الأحد، 4 ديسمبر 2022

خطبة عن الريح والرياح وآثارها وما ورد فيها

الحمدلله القوي القهار ، العزيز الجبار ، الذي يأتمر كل شيء بأمره طوعاً أو كرهاً وهو المحيط بالأقدار يكور النهار على الليل ويكوّر الليل على النهار ، والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر والقرار أما بعد :  

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : إن من جند الله تعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) الرياح والريح والريح تأتي بالعذاب والعقوبة غالباً في كتاب الله كما قال الله تعالى في شأن قوم عاد : ( فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنُذيفهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا . . ) والرياح تأتي بالبشرى والخير والغيث غالباً كما قال تعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماءاً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) وهذا في الأغلب وقليلاً ماتأتي الريح في النفع والخير كما قال الله تعالى في شأن سليمان عليه السلام : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب ) .

عباد الله : أقسم الله بالذاريات وهي الرياح التي تذروا التراب ، ولا يُقسم الله إلا بعظيم وليس لأحد ٍأن يُقسم إلا بالله ، والرياح نعمة من نعم الله تعالى وفضله فهي تلقّح السحاب وتسوقه وتزجيه إلى حيث ما أمر الله فيُنزل الله بذلك الغيث للعباد وذلك قول الله تعالى :   ( والله الذي يرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سُقناه لبلدٍ ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نُخرج الموتى لعلكم تذكّرون ) وربط بين الرياح ونزول الماء في قوله : ( وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً * لنحيي به بلدة ميتاً ونُسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيرا ) ومن نعمة الله تعالى على العباد في الرياح أنها تسوق الفلك والسفن الجارية ولولا ذلك لسكنت تلك السفن فمن يُخرجها من أوساط البحار والمحيطات فذلك قول الله تعالى: ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام * إن يشأ يُسكن الريح فيضللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) وإذا هاجت الريح في تلك البحار جعلت أمواج البحار كالجبال كما وصف الله سفينة نوح ( وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ) وصارت رُعباً وعذاباً لمن حقّ عليه القول ، وكم من سفن عظيمة رست في قعر البحار بسبب الرياح التي تُهيّج البحر فينتضح على العصاة وذلك تخويف الله وترهيبه في قوله : ( أم أمنتم أن يُعيدكم فيه تارةً أخرى فيُرسل عليكم قاصفاً من الريح فيُغرقكم بما كفرتم ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعاً ) . 

عباد الله : الريح الباردة الشديدة سمّاها الله في كتابه صرصرا كما هو حال الريح التي أرسلت على قوم عاد ، وإذا كان معها بَرَد شديد صارت ريحاً فيها صر ، كما أخبر الله تعالى عن مال الكفار الذي ينفقونه في الدنيا رجاء ثواب الله - فيما يعتقدون - فقال تعالى : ( مثلُ ماينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌّ أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )  . 

والصبا والدبور نوعان من أنواع الريح ، فالصبا ريحٌ شرقية نصر بها يوم الأحزاب نبيُنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك قول الله تعالى في سورة الأحزاب : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجُنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً ) والدَبُور ريحٌ غربية أهلكت بها عاد ففي الحديث المتفق عليه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور " . 

ومن صور العذاب بالريح في حياتنا المعاصرة حادثة تسونامي التي وقعت في العام خمسٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة وضربت دولاً من جنوب شرق آسيا وكذلك إعصار كاترينا الذي وقع بعد تسونامي بعام وضرب أمريكا وخلف أضراراً كبير في الأرواح والممتلكات وتسبب كلاً منهما في قتل الآلاف من البشر وما هذه الكوارث التي تكون بتقدير الله إلا بما كسبت أيدي الناس ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) 

عباد الله : الهواء نعمة عظيمة وتحرّكه نعمة أكبر ، فلو سكن لتضرر الإنسان والحيوان ولهاجت كثير من الروائح السيئة ولما طُردت السموم والأمراض من الأرض عن ابن آدم وعن الكائنات الحيّة يقول كعب الأحبار رحمه الله تعالى : " لو حُبست الريح عن الناس ثلاثاً لأنتن مابين السماء والأرض "  ،  مع العلم أن الهواء النقي  يساعد في تحسين معدلات الصحة لدى الإنسان ويحمي الرئتين من العاهات الصحية ويساعد على الإسترخاء الذي يُذهب التوتر والقلق لدى البعض وللهواء فوائد كثيرة لامجال لذكرها وهو من فضل الله تعالى ونعمه التي لاتُعدّ ولا تُحصى . 

عباد الله : الريح من خلق الله وتقديره ويتضجر من هبُوبها كثير من الناس ولا يحل لابن آدم أن يسب الريح ولو تضرر منها  لأنها مأمورة لاتدبير لها ولا تصرّف إلا بإذن خالقها ومُرسلها سبحانه وفي الحديث الصحيح : " لاتسبوا الريح فإنها مأمورة " أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم  ، فاللهم اهدنا للرضا بعد القضاء وأعذنا من شرّ الأعداء وجهد البلاء ودرك الشقاء ياسميع الدعاء ياواسع العطاء أقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ==============

 الحمدلله الذي خلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً ، والصلاة والسلام على من أرسله الله للثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا ، أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من مما أرشد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند هبوب الريح الدعاءُ بما ورد ففي حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم أنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ مافيها ، وشرّ ما أرسلت به " وفي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح قال : " اللهم لقَحَاً لاعقيماً " رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني  ومعنى لقَحَاً : أي تُلقح السحاب  ، وأما حديث : " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " فهو حديث ضعفه كثير من أهل العلم . 

