الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، الذي أذن بالأيمان والقسم فبه يُقسمون وباسمه يحلفون وله الحكم وإليه تُرجعون ، أحمده وهو أهل الحمد والثناء المصون وأصلي وأسلم على النبي الكريم المأمون وعلى آله وصحبه الذين له متبعون وبالدين قائمون وعلينا ومن تبعهم بإحسان مامضت السنون أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تتمايز الأمور وتُنفى الشرور ويُؤمن المحذور ( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفـر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) . . واعلموا - عباد الله أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الامور محدثاتها وكلّ مُحدثة في دين الله بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما يجري في كلام الله القسم بشيء من مخلوقاته ولله أن يُقسم بما شاء من خلقه وليس لأحدٍ أن يُقسم إلا بالله والقسم من الله تعظيم لشأن ذلك المخلوق المُقسم به ويرد ذلك كثيراً في كتاب ربنا سبحانه حيث يقول جلّ شأنه وعلا ذكره : ( والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلّاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها ) وقال أيضاً : ( فلاأقسم بالخنّس * الجوار الكنّس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفّس ) والخنّس النجوم الخفيه التي تغاب عن الناظرين في النهار وقال : ( لاأقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوّامة * أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) وقوله : " لاأقسم " معناه أقسم وليس معناه نفي القسم بل إثباته - فليُنتبه لذلك - وأحرف القسم في قسم الله والمخلوقين ثلاثة هي الواو والباء والتاء فتقول : " والله " و " بالله " و " تالله " والقسم من المخلوق : هو الحلف بالله أو صفة من صفاته ويجب على الناس أن يجتنبوا الحلف بالله قدر الإمكان لقوله تعالى : ( ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميعٌ عليم ) واجتنابه هو تعظيمٌ لله تعالى وهيبة وإن الشخص الذي يُكثرُ الحلف يهون على الناس وينزِل قدرهُ عندهم وذلك لحلفه على أتفه الأمور وأبسط الأشياء فيجب الحذر والتورّع عن ذلك ومما يأخذ حكم القَسَم والحلف مايُسمّى بالنذر وذلك لأنه يُشبه القسم في الكفارة والحلِف عدة أنواع :
فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تتمايز الأمور وتُنفى الشرور ويُؤمن المحذور ( ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفـر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) . . واعلموا - عباد الله أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الامور محدثاتها وكلّ مُحدثة في دين الله بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما يجري في كلام الله القسم بشيء من مخلوقاته ولله أن يُقسم بما شاء من خلقه وليس لأحدٍ أن يُقسم إلا بالله والقسم من الله تعظيم لشأن ذلك المخلوق المُقسم به ويرد ذلك كثيراً في كتاب ربنا سبحانه حيث يقول جلّ شأنه وعلا ذكره : ( والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلّاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها ) وقال أيضاً : ( فلاأقسم بالخنّس * الجوار الكنّس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفّس ) والخنّس النجوم الخفيه التي تغاب عن الناظرين في النهار وقال : ( لاأقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوّامة * أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) وقوله : " لاأقسم " معناه أقسم وليس معناه نفي القسم بل إثباته - فليُنتبه لذلك - وأحرف القسم في قسم الله والمخلوقين ثلاثة هي الواو والباء والتاء فتقول : " والله " و " بالله " و " تالله " والقسم من المخلوق : هو الحلف بالله أو صفة من صفاته ويجب على الناس أن يجتنبوا الحلف بالله قدر الإمكان لقوله تعالى : ( ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميعٌ عليم ) واجتنابه هو تعظيمٌ لله تعالى وهيبة وإن الشخص الذي يُكثرُ الحلف يهون على الناس وينزِل قدرهُ عندهم وذلك لحلفه على أتفه الأمور وأبسط الأشياء فيجب الحذر والتورّع عن ذلك ومما يأخذ حكم القَسَم والحلف مايُسمّى بالنذر وذلك لأنه يُشبه القسم في الكفارة والحلِف عدة أنواع :
الأول : أن يحلف على فعل شيء يستطيع فعله وهو محرم فلا يجوز أن يفعل ذلك الذي حلف على فعله ويجب عليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين من الطعام المتوسط وقوت البلد أو يكسوهم أو يُعتق رقبة فإن عجزَ عن كل ذلك فإنه يصوم ثلاثة أيام ولا يجوز له أن يبدأ بالصيام قبل الإطعام والكسوة والعتق .
الثاني : أن يحلف على فعل طاعة فيجب عليه أن يفعلها وإن تركها وجبت عليه الكفارة ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يُطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " والحلِف يأخذ حكم النذر .
الثالث : لغو اليمين ، ولغو اليمين هو مايجري على اللسان من الحلف ولكن قائله لايقصد الحلف بالله مثل قوله : " لا والله " و " بلى والله " و " إي والله " وهذا لاكفارة فيه ودليله قول الله تعالى : ( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان . . ) .
الرابع : اليمين الغَـموس وسميت غَـموساً لأنها تغمس صاحبها في النار وهي كبيرة من كبائر الذنوب وذلك أن يحلف على أمرٍ يعلم أنه كذب فيقتطع حق امرئ مُسلم بغير حق والغالب أنه لاينجو صاحبها من عذاب الجحيم ومن أحاديث الوعيد التي وردت في ذلك حديث رواه مسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنّة " قالوا : يارسول الله : وإن كان شيئاً يسيراً ، قال : " وإن قضيباً من أراك "
فالحذر الحذر أن تقع في مثل هذه اليمين أو تكثر الحلف في البيع والشراء خاصة لحديث سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لايُكلمهم الله ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم : أشيمط زان - وهو الرجل الذي شاخ وهو مُصرٌ على الزنا - وعائل مستكبر - وهو الفقير الذي يتكبر على الناس - ورجلٌ جعل الله بضاعته لايشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه " رواه الطبراني بسند صحيح .
ومما ينبغي الحذر منه أيضا ً أن تسبق شهادة الرجل يمينه بتعجّله وعدم تثبته أو يمينه شهادته وهو من علامات الساعة أن يتسرّع الناس باليمين والشهادة إما بغياً وظلماً وإما تعجّلا ً واستخفافاً ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته "
- عباد الله : كان السلف يضربون صبيانهم على الشهادة والعهد ، فيقول ابراهيم النخعي : " كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار " وفي حديث آخر من رواية مسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يُستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السِّمن " وهو كناية عن الترف وقلة الإهتمام والعناية بطلب الآخرة مع الحرص على متاع الحياة الدنيا ، ولا يجوز الحلف بالآباء ولا بالأنبياء ولا بالمخلوقات وغيرها لأن ذلك من الشرك وكان السلف يُعظمونه ويحذرون منه ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " لأن أحلف بالله كاذبا ً أحب إليّ من أحلف بغيره صادقاً " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالأمانة فليس منّا " وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم :" من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " .
عباد الله : قد يورّي الشخص بيمينه ويُعـرّض بيمينه أو يتأوّل فيها والتأوّل باليمين هو : " أن يُطلق الحالف لفظاً ظاهرا ً في معنى ويُريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ وذلك من خلال ازدواجية اللفظ الذي تلفظ به كأن يحلف على شخص أنه أخوه ويقصد أخوّة الإسلام لاالنسب ويُسمّى تورية وتعريضا ً والمتأوّل له ثلاثة أنواع :
* أن يحلف متأوّلا ً لرد ظلم وقع عليه أو على غيره وذلك جائزٌ للحديث المتفق عليه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما أتى على جبّار من الجبابرة فقال عن زوجته سارة عندما سُئل عنها قال : " هذه أُختي " وكان ذلك الجبّار يستولي على النساء فأراد دفع الظُلم عن نفسه وزوجته عليها السلام .
* الثاني : أن يحلف ظالماً لكي يأخذ حقّ أحدٍ من النّاس كمن يستحلفه القاضي في ذلك فهذا يأثمّ بتأوّله ولا ينفعه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مُسلم قال : " اليمين على نيّة المُستلحف " أي على طالب الحلِف والقسم وهو الحاكم أو القاضي أو الوالي ومن يقوم مقامهم ، فتكون اليمين على نيّة المستحلف لاعلى نيّة المتّأول .
* الثالث : إذا لم تدعُ الحاجة إليه ولم يترتّب عليه مفسدة دينية ولا دنيويه ولكن يأتي به ليتخلّص من أسئلة وإحراج الناس ولكي يحفظ ودّه وخُلقه فله أن يحلف متأولا ً ويصحّ تأوّ ُله على الراجح ، وقد ورد في ذلك حديث أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن زاهرا ً رضي الله عنه من خلفه ، وجعل يقول : " من يشتري العبد ؟ " فقال يارسول الله : إذاً والله تجدني كاسداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكنك عن الله لست بكاسد " أو قال " لكنك عند الله أنت غالٍ " رواه الإمام أحمد والترمذي وسنده صحيح .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ثم توبوا إن ربي رحيمٌ ودود .
