فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى مُجنبٌ للآثام وهو من خلق الكرام وخير عطية من الكريم العلام ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ) .
عباد الله : المجتمع الإسلامي قائمٌ بأفراده والله سبحانه وتعالى أمر بنشر الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع كافّة ومن بينهم جارك الذي أمرك الله بالإحسان إليه وكسب وده والكف عن أذيته ونص الله ورسوله على حق الجار خاصة والذي هو من أعظم الحقوق التى تجب على المسلم وحق الجار حقٌ عظيم قد أوصى به جبريل نبيـّنا محمداً صلى الله عليه وسلم بكثرة حتى ظن النبيُ صلى الله عليه وسلم أن الجار سيرث ويقتسم مع الورثة المال حين موت العبد المسلم ففي الحديث : " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " رواه البخاري من حديث عبدالله بن عمر وعائشة رضي الله عنها ، وقد نص ربنا - أيضاً - على حق الجار في كتابه العظيم سواءاً كان ذلك الجار قريباً أم بعيداً فقال جل وعلا : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القُربى والجار الجُنب والصاحب بالجنب وابن السبيل إن الله لايُحب من كان مختالاً فخوراً ) وبين المصطفى أن الرجل الذي لايأمنه جاره ليس من أهل الإيمان ولا من أهل الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام : " والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن ، قلنا من يارسول الله ؟ قال : " من لايأمن جاره بوائقه " أي شروره وأذيتُه هذا عند البخاري وفي صحيح مسلم : " لايدخل الجنة من لايأمن جاره بوائقه " .
عباد الله : قد علق الله الإيمان ووجوده في العبد على الإحسان إلى الجار ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي وحسنه بعض أهل العلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ، وأحبَّ للناس ماتحب لنفسك تكن مسلماً ، ولا تُكثر الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب " .
- إخوة الإيمان : لاينفع مع أذية الجار عمل ولو كان الرجل مجاهداً في سبيل الله قوّاماً لليل صوّاماً بالنهار فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله : " إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدّق - أي تتصدق - وتؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاخير فيها هي من أهل النار " ، قال : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدّق بأثوار- أي بقطع من الأقط - ولا تؤذي أحداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي من أهل الجنة " وذلك أن الله أمر بالكف عن المحرمات عامة فلا يُترك منها شيء وفعل الطاعات حسب الإستطاعة - حيث أن الله لايكلف نفساً إلا وُسعها - وهذه قاعدة شرعية لابد أن يستحضرها العبد في عباداته ومعاملاته .
عباد الله : إن من يُعرض نفسه للعنة الناس والدعاء عليه من الجيران هو مستحق للعنة الله وغضبه وسخطه ، والناس يشكون ويخبرون ويدعون على من آذاهم ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جاء يشكو إليه أذية جاره أن يُلقي متاعه في الطريق - متاع المُؤذى - وذلك من أجل أن يتعرض الجار المؤذي إلى دعاء الناس ولعنتهم ، فطرح ذلك الجار متاعه في الطريق ، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره ، فجعل الناس يلعنونه ، فعل الله به وفعل وفعل ، فلما سمع بذلك جاره ، أتى إليه وقال له : " إرجع لاترى مني شيئاً تكرهه " أخرج معناه أبوداوود في سننه وهو حديث صحيح .
بل إن الذي لايحسن إلى جاره فقط يكفّ شره ولكن لايُحسن إليه مطالب في الآخرة ومحاسب يتعلق به جاره يوم القيامه محاسبة ومعاتبة فقد روى البخاري في الأدب المفرد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كم من جارٍ متعلّق بجاره يوم القيامة يقول : يارب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه " فيعرض على الله فويلٌ له إذا لم يُلهم حجته وويلٌ له من العذاب إذا لم يوفق للقول الصواب ، فاللهم إنا نسألك حسن الجوار في الدنيا ودار القرار ياأكرم الأكرمين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار .
======= الخطبة الثانية =======
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - واعلموا أن الجيران متفاوتون في المراتب وهم على ثلاثة مراتب :
الأول : الجار المسلم القريب فهذا له ثلاثة حقوق حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة .
والثاني : الجار المسلم وهذا له حقان حق الإسلام والجوار .
والثالث : الجار الكافر : وهذا له حق الجوار فلا يجوز أن يؤذى أو يُعتدى عليه بل ينبغي الإحسان إليه ، ولعل ذلك يكون سبباً لهدايته ودخوله في دين الله تعالى وقد كان النبيُ صلى الله عليه وسلم له جار يهودي فمرض إبنه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ودعاه إلى الإسلام فأسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه ويقول : " الحمدلله الذي أنقذه من النار " .
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يتعاهد جيرانه ويستغل الفرص لدعوتهم وهدايتهم إن كانوا ضالين أو فاسقين ، وينبغي على من ابتلي بجارٍ يرتكب كبيرة أو تأتيه منه أذية أن يصبرَ عليه وأن يدله ويرشده ويتعاهده بالنصيحة ولا يتركه للشيطان أو لقرين سوءٍ يوقعه في الموبقات وأن يحرص قدر المستطاع على اصطحابه للمسجد ونصحه إذا كان ممن يدع الصلاة حتى يُقيمَه على دين الله وصراطه المستقيم وأن يكونَ ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والخلق الكريم مستصحباً الصدق والإخلاص ففي ذلك كلّه تقريبٌ للقلوب ونيلٌ للمراد وأدعى لقبول النصيحة والتأثر بها وتذليل للصعاب وكسبٌ للنفوس ، فاللهم اهدنا واهدِ بنا وأصلح على أيدينا واسلل سخائم الصدور وضغائن القلوب ياعلام الغيوب . .
ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير نبينا محمد . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق