس ماكسبت وهم لايُظلمون ) . 
عباد الله : يجري في عصرنا مصطلح يُسمّى المواطنة ، وهو مصطلحٌ عصري حادث يجهله أو يجهل حقوقه وأهدافه كثير من الناس فماهو هذا المفهوم ؟ وما هو هي أهدافه وماهي حقوق المواطنة التي بينها الشرع استقلالاً أو ضمناً وتباعاً في مقتطفات من كتاب ربنا وسُنة نبينا عليه الصلاة والسلام ولعلنا نعرّج على هذا المفهوم بتوابعه في خطبتنا هذه بشيء من التفصيل : 
فالمواطنة هي : مأخوذة من الوطن وهو " مكان الإلف والعيش " ويعني ذلك المصطلح بأنه التعايش بسلام في بلدٍ عشت وترعرت فيه مع القريب والبعيد المخالط لك في موطنك ومجتمعك ، وقد تطلق بعض مشتقاته على الأماكن والديار مثل قول الله تعالى : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ " . 
وحب الديار والوطن أمرٌ فطري وغريزة مطبوعة في الإنسان لايُلام عليها ، ولكن يُلام على تقديم حبّها على محبة الله ورسوله وجهادٍ في سبيله كما قال الله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين ) وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممن يحبون ديارهم وأوطانهم ، ومما يذكّر بذلك قول نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم حينما أخرجه المشركون من بلده مكة وهي مولده ومرباه وكان فيها نشأته ومسراه فوقف في الحزورة في سوق مكة وقال : " والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت " أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي من حديث عبدالله بن عدي بن الحمراء وصححه الكثير من أهل العلم . 
ولكن حب الأنبياء لأوطانهم ومرابعهم وحتّى أهليهم لايُقدمونه على مراد الله ورضاه مهما كان فيهم من الشوق لتلك الأوطان والديار والبلدان والأقطار فقد كان خليل الرحمن ابراهيم ممن عاش وترعرع في العراق فلمّا رأى عناد قومه واستكبارهم وإيذائهم له خرج منها إلى أرض الشام ثم لبيت المقدس وماحوله وذلك قول الله تعالى : ( فآمن له لوط وقال إني مهاجرٌ إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ) وكذلك لوطٌ عليه السلام فقد قال الله عنهما : ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) فكلاهما هاجرا من أرض العراق إلى الشام طلباً لمرضاة الله ومفارقة للمشركين على حبهم للعراق التي كانت مرباهم ومقرّهم وكذلك موسى عليه السلام أمر قومه بأمرٍ من الله أن يدخلوا الأرض المقدسة التي هي أرض فلسطين بما فيها بيت المقدس ويتركوا أرض مصر ويستوطنوا تلك الأرض المباركة - أي بيت المقدس وماحوله - فقال : ( ياقومي ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خائبين ) فأبوا وتوفي موسى بعد ذلك ناوياً للهجرة في سيناء بعد أن أدى ماعليه وجاهد بني اسراءيل أعظم المجاهدة طلباً لمرضاة ربه ورضاه وغيرهم من الأنبياء . 
عباد الله : ومن أجل ذلك كان من أعظم حقوق المواطنة عدم إخراج أهل الأرض منها بغير حق حتى لو اختلف دينهم ماداموا ملتزمين بالعهد والميثاق المبرم من ولي الأمر ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " من قتل مُعاهدا ًلم يرح رائحة الجنّة " أخرجه البخاري والنسائي والترمذي وغيرهم ، ولذا وجب الإلتزام بما أمر به ولي الأمر في هذا الشأن فعهده عهدٌ للمسلمين كلهم وذمته ذمتهم ، ولذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل نفساً مُعاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة ) وذمة ولي الأمر مبنية على ذمة الله ورسوله بما خوّله به الشرع المطهر . 