=========== الخطبة الثانية ============
الحمد لله ذي القول المبين والقوة المتين والصلاة والسلام على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا أن النذر يأخذ حكم الحلف في الغالب ولكن اللفظ يختلف ومعنى النذر : هو إيجاب العبد على نفسه عبادة أو نحوها ماليس واجباً عليه في الأصل ، وقد امتدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر ، قال تعالى في سورة الإنسان : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيرا ) وذلك أن ترك الوفاء بالنذر كذبٌ على الله أولاً وكذبٌ على النفس وتركُ الوفاء به من صفات المنافقين ، وقد كان الصالحون والصالحات من المؤمنين ينذرون ويوفون ، فقال سبحانه وتعالى حكاية عن مريم عليها السلام : ( إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم اليوم إنسيا ) وكذلك جاء رجلٌ من الصالحين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يارسول الله ، إني نذرت أن أذبح إبلاً ببوانة - وهي موضع قرب ينبع - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد " قالوا : لا ، قال : " هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم " قالوا : لا ، قال : " أوفِ بنذرك فإنه لاوفاء لنذرٍ في معصية الله ولا في مالايملك ابن آدم " .
ويُستدل بهذا الحديث على عدم جواز نذر المعصية ، وأن النذر لابدّ أن يراعى فيه المصالح والمفاسد فإن طغت المفاسد فلا يجوز الوفاء به ويُستدل به على أن الرجل يجب أن يكون نذره فيما يستطيعه ، فأما الذي لايستطيعه فلا يملك الوفاء به والأصل في النذر الكراهة لأن المسلم ربما لايستطيع الوفاء به تكاسلاً أوعجزاً مع أنه قادرٌ عليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم :
" لاتنذروا ، فإن النذر لايُغني من القَدر شيئاً ، وإنما يُستخرج به من البخيل "
وللنذر أنواع منها :
* فمنها : نذر الطاعة وهو كل نذر ٍفيه تزودٌ من الطاعات كمن نذر أن يُصلي مئة ركعة إن رُزق بمولود فهذا نذرٌ يجب الوفاء به
* ومنها : نذر المعصية وهو كل نذرٍ فيه معصية لله تعالى كمن نذر أن يزور ضريحاً ليطوف به ويدعوه فهذا لايجوز الوفاء به وعليه وجوباً أن يكفّر ولا يوفِ بنذره مهما كان .
* ومنها : نذرٌ في أصله مباح ولكنه صادمَ نصّا ًمن النصوص الشرعيه كمن نذر أن يصُوم كل خميس فوافق يوم العيد فهذا يُوفِي بنذره في كل خميس ولا يجوز له أن يُخالف النص فيصوم يوم الخميس لنهي الشارع عن صيام يوم العيد أو النحر .
* ومنها النذر المُباح المُطلق الذي لايُعارضه شيء فهذا يلزم صاحبه أن يأتي به ويوفي به بلا خلاف .
* ومنها النذر المكروه : كأن يقول : إن فعلت كذا طلّقت امرأتي فهذا يُستحب اسحتباباً تاماً أن يُكفّر ، ولا ينبغي له أن يُعرّض نفسه ولا أسرته لمثل هذه النذور لما له من أثر سلبي على الأسرة كاملة ، فليتق الله من يُقدم على مثل ذلك .
* نذر اللجاج والغضب : وهو كل نذرٍ يصدر من الناذر في وقت غضب وكأن النذر يخرج من الناذر مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه وهذا يوفي بنذره فإن كان لايُطيق ذلك فعليه كفارة يمين .
* ومنها : النذر غير المُسمّى ، كأن يقول لله علي نذر إن تفوقت في العمل أو الإختبار فهذا يُكفر وجوباً كفارة يمين لحديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفّارة النذر إذا لم يُسمّ كفارة يمين " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ، والقاعدة عموماً في النذور : " كل نذرٍ نذره صاحبه فيجب الوفاء به مادام يُطيق ذلك وإلا لزمته كفارة يمين إذا ترك ذلك " فاللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك وألزمنا تقواك ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المُهداة والنعمة المسداة نبينا نبي الرحمة والهدى والملحمة . . .