ومن فوائد هذه الأدعية أن الله يصرف الشرّ عن قائلها بإذنه سبحانه ويعصمه من شرور الحوادث فأشبه قول هذه الأدعيه الوردَ اليومي الذي يقال في الصباح والمساء والذي يُعطي قائله حصانة من مردة الجن والشياطين وشياطين الإنس وكل ذلك أسباب لحفظ الله للعبد من كل مايحذر . 

وما تأتي المضرّة لابن آدم من الريح وغيرها إلا من قلة اعتصام العبد بربه وعدم فعل الأسباب أو معصية الله ورسوله وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين رجوعه عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك أنه قال لأصحابه : " ستهب عليكم الليلة ريحٌ شديدة ، فلا يقُم فيها أحدٌ منكم ، فمن كان له بعير فليشّد عقاله "  فهبت ريحٌ شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء . . فانظروا كيف التهاون بعصيان المصطفى والذي هو من عصيان الله تعالى وكيف كان مصير الرجل  وكيف حملت هذه الريح المأمورة هذا الرجل لتقطع به مئات الكيلو مترات ، بسبب تهاونه وعصيانه لله المقدر وللرسول الذي لاينطق عن الهوى ، ثم صلوا وسلموا على رسوله فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 


الخميس، 1 ديسمبر 2022

خطبة عن دفع الله الناس بعضهم ببعض وعن الحركات الإصلاحية

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 

عباد الله : إن من سنة الله تعالى التي لاتتبدل ولا تتغير على مرّ الزمان هو دفع الناس بعضهم ببعض وذلك الكافر بالمسلم ويُدفع الكافر المعتدي بكافرٍ مثله ب وحتى يُدفع مسلمٌ معتدٍ بمسلم مثله ، وذلك لكفّ العدوان ولحصول الأمن في البلدان ولعدم فساد الأرض وذلك قول الله تعالى في سورة البقرة : ( ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين ) وقال في موضعٍ آخر في سورة الحج : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلواتٌ ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) والصوامع هي صوامع الرهبان والبيع هي كنائس النصارى واختلفوا في الصلوات فقيل أنها كنائس اليهود وهو أقرب وقيل أنه عنى بذلك مساجد لأهل الكتاب وللمسلمين بالطرق ولكن الصلوات هي كنائس اليهود لأنهم يسمون الكنيسة " صلوتا " بالعبرية وهو الذي رجحه ابن جرير الطبري رحمه الله وإيانا أجمعين . 

