الجمعة، 17 ديسمبر 2021

خطبة عن أهل الكهف وفي مافي قصتهم من آيات

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
أيها المؤمنون : قص الله علينا جل وعلا في كتابه العظيم مافيه عبرةٌ لأولي الألباب والأفهام والعقل السليم ومافيه موعظة للقلوب الغافلة التي أشغلها أمور الحياة والعمل لهذه الدنيا
وأكثرُ القصَص في القرآن تتعلق بإثبات الواحدانية لله تعالى ، وينصبُّ أكثرها في هذا الهدف ومن هذه القصص قصة ( أصحاب الكهف ) التي كثيراً مايقرأها الناس ، ولكن لايستخرجون منها العبر والدروس ولا يغوصون في معانيها الخفيّة التي تحتاج لقلبٍ واعٍ ومتدبر يقرأ بقلبه لابعينيه وهكذا المؤمن ينبغي أن يكون وليست قصة أهل الكهف بأعجب آيات الله بل هناك لو تمعن الإنسان في حياته ومن حوله يجد أعجبَ من ذلك ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي ليست بأعجب آيات الله والرقيم قيل هو اسمٌ للوادي الذي فيه الكهف وقيل هو اسم للوح مرقم دونت فيه أسماؤهم وهو الأقرب .

عباد الله : أهل الكهف فتية اختاروا طريق الهداية والإيمان كما قال الله عنهم : ( آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) رفضوا طريقة آبائهم الشركية وأخذوا عهداً على أنفسهم أن لايشركوا بالله جل وعلا وربط الله قلوبهم بالإيمان والتعلق به وهو الرحيم الرحمن واستعظموا هذا الشرك واستهجنوه ، وفي ذلك يقول الله عنهم ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوَا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا * هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فقاموا رحمهم الله باعتزال قومهم ودخلوا كهفاً فناموا فيه نومة ضرب الله فيها على سمعهم الذي هو باب الإنتباه مدة طويلة حيث قال الله جل وعلا : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا . . . )
ثم بعثهم الله من نومهم بعد ذلك ومكثوا في كهفهم تسعٌ وثلاثمائة سنة وأثناء نومهم يقلبهم رب العزة والجلال ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد والوصيد هو فناء الكهف قرب بابه والعجب في نومهم أن الله ضرب عليهم هذه الرقدة الطويلة وأعينهم مفتوحة وهذا من آيات الله .
يقول في ذلك جل وعلا : ( وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل أجسادهم الأرض ثم قال الله سبحانه لنبيه : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمُلئت منهم رعبا ) وسبب هذا الرعب بسبب الهيبة التي ألبسهم الله إياها وقيل بسبب طول شعورهم وأظفارهم وعِظم أجرامهم ووحشة مكانهم .
عباد الله : ساق ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباسٍ في عدّة أهل الكهف أنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبُهم وأخبر الله عن عدّة أهل الكهف أنه مايعلمهم إلا قليل وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : " أنا من القليل ، كانوا سبعة " وقال في سند آخر : " عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وأنا ممن استثنى الله " والآية تؤيد هذا القول بكونهم سبعة فإن الله استثنى قوله : ( ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم . .) من الرجم بالغيب وهذا واضحٌ لمن تأمله والمقصود الإعتبار والتأمل وليس العدد فكونهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة لايُقدّم ولا يؤخر، ولكن ماذا كان أثر تلك السورة وهذه الآيات على النفس وقد أورد ابن جرير في تفسيره عن قتادة السدوسي رحمه الله أنه قال : " كنّا نُحدث أنهم كانوا - أي أهل الكهف - من بني الركنا - وذكروا أن الركنا ملوك الروم - رزقهم الله الإسلام فتفرّدوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف فضرب الله على أصمختهم فلبثوا دهراً طويلاً حتى هلكت أمتهم وجاءت أمّةٌ مسلمة بعدهم وكان ملكهم - أي بعد ذلك - مسلماً " وبهذا الأثر تتجلى لنا الحكمة في رعاية الله لهؤلاء الفتية الذين فروا بدينهم من القهر والظلم ومن الوثنية التي عاشها أقوامهم فحفظهم الله جل وعلا وأذهب الله الظالمين وأنشأ قوماً آخرين ، ولذا لما استيقضوا لم يشعروا بنومهم الطويل فقال قائل منهم : " كم لبثتم ؟ " فظن بعضهم أنهم لم يلبثوا إلا مدة يسيرة فقالوا : ( لبثنا يوماً أو بعض يوم ) فقالوا : ( ربكم أعلم بما لبثتم ) فأرسلوا رجلاً منهم يأتي لهم بطعام طيب من كسبٍ مباح بنقود فضية كانت معهم وليكن متلطفاً ولا يُشعر الناس بمكانهم فلما ذهب إلى تلك المدينة وقيل اسمها " أفسوس " كما ورد عند ابن جرير فلما رأى البائع النقود قال من أين لك هذه النقود ؟ هذه على عهد الملك الجبار دقيانوس فكُشف أمرهم وانتشر خبرهم في المدينة وفي ذلك يقول الله جل وعلا : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حقٌ وأن الساعة لاريب فيها ) فأبان الله قدرته لمن يمتري ويشك في البعث وإحياء الموتى في ذلك الزمان وقصّ الله علينا خبرهم من أجل الذكرى والموعظة وتلك من أعاجيب القصص التي تتجلى فيها قدرة الله على كل شيء فأين المعتبرون والمتفكرون وأهل الألباب من كلام رب الأرباب الذي فيه دلالة الحيران وزيادة للعبد في التُقوى والإيمان
بارك الله ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الإيمان والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله الذي أبان لعباده سبل الهدى وحذّرهم من سبل الغواية والردى والصلاة والسلام على النبي المصطفى المجتبى وعلى آله وصحبه الذين أرغم الله بهم العدا وعلى من تبعهم بإحسانٍ وبهم اقتدى أما بعد :
اتخاذ القبور مساجد – ياعباد الله - أمرٌ حذّر الله منه ورسوله ومقت سبحانه من يفعل ذلك ولا يأتي ذلك إلا بتتبع آثار الصالحين ولذا لما هلك أهل الكهف اتخذ أصحاب القوة والنفوذ عليهم مسجداً ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً ) والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الغلو في الدين وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم وممن حذّر من ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعن المَعرُور بن سُويد الأسدي قال : " وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلمّا انصرف إلى المدينة وانصرفت معه صلى لنا صلاة الغداة فقرأ فيها : " ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " و " لإيلاف قريش " ثمّ رأى أناساً يذهبون مذهباً - أي طريقاً - فقال : أين يذهب هؤلاء ؟ قالوا : يأتون مسجداً هاهنا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إنما أُهلك من كان قبلكم بأشباه هذه ! يتّبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائسَ وبِيعاً ، ومن أدركته الصلاة في شيءٍ من هذه المساجد التي صلّى فيها رسول الله فليصل فيها ولايتعَمَّدْنَها " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في مشكل الآثار وهذا أثر صحح اسناده ابن تيمية في مجموع الفتاوى .
عباد الله : هناك فئة ممن يرى استباحة هذا الفعل - أي جواز اتخاذ القبور مساجد – يثيرون هذه الشبهة لدى العامّة من الناس ويستدلون بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي وهذا ضلال منهم وسوء فهم ، ومن المعلوم أن قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجرة عائشة رضي الله عنها ، ولم يكُ في المسجد أصلاً ولم يبنَ عليه المسجد ، فلما كانت التوسعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سبعين عاماً في عهد الوليد بن عبدالملك أمر واليه على المدينة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله في عام ثمانيةٍ وثمانين من الهجرة أمره أن يهدم المسجد ويضيفُ إليه حُجَرُ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فجمع عمر بن عبدالعزيز وجوه الناس والفقهاء فشقّ عليهم ذلك وقالوا : تركها على ذلك أدعى للعبرة ، وشق على بعض التابعين ومنهم سعيد بن المسيّب ذلك الأمر فكتب عمر بن عبدالعزيز بذلك للوليد فأمره أمراً صارماً بتنفيذ ماأمر فكان لابد لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله من الطاعة خوفاً من الفتنة ودرءاً لفرقة المسلمين ، مع أن قولَ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح واضحٌ جليٌّ في هذا الشأن : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

خطبة عن حرمة السرقة والإحتيال الإلكتروني

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : شرع الله وأوجب على ابن آدم حفظ الضروريات الخمس الكبرى والتي هي حفظ الدين والعقل والمال والعرض والنفس وهذه الضروريات لاتقوم الحياة إلا بها ، وبها صلاح الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع وأدلتها حفظها متواترة ومفرّقة في الوحيين ( الكتاب والسنة ) ومن هذه الضروريات حفظ المال التي جعله الله للعبد قِواماً لعيشه ونفسه وأهله ، فأمر جل وعلا بحفظه حيث قال : ( واحفظوا أموالكم . . ) ونهى ولي الأمر أن يؤتي السفيه ماله من ولد أو خادم ذكراً كان او أنثى حيث قال جل وعلا : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا ) والسفيه من الشباب من الأبناء هو الذي لايُحسن التصرف في المال فتجد أنه حالة من الإسراف والتبذير في شراء بضاعة لاقيمة لها أو يشتري أو يستخدم هذا المال في شراء بضاعة محرمة أياً كانت . 

عباد الله : المال عصب الحياة ويتحصل عليه العبد نتيجة كدح وجهد ومشقة فعندما يذهب أو يُنهب ، ويُسلب يعيش العبد حالة من الفقر والفاقه وخصوصاً في حالات السرقة التي تستحوذ على كامل المال ، وربما يكون ضمن المتسولين الذين يتكففون الناس بسبب حاجتهم وعدم استغنائهم فحفظ المال به تقوم مصالح العباد ويستغني به العبد عن الناس ،  ومن ابتلي بهبٍ أو سلب فليسترجع وليصبر ويأخذ بالأسباب من إبلاغ مسؤول ورجل أمن وإن احتاج غلى الناس فليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدّ فاقته ، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له بفرجٍ عاجل أو آجل " رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن . 

عباد الله : حقوق العباد مبنية على المشاحّة وحقوق الله مبنية على المسامحة والتخلص من حقوق العباد واجبٌ وسببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى وسلب حقوق الناس وأموالهم موجبٌ لدخول الجحيم وهذا مقطوعٌ به في الشرع ولافكاك للعبد من حق الناس إلا بتأديتها إليهم ولا مناص ولا خلاص إلا بذلك مهما كانت منزلة العبد عند الناس وقد روى النسائي عن محمد بن جحش رضي الله عنه قال : " كُنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء فقال : سبحان الله ! ماذا نُزّل من التشديد ؟ فسكتنا وفزعنا ، فلمّا كان من الغد ، سألته يارسول الله : ماهذا التشديد الذي نُزّل ؟ فقال : " والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قُتل في سبيل الله ثم أُحيي ثمّ قُتل ثم أحيي ثم قُتل ثم أحيي وعليه دين مادخل الجنّة حتى يُقضى عنه دينَه "  والحديث حسن . 

وعن جابرٍ بن عبدالله رضي الله عنه قال : " مات رجلٌ فغسّلناه وكفنّاه وحنظناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا فتخطّى خُطى ثمّ قال : " لعلّ على صاحبكم دين ؟ " قالوا : نعم ، ديناران ، فتخلف وقال : " صلّوا على صاحبكم " وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على المؤمنين فيها رحمة عظيمة لهم ، قال : " صلوا على صاحبكم " فقال له رجلٌ منّا يُقال له أبا قتادة : " يارسول الله هما عليّ " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميّت ثمّ لقيه عليه الصلاة والسلام من الغد فقال : " ماصنعت الديناران ؟ " فقال أبو قتادة : يارسول الله إنما مات أمس ، ثم لقيه من الغد فقال : " مافعل الديناران ؟ " قال : قد قضيتهما يارسول الله ، قال : " الآن حين بردت عليه جلده " أخرجه الحاكم والسياق له والبيهقي والطيالسي وأحمد بإسنادٍ حسن  . 