الثالث : لغو اليمين ، ولغو اليمين هو مايجري على اللسان من الحلف ولكن قائله لايقصد الحلف بالله مثل قوله : " لا والله " و " بلى والله " و " إي والله " وهذا لاكفارة فيه ودليله قول الله تعالى : ( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان . . ) .
الرابع : اليمين الغَـموس وسميت غَـموساً لأنها تغمس صاحبها في النار وهي كبيرة من كبائر الذنوب وذلك أن يحلف على أمرٍ يعلم أنه كذب فيقتطع حق امرئ مُسلم بغير حق والغالب أنه لاينجو صاحبها من عذاب الجحيم ومن أحاديث الوعيد التي وردت في ذلك حديث رواه مسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنّة " قالوا : يارسول الله : وإن كان شيئاً يسيراً ، قال : " وإن قضيباً من أراك "
فالحذر الحذر أن تقع في مثل هذه اليمين أو تكثر الحلف في البيع والشراء خاصة لحديث سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لايُكلمهم الله ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم : أشيمط زان - وهو الرجل الذي شاخ وهو مُصرٌ على الزنا - وعائل مستكبر - وهو الفقير الذي يتكبر على الناس - ورجلٌ جعل الله بضاعته لايشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه " رواه الطبراني بسند صحيح .
ومما ينبغي الحذر منه أيضا ً أن تسبق شهادة الرجل يمينه بتعجّله وعدم تثبته أو يمينه شهادته وهو من علامات الساعة أن يتسرّع الناس باليمين والشهادة إما بغياً وظلماً وإما تعجّلا ً واستخفافاً ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته "
- عباد الله : كان السلف يضربون صبيانهم على الشهادة والعهد ، فيقول ابراهيم النخعي : " كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار " وفي حديث آخر من رواية مسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يُستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السِّمن " وهو كناية عن الترف وقلة الإهتمام والعناية بطلب الآخرة مع الحرص على متاع الحياة الدنيا ، ولا يجوز الحلف بالآباء ولا بالأنبياء ولا بالمخلوقات وغيرها لأن ذلك من الشرك وكان السلف يُعظمونه ويحذرون منه ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " لأن أحلف بالله كاذبا ً أحب إليّ من أحلف بغيره صادقاً " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من حلف بالأمانة فليس منّا " وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم :" من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " .
عباد الله : قد يورّي الشخص بيمينه ويُعـرّض بيمينه أو يتأوّل فيها والتأوّل باليمين هو : " أن يُطلق الحالف لفظاً ظاهرا ً في معنى ويُريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ وذلك من خلال ازدواجية اللفظ الذي تلفظ به كأن يحلف على شخص أنه أخوه ويقصد أخوّة الإسلام لاالنسب ويُسمّى تورية وتعريضا ً والمتأوّل له ثلاثة أنواع :
* أن يحلف متأوّلا ً لرد ظلم وقع عليه أو على غيره وذلك جائزٌ للحديث المتفق عليه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما أتى على جبّار من الجبابرة فقال عن زوجته سارة عندما سُئل عنها قال : " هذه أُختي " وكان ذلك الجبّار يستولي على النساء فأراد دفع الظُلم عن نفسه وزوجته عليها السلام .
* الثاني : أن يحلف ظالماً لكي يأخذ حقّ أحدٍ من النّاس كمن يستحلفه القاضي في ذلك فهذا يأثمّ بتأوّله ولا ينفعه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مُسلم قال : " اليمين على نيّة المُستلحف " أي على طالب الحلِف والقسم وهو الحاكم أو القاضي أو الوالي ومن يقوم مقامهم ، فتكون اليمين على نيّة المستحلف لاعلى نيّة المتّأول .
* الثالث : إذا لم تدعُ الحاجة إليه ولم يترتّب عليه مفسدة دينية ولا دنيويه ولكن يأتي به ليتخلّص من أسئلة وإحراج الناس ولكي يحفظ ودّه وخُلقه فله أن يحلف متأولا ً ويصحّ تأوّ ُله على الراجح ، وقد ورد في ذلك حديث أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن زاهرا ً رضي الله عنه من خلفه ، وجعل يقول : " من يشتري العبد ؟ " فقال يارسول الله : إذاً والله تجدني كاسداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكنك عن الله لست بكاسد " أو قال " لكنك عند الله أنت غالٍ " رواه الإمام أحمد والترمذي وسنده صحيح .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ثم توبوا إن ربي رحيمٌ ودود .