عباد الله : قد نقل ابن اسحاق في السيرة أول بنود معاهدة أبرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبن من خلالها بالجملة أو ولي الأمر يحل له أن يُعاهد أهل الكتاب والمشركين بما فيه صالحٌ للمؤمنين وتلك المعاهدة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار كطرف وبين اليهود من بني اسراءيل ومن عشائر الأنصار والمشركين منهم كطرف آخر ومن بنود المعاهدة كما نُقل : 
* أنهم أمة واحدة من دون الناس 
* أن كل طائفة من المهاجرين من قريش وعشائر الأنصار تفدي عانيها 
* أن من قَتَل من أي طائفة كان فإن الجميع عليه ولو كان ولد أحدهم 
* أن لايُسالم البعض دون الآخر 
* أنه لايحل لمؤمن ولا غيرُه أن يؤوي مُحدثاً بأي حال 
* أنه عند الخلاف فالمرد لله ورسوله عليه الصلاة والسلام دون أحد من الناس ، وهذا يدل على أن من أولويات حقوق المواطنة الولاء لله ولرسوله ولأولياء أمور المسلمين عند وجود الخلاف بين أفراد المجتمع المسلم ، يقول الحق تبارك وتعالى : ( فلا وربك لايؤمنون حتى يُحكّموك في ما شجر بينهم ثمّ لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً ) . 
* أن اليهود يتفقون مع المؤمنين ويتفقون معهم ماداموا مُحاربين ،  وهذا دليل على اقرارهم ببلدهم ماداموا يُدافعون عنه مع المسلمين ، لاأن يُستعان بهم في الحروب وقد وقع ذلك من بعض اليهود الذين حاربوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد فقد قُتل في أحد رجلٌ من اليهود اسمه " مخيريق " دفاعاً عن المدينة ونصراً لرسول الله وأنه قال لذويه : " إن قُتلت أو إن أُصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ماشاء " كما ذكره ابن هشام في السيرة النبويه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه " مخيريق خير يهود "  وكذلك رجل من المشركين قُتل واسمه " قزمان " قاتل يوم أحدٍ ولكن لحساب قومه لالله ولا رسوله وعندما قيل له : " أبشر قزمان " قال : " بم أُبشر وأنا ماقاتلت إلا لحساب قومي " وما نفعه ذلك ، والذي يخصنا منهم هو وفائهم بالعهد وعدم خيانتهم وتخاذلهم لكي يُوفى لهم بما يحفظ أهليهم وأموالهم . 
* أن من ظلم لايُهلك إلا نفسه وأهل بيته 
* أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة 
* وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم - وهذا من حقوق المواطنة في القريب 
* وأن لايُجار كفار قريش ولا من نصرهم ولا أموالهم  
* وأن بينهم النصر على من دهم يثرب - وهذا من أعظم حقوق المواطنة في رد كيد العدو المتربص والغازي على بلاد الإسلام . 
* وأن الموالي وهم العبيد كغيرهم - وهذا من حقوق المواطنة وهو المساواة بين أفراد الوطن الواحد 
* وأن لايُقتل مؤمنٌ في كافر ولايُنصر كافرٌ على مؤمن - وهذا من باب المماثلة والمعاقبة بالمثل فلو أن اليهود ظفروا وحكموا لما قتلوا يهودياً بمسلم ولفضلوه عليه وكذلك يُعامل أهل الذمة بذلك وديننا دين العزة والأنفة والرفعة والهيمنة وكما ورد في الحديث : " الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه " . 
عباد الله : ومن حقوق المواطنة كف الأذى عموماً بكل أشكاله وصوره من كل طبقة وشريحة وطائفة في المجتمع فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فليس من المواطنة في شريحة الموظفين مثلاً أن يقصّر الرجل في عمله الواجب عليه ويعتذر إذا نُصح بأعذار واهية ، وليس من المواطنة في شريحة الطلاب طالب تناول الأثاث المدرسي بالعبث بتلك المقدرات والمرافق الخاصة والعامة وتشويهها بالكتابة والإفساد اللامبرر حتى صارت بعض المرافق والمقتنيات لايستفاد منها بعد مستخدمها السابق ، وكل ذلك عبث وشغب له توابعه على الطالب والدارس وليس من المواطنة أن تُفسد المرأة جيلاً ناشئا ولو كانوا كان بإمكانها أن تتولاه بنفسها وتربيه في محاضن الأسرة ، ولا توليه لخادمة تخالف في الدين والعادات وذلك يُعدّ خيانة لهذا الطفل البريء الناشئ ، وليس من المواطنة مايفعله بعض المسؤولين في الصحة أو في الخدمات البلدية من التفريط في الرقابة على العاملين أو على المنشئات الخاصة أو العامة والتواكل على ذمة الغير الذي ربما خان وأفسد منتهزاً ضعف الرقابة أو عدم تواجدها ، وعلى المسؤول في ذلك اللوم وعدم التواكل في حال وتقوية الرقابة في أثناء تلك الظروف التي تخصّ المواطن أو المقيم ، وليس من المواطنة أن يكون المواطن والمستهلك للسلع عموماً لقمة سائغة للتجار وأرباب الأعمال الجشعين والطامعين في سلب الأموال من جيوب المواطنين في مقابل سلع رديئة بعضها يُعرض للموت أو الحريق أو الإنفجار المدمر والخطير الذي لايمكن تداركه ، جنبنا الله وإياكم الشرور والأخطار ورزقنا مغفرة الغفار . 
أقول قولي هذا فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله أهل الثناء والمحامد له ذو الفضل الكريم الماجد السلام المؤمن الواحد والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء  وإمام المتقين نبينا محمد ذوالنهج القويم الراشد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وأيقــنوا أن فضل الله ونعـمتَه علينا لاتُعد ولا تُحصى وأن نعمة الله ودوامَها علينا لايتم إلا بالشكر والثناء على الله بما هو أهله وكذلك بالقيام بما أوجب الله سبحانه علينا من الفرائض والمأمورات وكذلك باجتناب ماحرّم من المحارم والمنهيات مع أداء الحقوق التي من جملتها حقوق المواطنة والمجاورة والتعايش، وإن وجود نعمة الله ودوامُها يحتّم علينا القيام بمثل ذلك وأدائه على الوجه الأكمل ليدوم الفضل من الله ويزيد وعند ربنا من الأفضال المزيد ، لننعم بمجتمع آمن ووطن معطاء يُدرّ لنا الخير في كل يوم تشرق شمسه وفي كل ليلة تعسعس بظلامها ، وإن هذا الهدف العظيم هو من أعظم أهداف المواطنة التي يسعى لها الحر العاقل والمفكر البصير والحاكم والمحكوم والراعي والرعيّه ، فلا يوجد رجل من العقلاء وأولي الألباب وحتّى من دونهم في الغالب أنه يتمنى زوال هذه النعمة ليحلّ بدلها الخوف والضياع والتفرقة والإنشقاق والفقر والتشرد وما إلى ذلك ، فإذا علمنا هذا ووعيناه وجب علينا أن القيام بمقومات الحياة السعيدة الآمنة واجتناب كل مايعكر صفوها ليدوم الخير والأمن ويُعبد الله في الأرض بأمان واطمئنان وتقوم الشعائر عالية شامخة يحرص عليها الكهل والشاب ويُحج البيت وتطمئن النفس وتؤمن الدروب وهذا هدفٌ آخر من أهداف المواطنة لايقوم المجتمع بأدائها بدون تحقيقه ، والمعادلة في ذلك هو وزن مثلُ هذا الأمر بميزان الله وسنته القائمة المطّردة في كل وطن وجيل ومجتمع قائم كما قال الله تعالى : ( وضرب الله قرية كانت آمنة ًمطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) . 
فيجنب على العباد أن لاينجروا وراء الشهوات والتر ف وأن يمنعوا من يجر أفراد المجتمع لذلك وعليهم أن ياخذوا على يد الظالم بمناصحته ومنعه من الإعتداء والعدوان إن استطاعوا أو الإبلاغ عنه ، فقد يصدر من عوام المسلمين مايكون فتنة للجميع ، والعمل في ذلك يتمثّل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) فقال رجلٌ : أنصره إن كان مظلوماً أفرايت إن كان ظالماً قال : 
( تحجزه وتمنعه من الظلم فإن ذلك نَصره ) أخرجه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه وفي رواية : " تكفّه عن الظلم " وعند مسلم رواية أخرى من حديث جابر قال فيها : " إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نُصره " . والمقصود من ذلك : أن الولاء التي هي لُحمة من المواطنة تكون لإخواننا من المؤمنين والمسلمين بشكل عام حتى لو كانوا ظلمةً فيكون في صفهم معنوياً ، ولايُساعدهم على ظلمهم بل ينهاهم عنه وهذا على عدوهم الكافر والمشرك لاعلى بعضهم البعض فإن ذلك منهيٌ عنه أشد النهي وهو من البغي المحرم فالمسلمون أعراضهم وأموالهم ودمائهم بينهم حرام ، والله أمرهم بالتواضع والرحمة بينهم والتعاطف والمواساة ومثّلهم بالجسد الواحد فقال عليه الصلاة والسلام : " مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر " وقال صلى الله عليه وسلّم : " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لايفخر أحدٌ على أحد ولايبغي أحدٌ على أحد " ولذلك يحقق قول الله تعالى في المجتمع المسلم المحافظ ( ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوّ مبين ) فذكر  السّلم الذي هو الإسلام لاكما يظن البعض أن ذلك المقصود هو النداء بالمسالمة في الحرب ، ولكن المقصود هو الدخول في