عباد الله : مال المؤمن له حُرمة لايحل منه شيءٌ إلا بطيب نفسٍ منه  حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث : " لايحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه " والحديث صحيح الإمام أحمد والبيهقي والدار قُطني وغيرهم وفي حديث أبي أمامة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه سلم قال : " من اقتطع حق امرئٍ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة " فقال له رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يارسول الله ؟ قال : " وإن قضيباً من أراك " رواه مسلم وفي حديث له شواهد يصححه جمعٌ من أهل العلم من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايحل لامرئٍ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسٍ منه " . رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما فلذا ينبغي للعبد أن يحتاط ويحذر أشدّ الحذر من حقوق العباد ومن أبتلي في ذلك فلينوِ الأداء وإيصال الحقوق لأهلها والله مُطلعٌ على قلبه ونيته ومقصوده فليحذر أن يُبيّت نية السوء وليكن عازماً على أداء الحقوق لأهلها وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ومن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري . 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم " فقال له قائل : ما أكثر ماتستعيذ من المغرم ؟ فقال : " إن الرجل إذا غرِم حدّث فكذب ووعد فأخلف " رواه البخاري ومسلم 

فاللهم إنا نعوذ بك من شرّ حقوق العباد ومن سبيل الفساد والإفساد أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من الناس من لايبالي بحقوق العباد ولا باختلاس أموالهم ويصنع من أجل ذلك الحِيَل والمكر ويستدرج طائفة ممن سلمت قلوبهم وصاروا يظنون بمن يتعامل معهم خيراً ومن ثَمّ يوقعونهم في عملية احتيال ومكرٍ فاجرة سواءٌ كان ذلك التعامل عن طريق هاتفٍ أو رسالة أو برنامج أو نحو ذلك فيجب أن يكون العبد على حذر من التعامل مع تلك الإتصالات المُوهمة والتي غالباً ماتكون من خارج هذه البلاد فهناك فئات من المفسدين من خارج هذه البلاد قد عجزت عنهم حكوماتُهم ويرون أن بلاد الحرمين والبلدان الخليجية أنهم واسعوا الثراء ولا يعلمون أن هناك منهم من هو في أمسّ الحاجة لقليلٍ من المال الذي يعول به أسرته  . 

عباد الله  : الإحتيال والجريمة والسرقات الإلكترونية هي آفة في هذا العصر لم تسلم - ياعباد الله - دول عدة في جميع اقطار العالم من هذه الآفة ، فعلى المسلم أن يحذر من المحتالين الماكرين الذين يوقعون العباد في فخ ومن ثم ينهبون أموالهم وليحذر عامة المسلمين من المغررين الذين يطلبون بياناتهم الشخصية وأرقام حساباتهم وكلماتهم السريّة والتي كثيراً ماتحذر المصارف من إعطائها لأي أحد من الناس وهذه البلاد وأهلها مستهدفون بالهجمات الإلكترونية التي تصل لملايين الهجمات في بعض المواقع . 

عباد الله : تطبيق الحدود قطعٌ للجريمة والجناية في بلاد المسلمين وغيرهم ولو أن العالم أجمع  على تطبيق  حد السرقة لن تَر سارقاً في هذا العالم وذلك أن تطبيق الحدود فيه ردعٌ للسارقين والمحتالين وهو خيرٌ للناس وحفاظٌ على أموالهم من عبث العابثين واستدراج المحتالين كما قال صلى الله عليه وسلم :  ( حدٌ يقامُ في الأرض خيرٌ للناس من أن يُمطروا أربعين صباحاً ) رواه النسائي وابن ماجه في سنَنَيهما والإمام أحمد في مسنده . 

علماً أن تطبيق هذا الحد يحتاج لتوفر شروط وانتفاء موانع ولا تُقطع يد سارق إلا بعد توفر هذه الشروط  وإذا حصلت شُبهة فيُدفع الحد ولا يُطبّق لقوله صلى الله عليه وسلم : " ادرؤوا الحدود بالشبهات " وليس كل سارقٍ تُقطع يده وهذه شريعة الله الحكيم في تدبيره وهو أعرف جل وعلا بمصلحة عباده وله في ذلك الحكمة الباهرة والحجة البالغة . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 

الخميس، 2 ديسمبر 2021

خطبة عن الولاء والبراء من أعداء الإسلام

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من عقيدة الفرقة الناجية وأهل السنة والجماعة ومن الأصول الثابتة في شرع الله التي ينبغي للإنسان أن يتعاهدها ويرسخها في نفسه ( عقيدة الولاء والبراء في دين الله ) وتعني الولاء لكل مسلم والبراء من كل مشرك وكافر أياً كانت عقيدته يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي أو غيرهم وبتعريفٍ آخر الولاء لأولياء الله وأنصاره والبراءة من أعداء الله كلهم ولو كانوا من أولي القربى وفي ذلك يقول الله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح ٍمنه ويُدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) فعدّهم الله من حزبه وضمن لهم الفلاح إن أدوا ماافترض الله عليهم ، والله جلّ وعلا نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وجعل من يتولاهم بالمحبة والموالاة ومن يكون في صفهم منهم - أي من اليهود والنصارى - ولو كان ينطق بالشهادتين ويعدُّ نفسه من المسلمين ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين ) وأخبر جلّ وعلا عن المنافقين من هذه الأمة هم أكثر من يوالي هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وأنهم يسرعون إلى موالاتهم يخافون من أن يغلب أعداء الله على المسلمين فيكونون في أمان باعتقادهم وزعمهم وهذا انتكاسٌ وبليّة بُليت بها هذه الأمة من فجر الإسلام إلى يومنا هذا حيث يقول الله عنهم ( فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ 
من عنده فيصبحوا على ماأسرّوا في أنفسهم نادمين ) والمؤمن يستنكر هذا الفعل ويستهجنه كما أراد الله ويعدّ ذلك من محبطات الأعمال وأن ذلك خسارة الدنيا والآخرة وفي يقول الله جل جلاله : ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) وهو في ذلك يشيرون للمنافقين الذي كانوا يقسمون بالله العظيم بأنهم لكم أولياء وأنهم معكم في سلمكم وحربكم حبطت اليوم أعمالهم فاصبحوا خاسرين . 
عباد الله : من اتخذ دين الله هزواً من اليهود والنصارى وغيرهم هو أحق من غيره بالمعاداة والكره فالكافر المستهزئ ليس كغيره من الكفار المسالمين كما أن الكافر المحارب ليس كغيره من الكفار غير المحاربين وذلك أن المستهزئ من هؤلاء يصد عن سبيل الله ويتلقف كلامه كل من رقّ دينه وذهب عهده وضل عن سبيل الله ممن كان قبل ذلك من المسلمين ، فلذا صرّح الله بالنهي عن موالاة المستهزئين من هؤلاء الكفرة فقال سبحانه : ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعِبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعبا ذلك بأنهم قومٌ لايعقلون ) فموالاة مثل هؤلاء ممن يستهزئ بشعائر الدين الظاهرة كالصلاة وغيرها له عواقبه الوخيمة على الدين أولاً وعلى مصير العبد بعد الموت  . 
عباد الله : في أول الإسلام بعدما فرض الله الهجرة على المسلمين فمن المسلمين من فرّ بدينه إلى الحبشة وبقي أناسٌ من المسلمين لم يُهاجروا منهم العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك طلحة بن أبي طلحة الذي كان معه مفتاح الكعبة فقد آثروا المكث مع أولادهم وأهليهم حينما استعطفوهم للبقاء وكان العباس أبقى نفسه لسقاية الحاج وأما طلحة فما هاجر لأن معه مفتاح الكعبة - كما زعم - ثم إن الله  أضله الله فيما بعد فقُتل كافراً يوم أحد كما ذكرت المصادر التاريخية  وإن الله أنزل فيهم وفيمن نهج سبيلهم ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره إن الله لايهدي القوم الفاسقين ) فانظر إلى وعيد الله وتفسيق من يفعل ذلك نسأل الله العافية . 
عباد الله : الولاء والبراء عقيدةٌ وفرضٌ متحتم على كل مسلم وهو من أصول هذا الدين وثوابته فلا ينبغي للمسلم أن يوالي إلا من أمر الله بولائه ومحبته ونصرته ولا ينبغي أن يُعادي إلا من أمر الله بمعاداته وهجره وكراهيته ولا تُنال ولاية الله ولا محبته إلا بذلك وهي أوثق عرى الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، وبالولاء والبراء يستكمل العبد الإيمان ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " رواه أبوداود  . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 
=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واتقوا واعلموا أن الموالاة والمعاداة في الله منها ماهو كلي كالبراءة من الكفار والمشركين وغيرهم ومنها ماهو محدود نسبي كموالاة الفساق من المسلمين والبراءة من أفعالهم وكره مافيهم من الفسق والمجون  ولذا يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى : " وإذا اجتمع في الرجل الواحد - أي من المسلمين - : خيرٌ وشر وفجور وطاعة ، ومعصيةٌ وسنّة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر مافيه من الخير واستُحق من المعاداة والعقاب بحسب مافيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تُقطع يدهُ لسرقته ويُعطى من بيت المال مايكفيه لحاجته ، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم " . 
ولذا لمّا سبّ رجلٌ من الصحابة رجل ٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر ويُقال له عبدالله فلعنه وقال عنه : " ماأكثر مايؤتى به " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتلعنه فإنه يُحب الله ورسوله " والحديث رواه البخاري . 
عباد الله : ثم إنه يجب على العبد أن لايكون محبته وولائه وكرهه ومعاداته بحسب هواه ونفسه فمن أحبته نفسه أحبه ومن كرهته نفسه كرهه وهذا بُلي به كثير من الناس وقد نبّه لذلك العلماء فيجب أن يلزم العبد ماأُمر به وينتهي عما نُهي عنه وإلا كان متبعاً لرغباته وشهوته وفي ذلك يقول الله تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) .    
وينبغي للعبد أن يتعاهد قلبه في الحب والكره ويفتش عن خلجات نفسه ومداخل الشعور عنده لمن تكون محبته ولماذا يُحب فلاناً من الناس هل هو من أجل الله أم لمطمعٍ ٍمن مطامع الدنيا ومصلحة يرغب فيها فإن كان كذلك فهي وبالٌ على صاحبها ولاتجدي لصاحبها شيئاً ولا تنفعه في أخراه وعلى النقيض من ذلك فإنه كلما كملت محبة العبد لأخيه في الله دون غيره من حظوظ الدنيا فتلك منزلةٌ يغبطُ صاحبَها الأنبياءُ والشهداء ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه  أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء " رواه الترمذي ،  وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي " رواه مسلم 
وقال في محبة الصاحب والصديق أنه قال صلى الله عليه وسلم في حديث مرسل : " ماتحابّ اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبّاً لصاحبه "  ويصحح هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم . 

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

خطبة عن نعمة النبات والزرع والتحذير من العبث بالمنتزهات

الحمدلله الذي أنعم على عباده بنعمة الأمن والإيمان ، وكرّم ابنَ آدم في البر والبحر على سائر المخلوقات والحيوان ، وحفظهم من شياطين الإنس والجآن ، نحمده وهو اللطيف المنان ، ونصلي ونسلم على نبي الهدى على مرّ الأزمان وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الغطاء النباتي للأرض كافة والزروع والنخيل والمزارع والضيعات والبساتين كل ذلك من نعم الله على عباده التي تحتاج للتأمل والشكر والثناء على المنعم سبحانه بما هو أهله وكثيراً سبحانه يذكر هذه النعم فيسوقها مساق الإمتنان على العباد كما قال تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منه حبّاً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) وكما قال سبحانه : ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين ) ومرّة يسوق ذلك مساق الإشادة بالمنعم والحث على التأمل فيما يخلق ويوجد حيث قال : ( وهو الذي أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به نبات كل شيءٍ فأخرجنا منه خضِراً نخرج منه حبّاً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجناتٍ من أعنابٍ والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآياتٍ لقومٍ يؤمنون ) وقال جلّ وعلا : (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كلّ شيءٍ موزون ) .

والله جل وعلا أمر بعمارة الأرض ديناً ودنيا ومن عمارة الدنيا عمارتها بالحرث والزرع لتأمين العيش وفعل الخير ولذا في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد والبزار في مسنده من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لاتقوم حتى يغرسها فليغرسها " ولفظ أحمد : " إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها " .

وكذلك كان فعل الصحابة رضوان الله عليهم يعملون لأنفسهم ولغيرهم يبتغون بذلك وجه الله ويأخذون نصيبهم من الدنيا فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : " سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لأَبِي : " مايمنعك أن تغرس أرضك " فقال له أَبِي : أنا شيخٌ كبير أموت غداً ، فقال له عمر : " أعزم عليك لتغرسنّها " يقول عمارة : " فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي " .

وأما ما اشتهر بين الناس وهو مقولة : " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " فليس هو بحديث مرفوع ٍإلى النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه بعض المحدثين ونسبه بعض العلماء إلى الوضع ، وينوب عنه قول ابن عمر رضي الله عنه حينما قال : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " .
والحرث من النعم التي زُينت للناس كما قال تعالى : ( زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) وجعل الله ماعلى الأرض من النبات والزرع والنخيل والجنان زينة لها وابتلاءاً للعباد كما قال سبحانه : ( إنا جعلنا ماعلى الأرض زينة لها لنبلوهم ايهم أحسن عملا * وإنا لجاعلون ماعليها صعيداً جُرزا ) أي أرضاً لانبات فيها مستوية حتى الجبال يسوّها جلا وعلا بالأرض كما أخبر الله تعالى حينما قال : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعاً صفصفاً * لاترى فيها عِوجاً ولا أمتا ) أي لااعوجاج فيها ولا بروزٌ أو نتوء وكل ذلك يكون يوم الدين ووجه ابتلاء الله بتلك الزينة وتلك الخضرة والنبات هو امتحان العباد هل يستعملها في الطاعة ويجعلها عوناً له على طاعة ربه ومولاه ويتجنب استعمالها في الحرام أو استعمال مايخرج منها مما حرّم الله استعماله مما يضر بالعقل والجسد ، وقد أخرج ابن جرير وابن ابي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( لِنبلوهم أيهم أحسن عملا ) فقلت : مامعنى ذلك يارسول الله قال : " ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله " .

وتأمل معي قول الله تعالى حينما قال : ( وهو الذي أنشأ جنّاتٍ معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه . . ) الآية وقال في آية أخرى : ( والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه . . ) الآية فهناك فرق بين الإشتباه والتشابه فالإشتباه هو اللبس وعدم التمييز والخلط بين شيئين مختلفين نسبياً ، وأما التشابه فمعروف وهو تقارب بين صنفين أو شيئين في كثير من الوجوه والمقصود من ذلك وجه إعجازي في القرآن وهو التقارب بين شجرة الرمان والزيتون فلمّا أراد أن يلفت النظر للشكل والمرأى قال : " مشتبهاً " أي على الناظرين فالكثير من الناس لايميز بين أوراقٍ كلٍ من الشجرتين ولما أراد أن يلفت النظر للطعم قال : " غير متشابه " أي في الطعم وكل ذلك لبيان قدرته سبحانه على الإيجاد والتمييز في الأمور الدقيقة التي لايستطيع التفريق بينها أحد وما ذكرنا ضربٌ منها لطيف وهناك ماهو ألطف وأصغر بكثير من ذلك فلذا قرن بين التشابه والإشتباه وهما اشتقاقين في اللغة مختلفين ، ولما أراد أن يُبين نعمته وفضله أفرد اللفظ باشتقاق واحد وهو التشابه حيث قال جلّ وعلا في الآية الأخرى عن الزيتون والرمان ( متشابهاً وغير متشابه ) أي في المنظر والطعم .

ومن وجوه مظاهر نعمته وقدرته قوله سبحانه عن الأرض والنخيل : 
( وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعناب وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوان يسقى بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعضٍ في الأُكل إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون ) وذلك أنك تجد أن من الأراضي ماهو عذيٌّ صالحٌ للزراعة ومنها ماهو سبِخَةٌ لاينبت فيها شيء وهما متجاورتان بجنب بعضهما البعض وتجد من النخيل النخلة والنخلتان والثلاث تجتمع في أصلٍ واحد وهو الصنوان المذكور في كتاب الله من أفراخ النخيل ومثيلاتها الملتصقة بها ومنها ماهو منفردٌ بذاته وكل ذلك يسقيه ماءٌ واحد وبين أنواع ثمار النخيل فروقٌ في الطعم واللون والفائدة الغذائية مايختص به ، فسبحان من خلق فسوى وقدّر فهدى أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

========== الخطبة الثانية ==========

الحمد لله الكريم الأعلى الذي أعطى عباده من الخير وأولى وأخرج المرعى فجعله غثاءاً أحوى والصلاة والسلام على الرسول المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقى وعلى من اتبع سبيله واقتفى أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واستعينوا بنعمة الله على عبادة الله واعلموا أنكم إلى الله صائرون وإليه تحشرون وعن نعمته مسؤولون وبأعمالكم مجزيون . 
عباد الله : ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاتتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " وهذا الحديث حديث حسنه الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وقد يُشكل على البعض فيُظن أنه لايحل للرجل أن يتخذ مزرعة أو حائطاً أو ضيعة! فكيف الجمع بينه وبين حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مامن مسلم ٍ يغرس غرساً إلا كان ماأُكل منه له صدقة وما سُرق منه صدقة ، ولا يرزؤه أحد - أي ينقصه - إلا كان له صدقة " فيُقال من خاف على نفسه أن يُفتن ويترك الإنفاق منه أو يمنع حق المسكين منه فلا يحل له أن يتخذ مزرعة أو بستاناً وكذلك لو خاف على نفسه أن يرغب في الدنيا ويترك العمل للآخرة فلا ينبغي له أن يتخذ هذه المزارع والضيعات لأنها تُشغله عن الآخرة والسعي لها والعافية لايعدلها شيء .

عباد الله : هناك فئة من بني جلدتنا تنزعهم أنفسهم للفساد والإفساد لم تسلم الأشجار ولا المراعي من شرورهم قد اتخذوا الإفساد وقطع الشجر بلا حاجة ولا ضرورة اتخذوا ذلك مهنة ومتعة ، فكان لهم نصيب من قول الله تعالى : ( وإذا تولّى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لايُحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) نسأل الله العافية .
وقد ورد التحذير من هذا الصنيع ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاطع السدر يُصبون في النار على رؤوسهم صبّا ً " والحديث أخرجه البيهقي وحسنّه بعض أهل العلم .
- ومن صور الإفساد والإتلاف تقذير الأماكن التي يرتادها الناس وكذلك المنتزهات البرية والحدائق والمرافق العامة بإلقاء المخلفات فيها وإفسادها على مرتاديها ولا شك أن هذا خطأ وجهل وسوء تصرف وطرق التخلص من النفايات والمخالفات كثيرة وغالباً ولله الحمد توفر الأمانات والبلديات حاوياتٍ يُلقي فيها تلك المخلفات ولو لم يكن ذلك فما المانع من أن يحتفظ بتلك المخلفات حتى يجد حاوية يُلقيها فيها فكونوا - ياعباد الله - أعوان خير على ذلك وكفوا من كان تحت ولايتكم عن تلك العادة السيئة فديننا دين نظافة وجمال وتعاون وكمال أصلح الله الراعي والرعية ودفع الله عن المسلمين كل سوءٍ وبلية .. ثم صلوا وسلموا على محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 

الاثنين، 15 نوفمبر 2021

خطبة عن المسح على الخفين

الحمدلله الذي يسّر على عباده سبل الطاعات وحثهم على المسابقة للخيرات وبيّن لهم مايجب عليهم من الفرائض والواجبات والصلاة على صفيّه ورسوله الذي كرّمه بالوحي والنبوءات وفضله على عباده بالكرامات والمعجزات وعلى آله وصحبه أهل الفضل والقربات وعلى من تبعه بإحسانٍ إلى يوم البعث بعد الممات وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن دين الله قائمٌ على اليسر والإستطاعة ولله الحمد والفضل والمنّة وإن تيسير الله على عباده في العبادات خاصّة الصلاة أمرٌ مشهود ومتحقق في تشريعه وأحكامه جلّ وعلا وذلك أن الإنسان يتقلّبُ بين الصحة والمرض والعسر واليسر وينتقل من الشباب إلى الشيخوخة والعجز ومن تيسيره أيضاً في العبادات تخفيف الصلاة على المسافر وكذلك من تيسيره المسح على الخفين والله جل وعلا كما أخبر في كتابه لم يجعل في الدين من حرج أي مشقة وكُلفة حيث قال ( ماجعل عليكم في الدين من حرج ملّة ابيكم ابراهيم هو سمّاكم المسلين من قبل  . . ) ولمّا كان المسلم يتقلب بين الحرّ والبرد كان المسح على الخفين من تيسير الله ومن محاسن هذا الدين وقد ثبت في السنة أحاديث كثيرة في مسح النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين ، ويقول الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة ومن أئمة الحديث وله أكبر كتاب مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالرواية المتصلة حيث يقول رحمه الله : " ليس في نفسي من المسح على الخفين شيءٌ ، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم " . 
يقول ابن المنذر ورُوّينا عن الحسن البصري قال : " حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين " . 
ومن الأحاديث في ذلك حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقضى حاجته ثمّ توضأ ومسح على خفّيه ، قلت : يارسول الله ، أنسيت ؟ قال : " بل أنت نسيت ، بهذا أمرني ربي " رواه الإمام أحمد وأبوداود ، وجرير البجلي توضأ ومسح على خفيه فقيل له : تفعل هكذا ؟ قال : "  نعم ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثمّ توضأ ومسح على خفيه " . 
بل من يسر هذا الدين أنه يجوز المسح على العمامة للرجل إذا كان يشق نزعها بحيث أنه تكون ملفوفة على الرأس ومحنّكة ( أي تدور على الحنك ) والمرأة يجوز لها أن تمسح على خمارها كما أفتى بذلك أهل العلم إذا كان يشقّ عليها نزعه وذلك لحديث بلال رضي الله أنه قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار " والخمار هنا المقصود العمامة وليس خمار المرأة وذلك أن كل مايخمّر به الرأس يُسمّى خمار وقد قُصرت تسميته في الغالب على خمار المرأة ، والموق الوارد في الحديث هو خف قصير يغطي الكعبين ولا يغطي الساق 
ومع تلك الأحاديث المتواترة الصحيحة يأتي أناس ممن ينتسبون لهذا الدين من الخوارج وبعض الطوائف من المبتدعة وأهل الأهواء فلا يرون جواز المسح على الخفين أصلاً وكذلك الرافضة واليهود فلا يرون المسح على الخفين وهم لكما نقل ذلك الشعبي ، وهم لايُعتدّ بخلافهم ، وهو من تعسير الله عليهم في الحياة مع ماينالهم من النكال والعقوبة بعد الممات نسأل الله العافية والسلامة ومسألة المسح على الخفين ممن أجمع على جوازها الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك ممن أتى بعدهم من الفقهاء كما نقل ذلك ابن المنذر الإجماع على ذلك في كتابه " الإجماع "  . 

عباد الله : ومما ينبغي التذكير فيه في مسألة المسح على الخفين أن مدة المسح للمسافر يوم وليلة وللمقيم ثلاثة أيام بلياليها كما وردت به السنة ويكون بداية المسح من أول مسحة بعد حدث فإذا توضأ بعد حدث مسح على خفيه وليس من أول وضوء ولا أول صلاة بعد حدث وأما المدة التي تكون بعد لبسك للجوارب والخفاف وقبل الحدث فلا تعتدّ بها ولو طالت لأن المسح لم يبدأ بعد وهذا هو الصحيح ومن يعتقد أنه يجب عليه خلع الشراب أو الخفاف والجوارب والوضوء بعد خمس فروض وصلوات فقد أخطأ ، فالمسح يبدأ من وقت المسح بعد الحدث وليس من لبس الشراب والجوارب . 
بل إنه لو انتهت مدة المسح وأنت على طهارة فإنك تُصلي مادام أنه لم ينتقض وضوءُك ولو صليت أكثر من وقت وهذا هو ترجيح الكثير من العلماء المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك ابن عثيمين وغيرهم . 
ولابد للمسح من عدة شروط يجب تحققها فمنها أن يكون الخف أو الجورب ساتراً للقدمين ولو كانا شفافين على الصحيح مع أن هذه المسألة وهي المسح على الجورب الشفاف هي من المسائل التي تردّد فيها الكثير من أهل العلم فأفتى مرة بالحرمة ثم أفتى بالجواز ومن يتأمل المسألة لايجد فيها دليلاً ظاهراً بعدم الجواز وذلك أن الجورب ولو كان شفّافاً يسمّى جورباً ، ومن الشروط أن يكونا طاهرين ويلبسهما على طهارة ويكون المسح في أثناء مدة المسح ويجب عليه خلعهما بعدها إذا انتقض وضوءه  . 
عباد الله : من المسائل التي يجدر التنبيه لها المسح على الشُرّاب المثقوب فالمسح عليه جائز مالم يكن الثقب والشق كبيراً ويعود ذلك لعرف الناس يقول الشيخُ ابنُ بازٍ رحمه الله : " فالصواب أنه إن شاء الله لايؤثر الثُقب اليسير لأنه هذا قد يُبتلى به الناس ولا سيما الفقراء ، أما إذا كان شقّاً واسعاً فينبغي له أن لايمسح " أي عليه  . 
وكذلك من المسائل أيضاً أن بعض الناس قد يُصاب بكسر فيجبّر موضع الكسر فالواجب عليه أن يمسح عليها فإن لم يستطع المسح فليتوضأ وضوءاً كاملاً وليتيمم لذلك العضو المكسور ، ومن اكتفى بالتيمم فقط فقد أخطأ ، ومن ترك المسح وهو يقدر عليه فقد أخطأ ، ويأثم بذلك وكذلك من أصابته جنابة وابتُلي بعضو مكسور فيجب عليه أن يغتسل ويمسح أو يتيمم بحسب الإستطاعة لذلك العضو وقد قد سئُل ابن عُثيمين عن رجلٍ كانت عليه جنابة وكانت على يده جبيرة فاكتفى بالتيمم هل يأثم بذلك ؟ فأجاب : بنعم عليه إثمٌ في ذلك لأن الواجب على من بيده جبيرة أن يغسل البدن إلا محل الجبيرة لقول الله تعالى : " فاتقوا الله مااستطعتم " . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

======= الخطبة الثانية  =======
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع سبيلهم إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله : ومن المسائل التي يجدر الإشارة لها في باب المسح على الخفين من لبس جورباً وأراد أن يلبس آخر لحاجته للدفء فالمسألة هذه فيها تفصيل : 
- فإن لبس الجورب الثاني قبل المسح على الأول فإن المسح والخلع للجورب يتعلق بالثاني ولا حرج أن ينزع الجورب الثاني قبل بدء المسح عليه . 
- وإن لبس الجورب الثاني بعد بدء المسح على الأول فالمسح يتعلق بالثاني والخلع يتعلق بالأول أي يجوز في هذه الحالة أن يمسح على الثاني ولكن مدة خلع الجورب تتعلق بالأول فيبدأ بحساب المدة من مسح الأول لأن الحكم في المدة تعلّق به . 
وشبيهة هذه المسألة لو لبس شخصٌ جوربين أو شُرّابين ومسح عليهما ثم أراد أن يخفف عنه بخلع الفوقاني منهما وكان قد مسح عليه فإنه لايمسح على الجورب الباقي على القدم حتى يخلعه ويتوضأ لأن الفوقاني تعلّق به حكم المسح وقد خلعه وإذا خلعه بطل المسح فلينتبه لهذا . 
ومن المسائل كذلك المسح على الجزمة العسكرية التي يسمونها البسطار وهو مما يشق خلعه فالحكم فيه أنه يجوز المسح عليه كما أفتى مشائخنا حفظهم الله ولكن بشرط أنه لايخلعهما وقت الصلاة وإلا بطل مسحه وإذا أراد أن يخلعهما لكثرة الدخول للمسجد فليمسح على الجورب والشرّاب التي يلبسها ومن ثم يمسح على البسطار فيما بعد ، مالم تنته مدة المسح وهي متعلقة بالشراب لا بالبسطار فيكون البسطار حكمه حكم الجوارب الفوقانية التي ذكرناها آنفاً  . 
ومن المسائل - ياعباد الله -  التي ينبغي التنبيه لها لو أنه مسح وهو مقيم ثم سافر بعد المسح فيمسح مسح مسافر فتتحول المدة من يوم وليلة إلى ثلاثة أيام بلياليها وكذلك لو أنه كان مسافراً ومسح مسح مسافر ثم بدا له أن يرجع فإذا وصل تحوّل إلى مسح مقيم وهو يوم وليلة .
وهناك مسألة يُخطئ فيها بعض الناس فيظن أنه ينتقض وضوءه وهو في الحقيقة لم ينتقض وهو أن الرجل إذا مسح على جوربيه ثم بدا له أن ينزعهما وهو لم ينتقض وضوءه بعد فهنا يبطل المسح ولكن الطهارة لاتبطل لأنه كان على طهارة فيصلي بتلك الطهارة حتى ينتقض وضوءه ولكن لايُعيد الجوارب مرة أخرى ليمسح عليهما إلا بوضوء وهذا هو اختيار جمع من المحققين منهم شيخ الإسلام وابن عثيمين وغيرهم . 
اللهم فقهنا وفقه الأمة في الدين وارزقنا الصبر والعلم واليقين ياكريم يامعين  . 

السبت، 6 نوفمبر 2021

خطبة عن عقوق الوالدين

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما أكدته الشرائع على مر التاريخ وهو من أعظم الوصايا بل هو في صدر الوصايا بعد حق الله تعالى وهو في المنزلة الثانية بعد مايجب لله تعالى من الحق المأمور به وهو حكم الله تعالى الذي لايتبدل على مرّ الزمان وكثيراً مايحث الله عليه في كتابه العزيز ألا وهو حق الوالدين ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا . . ) وهذا الحق العظيم للوالدين من الوصايا العشر التي ذُكرت في التوراة والإنجيل وذكر الله شيئاً من تلك الوصايا فقال في شأن بني اسرائيل : ( وإذ أخذنا ميثاق بني اسرائيل لاتعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً . .  ) وقال جل وعلا : ( قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا . . ) وقال سبحانه : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا . . ) ويقول الله على لسان عيسى عليه السلام : ( وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً ) أي أمرني ببرّ والدتي وكذلك قال في شأن يحي عليه السلام : ( وبرّاً بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا ) وكان ابراهيم الخليل أبو الأنبياء يلاطف أباه الكافر بلطيفٍ وليّنٍ من القول مع أنه كافر كفراً بيّناً فيقول : ( ياأبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * ياأبت إني أخاف أن يمسّك عذابٌ من الرحمن فتكون للشيطان وليّا ) بل كان فوق ذلك يستغفر له حيث يقول : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالّين )  حتى تبيّن له أنه عدوّ لله كما قال تعالى : ( وماكان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواهٌ حليم ) ووصّى الله الإنسان بوالديه إحسانا كما أخبر الله في كتابه . 
عباد الله : بر الوالدين فريضة من فرائض الإسلام وحقّ واجب وهو من أحب الأعمال إلى الله ففي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : " الصلاة لوقتها " قال : قلت : ثمّ أي ؟ قال : " برّ الوالدين " قلت : ثمّ أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " متفق عليه . 
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة لأنها أهم الأعمال ومن صلُحت علاقته بربّه صلُحت علاقته بوالديه وأما من لم تصلُح صلاته فمن باب أولى أن لاتصلُح علاقته بوالديه .
عباد الله : عقوق الوالدين من أكبر الكبائر وأشنع الذنوب وأقبح الأفعال يأتي بعد الإشراك بالله ففي حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس وقال : " ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكرّرها حتى قلنا ليته سكت ( أي شفقة عليه ) وهذا الحديث متفق على صحته ، والعاقّ لوالديه لاينظر الله إليه والجنّة عليه حرامٌ وهو ملعونٌ ومطرودٌ من الرحمة وممن حقّ عليه القول ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لاينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجّلة ، والديّوث ، وثلاثة لايدخلون الجنّة : العاقّ لوالديه ، والمدمن على الخمر ، والمنّان بما أعطى " وعند الطبراني في المعجم الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " ملعونٌ من عقّ والديه " . 
عباد الله : من عقّ والديه لن يفرح بالنجاة من عذاب الله مهما عمل من عملٍ صالح ولن يرحْ رائحةَ الجنة ولو أتى بأركان الإسلام الخمسة مالم يتب ويرجع عن هذا الجرم العظيم ، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله شهدتُ أن لاإله إلا الله وأنّك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب إصبعيه - مالم يعقَّ والديه " والعقوق ياعباد الله دينٌ موفّى وشرٌ مورّث من فعله ووقع فيه أقتص منه في الدنيا لامحالة مادام العبد على ظهر الحياة ، وعواقب ذلك استمرار الشرّ في النسل والذريّة وعلاج ذلك الإستعانة بالله والإحسان إلى الوالدين والليونة معهما فلا سبيل ولا نجاة إلا بالبرّ ولا طريق للسعادة غيرُه  فاخفض لوالديك جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمها كما ربياني صغيرا فإنهما باب التوفيق والخير ومسألة البر والعقوق يتساوى فيها الكافر والمؤمن وهذا من عدل الله مع عباده فتجد من الكفار من هو برٌّ بأبيه وأمّه ومن ثمّ ينهجُ ولده أو بنته مانهج بوالديه والعكس بالعكس من عقّ وأساء مع والديه فُعل به كما فعل فسبحان الرب المقسط العدل الذي كان على شيءٍ رقيباً وعليه حسيبا ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  

================= الخطبة الثانية ==================

الحمدلله الذي أمر بالبر والإحسان وحذّر من الفسوق والعصيان ورغّبهم لجنة الحيوان والصلاة والسلام على نبي الثقلين من الإنس والجانّ وعلى من تبعه بإحسان على مرّ الزمان أما بعد : 

فاتقوا الله - ياعباد الله -  واعلموا أن هناك أفعالٌ مقيتة هي من العقوق والإساءة للوالدين يفعلها بعض الناس جهلاً واستخفافاً بوالديه وقلة حياءٍ منهُ تجاههما ومن ذلك رفع الصوت على الوالدين أو نهرهما وزجرهما وهذا أسوأ من الذي قبله وإذا كان الله جل وعلا نهى عن الأوفّ وهو التضجر من الأوامر أو إبداء التضجر فمن باب أولى مايكون من الأفعال التي هي أشنع من التضجر كرفع الصوت نحوه كما أسلفنا ، والله أمر أن يُقال لهما قولاً كريما كما قال تعالى :    ( فلا تقل لهما أوف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا ) . . 
عباد الله : ومن تلك الأفعال التعليق الساخر الذي يفعله بعض الناس أو يصوّره على والديه أو أحدهما وهذا يُعدّ قلة عقل ٍوحياء وجهلٌ واستخفاف بالوالدين ، ومن تلك الأفعال إطالة النظر بالأجهزة بحضرة الوالدين وهي عادةٌ ذميمة ابتلي بها الكثير من فئة الشباب واعلم أن ذلك تهميشٌ للوالد أو الوالدة ولو كانا لاينهيانك أو أن يأمرانك وتأمر أحدَ إخوتك من دون ضرورة ، واعلم أن من يهاب والده أو والدته أن يُكلّماه فهو شخصٌ عاقٌ قد ارتكب جُرماً عظيماً ومن كثُرت عليه أوامر والديه فهذا دليل محبة من الوالدين ورضا من الله جلّ وعلا والوالدان لايأمران إلا من يُطيع من الأبناء والبنات بلا تنكيدٍ أو تنغيص ٍفي الطاعة لهما ورضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما كما ورد في الحديث الصحيح . 
أخي الشاب : لايلزم أن تكون مستعدّاً لطاعة والديك حينما يأمرانك فلو كان البرّ الحقيقي بذلك لكان كل الناس بارّين بوالديهم ولكن كثيراً ماتأتي الأوامر من الوالدين وأنت حينها غير مستعدّ لطاعتهما فهنا الإمتحان من الله لك بالطاعة أو العصيان فإياك أن تتخلّف عن الطاعة حينها واعلم أن لكل أمرٍ متعسّر حلّ ومخرج ، وطاعة الوالدين حال الكِبَر أشدّ إلزاماً وأكثر فرضيّة من وقتٍ سابقٍ لأنهم أحوج حينها من أي وقتٍ مضى فاطلب العون من الله واحذر من التقصير معهما وقدّم مايطلبانه على هوى نفسك وولدك فحقهما عظيم ماداما على قيد الحياة خاصّة . 
عباد الله : لاينتهي أمر البرّ والإحسان للوالدين بموتهما وبرّهما مدودة حباله حتى بعد الموت لمن أراد أن يستكمل الخيرات ويحوز عالي الدرجات ويرى أثر ذلك في ذريّـته من بعده فقد أخرج أبوداود وابن ماجة في سننِهما من حديث مالك الساعدي رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ من بني سلمة فقال : يارسول الله : هل بقي من برّ أبوي شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الصلاة عليهما والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لاتُوصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " فمن كان عنده قصورٌ في ذلك فليبادر وليتدراك مافات قبل الموت والفوات فاللهم أعنّا لتدراك الأعمار وحسن المعشر والجوار ياجواد ياغفار ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . . 

الأربعاء، 3 نوفمبر 2021

خطبة استسقاء عامة

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى تُنال العطايا وتستدفع البلايا ( ولو أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )  . 

عباد الله : لايُنال ماعند الله من الغيث ولا يستجلب إلا بالإستغفار من الذنوب والكفّ عن فعل الكبائر والسيئات يقول نبي الله هودٌ لقومه : ( وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوّة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) ويحكي الله قول نوحٍ لقومه : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفّارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهارا ) فالتوبة والإستغفار خير ماترصد لوقت القحط والجدب وخرج عمر بن الخطاب ذات مرّة يستسقي فما زاد على الإستغفار ولمّا قيل له في ذلك قال : " لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يُستنزل لها المطر " وهذا أثر عن الشعبي رواه سعيد بن منصور في سننه  . 

عباد الله : الإستسقاء سنّة قائمة من قديم الزمان وكانت الأمم تستسقي بطرق بعضها باطلٌ ومنكر ، وبعضها حق وسنة شرعها الله وقد استسقى موسى لقومه فسقى الله قومه من عيون نبعت من ظاهر الأرض حيث يقول جل وعلا : ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس ٍمشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )  وعند بعض الأمم في أفريقيا وآسيا يجتمعون ويحدثون أهازيج ورقصات يسمونها ( رقصات المطر ) في اعتقاد أولئك أنها سبب لنزول الغيث ، وهذا جهل وخرافة وضلال مبين فالقحط والجدب سببه ذنوب العباد قطعاً كما هو صريح قول الله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفواعن كثير ) وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان أن رسول الله قال : " إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه ولا يرد القَدَر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البرّ " . 

عباد الله : يقول أبي هريرة رضي الله عنه : " إن الحباري - وهي نوعٌ من الطيور - لتموت في وكرها من ظلم الظالم " ويقول الحبر التابعي مجاهد بن جبر رحمه الله وإيانا أجمعين : " إن البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدّت السَنَة - أي القحط - وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية بني آدم " ويقول عكرمة تلميذ ابن عباس رضي الله عنه : " دواب الأرض وهوامها حتى الخنافسُ والعقارب يقولون : " منعنا القطر بذنوب بني آدم " .