=========== الخطبة الثانية ============
الحمد لله ذي القول المبين والقوة المتين والصلاة والسلام على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا أن النذر يأخذ حكم الحلف في الغالب ولكن اللفظ يختلف ومعنى النذر : هو إيجاب العبد على نفسه عبادة أو نحوها ماليس واجباً عليه في الأصل ، وقد امتدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر ، قال تعالى في سورة الإنسان : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيرا ) وذلك أن ترك الوفاء بالنذر كذبٌ على الله أولاً وكذبٌ على النفس وتركُ الوفاء به من صفات المنافقين ، وقد كان الصالحون والصالحات من المؤمنين ينذرون ويوفون ، فقال سبحانه وتعالى حكاية عن مريم عليها السلام : ( إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم اليوم إنسيا ) وكذلك جاء رجلٌ من الصالحين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يارسول الله ، إني نذرت أن أذبح إبلاً ببوانة - وهي موضع قرب ينبع - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد " قالوا : لا ، قال : " هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم " قالوا : لا ، قال : " أوفِ بنذرك فإنه لاوفاء لنذرٍ في معصية الله ولا في مالايملك ابن آدم " .
ويُستدل بهذا الحديث على عدم جواز نذر المعصية ، وأن النذر لابدّ أن يراعى فيه المصالح والمفاسد فإن طغت المفاسد فلا يجوز الوفاء به ويُستدل به على أن الرجل يجب أن يكون نذره فيما يستطيعه ، فأما الذي لايستطيعه فلا يملك الوفاء به والأصل في النذر الكراهة لأن المسلم ربما لايستطيع الوفاء به تكاسلاً أوعجزاً مع أنه قادرٌ عليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم :
" لاتنذروا ، فإن النذر لايُغني من القَدر شيئاً ، وإنما يُستخرج به من البخيل "
وللنذر أنواع منها :
* فمنها : نذر الطاعة وهو كل نذر ٍفيه تزودٌ من الطاعات كمن نذر أن يُصلي مئة ركعة إن رُزق بمولود فهذا نذرٌ يجب الوفاء به
* ومنها : نذر المعصية وهو كل نذرٍ فيه معصية لله تعالى كمن نذر أن يزور ضريحاً ليطوف به ويدعوه فهذا لايجوز الوفاء به وعليه وجوباً أن يكفّر ولا يوفِ بنذره مهما كان .
* ومنها : نذرٌ في أصله مباح ولكنه صادمَ نصّا ًمن النصوص الشرعيه كمن نذر أن يصُوم كل خميس فوافق يوم العيد فهذا يُوفِي بنذره في كل خميس ولا يجوز له أن يُخالف النص فيصوم يوم الخميس لنهي الشارع عن صيام يوم العيد أو النحر .
* ومنها النذر المُباح المُطلق الذي لايُعارضه شيء فهذا يلزم صاحبه أن يأتي به ويوفي به بلا خلاف .
* ومنها النذر المكروه : كأن يقول : إن فعلت كذا طلّقت امرأتي فهذا يُستحب اسحتباباً تاماً أن يُكفّر ، ولا ينبغي له أن يُعرّض نفسه ولا أسرته لمثل هذه النذور لما له من أثر سلبي على الأسرة كاملة ، فليتق الله من يُقدم على مثل ذلك .
* نذر اللجاج والغضب : وهو كل نذرٍ يصدر من الناذر في وقت غضب وكأن النذر يخرج من الناذر مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه وهذا يوفي بنذره فإن كان لايُطيق ذلك فعليه كفارة يمين .
* ومنها : النذر غير المُسمّى ، كأن يقول لله علي نذر إن تفوقت في العمل أو الإختبار فهذا يُكفر وجوباً كفارة يمين لحديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفّارة النذر إذا لم يُسمّ كفارة يمين " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ، والقاعدة عموماً في النذور : " كل نذرٍ نذره صاحبه فيجب الوفاء به مادام يُطيق ذلك وإلا لزمته كفارة يمين إذا ترك ذلك " فاللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك وألزمنا تقواك ، هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المُهداة والنعمة المسداة نبينا نبي الرحمة والهدى والملحمة . . .