الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

خطبة عن خشية الله تعالى ورهبته

الحمدلله الذي خشيَه المتقون وأناب إليه المنيبون وسلم من سخطه الخاشعون أحمده عدد ماحمده الحامدون ولهج بذكره الذاكرون والصلاة والسلام على النبي المأمون والرسول المصون عدد ماصلى عليه المصلون  وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ملء السماوات والأرض وملء الكون أما بعد :فاتقوا - ياعباد الله - فالمتقي في سبل الهدى والخشية يرتقي ولخالقه يتقي 

معشر المؤمنين : كلما زاد علم المسلم زاد عمله وزادت خشيته لربه وكان من الله أقرب ومن العارفين بالله ، وذلك أن أساس الخشية هو العلم ولذا كان العلماء هم أخشى الناس وأكثرهم خشية تعالى ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله . . . ﴾ بل كانت رأس الحكمة هي خشية الله تعالى ومعرفة مالله من الحقوق والقدر وقد روي عن ابن مسعود موقوفاً حديث ( رأس الحكمة مخافة الله ) وقد كان يفتتح خطبَه بهاتين الجملتين : ( خير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله ) رواه البيهقي في السنن الكبرى وابن أبي شيبة في مصنفه وهومن أفاضل وعلماء وقراء الصحابة رضي الله عنهم وعنا أجمعين .

عباد الله : عندما يدخل أهل النعيم الجنة يتساءلون فيها ويقرون على أنفسهم أن سبب دخولهم الجنة أنهم كانوا يخافون ويشفقون من عذاب الله ووعيده فأورثهم هذا الخوف منة الله عليهم بدخولهم دار النعيم الذي لايزول ولا يحول وكان دعاؤهم مع هذه الخشية سبب لنجاتهم من الهلاك والوعيد يقول ربنا عنهم :       ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) فالخشية ياعباد الله  هي السبيل لتقوى الله ورضوانه وبها تقوى على اجتناب المحرمات والسباق والمنافسة على الطاعات ومن أراد ذلك فعليه بقيام الليل الذي هو سبيل من سبل الخشية وطريق وثيق لنهي النفس عن الإثم ولذا مدح الله المؤمنين بأنهم تتباعد وترتفع جنوبهم عن الفرش خشية لله و طمعاً فيما عنده فقال جل جلاله : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ) . وذكر النبي عن قيام الليل بأنه منهاة عن الإثم ففي صحيح ابن خزيمة وعند الترمذي والطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربةٌ لكم إلى ربكم ومُكفّرةٌ للسيئات - وفي رواية وتكفير للسيئات - ومنهاة عن الإثم " وهو حديث حسن .

عباد الله : من خشية الله وخوفه سبحانه بذل الأوقات والصبر على الطاعات واغتنام الليالي والأيام بما يُقرّب من الكريم العلام وإدامة ذكر الله تعالى وتجديد الإيمان على الدوام بحضور مجالس الذكر والحرص عليها وعدم الإغترار بالأعمال الصالحة وإن كانت عظيمة وهذا يلزم أن يكون المسلم على وجل من لقاء ربه حتى يؤمنه ويستصحب مع ذلك الرجاء ويخاف مع ذلك البذل والحرص على العمل الصالح ألا يُتقبل منه ، فهذا حريٌّ - والله - أن يصل إلى بر الأمان وأن يأمن يوم يخاف الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ويرضيه الله ويرضى عن الله خالقه ، ولذا قال الله عز وجل : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لايُشركون * والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون )  . وقد ورد في السنة أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلةٌ . . ) الآية : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يابنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لايُقبل منهم أولئك يساعون في الخيرات " .

وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لذلك كما عند الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خاف أدلج - أي سار بالليل - ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ) . 

وامتدح الله المؤمنين بأن قلوبهم تَوجل وتضطرب عندما يُذكر الله تعالى وشهد لهم سبحانه بالإيمان الكامل فقال في سورة الأنفال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون )  وفي السنة ورد أن من كانت تلك صفته أظله الله في ظله يوم لاظل إلا ظله فقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه :  ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله - الحديث ، وذكر منهم : ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) وما أمنه الله يوم القيامة إلا بسبب خشيته سبحانه وخوفه من عذابه وطمعه بوعده الذي لايُخلف فاللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك كأنه يراك واجعلنا ممن يحب لقياك  ويسعى لرضاك . .  أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود .

============ الخطبة الثانية ============

الحمدلله كما ينبغي أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تعبد أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لايظلمون )

عباد الله : ورد في الحديث القدسي المرسل وهو من رواية الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عز وجل : وعزتي لاأجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان وابن نُعيم في الحلية وابن المبارك في الزهد وحسنه الألباني  . 

عباد الله : إن خشيةً وخوفاً لايمنعك من المعصية ولا يجنبك محارم الله فهو خشيةٌ وخوفٌ زائفين فلا بد أن يكونا صادقين خالصين لوجه الله - يؤتيان ثمارهما ويتضمنان الكف عن المحارم ، وإلا احتاج العبد لمراجعة خشيته وخوفه من ربه سبحانه ، ولذا ورد في أثر عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرّ على أنفه فقال به هكذا " قال أبو شهاب : " بيده فوق أنفه " فعدم الإستهانة بالذنوب دليلٌ على الحذر والخشية ، وهذا طبع الصالحين الذين يكونون على ترقبٍ وحذر يخشون احتقار الذنوب ويرهبون من علام الغيوب  ، ويعلمون أن الرعيل الأول كانوا شديدي الحذر من صغار الذنوب وكبارها ويذكّرون بعضهم بقول الفضيل بن عياض : " بقدر مايصغر الذنب عندك يعظم عند الله ، وبقدر مايعظم عندك يصغر عند الله "  وبقول هلال بن سعد : " لاتنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى من عصيت " ويسلوا أنفسهم بقول خليفة هذه الأمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه  : " إن الله يغفر الكبائر فلا تيأسوا ، ويُعذب بالصغائر فلا تغتروا " فالوسطية مطلوبة من العبد فلا يقنط من رحمة الله ولايأمن مكر الله ، وبذلك يصبح على نورٍ من الله . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 






















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...