عباد الله : منع الزكاة ونقص المكيال والميزان ذنبٌ عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب لانجاة للعبد ولا غيث ينزل من السماء إلا بالتوبة من ذلك والإقلاع عن هذه الطامّة والكبيرة التي ضررها ليس قاصراً على العاصي وإنما يمتدّ ضررها إلى الغير  وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يامعشر المهاجرين ، خمسٌ إذا ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنّ : 

لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطّ حتّى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا .

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجور السُلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولا البهائم لم يُمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدّوا من غيرهم فأخذوا بعض مافي أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " 

عباد الله : من نعمة الله على ابن آدم أنه يُعجّل له العقوبة في الدُنيا ولا يمتّعه في هذه الحياة متاع المنافقين والكفار ثمّ يأخذهم فلا يُفلتهم في عذاب دائم لاينقطع ولا يزول ولا عنهم يحول ، ومن مُتّع في هذه الحياة الدنيا وهو مقيمٌ على معصية الله فإن هذا استدراجٌ من الله للعبد ، ففي حديث عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيت الله يُعطي العبد مايُحبّ وهو مُقيمٌ على معاصيه فإنما ذلك له منه استدراج ، ثم نزع هذه الآية : ( فلمّا نسوا ماذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذاهم مبلسون * فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله رب العالمين ) رواه الطبراني وصححه الألباني . 

عباد الله : يُستحسن في صلاة الإستسقاء إخراج الضعفاء للصلاة والدعاء وأمرهم بذلك ممن يستطيع منهم وهو أقرب للإجابة وأجدر لقبول الدعاء وتعجيل الرزق والغيث ففي حديث أبي الدرداء عويمر بن زيد وقيل عويمر بن عامر رضي الله عنه أنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبغوني الضعفاء - أي اطلبوا لي الضعفاء - فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفاءكم ) أخرجه أبوداوود بسننه وصححه جمعٌ من أهل العلم  ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

================ الخطبة الثانية ================

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد : 

عباد الله : اتقوا الله تعالى فالله قريبٌ ممن يتقيه وابذلوا من أموالكم وأحسنوا إلى العباد فإن رحمة الله قريبٌ من المحسنين ولا ييأسن أحدكم من الرحمة فاليأس من رحمة الله وروحه من صفات أهل الضلال والكفر حيث قال سبحانه على لسان يعقوب : ( ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) وذكر سبحانه لكي يرغّب العباد في الإنابة والرجوع إليه ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لاتنصرون ) 

فاللهم ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين ) اللهم اغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلمنا وما أنت أعلم به منّا أنت المُقدّم وأنت المؤخر لاإله إلا أنت اللهم إنك ترى مكاننا وتسمع كلامنا وتعلم سّرنا وعلانيتنا ، لايخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء ، المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المقرون المعترفون بذنوبهم  ، اللهم فلاتجعلنا بدعائك أشقياء ، واجعلنا من عبادك الأتقياء ، وكن بنا رؤوفاً رحيما ياخير المسؤولين وياخير المعطين يار ب العالمين 

اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا 

اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت 

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا . . 

" اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً طَبَــقاً مجللاً عاجلاً غير رائث نافعاً غير ضار عامّاً سحا دائماً  " يارب العالمين 

عباد الله : اقتدوا بنبيكم واقلبوا أرديتكم فقد كان عليه الصلاة والسلام يقلب ردائه استكانة لله وتضرعاً لعل الله أن يبدل الحال ويُغيث العباد والبلاد إنه كريمٌ جواد  . 

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

خطبة عن فضل قراءة القرآن والقيام به وشفاعته لصاحبه

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : إن مما يؤسف في زمننا هذا ويحزن القلب ويؤنب الضمير ويجلب للنفس الكدر عندما ترى الكثير من عباد الله علاقته بكلام الله علاقة سطحية غير وثيقة وكذلك عندما ترى الكثير منهم هاجرٌ للقرآن فلا تجدُ للقرآن أي أثر على سلوكه وتصرفاته ولا على تربية أبناءه وأولاده ولا ينعكس على تعامله مع عامة الناس وكأنه لايحفظ من كلام الله إلا فاتحة الكتاب ولا يُقيم القرآن في كثيرٍ من شؤونه حتى في صلاته وبالنسبة لهجر قراءته لاتجد أنه يعرف القرآن إلا في رمضان من الحول إلى الحول فبالله من أين يأتي الفلاح لهذا الرجل ؟ ومن أين سيعرف أحكام الدين البدائية فضلاً عن أحكامها الثانوية والتشريعية ، فالبعض مهمّشٌ كتاب الله في حياته وكأنه لايعنيه ولم يُنزل للناس كافّة .
أيها المسلمون : كتاب الله هدى ورحمة يهدي من الضلالة ويدفع الغواية والجهالة ورحمة لعباد الله لمن تمسك به وينتهي بصاحبه إلى جنات النعيم وهو حبل الله المتين المدود بين عباده وهو العروة الوثيقة للنجاة من الفتن فيه نبأ ماقبلنا وخبر مابعنا وحكم مابيننا وهو الفصل ليس بالهزل ( إنه لقولٌ فصل * وماهو بالهزل ) من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وهو الذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي يهدي لأقوم سبيل ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً ) لاتزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يَخلِق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه يتفتق عن أفصح عبارة وعن أقوى حجة وأبلغ بيان وهو الذي تعجبت الجن من سماعه فانطلقوا إلى قومهم يقولون : ( . . إنا سمعنا قرآناً عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشركَ بربنا أحدا ) فمن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ومن عمل به وتلاه أُجر وأثيب ، قد وصفه الله بالبركة حيث قال سبحانه : ( وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) .

عبادالله : البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ليكثر خيره ويتسع بأهله وتحضره الملائكة وتخرج من ذلك البيت الشياطين والعكس بالعكس فإن البيت الذي يهجر أهله القرآن ولايُقرأ فيه ليقل خيره ويضيق بأهله وتدخله الشياطين وتخرج منه الملائكة وهذا الكلام يردده السلف الصالح مع مافي كتاب الله من الشفاء والنور والموعظة والعبرة ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين ) ( وننزّلُ من القرآن ماهو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ) وهو كتابٌ عظيم يشفع لأصحابه الذين يديمون تلاوته ويعملون به وفي الحديث الصحيح : " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " ويُحاج عن صاحبه وتُحاجان بالخصوص سورة البقرة وآل عمران ففي حديث النوّاس بن سمعان رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدُمُه سورة البقرة وآل عمران تُحاجّان عن صاحبهما " .
وهاتان السورتان - أي البقرة وآل عمران - تسميان الزهراوين فلو أن المسلم إذا عجز عن حفظ القرآن كاملاً حفظ هاتين السورتين وعمل بهما لنال أجراً عظيماً لأنهما ورد في فضلهما على وجه الخصوص أدلّة متقاربة اللفظ ومنها حديث أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهم فِرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما " رواه مسلم في صحيحه وفي تبشير القرآن لصاحبه في الآخرة ورد حديث بُريدة بن الحُصيب الذي في مسند أحمد وسنن ابن ماجه أنه - رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن القرآن يلقى صاحبه حين ينشق عنه القبر يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : ماأعرفك ، فيقول : أنا صحابك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة ، فيعطى الملك بيمينه والخُلد بشماله ، ويُوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حلّتين لايقوم لهما أهل الدُنيا ، فيقول : بم كُسينا هذه ؟ فيقول بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يُقال له اقرأ واصعد في درجة الجنة وغُرَفها فهو في صعود مادام يقرأ هذاً كان أو ترتيلا " وصدق ربنا حين قال :
( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدَهم من فضله إنه غفورٌ شكور )

عبادالله : كلٌ منّا يريد أن يكون من المقربين إلى الله المنافسين على أعالي المنازل في جنة الرحمن وذلك عملٌ يسير لمن أراد الله رفعته وتقريبه وذلك أن تحرص أن تكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام : ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصّتُه ) كما أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في صحيحه ، فهل كنت يوماً من الأيام معلماً إن استطعت ذلك ؟ أو حاثّاً على ذلك أو متعلماً أوناشراً لكل مايخص كتاب الله لتشارك في هذا الفضل وينتشر الإهتمام بين المسلمين في هذا الشأن ، فما رأينا من قصور في العبادات أو المعاملات بين المسلمين أو مقارفة للمعاصي والسيئات أو تسلطٍ للأعداء على هذه الأمة إلا بسبب بعدهم عن دين الله وكتاب ربهم فاللهم رُد ضالّ المسلمين إليك ردّاً جميلا ، واهدنا إلى كل مافيه خيرٌ لنا في ديننا ودنيانا ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

=================== الخطبة الثانية =================

الحمدلله رب الأرباب وخالق الخلق من تراب الذي علم الفرقان والكتاب وأرسل رسوله بالهدى وفاضل الأخلاق والآداب والصلاة والسلام على النبي والأصحاب ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم للحساب أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - وأكثروا من التقرب لله بكلامه والتقرب لله بكلامه - بالجملة - أفضل من التقرب لله بذكره وكلاهما عملٌ جليل فاضل فيه السباق والتنافس على مرضاة الله تعالى والفوز برفيع المقامات عنده جل وعلا ، ولذا ورد عن خبّاب بن الأرت الصحابي الجليل رضي الله عنه أنه قال : " تقرب إلى الله مااستطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحبُ إليه من كلامه " .
عباد الله عنِيَ السلف الصالح رضوان الله عليهم بحفظ كتاب الله ومدارسته في المساجد والحلقات القرآنية منذ زمن المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا وكان السلف يحرصون أشد الحرص على تعليم أبناءهم كتاب الله منذ الصغر ليتفرّغ لتدريسه حال الكِبر ولينفع أهله ونفسه ويقوم به في الليل وكل ذلك في حال الأمن وفي حال الخوف ومن أعجب القصَص التي تُبشّر وتُفرح المؤمن ما حدث في بعض دول جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تحت الحكم الروسي الظالم حين عانى المسلمون من البطش الروسي والقمعي وإزالة مظاهر الإسلام بالقوة والنار ومع ذلك لم ييأس الكثير من المسلمين في تلك البلاد بل حفروا سراديب تحت الأرض وكونوا لهم غرفاً ومغارات يعيشون فيها وأنشأوا لهم مدارسَ وحلقات تحت الأرض يعلمون فيها أبناءهم حتى أن بعضُهم يجعل ابنه في تلك الحلقة ويغيب عنه زمناً طويلاً ومن ثم يعود إليه وقد أتمّ حفظ كتاب الله تعالى ، فهل لنا فيهم عبرة وعظة ؟ وأولادنا اليوم لديهم من وسائل العيش والراحة والتقنية الحديثة ومع ذلك تجد أن لديه من الضعف والجهل ماتعجبُ له فأين الوعي وأين العطاء من الآباء والأمهات ؟ ومتابعة التعليم للأبناء والبنات ؟
عباد الله : في مدارسنا هذا اليوم عانى الطلاب والمعلمون من فاقد تعليمي لم يتم تحصيله من قِبل الطلاب بالجملة وهي مسؤولية مشتركة بين الجميع سواءاً كان ولي أمر أو معلمٌ أو طالب واليوم وبعد انطلاق أنشطة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم تحث الجمعية أولياء الأمور على حث أبناءهم على الإلتحاق بالحلقات القرآنية سواءاً كان ذلك عن بُعد أو حضورياً في حال توفر ذلك وكل ذلك سدّاً للضعف الدراسي في القرآن الكريم خاصّة وفي هذه السنة تمّ إطلاق برنامجٍ قرآني للمتقاعدين ولأول مرة فنهيب بالجميع الحرص على مثل هذه البرامج والحلقات النافعة أو الحث عليها لمن يعول وكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته .

الخميس، 23 سبتمبر 2021

خطبة عن آيات الله ودلائل قدرته

الحمد لله الذي شهد بوحدانيته أهل السماوات والأرضين وعنت الوجوه له وهو القوي المتين وأرسل رسوله الأمين إلى الثقلين أجمعين والصلاة والسلام على الرسول المبين الذي أبان الله به دعائم الدين وأضاء به درب السالكين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل واليقين وعلى من تبعهم بإحسانٍ في كل وقتٍ وحين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنت مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )
واعلموا عباد الله أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : قدرة الله تعالى وهيمنته على العوالم العلوية والسفلية يتبين للمؤمن من خلال التفكر والإعتبار وذلك أن مقاييس البشر غالباً ماتكون مادية في حياتهم ومن خلال تلك المقاييس المادية تتبين قدرة الله وعظمته وأنها تفوق تصورات البشر ومقاييسهم ولكن تستخدم هذه المقاييس لإدراك بعض تلك القدرة وثمرة ذلك حصول الخشية والخوف من الله جل وعلا وزيادة الإيمان فهذا هو المحصلة النهائية لكل تأمل وتفكر وعلم مادي معاصر وبالتأمل والتفكر والعلم تُعرف سنة الله في الحياة وسننه الكونية والطبيعية والشرعية فيحذر من أسباب العقوبات المرتبة على تلك السنن ولما ذكر الله المنافقين في سورة الأحزاب وأنهم استحقوا الطرد من الرحمة والعذاب بسبب أفعالهم وقبحها وشناعتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أولياء الله عامة قال الله بعدها : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ولما ذكر الله إخراج قريش للنبي صلى الله عليه وسلم من مكة حيث قال : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لايلبثون خلافك إلا قليلاً ) ومعنى ذلك أن إخراجهم إياك لايلبثون بعده إلا قليلاً وقد وقع ذلك فجاءت غزوة بدر وقُتل فيها صناديد المشركين وذلك بعد مدة قليلة من إخراجه صلى الله عليه وسلم من مكة ، والشاهد في ذلك قول الله تعالى حيث قال : ( سنّة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا ولن تجد لسنّتنا تحويلا ) ، ولمّا ذكر الله فرار الكفار حين قتال المؤمنين قال فيهم : ( ولو قاتلكم الذين كفروا للّوا الأدبار ثمّ لايجدون وليّاً ولا نصيرا * سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) وغير ذلك من المواضع التي مضت فيها سنة الله على العباد في جميع ماسنّه من أمور . عباد الله : من دلالئل قدرة الله في الكون السعة المطلقة التي ذكرها الله في كتابه حيث قال جلّ وعلا : ( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون ) فخلق السماء وسعتها لايعلم مداها إلا الله جلّ جلاله وعندما تنظر إلى سعة الخلق تعرف أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس حيث ذكر الله ذلك فقال جل شأنه : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لايعلمون ) وعندما تنظر إلى عالم الملائكة تجد عجباً وحملة العرش على وجه الخصوص من أعظم ماخلقهم الله ففي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أُذن لي أن أُحدّث عن ملكٍ من ملائكة الله من حملة العرش ، إن مابين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " والحديث صحيح أخرجه ابوداوود في سننه .

عباد الله : ومن عِظم خلق الله السماوات السبع والمسافات بينهما وفي أثر رواه زرّ بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله قال : " بين السماء والدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين العرش والماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء والله فوق العرش لايخفى عليه شيءٌ من أعمالكم " رواه ابن خزيمة في كتابه " التوحيد " والبيهقي في " الأسماء والصفات " وهذا الأثر من أصح الآثار التي رويت في المسافة بين الأرض والسماء وبين كل سماء وسماء وقد رويت في ذلك أحاديث فيها ضعف لايُعتمد عليها .

عباد الله : وأما الكرسي فهو من أعظم المخلوقات بعد العرش وهو موضع قدمي الرب جل وعلا والعرش هو سرير الملك وليس كسرر بني آدم التي نعهدها ولله المثل الأعلى وقد أخرج ابن أبي شيبة في كتابه " العرش " واللفظ له ، وابن حبان في صحيحه وأبو نُعيم في " حلية الأولياء " من حديث أبي ذر ٍالغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقةٍ مُلقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) .

عباد الله : الأرض وما فيها من جبال وأنهار وبحار فيها من عجيب صنع الله الكثير والله في كتابه كثيراً مايأمر بالسير في الأرض لينظر الناس بأبصارهم ويعتبروا بقلوبهم ويعقلوا بها ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وأكثر مايأمر في هذا الشأن بالنظر إلى عاقبة من قبلنا من الأمم ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشدّ قوة وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون ) .
وعندما تنظر إلى الجبال التي جعلها الله أوتاداً في الأرض تجد أن أكثر كتلة الجبل في الأرض بل مايظهر من الجبل في بعض الأحيان إلا مانسبته واحد في المائة وفي بعضها خمسة في المائة وهذا هو معنى جعل الجبال أوتاداً للأرض يمسكونها حتى لاتضطرب وتتحرك وتميد بأهلها ( وجعل فيها رواسي أن تميد بكم . . ) .
وأما عالم البحار ففيه من أمم الحيوان مالايحصيه إلا الله وقد ذكرت إحصائية بأن عدد أنواع الأسماك في البحار يتجاوز الثلاثون ألف نوع غيرَ مافيه من الأنواع الأخرى من الكائنات الحية والماء يُغطي أكثر الأرض كما تعلمون والبحر فيه من الأسرار مالم يكتشفه الإنسان إلى اليوم ومازال علماء البحار يكشفون في أوقاتٍ متفاوتة مايبهر الألباب فسبحان من يخلق مايشاء ويفعل مايريد بديع السماوات والأرض إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون .
أقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي عنت له الوجوه في سائر الأزمان وخشيَه أهل التُقى والإيمان أحمده وهو الكريم الرحمن وأصلي وأسلم على النبي ملء الأفق والأكوان عليه وعلى آله وصحبه أزكى وأتمُ الصلاة والسلام بلا نقصان أما بعد :

إن التأمل والتفكر في دلائل قدرة الله ووحدانيته يزيد العبد ارتباطاً بربه ويجعله يتعلق به ولا يتعلق بغيره من المخلوقين الذين لايملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيرهم ومن آيات الله التي ذكرها في كتابه الكريم اختلاف الألسنة يقول سبحانه ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لَآياتٍ للعالمين ) واختلاف الألسنة أمر معجز وعجيب ولاتجد من يحيط بهذه الألسنة واللغات كلها أبداً وهذا يدل على سعة علم الله وسعة سمعه فالقريب والبعيد والمتكلم والصامت والتحدث بلغة الإشارة أو بلغة معلومة أو غير معلومة كلهم عند الله سواء أحاط سبحانه بأقوالهم وأعمالهم وهمساتهم ونياتهم ومقاصدهم بما لاتستطيع أي آلهة فعله ( أإله مع الله تعالى الله عما يشركون) ( أإلهٌ مع الله بل أكثرهم لايعلمون ) ( أإلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .

عباد الله : ومن آياته سبحانه - أيضاً - التي تبين حقيقة البعث والنشور إحياء الأرض المجدبة الميّتة بعد نزول المطر والغيث فتأمل ذلك العشب الميت وذلك الهشيم الذي تذروه الرياح تعود بذوره فتبنت من جديد بعد أن تفرقت في الأرض وكذلك بذرة بني آدم بعدما يرِمّ وهي مايُسمّى كما ورد في السنة بعجبِ الذنب الذي لايفنى أبداً وفيه يركب خلق ابن آدم في الآخرة وفي ذلك أعظم دليل على منكري البعث من الملحدين أو اللادينيين حيث يقول جل وعلا : ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعةفإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ) فاللهم اجعلنا ممن يؤمن بك حق الإيمان واجعلنا ممن يخشاك كأنه يراك ومن أهل الإحسان يالطيف يامنّان ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . . .

الجمعة، 10 سبتمبر 2021

خطبة عن بلاغة القرآن وإعجازه

الحمدلله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وأسبغ به النعمة على عباده إنه كان حليماً قديرا نحمده حمداً كثيراً ونشكره وهو أهل الثناء والمجد إنه كان بعباده خبيراً بصيرا والصلاة والسلام على نبي الرحمة ورسول الأمة الذي أرسله إلى الثقلين داعياً وسراجاً منيراً فسهل به ماكان عسيراً وبعثه بالحنيفية السمحة وقوّض الله به الشرك والوثنية وكان ذلك على الله يسيرا أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محمدثة في دين الله بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار ) .
عباد الله : أنزل الله عز وجل هذا القرآن العظيم ليكون نبراساً ونوراً ومشعلاً وهدىً ورحمة لهذه الأمة والأمم القادمة والأجيال المقبلة إلى ماشاء الله وجعل هذا الكتاب هو الكتاب الخاتم لجميع الكتب السماوية السابقة وهو مهيمنٌ عليها جميعاً حيث قال سبحانه : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومُهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عمّا جاءك من الحق لكلٍ جعلنا منكم شِرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) . وإذا كان القرآن مهيمناً على الكتب السابقة لزم أن يكون حاوياً للكثير من الأخبار والقَصص والكثير من الإعجاز العلمي والأسلوب البلاغي والأحكام وكل مايحتاجه الإنسان إلى أن تقوم الساعة فهو الكتاب الآخِر ولا إنزال بعده كما أن النبيَ صلى الله عليه وسلم هو النبي الآخِر ولا نبي بعده ولذا في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامنَ الأنبياء من نبي إلا أوتي من الآيات ماآمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " .
ومعنى ذلك أن آيات الأنبياء ومعجزاتهم كانت انقرضت وذهبت بذهاب الأنبياء وأقوامهم ممن سبق ولم يُشاهدها إلا من حضرها بحضرتهم وأما معجزة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهي القرآن المحفوظ إلى يوم القيامة فلزم ذلك أن يحوي من الآيات والمعجزات على مرّ السنين ، ولذا اختار ابن حجر في الفتح ونقل قولاً ومكملاً لما سبق حيث ذكر بأن المعجزات الماضية كانت حسيّة تُشاهد بالإبصار كناقة صالح وعصا موسى وأن معجزة القرآن تُشاهد بالبصيرة فيكون من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها أكثر لأن الذي يُشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مُشَاهده والذي يُشاهد بعين العقل باقٍ يُشاهده كل من جاء بعد الأول مستمراً " وقال أيضاً : " وليس المراد حصر مُعجزاته فيهن ولا أنه لم يؤت - أي النبي صلى الله عليه وسلم - من المعجزات ماأوتي من تقدمه ، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختُص بها دون غيره " .
عباد الله : كان رجاء النبي صلى الله عليه وسلم في كونه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة متحققاً وذلك لخلود كتاب الله واطلاع الأجيال عليه من بعد جيل الصحابة إلى يومنا هذا وإلى ماشاء الله لآخر الزمان ويدلل لذلك ماورد في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة " بل في الحديث الصحيح الآخر الذي أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وابن ماجه أن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة فقد روى الصحابي الجليل بُريدة بن الحُصيب الأسلمي رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم " والحديث صححه الألباني وقال الأرنؤوط : " أن اسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح "
عباد الله : لما كان كتاب الله معجزاً بذاته وبلاغته وفصاحته وأسلوبه كان لابد أن نقف على بعضٍ من هذه الأساليب التي يفرق الله بها كلامه عن كلام البشر مع مافيه من انجذاب النفس أياً كانت مسلمة أو كافرة وإحساسها بالراحة حين سماعه وقد جُرّب ذلك مع خلق كثير من عقلاء البشر من الكفار والملحدين وأهل الشرك وغيرهم والأساليب البلاغية في كتاب الله لاتنحصر وأكثرها تتجلى في الأمثلة والتشبيه وعموم الألفاظ وتقديمها وتأخيرها واستخدام الأفعال بانتقاء والإستعارة والجناس والطباق واستخدام الإسفهام بأساليبه المختلفة وأساليب التأكيد بأدواته ولعلنا أن نورد مثالاً لتلك الأساليب فمن ذلك :
* قول الله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . . .) الآية وفي المقابل : ( ومثلُ الله مثلاً كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار . . ) الآية ، والله ضرب هذا المثل لكي تتأمل أثر الكلمة على النفس حيث شبهها الله بالشجرة التي تنمو وتزداد ويطول نموها ومن ثم تؤتي ثمارها وكذلك أثر الكلمة على النفس فمن قال تلك الكلمة إن كانت طيبة وموجهة لتلك النفس كان لها الأثر لو بعد حين وإن كانت كلمة خبيثة موجهة لنفس كان لها الأثر السيء والتبعات في المعاملة فالكلام ياعباد الله لابد أن يكون بميزان واعتدال وملاطفة .
* وفي عموم الألفاظ في القرآن وهو كثير - قال جلا وعلا : ( ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر ) فعمم التكاثر ليشمل كل مايحرص الإنسان على كثرته من الذريّة والبيوت والنساء والنقد والعقار وغير ذلك
* وفي التقديم والتأخير قال سبحانه :( وهو العزير الحكيم ) فقدّم العزة على الحكمة أو الحكم لأنه سبحانه عزّ فحكم ويقدم سبحانه بعض أسمائه على بعض لسياق معيّن وذلك منتشر في المتاب العزيز وقال في الأوامر : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيرٌ بما يصنعون ) فأمر بغض البصر أولاً وقدّمه على حفظ الفرج لأن البصر هو السبيل لإثارة الشهوات فكان تقديمه أنسب .
* وفي استخدام الأفعال والتبديل بين البناء فيها للمجهول أو للمعلوم للفت انتباه السامع للمعنى والمقصود قال تعالى : ( ويُطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ) وقال في آية أخرى : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) فلما كان المقصود الآنية في الآية الأولى بنى الفعل للمجهول ولم يُظهر الفاعل وفي الآية الثانية لمّا كان لفت الناظر إلى الخدم وهم الولدان المخلدون بنى الفعل للمعلوم وله في كتاب الله نظائر وأشباه .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