عباد الله : قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية السابقة بعد استعراض جملة من أقوال المفسرين : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال إن الله تعالى ذكره ، أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض ، وكفّه المشركين بالمسلمين عن ذلك : ومنه كفّه ببعضهم التظالمَ ، كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم ، ومنه كفّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم لمن قِبَله حق ونحو ذلك ، وكل ذلك دفعٌ منه الناس بعضهم عن بعض ، ولولا ذلك لتظالموا ، فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمّى جلّ ثناؤه ، ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضاً دون بعض - أي من تلك المعاني التي ذكر - ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسليم له ، فذلك على الظاهر والعموم على ماقد بيّنته قبل ، لعموم ظاهر ذلك جميع ماذكرنا " انتهى كلامه وفيه دلالة واضحة على أنه يشمل غالباً كلَّ اعتداء من طرف أو فرد على آخر فإن الله يدفعه ويدفع الشر والفساد في الأرض ببعض عباده من المسلمين والكفار ولا يستطيع الكاتب أو المؤرخ إحصاء كلَّ مايكون من دفع الله الناس بعضهم ببعض ، ولكن لعلنا أن نشير لبعض ذلك من خلال السيرة النبوية ، وما ورد بعدها من أحداث على عُجالة إلى يومنا هذا ، وإن أعظم شرّ دفعه الله عن الناس هو الشرك الذي ظهر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو من إفساد الناس وكان زعيم ذلك عمرو بن لحي الخزاعي الذي جلب الأصنام للجزيرة العربية ، وقد كانت خالية من الشرك ودعا الناس لها ، فاستحسنوا ذلك وسار داء الشرك إلى القبائل وبقي من عامّة القبائل من هو متمسكٌ بدين إسماعيل ، وهو الحنيفية السمحة على دين أبيه ابراهيم ، ومن ثمَّ قيض الله لهذا الفساد نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقضى على أرباب الشرك وخلّص العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ، ولمّا ارتد من ارتد العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قيّض الله لذلك أبا بكر الصديق فحارب المرتدين ورد من تاب منهم لصراط رب العالمين ، ولمّا ظهرت فتنة الخوارج قيّض الله لها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فردّهم إلى مذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقُتل من قُتل منهم كفاية للمسلمين من شرّه وكانت هناك فتن في الدولة الأموية  ومنها فتنة ابن الأشعث الذي خرج على والي العراق للدولة الأموية فصدّ الله فتنته وأخمدها  وأما ماكان من مقتل الحسين بن علي وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين فهذه حادثة في أصلها أريد بها الإصلاح ، وليس الخروج فيها للإفساد  ، وفي عصر الدولة العباسية تصدّى هارونُ الرشيد لفتنة البرامكة والتي أرادت أن تتسلل للحكم وتنازع الخليفة العباسي ، وفي القرن الخامس قويت شوكة الدولة البويهية الرافضية والتي انشقت عن الدولة العباسية وأفسدت في الأرض حتى سيطروا على بغداد في العراق فقيّض الله لها الدولة السلجوقية التركية فأسقطتها وقضت عليها ولله الحمد ، وفي نفس القرن لما غزا الصليبيون بيت المقدس وماحولها سلّط الله عليهم الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي فطهرت بيت المقدس من رجسهم ،  ولما غزا التتار بلاد المسلمين وفعلوا الأفاعيل وأكثروا في الأرض الفساد سلّط الله عليهم الدولة المملوكية بقيادة مظفر الدين قطز والظاهر بيبرس وكان في ذلك الجيش شيخ الإسلام ابن تيمية الذي حث الناس على قتال الأعداء وأقسم لهم بأن يُنصروا وأقسم على الله - كما ورد بعض المؤرخين - أن ينصرَ المسلمين فأبرّ الله قسمه في معركة عين جالوت ، ولمّا ظهرت الدولة الصفوية الرافضية في القرن العاشر الهجري تُشيّع وتُفسد في البلاد بقوة السلاح قيض الله لها الدولة العثمانية فقضت عليها ولله الحمد ،  ولما تسلّط الإستعمار على بلدان المسلمين ونثر سمومه وأزهق الكثير من دماء الأبرياء ظهرت حركات جهادية تقاومه وتقضي عليه فظهر ضد الإستعمار الفرنسي بلقاسم النَكَادي أو ( أبو القاسم البوزكاوي ) في المغرب  ، وفي الجزائر عبدالقادر بن محيي الدين الجزائري ، وفي تونس محمد الدغباجي ، وفي ليبيا عمر المختار الهلالي ضد الإستعمار الإيطالي وفي مصر ظهر ثوّار كثُر ومناضلون ضد الإستعمار الإنجليزي ، وظهر في الشام سلطان الأطرش ضد الإستعمار الفرنسي وغيرهم كثير رحمهم الله جميعاً ، ولما كان الشرك أعظم فساد ظهر في هذه البلاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب مناضلاً ضد الشرك بدعمٍ من قائد الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود رحمهم الله جميعاً فقضوا على مظاهر الشرك وأرسوا الأمن في البلاد وقد سارت هذه الدولة على ذلك النهج ولله الحمد ، وظهرت حركات إصلاحية سلفية في الكثير من بلدان المسلمين يطول المقام بذكرها ، فاللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ووحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق والدين واحقن دمائهم في كل مكان وألف بين قلوبهم واهدهم سبُل السلام وجنبهم الفتن والشرور ياعزيز ياغفور ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  . 

============ الخطبة الثانية ============

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأكمل التسليم أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - وكونوا مع الصادقين واعلموا أنه لاتزال هذه الأمة تقدّم صفحاتٍ مشرقة ونماذج يكونون للناس قدوة وأسوة في الإصلاح ، ومحاربة الفساد وردّ الناس لحياض السنّة ومجاهدة أعداء الدين ، بالقول والنفس ، وفي سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لايزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته " وفي الحديث الآخر في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدّدُ لها دينها " ومن فضل الله تعالى أن " من " هنا اسم موصول يُفيد الإطلاق فيشمل الفرد أو الجماعة من الناس كما فسره الكثير من العلماء بذلك ، وهذا يُشجع ويقوي عزيمة الفرد المسلم  ويستحث خُطاه لفعل الخير والإجتهاد في نشر الإسلام وتعليمه وإحياء السنن ورفع الجهل الذي استشرى في كل مكان ونبذ الخرافة والبدعة ونحو ذلك ، فليكن لكل فرد منّا دورٌ في عملية الإصلاح والبناء ومحاربة الفساد ونشر هذا الدين واستغلال الأعمار بما يُقرّب للواحد القهار جل جلالُه وعمّ الناس نواله ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليماً : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . 

الخميس، 17 نوفمبر 2022

خطبة عن إصلاح البيت المسلم وأثر الطلاق عليه وتنبيهات أخرى

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الإصلاح بين الناس من خير الأعمال وأشرفها عند الله وأرفعها في درجات المؤمن وفي حديث أبي الدرداء عن أبي داوود في سننه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ فقالوا : بلى يارسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إصلاح ذات البين " وفي رواية قال : " وإفساد ذات البين هي الحالقة " والمقصود بالصيام والصلاة والصدقة هنا : النافلة لا الفريضة ، فعندما يُصلح العبد مابينه وبين خلق الله من تسوية الخصومات وإزالة العداوات خيرٌ من أن يكثر من صلاة النافلة وصيام الإثنين والخميس وغير ذلك من الأعمال غير الواجبة ، وأفضل مايُصلح العبد مابينه وبين أهله وخيار عباد الله هم الخيار لأهليهم وذويهم حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " . 

عباد الله : الموازنة في التعامل مع الزوجات أمرٌ مطلوب وخصلة مفقودة في كثير من البيوت ، وليعلم العاقل اللبيب أن الطباع ليست على نسق واحد ونمط موحد ، بل لكل نفسٍ بشرية طباعها وسُلوكها وطريقة تعايشها مع الآخرين فلا بد من مراعاة ومعرفة هذا الجانب وأخذه بالحُسبان  ،  ومع الأسف الكثير من الناس لايراعي هذه الجوانب مع أسرته وأهله ، فتجد من البيوت - والمشتكى إلى الله - تفتقد إلى المعاملة بالحسنى ومراعاة المشاعر والرفق بالأولاد والذرية ، بل إن الكثير من النساء يشكين لبعض المشائخ والثقات والإستشاريين التربويين والإجتماعيين وغيرهم عدم وجود صلة حميمة وعاطفة تقدير ومحبة من الأزواج لزوجاتهم خاصة ومن الأولاد والبنات لوالديهم عامّة ، وليس هذا الجفاء من خلُق الإسلام بشيء ، وعندما كثُر حالات شكوى النساء من أزواجهن وبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقد أطاف بآل بيت محمدٍ نساءٌ كثير ، يشكون أزواجهن ليسوا اولئك بخياركم " . 

عباد الله : إنما الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم والصبر بالتصبر ، ومن لايحلُم وقت الغضب فهو ضعيف سيء الخُلق ، أجارنا الله وإياكم فليس كل من أخطأ يُعاقب ، فربما كان صغيراً لايُدرك أو زوجة نسيت وغفلت ، أو ولداً أراد أن يُصلحَ فأفسد بغير إرادته ، وإذا كان يُلتمس العذر للخادم سبعين مرّة ، فمن باب أولى من أنت والدٌ لهم ويرونك قدوة وأسوة يُقتدى بها .

عباد الله : الكره والبغض أساسٌ لكثير من حالات الطلاق وشتات الأسر وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لايفرُك مؤمنٌ مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر " ، فعلى ربّ الأسرة أن يحذر من هذا الخُلق وأسبابه ، لأن المحبة أساس العلاقات الزوجية وذلك أن الله يقول : ( وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ) فليكن الرجل رزيناً عاقلاً لبيباً يفكّر في العواقب الوخيمة قبل تفرّق شمله مع أهله وشتات بيته وأسرته ، ولعل مايكره من بقاءه مع أسرته يكون فيه الخير له ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) 

عباد الله : هناك مقدمات عند حدوث الشقاق والخلاف بين الأزواج قبل وقوع الطلاق ، وذلك قول الله تعالى : ( فإن خفتُم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ) وذلك أن يأتي والد الزوج مع والد الزوجة فتُحل الخلافات قبل استفحال الأمر ووقوع الطلاق الذي يُبغضه الله ولا يلزم أن يكون الحكمان هما الوالدان ، وذلك أن الله له الحكمة البالغة في تشريع ذلك فمن حكمته ستر العيب لدى الزوج والزوجة  وبقاء عشِ الزوجية عامراً بأهله وأن يأخذَ كلا الزوجين مُهلة للتقرير والتفكير في شأنهما وما يجب على كلٍ منهما تجاه الآخر ، فليس اللجوء إلى الطلاق حلٌ وعلاج لكل خلاف ، بل ربّما كان الطلاق عناءاً وشرّاً على مريده ومُبتغيه ، والتؤدةُ في الأمور من أسباب التوفيق للعبد ، والعجلة في اتخاذ القرار بلا بصيرة ولا تريث من أسباب الخذلان وقلة التوفيق ، والرفق أمرٌ حثّ عليه المصطفى عليه السلام وأخبر أن من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله .. فاللهم اهدنا لأقوم سبيل ، وجنبنا سبل الجهالة والتضليل ، وبارك اللهم لنا في القرآن والسنة وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الكريم التواب الغفور الوهاب والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله والأصحاب ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من حكمة الله تعالى أن حرّم إيقاع الطلاق جملة واحدة  ، رفقاً بعباده ورحمة بهم وذلك أن الله يقول : ( الطلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أوتسريحٌ بإحسان . . ) الآية وكل ذلك لتضييق طرق الطلاق وسبُله ، وكان أهل العلم والفقه يحرّمون إيقاع الطلاق مرة واحدة  ، لأن ذلك يُخالف أمر الله تعالى ، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعُدّ مثلَ هذا الطلاق طلقة واحدة ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يعدّه طلقة واحدة ، علماً أن من طلّق زوجته وأراد مراجعتها فلا بد أن يراجعها زمن العدة ، والعدة هي ثلاث حيَض فلا بد من مراجعة الزوجة في زمن العدة وإن لم يفعل فإنه لايُرجع زوجته إلا بعقدٍ جديد مستوفٍ للشروط بما فيه المهر ، فلا بد أن يتوفر بمراجعة الزوجة شرطان أولهما : أن تكون الرجعة في زمن العدّة ، والثاني : أن يكون الطلاق أقل من ثلاث ، وعلى المسلم أن يتقِ الله تعالى ويلتزم بأحكامه سبحانه في الطلاق والرجعة ويسأل أهل العلم عن مايُشكل عليه ويحذر من أن تجرّهُ نفسه للتحايل أو التلاعب بمثل تلكَ الأحكام فهي حدود الله ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون )         ( واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه . . ) . 