الإسلام فروعه وأصوله ومن أصول الإسلام المسالمة في الأوطان وكفّ الأذى عامّة والإحسان إلى الناس ، وقد ورد في ذلك قراءة أُخرى بكسر السين أي " السِّلم " فيكون المقصود بها المسالمة والمصالحة مع الناس في الحرب وهذا المعنى وإن كان غير مرجّح فهو من معاني الإسلام الذي هو الإستسلام لله بالتوحيد وبما يأمر وينهى والإذعان له والإنقياد سبحانه وتعالى ، ولايُنكر على أحدٍ مادام إذا اختاره مادام أنه فُسّر الشيء ببعض معانيه ، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علقدينا فنضلّ ياذا الجلال والإكرام ، وأرشدنا لسبل مرضاتك وطريق الجنّة دار السلام ، وجنبنا المنكرات والآثام ، ياقدوس ياسلام ياحي ياقيوم . . 
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 







الجمعة، 7 سبتمبر 2018

خطبة عن دعاء المضطر والمكروب وإجابة الله لعبده

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا فبلغ وأدى ماعليه صلوات الله عليه وسلامنا إليه ولواء الحمد يوم الدين بين يديه وهو الشافع المشفع ذو المقام الأرفع عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان صلاة وسلاماً يدوم أبداً وينفع إلى يوم ٍ تحشر فيه العباد وتجمع أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فالدين هو التقوى في السر والنجوى وفي العافية والبلوى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
أيها الإخوة المؤمنون : إن من عرف ربه جل جلاله وعلم أسمائه وصفاته علم أن من أسماءه السميع والمجيب والقريب ، وأنه سبحانه يسمع دعاء الداعين وابتهال المنيبين المخبتين ويجيب دعاء المضطرين والمكروبين وهو قريبٌ ممن دعاه مجيب لمن توسل به ولجأ إليه يقول نبي الله صالحٌ عليه الصلاة والسلام : "واستغفروا ربكم ثمّ توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيب"
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى : " أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجلعكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ماتذكرون " وقال أيضاً : " وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لامبدل لكلماته وهو السميع العليم " ، وقال أيضاً : " وله ماسكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " وكل ذلك يدلل ويدل أن الله تبارك وتعالى وأن خزائنه ملأى لايغيظها نفقة - أي لايُنقصها ماينفق مهما كان ذلك الطلب ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى قال : " حدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يد الله ملأى لايغيظها نفقة سحّـــاء الليل والنهار " وقال : " أرأيتم منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض - أي يُنقص مافي يده " وقال : " عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع " .
وفي الحديث القدسي الطويل الذي أخرجه مسلم بن الحجاج القُـشيري النيسابوري عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عايه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى أنه قال جل جلاله وعظمت أوصافه وعمّ نواله قال : " ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسانٍ مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما يَنقص المخيط إذا أدخل البحر " .
ومع هذه الأوصاف لله سبحانه يغفل الكثير في الرخاء وفي الشدة أن يدعو الله تعالى ويلجأ إليه في أحواله كلها ، وربنا يُدعى في أمر الدنيا وأمر الآخرة ومما يدلّل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أويحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك " وفي الحديث الآخر : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي " .
عباد الله : إن أنبياء الله ورسله كانوا هم أكثر الناس دعاءا ً وابتهالا ً وتضرعاً في الخفاء والسر والإعلان والجهر فهم يمتثلون قول الله تعالى : " ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لايحب المعتدين " وهم أصبر الناس وأحلم البشر وكان من أحلمهم اسماعيل عليه السلام الذي قال الله عنه : " فبشرناه بغلام ٍحليم " وكان أبونا ابراهيم عليه السلام خليل الرحمن ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم من أحلم أنبياء الله ، فقد قال سبحانه عن ابراهيم عليه السلام : " إن ابراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب " وكان من حلم نبينا محمد أن صفح عن كفار قريش وصناديدهم في وقت قدرته عليهم وقال حين فتح مكة في مشهدٍ شهده الناس وسارت به الركبان وقال لهم كلمة دونها التاريخ " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وهم الذين أخرجوه من مكة وحاولوا قتله ، وقتلوا أصحابه ، وطاردوه وآذوه حينما كان في مكة ، ومع ذلك كله أطلقهم وعفا عنهم جميعاً ، وصار مضرب المثل في الحلم والصبر عليه الصلاة والسلام ، وعندما تتذكر حلم أنبياء الله تعالى ، تتذكر حلم الله تعالى على عباده وعلى العُصاة والمجرمين وأنه أمهلهم طويلاً حتى مابقي لهم ايمان ووصلوا لحد السخرية والإستهزاء وطلبوا من أنفسهم سرعة الإنتقام ومعالجة العقوبة ، ومن أسماءه " الصبور" ومعناه الذي لايُعاجل بالعقوبة بل يمهل ويرفق بخلقه ، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاأحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل ، إنه يُشرك به ويُجعل له الولد ومع ذلك هو يعافيهم ويرزقهم " .
عباد الله : لقد أمهل الله الكفرة والمجرمين من قوم نوح امهالاً أيس معه نوح ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك لم يؤمن إلا القليل بعد أن دعاهم وجادلهم وألح عليهم بالإيمان حتى دخل نوح اليأس من ايمان هؤلاء ، وأتاه الوحي من الله حيث قال سبحانه : " وأوحي إلى نوحٍ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يعملون " وأمره الله بصناعة الفلك وهي السفينة الضخمة ونجاه الله وقومه وماجرى مع نوح جرى مع هودٍ وصالح ومن بعدهم من قرون كثيرة لايعلمهم إلا الله وجرى مع شعيب ، كلهم دعَوا أقوامهم طويلاً ولم يؤمنوا حتى يئس الرسل يأساً عظيماً ، وابتُلوا بأقوامهم بلاءً صبروا عليه مرضاة لله تعالى ، (حتى إذا استئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين ) . 

أيها الإخوة المسلمون : وإن من صور إمهال الله لعباده إمهال الله لفرعون وقومه الطغاة المعتدين ( الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد ) ومن طُغيانهم وعدوانهم أنهم كانوا يقتلون الأطفال الصغار من بني اسرائيل ، ويستحيون ويستبقون النساء للخدمة والعمل عليهم لعائن الله ، وذلك عملٌ مافعله أحدٌ قبل فرعون وقومه ، وهو بلاء عظيم وخطبٌ جسيم ، لو كان ذلك عند العرب لثاروا كلُهم انتصاراً للمظلوم على الظالم ، فقضية العرض عند العرب خاصة لايُماثلها ولا يًرادفها كلمة لعظمة العرض خاصّة في نفوسهم ، ومع ذلك قدّر الله على بني اسرائيل ماقدّر لإعراضهم عن دين الله ، ولكي يستكثر هؤلاء الطغاة من دماء وأعراض الناس فيأخذهم أخذة رابية لارجوع بعدها ، ولذا يقول الحق تبارك وتعالى : (( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نُملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزداوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين )) وإذا أتى عقابه سبحانه فلا يُرد عن القوم المجرمين ، ولا يقبل في ذلك الشفاعات مهما كانت منازل الشافعين ، سواءً من الأنبياء أو الملائكة المُقربين ، واستمرّ طغيان فرعون وقومه زمناً طويلا ً ، من قبل بعثة موسى ومن بعد بعثته ، ومن حلم الله على هؤلاء الطغاة على فظاعة جرمهم أن أمهلهم طويلا ً، وأرسل عليهم من الآيات مالو أرسله إلى حجارة أو على جمادٍ لآمن ، فقال جل في ملكه وتدبيره : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات لعلهم يذّكرون ) واتهموا موسى وأخاه هارون بالسحر والكهانة وقالوا لموسى قولاً طاغياً فقالوا : ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) ومع ذلك أمهلهم الله تعالى وحلمَ عليهم فلم يعاجلهم بعذابه وزادهم من الآيات مافيه بلاءٌ لهم وامتحان فقال سبحانه: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آياتٍ مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ) ومع ذلك كلّه لم يؤمنوا ولم يُصدقوا بتلك الآيات العظيمة التي أُرسلت ، مع أنها لم تُرسل لأقوام قبلهم ممن ذكرهم الله تعالى ، فاللهم أعذنا من الخذلان وشر الجحود والكفران ياذا الجلال والإكرام ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ٌودود . 