=============== الخطبة الثانية ================

الحمدلله رب المثاني والقرآن العظيم أحمده وهو العلي الحكيم وأصلي وأسلم على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ودخول دار النعيم أما بعد :
عباد الله : من الأسايب البلاغية في القرآن مايسمى في علم البلاغة بالإستعارة مثل قول الله تعالى : ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ) والسلخ عادة يكون للشاة فاستعمل هذا المعنى في سلخ النهار من الليل لأن كلا الوجهين وهما سلخ الجلد وسلخ النهار متقاربين بالطريقة والكيفية وكذلك قوله تعالى : ( والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس ) والعس هو حراسة الليل من قِبل أفراد الحراسة والشرطة خفية وعسعسة الذئب طوافه ليلاً وطلبه لفريسته بتدرج متخفياً وهذا في الليل متحقق فإنه يأتي خفية بتدرج ولا يباغت مباشرة وذكر في الصبح أنه يتنفس فشبهه بالكائن الحي الذي فُـك قيده أو كتمت أنفاسه والصبح تحرر من الظلمة التي تغلب على الكون السفلي وهذا الأسلوب من أبدع صور الجمال والبلاغة في كتاب الله .
وللجناس في كتاب الله أمثلة والمراد بالجناس تشابه كلمتين في اللفظ مع اختلاف في المعنى مثل قول الله تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يُقسم المجرمون مالبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) فالساعة في قوله ويوم تقوم الساعة غير لفظة ساعة وهي البرهة من الزمن ، ومثله قول الله تعالى : ( والتفت الساق بالساق * إلى ربّك يومئذٍ المساق ) فهناك فرقٌ بين الساق والمساق وكلاهما لفظان مشتبهان في اللفظ ومختلفان في المعنى مع أن جذرهما واحد في اللغة وهو السين والقاف وكذلك قول الله تعالى : ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) فناضرة في الأولى وناظرة في الثانية متقاربان لفظاً ومختلفان معنى فهناك فرق بين النضارة وهي الحسن والنظر وهو المشاهدة والرؤية .
والطباق وهو مقرونٌ مع الجناس عادة في كلام أهل اللغة ويعني الجمع بين معنيين متقابلين أو متضادين في سياق واحد في الآية مثلما قال الله تعالى عن أهل الكهف : ( وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود . . ) الآية وقول الله تعالى في الواقعة : ( خافضة رافعة ) وكذلك عندما قال عن ذاته العليه : ( وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات وأحيا * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تُمنى ) وغير ذلك من المحسنات البديعية في كتاب الله تعالى .
وقال في الإستفهام وهو بابٌ واسع في كتاب ربنا العزيز قال : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ماأنزل الله قالوا بل نتبع ماألفينا عليه آبائنا أولو كان أباؤهم لايعلمون شيئاً ولا يهتدون ) فانظر إلى الإستفهام الإنكاري وحث المخالف على التبصر فيما يفعل وكذلك قول الله تعالى : ( قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون * أثمّ إذا ماوقع آمنتم به الْآن وقد كنتم به تسعجلون ) فانظر كيف ردُّه بتوبيخ وإنكار على المخالف وعلى من كفر بعذاب الله تعالى باستفهامين قارعين للقلوب بأرفع خطاب وأبدع فصاحة ( أثمّ إذا ماوقع آمنتم به ) وقوله ( الْآن وقد كنتم به تستعجلون ) وفي التأكيد قال جلا وعلا عن كتابه الكريم : ( وإنه لتكرةٌ للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين ) وقوله أيضاً : ( فإن مع العسر يُسرا * إن مع العسر يسرا ) وكذلك قوله سبحانه : ( كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون ) والتأكيد يأتي في كتاب الله لعدة أغراض منها : تأكيد المعنى ، وتعديد الأوصاف والتسلية والوعيد للمخالف وغير ذلك من الأغراض فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا ، اللهم ذكرنا منه مانُسيّنا وعلمنا منه ماجهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وآناء النهار على الوجه الذي يُرضيك عنّا . . وصلوا وسلموا على نبي الرحمة حيث أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .

الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

خطبة عن التمائم والشركيات

الحمدلله الذي له المقام الرفيع وهو العلي السميع أثاب برحمته كلُّ عبدٍ مطيع وأذل كل فاسقٍ وضيع والصلاة والسلام على عبده الشفيع نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه صلاة الجميع ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أزكى الصلوات والتسليم من ربنا الكريم أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فقد فاز المتقون المتعلقون بربهم المحققون للإيمان واليقين الراسخون على ثوابت الدين   ( ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) ( ومن يخشَ الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون )        

عباد الله : صفاء العقيدة وخلوصها من الشرك من أوجب الواجبات وأعلى الضروريات ومن صفت عقيدته وخلُصت عبادته فهو في أعلى المقامات وأرفع المنازل والدرجات وعلى العكس من ذلك فمن لم تصفو عقيدته ولم تخلص عبادته وكان صاحب شرك ورياء أو مبتلاً بالشرك الأكبر فإن الله جلا وعلا لايبالي به في أي وادٍ هلك ( ومن يُشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ  سحيق ) فما أهون المشرك على الله فهو عبدٌ محروم من الرحمة بجرمه العظيم وبذلك الذنب الذي يستصغره وهو عند الله عظيم    ( إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) والشرك من أعظم الظلم للنفس وأكبر الأبواب الذي به يتخلّى الرب عن عبده ( إن الشرك لظلمٌ عظيم ) وذلك أن الشرك  خطيئة كبرى في حق الله ولو تأملت قول الله تعالى : ( ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانُكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعقلون ) فهل ترضى أن يكون لك شريك في ملكك الخاص بك يتصرّف فيه كتصرفك أنت ، فمادام أنك لاترضى ذلك فكيف ترضاه في حق الله ( ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ) . 

عباد الله : كل وسيلة موصلة إلى الشرك فلها حكم الشرك نفسه في التحريم والتجريم ولذا في شرع الله قاعدة وهي :    ( الوسائل لها حكم المقاصد ) ولذا كانت التمائم والمعلقات الشركية محرمة لأنها وسيلة من وسائل الشرك فليس العبرة بخيط تُعلقه على رقبتك أو خرزات تضعها في سيارتك أو خرقة سواء يضعها بعض الناس في شاحنته ولكن المحظور في ذلك القصد الذي تضع هذه الأشياء من أجله وهو رد المكروه أو الضرر أو العين عنك أنت أيها الواضع لها أو من هي موضوعة له ، سواءٌ كانت هذه التمائم من القرآن أو من خرزات أو من جلد أو من قماش ونحوه زفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرُقى والتمائم والتِولة شرك " وفي الحديث الآخر  :  " من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله له " أي فلا أتم له قصده ومطلوبه وهو الحفظ من شر العين والشياطين ، وفي مسند الإمام أحمد من حديث عُقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل عليه رهطٌ فبايع تسعة وأمسك عن واحد ، فقال الرهط : يارسول الله : بايعت تسعة وأمسكت عن هذا ! فقال صلى الله عليه وسلم : " إن عليه تميمة " فأدخل الرجل يده فقطعها ، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( من تعلّق تميمة فقد أشرك )  ويقول ابن باز رحمه الله : " العلّة في كون تعليق التمائم من الشرك - والله أعلم - أن من علّقها سيعتقد فيها النفع وتميل إليها وتنصرف رغبته عن الله إليها ، ويضعف توكله على الله وحده ، وكل ذلك كافٍ في إنكارها والتحذير منها  " انتهى كلامه .  

عباد الله : قد منع الشرع المطهر من تعليق الرقى من القرآن وهو كلام الله فكيف بغيره لأن من علّق القرآن سيعلق غيره ويفتح على الإنسان باب شرّ وفتنة ولأن الإنسان المعلّق لهذه الأوراق من القرآن لايتعلق بما في القرآن ذاته بل يتعلق بذات التعليق وفي هذا إنصراف للنية عن التعلق بالخالق فأغلق هذا الباب من أصله وهو ينافي التوكل المأمور به فالعبرة بانصراف القلب إلى الخالق جلا وعلا فالله سبحانه يأمر عبده أن يُعلّق قلبه بخالقه وذلك يكون بذكره وقراءة الأوراد الشرعية التي تحفظ العبد من كل مايحذر وهذا نهج الأنبياء والمرسلين والصحابة أجمعين وما روي عن واحد منهم ولا التابعين أنه علق شيئاً من القرآن أو الأحاديث النبوية وفي ذلك برهانٌ على أنهم لايرون ذلك من الدين أصلاً فاللهم احفظنا بالإسلام في كل الأحوال وجنبنا الزيغ والضلال واعصمنا من الجهالة وأفعال الجُهال ياذا الجلال والإكرام  . 

============ الخطبة الثانية ============

الحمدلله الذي له الدين الخالص والقول الحق والصلاة والسلام على المبعوث بالحنيفية والصدق نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أزكى تحية وأعطر سلام من ربنا الكريم العلام أما بعد : 

عباد الله : فاتقوا الله - عباد الله - كل وسيلة يتوسّل بها إلى الشرك وإن من وسائل الشرك شيء يصنعونه يُسمّى التِوَلة وهو مكون من خرزات تُعلّق يعتقدون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته ولا يتم ذلك أصلاً إلا بذهاب المرأة أو الرجل إلى الساحر أو الكاهن فيطلب منه هذا الأمر سواءاً كان صرفاً أو عطفاً والصرف صرف الرجل عن المرأة أو بالعكس والعطف محبة الرجل لزوجته أو بالعكس ، فعندما يذهب إلى مبتغي هذا الأمر إلى الساحر فيتقرّب بعد ذلك الساحر أو الكاهن إلى الشياطين بما يريدون من وسائل الشرك كذبح طائر أو حيوان ومن ثم يتم التعاقد مع هذه الشياطين فيتسلطون على المرأة أو الرجل فيكرهونه في زوجته أو يحببونه إليها وكذلك يجري على المرأة ذلك وهو نوعٌ من السحر لأن فيه عقد ونفث ، ومن وسائل الشرك العين الزرقاء وهي أشكال وأنواع والتي يضعها بعض الناس في بيته يعتقد أنها تدفع عنه العين والحسد والمشكلة عندما تُصدر مثل هذه الثقافة إلى العامّة من الناس بصفة رسمية إما في صحيفة معينة أو عن طريق برامج التواصل الإجتماعي ولا تكون على سبيل الخفاء والستر وقد شاهد بعضهم مثل هذه الأمور حين سفره لبعض الدول الإسلامية وهذا من أكثر مايُضلُ العوام ويكون برضا شريحة كبيرة من المجتمع  فكيف تُنزع هذه الثقافة من أذهان الناس وقد اصبحت عُرفاً سائراً فويلٌ لمن دعا إلى ضلالة وحرّف دين الله عز وجل وصرف الناس عن عبادة ربهم إلى التعلق بغير الله والإعتماد على غيره وهذا إفسادٌ في الأرض والله ينهى عن الإفساد ولا يُصلح عمل المفسدين ويقول جل وعلا  ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين ) وقولُ الله عز وجل ( إن الله لايُصلح عمل المفسدين ) ولم يقل الفاسدين لأن الفاسد بنفسه يُوفق للتوبة أكثر من المُفسد وضرر المفسد كبير وممتد والمفسد عنده مجاهرة بالمعصية وقد عفي عن هذه الأمة إلا من يُجاهر وباب التوبة مفتوح والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل مالم تطلع الشمس من مغربها فاللهم وفقنا للتوبة النصوح قبل خروج الروح وجنبنا الموبقات من الخطايا والسيئات يارب الأرض والسماوات  . 

الخميس، 12 أغسطس 2021

خطبة عن الإسبال واللباس

 الحمدلله الذي أنعم على عباده بوافر النعم وهو أهل الجود والكرم أوجد عباده من العدم وأسبغ عليهم من ستره وعافيته من نشأته في باطن الرحم إلى انتقاله لبيت الدود والرِّمم والصلاة والسلام على المبعوث لسائر الأمم نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله -عباد الله - فالتقوى من حقّقه كان معصوماً من الموبقات يردُ آمناً في يوم العرصات إلى رب الأرض والسماوات ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون )   ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويُكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) . واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : أنعم الله على ابن آدم نعماً كثيرة منذ أن نزل أبونا آدمَ عليه السلام من الجنة إلى هذه الأرض ومن تلك النعم نعمة الملبس والذي أباح الله لابن آدم لبسه واقتناؤه والزينة التي حث الله على التزين بها مما أباحه الله حيث قال سبحانه : ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعلمون ) وجعل الله ذلك اللباس من آياته سبحانه الدالة على وحدانيته فقال سبحانه :   ( يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) يقيه من الحر ومن البرد ويستر عورته به ويفرق عيشه عن البهائم والحيوان واللباس من الله كرامة لأنه من الطيبات حيث يقول سبحانه :    ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) واللباس حلّة وزينة وأباح الله للإنسان أن يلبس ماشاء وجعل لهذا اللباس ضوابط أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا مالم يُخالطه إسراف أو مخيلة " أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد رحمهم الله وإيانا جميعاً . 