عباد الله : إخوانُكم في جمعية التنمية الأسرية ( صفاء ) بالبدائع يرحبون بالتواصل مع كل من يحتاج لاستشارة في الشؤون الأسرية وفي طرق التعامل مع الأزواج والزوجات وفي كل ما يخص الأسرة من أحوال وشؤون إيماناً منهم بضرورة القيام بواجبهم تجاه الأسرة والمجتمع لتنعم البيوت بتوفيق الله بحياة هانئة مثمرة مطمئنة ، خالية من المنغصات والمشاكل ومكدرات العيش وسوء المعاملة بإذن الله تعالى وفقنا الله وإياهم لكل خير 

وختاماً : أخي المُصلي وزارة الصحة ستقوم بحملة توعوية عن مرض الإنفلونزا الموسمية وتدعوا الفئات الأشد عرضة للخطر من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة لأخذ اللقاح للوقاية من الإصابة وتخفيف حدّة المرض حمانا الله وإياكم وصرف عن الأمة الأوبئة والشرور إنه علي قدير . . ثم صلوا وسلموا 

الخميس، 10 نوفمبر 2022

خطبة عن الإقتصاد في المعيشة والحرص على الحاجيات وترك الكماليات

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : إن من المتقرر في شرع الله تعالى أن الله قد تكفل بأرزاق العباد والمخلوقات كلها ( وما من دابّة إلا على الله رزقُها ويعلمُ مستقرّها ومستودعها كل ٌ في كتاب مبين ) وهذا الأمر لايجهله أحدٌ من الناس ، ولكن الكثير من الناس يجهلون طريقة بذل الأسباب في سبيل تحصيله ، وكذلك سُبل الحفاظ على هذا الرزق بعد تحصيله ، وبذل الأسباب مما أمر الله به حيث يقول جلا وعلا : ( فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ولما كان ركوب البحر والسفر لمناطق أخرى عبر السفن من الأسباب التي يُطلب بها العيش ذكر الله ذلك على وجه الإمتنان منه سبحانه فقال : ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفُلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) . 
والأخذ بالأسباب - ياعباد الله - لاينافي التوكل ولا يُعارضه وفي الحديث : أن النبي صلى الله  عليه وسلم جاءه رجل فقال : يارسول الله أَعقلها أو أتوكل ، قال صلى الله عليه وسلم : "اعقلها وتوكل " وفي رواية : " أرسل ناقتي وأتوكل ؟ قال : " اعقلها وتوكل " يقول العلامة ابن باز رحمه الله وإيانا أجمعين : " فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والإعتماد على الله ، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل لأن الله عز وجل امر بالأسباب وحث عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها ، فلا يجوز للمؤمن أن يُعطّل الأسباب ، بل لايكون متوكلاً حقيقة إلا بالأخذ بالأسباب . 
عباد الله : وبما أننا نعيش زمناً تقل فيه الوظائف وارتفعت فيه أسعار البضائع بشكل عام ، فينبغي للعبد أن لايتذمر ولا ييأس وأن يعيش مع هذه الفترة الراهنة بما تقتضيه الحالة من صبر وتفاءل واقتصاد في النفقة فكل تضخم في الأسعار يعقبه انخفاض فالأمر لايدوم على حال والأحوال تتغير ولا تستقر وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه - مرفوعاً - قال الناس : يارسول الله غلا السعر فسعّر لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله هو المسعّر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدٌ منكم يُطالبني بمظلمة في دمٍ ولا مال " رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وهذا الحديث يُدلل على أشياء منها : 
* أن تسعير السلع فيه مظلمة للعباد ، لأن النبي ترك التسعير للأشياء لأن الله هو المسعّر ولأن في تسعير السلع ظلمٌ للناس ، ولذا كان يرجو أن يلقى الله وما أحدٌ يطلبه من الخلق بمظلمة وبهذا نعلم أن المانع له من التسعير مخافة ظلم الناس في أموالهم ، مالم يتواطأ التجار على رفع السلع فإن تواطؤا واتفقوا على رفعها فإن لولي الأمر أن يحدد سعر البضائع والسلع . 