============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله ناصر المتقين ومجيبِ السائلين وهادِ الخلق أجمعين ، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين فبلغ عن الله آياته ونصح له في خلقه وبرياته ، وأتمّ لله مابلغه من قوله ورسالاته وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ممن يؤمن بالله وكلماته أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن نصر الله ومعيتَه مع المتقين والمؤمنين (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) والنصر - ياعباد الله - لايأتي إلا بعد صبرٍ واصطبار وتقوى لله الواحد القهار وابتلاء ٍوامتحان من العزيز المنان يقول الحق تبارك وتعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّــا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسأء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ ) وكان ذلك أيضاً بعد دعاء الأنبياء على أقوامهم ، ولذا كان نصر موسى وقومه على فرعون وحزبه ، جاء بعد دعاء موسى عليه حين قال : ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) فجاء الردّ من العزيز الجبار القوي القهار : ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعانّ سبيل الذين لايعلمون ) وكل ذلك أتى بعد تمحيصٍ عظيم نال الفريقين واستبان في ذلك سبيل المجرمين ، واستعجل القوم نقمة رب العالمين ، وجاء النصر والعذاب للظلمة الفجار الخونة الأشرار فقال الحق تبارك وتعالى في الآيات : ( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متّبعون * فارسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمةٌ قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميعٌ حاذرون * فأخرجناهم من جنّات وعيون * وكنوزٍ ومقامٍ كريم * كذلك وأورثناها بني اسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلمّـا تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرقٍ كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهوالعزيز الرحيم ) وانتهت فصول تلك القصة من المعاناة من بني اسرائيل والنصر لهم في الختام وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ، وقد قال من رحمته قبل ذلك : ( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون ) وكل ذلك من رحمة الله ويكفينا من تلك القصة عبرةً أنك مهما حرصت وفكرّت وحذرت وعملت وقررت ونفذت  ، فالله إذا أراد أمراً فلا ينفع ذلك الحذر ولا تلك الترتيبات والإحتياطات مهما كان تعقيدها وقوتها ودهائها فمن المعروف أن هلاك فرعون وقومه وقع من طفلٍ تربّى في بيت فرعون وفي رزقه الذي رزقه الله ، على حرص فرعون على قتل كل طفلٍ وقعت عليه يدي فرعون وقومه بسبب رؤيا منام رآها ومفادها : " أن ذهاب ملكه يكون على يد طفلٍ يولد من بني اسرائيل " ومع ذلك كله قدّر الله لهذا الطفل أن يتربّى في عقر دار طاغية مصر ويكون هلاكه وذهاب ملكه في النهاية على يديه ، وذلك اليوم يومٌ من أيام الله الذي أعز الله به أولياءه وقهر فيه أعداءه وهو يوافق العاشر من شهر الله المحرم في كل عام ويوافق بذلك يوم الخميس القادم ، ومن العجب في ذلك أن أهل الجاهلية وهم أهل ضلال من قريش وغيرهم كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وكان ذلك قبل أن يُفرض صيام شهر رمضان كما روى البخاري ومسلم رحمنا الله وإياهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وأنه لما فُرض رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من شاء صامه ومن شاء تركه "  ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ويتحرى صيامه ، ولكم في رسول الله أسوة حسنة وأخبر أن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية فقد روى مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : " يكفّر السنة الماضية "  ويستحب أن يصوم معه التاسع وقد كان النبي يتمنى أن يبقى لعام قادم لكي يصوم التاسع ولكنّ أجله وافاه قبل ذلك ، فمن صام اليوم التاسع والعاشر فقد نال ثواباً عظيماً ، فتقربوا إلى الله بصيام هذين اليومين الذين هما آكد أيام شهر الله المحرم ، اللهم اهدنا لأفضل الأعمال وأكمل العبادات والأقوال وارض عنّا قبل حلول الآجال ياذا الجلال والإكرام . . هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار وصفوة الأخيار . . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...