عباد الله : من الضوابط المهمة جداً في اللباس هي أن لايكون الثوب أو القميص مُـسبَلاً فالإسبال في الثياب هو كبيرة من كبائر الذنوب موجب للعذاب والعقوبة من الله لصاحبه إذا لم يتب حيث يُحذر المصطفى عليه الصلاة والسلام من ذلك وتأمل كيف رُتبت هذه العقوبة بأشد أنواع الألفاظ التحذيرية منها لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد حيث قال عليه الصلاة والسلام : " ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم ، المسبل والمنّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب  " أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه 

وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ماأسفل من الكعبين من الإزار ففي النار "   فانظر كيف توعد الله هذا المسبل بالعذاب الأليم والذي يبدأ من عذاب القبر إلى ويمتدُّ إلى ماشاء الله فهل من معتبر وهل من متعظ معشر المسلمين ، ولو فكرت وتأملت في كيفية التوقي من هذا الأمر لوجدته سهلاً يسيراً فبضعة ريالات تتوقى هذا الأمر والوقوع فيه ولكن ماأضل ابنُ آدم إلا هواه ونفسُه الأمّارة بالسوء وأكثر مايستهين به من الناس من فئة الشباب . 

عباد الله : يعتقد بعض الناس أن من مسبلاً ولم يُصاحب إسباله خيلاء ولا كبر أنه يسلم من وعيد الله وعذابه يوم القيامة وهذا معشر الإخوة اعتقادٌ خاطئ جانب الصواب لمن فقِه في دين الله وتتبّع النصوص الشرعية فالإسبال محرّم بذاته وإن صاحبه كبرٌ أو خيلاء تضاعفت على العبد العقوبة والدليل على ذلك أن الله جمع  التحذير من الإسبال والخيلاء جميعاً في حديث واحدٍ ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو لاجناح فيما بينه وبين الكعبين ، ماكان أسفل من الكعبين فهو في النار ، من جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه " أخرجه الإمام أحمد وأبوداود وابن ماجه وقال النووي في المجموع : " إسناده صحيح "  .  

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجلٌ يجرّ إزاره إذ خُسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " ولم يُذكر أنه جرّ إزاره خيلاء فدلّ أن الإسبال بذاته محرّم وأما من يستدل بقصة أبي بكر رضي الله عنه حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لست ممن يصنع ذلك خيلاء ) فالجواب عليه أن يُقال : إن أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يُسب إزاره أصلاً ولكن مع الحركة ينزل أحد شقي الإزار مع كثرة الحركة بعكس من لبس الثوب الطويل وهو يرى أنه طويل لأنه تعمد الإسبال فأسبل إزاره من اللبسة الأولى ولا يستطيع أن يتعاهده كل مرة وأجاب ابن حجر صاحب كتاب " فتح الباري شرحُ صحيح البخاري " عن هذه الشبهة وقال : " وهذا إن كان الثوب زائداً على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه على جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم ، وقد يتجه من ناحية التشبه بالنساء وهذا أمكن من الأول وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة ، وقد يتجه المنع من جهة أن لابسه لايأمن من جهة تعلق النجاسة به  " انتهى كلامه  .  

 وتحريم الإسبال يُعتبر من البيّن الواضح حرمته في المسائل الفقهية ومن كبائر الذنوب ومن يتتبّع المشتبه من النصوص لكي يُحل ماحرّم الله أو يحرم ماأحل الله ففي قلبه مرض ومريدٍ للفتنة سواءاً لنفسه أو لغيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من اتباع المشتبه من النصوص في الحرام خاصة وأن من فعل ذلك فقد وقع في الحرام ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشُبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشُبهات وقع في الحرام ) فالحذر من التهاون في ذلك رزقني الله وإياكم اجتناب المحرمات وعمل الصالحات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم . 

============ الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلاة على النبي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واحرصوا كل الحرص على تعويد الأبناء والبنات على اللباس المحتشم والمنضبط بضوابط الشرع ، واحذروا وحذّروا من الألبسة العارية أو التي فيها خدش للحياء والعفة أو فيها نشر للفتنة والرذيلة بين المسلمين ومن يفعل ذلك ويصرّ عليه ويتباهى به في محافل الناس بحضور الجموع من النساء والرجال فإن له نصيبٌ من قول الله تعالى : " إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لاتعلمون " . 

وعلى المرء أن يحفظ حياءه وعفته وهذا للرجال والنساء على حد سواء وإن كان في اللباس يُشدد فيه على المرأة أكثر من الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " . 

ومما ينبغي أن يحرص عليه من يقتني الألبسة أن يحذر من الكلمات الشركية أو الكفرية أو التي تعني الفجور والفسق أو الرموز المحرمة شرعاً في تلك الألبسة التي يشتريها أو أحد أفراد أسرته أو أهله ونحن في زمن ووقت هاجمت فيه الثقافة الغربية تلك الألبسة ونشرت وروّجت لها الشركات المتواطئة معها أو التي لاتؤمن إلا بالمادة والربح على سبيل نشر المنكر ونبذ الأعراف والتقاليد التي أقرها المجتمع المسلم وهذبها الشرع الحنيف ، ومن المفترض أن يعتز المرء بلغته ودينه ولا يسمع للغة غربية أوشرقية أن تخترق كيانه أو كيان أسرته ، لأن من أرخص لغته صار عالة على الأمم الأخرى وانسلخ من هويته وصار تبعاً لتلك الأمة التي تأثر بلغتهم  حتى يتطور به الأمر مع الوقت بسبب تساهله فيتبعهم في عاداتهم وطبائعهم ومن ثم دينهم فاللهم أصلح شباب وبنات المسلمين واحم حوزة الدين وانصر من نصر دينك وكن عوناً لأوليائك حرباً على أعداءك يارب العالمين 



الأحد، 8 أغسطس 2021

خطبة عن تعظيم الصلاة وفتح المحلات حينها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونتذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عُمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفا فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : يعظ الواعظون ويلحون ، وينبه الناصحون ويسعى الغيورون بكل ماأوتوا من قوّة لتنبيه الخلق وتذكيرهم بشأن ركن الدين الأعظم وعموده المتين ، كل ذلك النصح يتم بالقول الواضح المكين والدليل المبين ، وتجد كثيراً من عباد الله من يتغافل عن عظيم شأن الصلاة ومن يهمشها في حياته أو يبيع ويشتري خلال وقت الصلاة ويتشاغل عنها بأتفه الأسباب ، فيامسلم وياعبدالله من ضيع الصلاة أو تشاغل عنها وأهملها فهذا لاوزن له عند الله ولا يبالي الله به في أي وادٍ هلك وهذه حقيقة من عرفها عرف أنه في هذه الحياة مخلوقٌ لعبادة ربه ومولاه ومن لم يكن الله مولاه فالشيطان وأرباب السوء أولياءه .
هذه الصلاة - ياعباد الله - وصية الله لمن قبلنا ووصية الله لهذه الأمة ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة ) ومن لم تقم له صلاته ولم يقيمها كما أمر الله وشرعَ نبيه عليه الصلاة والسلام لم تقم له أموره وتعسّرت عليه أحواله وخسر دينه ودنياه فياصاحب التجارة وياصاحب العمل وياصاحب المؤسسة وياصاحب المحل يعدك الله بالرزق وحسن العاقبة والأفضل من ذلك مغفرة الذنب وتكفير الخطايا والسيئات إن أقمت صلاتك كما يريد ربك ، وأمرت بها من تحت ولايتك ، ومن يعمل لديك ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .
عباد الله : يهون أداء الصلاة والقيام لها والحرص عليها على من كان يخشى الله ويخافه ويتقيه ويرجو ماعند الله ويعلم أنه راجعٌ إليه ومحاسب على أعماله إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ وذلك أن الله يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) فلابد أولاً من الحرص على كل وسيلة تزيد في خشية العبد وتزيد إيمانه وتقواه ومن لم يكن عنده خشية وخوف من الله فإنه لايبالي بضياع هذا الركن العظيم من الدين فأكمل الناس خشية وخوفاً من ربه هو أعظمهم حرصاً على الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت يحرص على الصلاة مع أنه يوعك كما يُوعك رجلان أشداء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقول عائشة رضي الله عنها كما أورد البخاري رحمه الله : " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه ، استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي فأذنّ له ، فخرج تخط رجلاه في الأرض - أي من المرض بين عباس ورجل آخر - قال عبيد الله وهو من رواة الحديث : فأخبرت عبدالله - أي ابن عباس - بالذي قالت عائشة ، فقال لي عبدالله بن عباس : " هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة ، قال : قلت : لا ، قال : " هو علي بن أبي طالب " ، وكانت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تُحدّث أ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دخل بيتي واشتدّ به وجعه ، قال : " هريقوا علي من سبع قِـرب لم تُحلّ أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القِرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتُن ، قالت ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم " فتأملوا كيف يحرص على أن يحضر إلى الصلاة مع أنه لايستطيع القيام إلا بمشقة ومساندة من الغير ومع ذلك أمرهم أن يصبوا عليه سبع قرب لم تُحل أفواههن لبرودتهن لكي يحضر الصلاة لكي وينشط للخروج للناس فأين الأصحاء الذين يضيعون هذه الصلاة من أجل تفاهة من تفاهات الدنيا أو تغافلاً وكسلاً ولا تسل عن حرص السلف الصالح في ذلك فقد سُطّر عنهم أروع الأمثلة في حرصهم العظيم على إدراك أول الوقت فضلاً عن تكبيرة الإحرام مع إتمام وضوئها وخشوعها وركوعها وسجودها وسننها ومن ذلك :
* أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رحمه الله صلى وجرحه يثعب دماً
* ماقاله وكيع بن الجراح عن الأعمش قال رحمه الله : " اختلفت إلى الأعمش قريباً من سنتين مارأيته يقضي ركعة "
* وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيا بقيّة ليلته لاينام حتى يصبح .
* ويقول سعيد بن المسيّب رحمنا الله وإياه : " ماأذن المؤذن ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد "
* وكان ابراهيم بن ميمون المروزي صائغاً فكان إذا سمع المؤذن يؤذن بالصلاة وفي يده مطرقة وضعها وترك عمله مباشرة وذهب للصلاة .
* ومحمد بن سماعة التيمي مكث أربعين سنة لم تفته تكبيرة الإحرام إلا يوم أن ماتت أمه فصلى خمساً وعشرين صلاة يريد التضعيف .
وفي سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله وإيانا أجمعين أن عامر بن عبدالله بن الزبير وهو من كبار التابعين سمع المؤذن لصلاة المغرب وكان في سكرات الموت فقال لمن حوله خذوا بيدي إلى المسجد ، فقالوا له :إنك عليل ، قال : أسمع داعي الله فلا أجيبه ؟ فأخذوا بيده ، فدخل مع الإمام في الصلاة فركع ركعة ثمّ مات رحمه الله .
والأمثلة كثيرة ياعباد الله ولو أردت أن تُحصي بعضاً منها لطال بك المقام ولكن ماالذي قرب أولئك السلف الصالح إلى الله ؟ وصار لهم محاسن تروى في التأريخ ؟ وفي المُقابل ماالذي أبعد الكثير من عباد الله عن الله وعن الحرص على الآخرة التي فيها فصل القضاء والحساب والجزاء والنعيم أو العذاب .
ماقربهم ولا أبعدهم إلا الصلاة والتي هي رأس مال المسلم عند ربه بها الفوز والنجاة أو العذاب والخسران .
ويدلل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول مايحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر " والحديث عند أبي داوود والترمذي والنسائي رحمهم الله وإيانا أجمعين .
فاللهم أيقظنا لتدارك التفريط في الصلوات وأصلح ياكريم قلوبنا وأعمالنا قبل الممات أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل الخطايا والأوزار فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو العزيز الغفار .

=========== الخطبة الثانية ==========

الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الأمين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله -عباد الله - وخذوا على أنفسكم عهداً بالحرص على هذه الشعيرة العظيمة التي هي الحبل المتين الذي بينك وبين الله فلا تقطعه بالتهاون والكسل أو بترك الصلاة في المسجد ، فالصلاة في المسجد فرضٌ واجب فلا تُقبل صلاة من صلى في بيته إلا من عذر كمرض مقعد وخوف شديد وأما المسافر فهو من أهل الأعذار أيضاً ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما : " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عُذر " أخرجه أبوداوود وابن ماجه ، ولم يُرخّص النبي للأعمى الذي أتاه وشكى له أنه لايجد قائد يقوده إلى المسجد بل أمره أن يأتي مع أنه أعمى فكيف يكون حال المبصرين ؟ ويذكر رجلٌ ثقةٌ من أهل هذه المدينة أنه يعرف اثنين كانا آيتين في المحافظة على الصلاة قد كبُرا فعندما كانا لايستطيعان الذهاب للمسجد مشياً أصبحوا يأتون إليها زحفاً على الركب حتى توفاهما الله عز وجل ، فهل لنا في السلف قدوة وفي الصالحين من الخلف ، ومن لم يكن له واعظٌ من نفسه لن تنفعه المواعظ ولا الدروس ( إنما تُنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشرّه بمغفرةٍ وأجر كريم )
صلاة المرء عنوانُ الفلاح * وأصلٌ للسعادة والنجاحِ
فلا يُرجى لمهمـلِها نجاةٌ * ولا فرحٌ وليس بمستراح ِ
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : " إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " .

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...