* أن الله يبتلي عباده بارتفاع الأسعار امتحاناً لهم وربما يكون ذلك كفّارة لهم لبعض الذنوب التي تكون في المعاملات أو النقص من الزكاة أو لعدم دفع الزكاة ، فإنه لم تكن عقوبة في المال والنفس على أمة وجيل إلا بذنب ، وما رُفعت إلا بتوبة وهذا متقرر ومعلوم أجمع عليه علماء الأمة ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه يوماً فقال : " خمسٌ إذا ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركونهن ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤونة وجور السُلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوّاً من غيرهم فأخذ بعض مافي أيديهم ، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ، ويتخيرّوا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ، ولذا يقول بعض السلف : " جزاء المعصية الوهنُ في العبادة والضيق في المعيشة " . 
* وأن الله من أسمائه الباسط القابض و من أسمائه الخافض الرافع وكل شيء عنده بمقدار جل جلاله فهو يُقدّر الأسباب ومسبباتُها وبيده مقاليد السماوات والأرض ولكن الكثير من الناس لايتعلّق به ولا يلتجئ إليه عند الشدائد ولا يتعرّف على حكمته وتقديره ، فالله يبتليهم ليردّهم إليه ، وقد شكا أحد المسلمين لرجل حكيم غلاء الأسعار فقال : " إذا زادت قيمة الإنسان عند الله رخُصت الأشياء ، وإذا قلّت قيمة الإنسان عند الله غلت الأشياء " وهذا القول له وجه من الصحة ، فنسأل الله بمنّه وكرمه أن يُصلح حالنا وأحوال المسلمين في كل مكان وأن ييسر كل عسير ويجبر كل كسير ويُغني المحتاج والفقير إنه جواد كريم ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============= الخطبة الثانية ================
الحمدلله الذي قدّر المقادير بعلمه وإحاطته وأضل من شاء بعدله وحكمته ولا يستغني أحدٌ عن رحمته والصلاة والسلام على المبعوث للخلائق بفضل الله ومنته نبينا محمد عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - واذكروا نعمة الله عليكم وكونوا كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام في التعامل مع المال والعيش حيث يقول صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم "  .
عباد الله : هناك صفة هي من صفات الأنبياء يرشدُ إليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الهدي الصالح والسمت الصالح والإقتصاد جز من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوة " رواه ابن عباس رضي الله عنهما وهو في سنن أبي داوود وحسّنه بعض أهل العلم ، والسمتُ الصالح هو : الهيئة الحسنة المليئة بالسكينة والوقار ، وأما الإقتصاد في الأمور : فهو التوسط فيها بين الإفراط والتفريط في المأكل والمشرب والملبس وما يقتني المسلم ، ولو عمل الناس بهذه الوصية النبوية الكريمة وهذا الهدي النبوي لانحلت الكثير من الضائقات المالية التي يمرّ بها المسلم ، ولكن الإفراط أو الإسراف في شراء بضائع كمالية لاضرورية وليست حاجية هي التي أوقعت من لايحسن إدارة المال ولا التصرف فيه بحال وصلت به إلى أن يتكفف الناس ويسألَهم . 
عباد الله : لابد من مراعاة الأولويات في الشراء والإقتناء ، وعدم الإلتفات للموضات والدعايات التي تبثها بعض الشركات والتي يهمها استنزاف جيب المستهلك أياً كان دخلُه ، وفي دراسة ثبت أن هذه الحملات الدعائية لبعض السلع تزيد من الشراء العشوائي لدى الكثير من الأفراد ، وأن ثلث مايوضع في عربات التسوق يمكن الإستغناء عنه وهو من الكماليات التي تُرهق مستوى الإنفاق لدى الأسرة من ذوي الدخل المحدود ، والمحذور الأشد خطراً أن يلجأ بعضهم لارتكاب جريمة سرقة - نسأل الله لنا ولكم العافية - من أجل الحصول على بضاعة هي في الواقع من أدنى الكماليات تلبية لشهوته ورغباته وهذا من الخذلان نعوذ بالله من ذلك ، فاحذر أن تكون أسيراً لحق عبدٍ من الناس يُقاد منك ولو بعد حين  ، ومن عصمه الله فليلهج بحمد الله وليطلب العافيه من الله له ولذريته  ، ولعل من هذه الأسباب التي يلجأ بسببها من يفعل ذلك شحُ رب الأسرة وبخله على من يعولهم مع أنه ممن وسّع الله عليه ، فيلجأ هذا الشاب أو تلك الفتاة إلى هذا الفعل المُنكر ، وهذا مما يجب أن ينتبه له ويراعيه ربُ الأسرة وعائلها ، وقد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه ، فاللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عن من سواك . . ثم صلوا وسلموا 

الأحد، 30 أكتوبر 2022

خطبة عن الشفاعة وأهميتها ولمن تكون ؟ ومن تنفع ؟

الحمدلله الذي له الجاه العلي والملكوت ، والعزةِ والجبروت وهو الحي الذي لايموت ، والصلاة والسلام على المبعوث بالفضائل وخير الأوصاف والنُعوت نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وفي كل وقتٍ وحين أزكى التسليم والصلوات من رب الأرض والسماوات أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثمّ توفى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون )  
عباد الله : الشفاعة في الآخرة أمنية لكل مؤمن وهدف منشود تنشُده النفس المؤمنة ، وتسعى له بعد رضا الله عز وجل والله جل وعلا خص المصطفى عليه الصلاة والسلام بكثير من الفضائل التي ماأعطاها لنبي سواه ومنها الشفاعة وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة وعلى نبيها الكريم ، فاللهم لك الحمد كما تحب وترضى ، والشفاعة قسمان منفية ومثبتة فالمنفية : هي ماتُطلب من غير الله ومانفاها الله ونفى وقوعها ومنفعتَها للمشفوعين وهي شفاعة الأوثان أوالأصنام أوالأولياء لعابديها - كما يزعم أتباعها - ومن ذلك قول الله تعالى : ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولوا كانوا لايملكون شيئاً ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض ثم إليه تُرجعون ) ( ويعبدون من دون الله مالاينفعهم ولا يضرّهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يُشركون ) . 
والمثبتة : هي الشفاعة التي تُطلب من الله والشافع مأذون له ومكرّم بالشفاعة والمشفوع له قد أذن الله أن يُشفع له كما قال تعالى : ( يومئذٍ لاتنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) 
عباد الله : حبى الله نبينا وأعطاه الشفاعة وأجلّها وأعظمها الشفاعة العظمى للخلائق حينما يطول وقوفهم في أرض المحشر ويبلُغ بهم الكرب والغم مالايطيقون فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم لكي يأتي الله للفصل والقضاء بين الخلائق ، وهي المقام المحمود : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محمودا ) وذلك حينما يأتون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى فيعتذر كل واحد منهم فتنتهي الشفاعة لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " أنا لها ، أنا لها " ، فيشفع للخلائق كلهم أن يأتي الله للفصل والقضاء والحساب ، ويقال له : " ارفع رأسك وقل يُسمع ، واشفع تُشفّع " .  
ومنها : أن يشفع لأهل الجنة أن يدخلوها وهذه من شفاعاته عليه الصلاة والسلام وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً " وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال : " آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول الخازن من أنت ؟ فأقول :  " محمد " فيقول : بك أُمرت لاأفتح لأحد قبلك "  .
ومن شفاعته صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أناس يدخلون الجنة بلا حساب . 
ومن شفاعته صلى الله عليه وسلم : شفاعته في أقوام من أهل الجنة أن تُرفع درجاتهم 
ومن أنواع الشفاعة التي أوتيها عليه الصلاة والسلام : شفاعته في أناس من أهل النار أن لايدخلوها 
ومن أنواعها ايضاً : شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من النار بعد دخولها وذلك لحديث : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " رواه أبوداود والترمذي 
ومن شفاعاته أيضاً : شفاعته في عمّه أبو طالب الذي لولا فضل الله ثم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار ، فقد قال صلى الله عليه وسلم عن عمه : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجعل في ضحضاح من نار ، يبلُغ كعبيه يغلي منه دماغه " . 
هذه شفاعته صلى الله عليه وسلم وفي ذلك اليوم يشفع الملائكة وتشفع الأنبياء ويشفع المؤمنون ويخرج الله من النار أناساً لم يعلموا خيراً قط ولكن أتوا بأصل التوحيد وكلمتِه ( لاإله إلا الله ) بل ويُدخل الله بشفاعة رجل من أمة محمد ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومُضر فانظروا بركة الصلاح والخير على الشافع والمشفوع له ، وفي حديث الشفاعة الطويل عند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حتى إذا خلَصَ   المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده مامنكم من أحد بأشدّ مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون ، فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم ، فتحرّم صورهم على النار ، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه ، وإلى رُكبتيه ، ثم يقولون : ربنا مابقي فيها من أحد ممن أمرتنا به ، فيقولون : ارجعوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا . 
ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيُخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيُخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيراً ، وكان أبوسعيد الخدري - وهو راوي الحديث - إن لم تصدقوني بهذا الحديث ، فاقرؤا إن شئتم : ( إن الله لايظلم مثقال ذرة وإن تكُ حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما ) فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ، قد عادوا حُمَمَاً ، فيُلقيهم في نهر في أفواه الجنة يُقال له نهر الحياة ، فيخرجون كما تخرُج الحبة في حميل السيل ، فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة ، هؤلاء عُتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عملٍ عمِلوه ولاخيرٍ قدموه " وقد بيّن أهل العلم أن هذه الشفاعة لمن قال لاإله إلا الله ولكنه لم يعمل خيراً قط ، فنسأل الله أن يقينا شر يوم الدين ويجلعنا وإياكم من عباده المتقين وحزبه المُفلحين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============ الخطبة الثانية ============
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لخلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : 
عباد الله : نص الشرع الحكيم على أن هناك من المسلمين من يشفعون لأهليهم وقرابتهم - كالشهداء والأفراط - وهم الصغار الذين يتوفاهم الله بعد نفخ الروح فيهم وقبل سن البلوغ ، ودليل شفاعة الشهداء مارواه أبو داود من حديث أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُشفّع الشهيد في سبعين من أهل بيته " وفي الأفراط كان السلف يستحبون أن تقول : اللهم اجعله فرطاً لوالديه وشفيعاً مُجاباً ، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح المؤمنين واجعله في كفالة ابراهيم وقهِ برحمتك عذاب الجحيم ، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله ، اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ، ومن سبقنا بالإيمان " وقد أورد هذا الدعاء ابن قُدامة في كتابه المُغني وغيره من السلف ، وورد عند عبدالرزاق في مُصنفه وذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على شفاعة الأفراط بتصريح أبين وهو قوله : " اللهم اجعله فرطاً وسَلفاً وأجرا " وسُمّي الفرط بهذا الإسم لأنه يسبق أبويه لدخول الجنة . 
وفي معنى حديث : " كل غلام ٍ مُرتهن بعقيقته " أنه لايشفع لوالديه يوم القيامة حتى يُعق عنه وقد رجح ذلك الإمام أحمد هذا المعنى على غيره رحمه الله تعالى . 
عباد الله : إن أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله إلا الله خالصاً من قلبه " 
وهناك أعمال صالحة تنفع صاحبها وتشفع له يوم الدين ينبغي أن يحرص عليها العبد كالصيام ومداومة تلاوة القرآن وسُكنى المدينة والصبر على شدتها ولأوائها والموت بها والبُعد عن اللعن والحذر منه ومُصاحبة أهل الإيمان والدعاء لنبينا حين سماع النداء بقوله : " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه الله مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لاتُخلف الميعاد " فاللهم اجعلنا من أهل الشفاعة وآمنا يوم تقوم الساعة ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه  

الخميس، 20 أكتوبر 2022

خطبة عن الصيد والقنص

الحمدلله الذي منّ على عباده بالطيبات من الرزق ، أحمده وهو الجواد الحق ، وأصلي وأسلم على من بعثه الله بالإخلاص والصدق ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات والتسليم عدد قطرات الودق ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الله جل وعلا أمر بالأكل من الطيبات فقال جل وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )  وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) . . " الحديث وهذا يدلل على إباحة الأكل من الطيبات ووجوب اجتناب المحرمات والخبائث من المشروبات والمأكولات ، ومن أوصاف نبينا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته أنه يُحل لأمته ولأهل الكتاب الطيبات ويُحرّم عليهم الخبائث كما ورد في كتاب الله جل وعلا ، ومن الكسب الطيب مايكسبه المرء بالصيد سواءاً كان ذلك الصيد بالبنادق أو الصقور أو الكلاب - أكرمكم الله - أو السهام ونحوها ، ولكن يجب أن يعرف العبد من أحكام الصيد مايُبيح ذلك الطير أو الحيوان المصطاد ، وفي شأن الصيد وإباحته يقول الحق تبارك وتعالى : ( يسألونك ماذا أحل ّ لهم قل أحلّ لكم الطيباتُ وماعلّمتم من الجوارح مكلّبين تعلمونهن مما علّمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) .

عباد الله : الجوارح في الصيد كل حيوانٍ وطير مُعلّم حتى لو كان ذا ناب كالأسد والنمِر والفهد فليس مقصوراً على الصقور والكلاب ونحوها فقط ، ولكي يُباح الصيد بالجوارح المُعلّمة يُشترط في ذلك شروط منها : أن يكون مُعلّماً وهذا بالإتفاق والإجماع بين العلماء وكذلك أن لايكون الحيوان المُرسل صاد لنفسه  فلو صاد لنفسه فلا يحل الأكل من ذلك الحيوان أو الطير المصيد وكذلك أن يجرح الصيد الحيوان في أي موضع فينهر الدم وأما إن كان اصطاده بعض أو صدم ٍ فمات فلايحل أكله ، وهذا الشرط يُشترط في آلة الصيد أيضاً ، فلو رمى مِعراضاً وهي - خشبة يُصطاد بها - رماها فأصابت بعرضها ولم تُنهر الدم لم يُبح ، وكذلك أن يُسمّي عند الإرسال والتسمية واجبة فلا تسقط ، وكذلك أن يكون مُرسل الصيد مسلماً لايُشاركه في جارحته إلا مسلم مثلُه ، فلو شاركه في جارحته أو كلبه وثني أياً كان جنسه فإنه يحرم أخذاً بقاعدة : ( إذا اجتمع الحلال والحرام غُلّب الحرام )  وأن لايقعُد مدة طويلة عن طلب الصيد حين وقوع الإصطياد لأنه لايدري حينها فرُبما الجارحة أكلت منه وهو لايعلم ، ولو قطعت الجارحة عضواً من الحيوان المصيد وهو حي فإن العضو المنفصل المُبان من ذلك الحيوان يحرُم أكله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ماقُطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميْتَة " رواه أبو داود وصححه الألباني . وبالنسبة لصيد الصبي غير المميز أو الصبي المجنون فلا يحل الأكل من صيده وهو قول جماهير أهل العلم وذلك لأن الصبي غير العاقل أو غير المميز ليس من أهل الذكاة أصلاً وبالنسبة للحيوان المصيد يشترط أن يكون حلال اللحم فلا يحل صيد المحرّم من الحيوان كالخنازير البرية أو الحيوانات المفترسة من أجل أكلها ، وكذلك أن يكون الحيوان المَصيد متوحش أصلاً أي بأصل خلقته فلا يُمكن التحصل عليه إلا بحيلة وهي الصيد وأما الحيوانات الأهليه المملوكة فلا يحل صيدها ، وأن لايكون من صيد الحرم ، فالصيد الذي يعيش في حرم مكة والمدينة محرّم اصطياده على المُحل والمُحرم .

عباد الله : أجمع حديث ورد عن النبي صلى الله في أحكام الصيد حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه حيث قال : قلت يارسول الله ، إني أرسل الكلاب المُعلّمة فيُمسكن علي وأذكر اسم الله ؟ فقال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك " قلتُ : وإن قتلن ؟ قال : " وإن قتلن مالم يشْرَكُها كلبٌ ليس منها " قلتُ : فإني أرمي بالمِعراض الصيد فأصيب ؟ فقال : " إذا رميت بالمعراض فخَزَق - أي شق ونفذ وأنهر الدم - فكلْه ، وإن أصابه بعرضٍ فلا تأكُله " وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه : " إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ، وإن خالطها كلابٌ من غيرها فلا تأكل ، فإنما سمّيت على كلبك ولم تُسمّ على غيره " وفيه : " إذا أرسلت كلبك المُكلّب فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكُلْه ، فإن أخْذَ الكلب ذكاتُه " وفيه أيضاً : " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " وفيه : " فإن غاب عنك يوماً أو يومين - وفي رواية : اليومين والثلاثة - فلم تجد فيه إلا أثر سهمك ، فكلْ إن شئت ، فإن وجدْتَه غريقاً في الماء فلا تأكل ، فإنك لاتدري ، الماءُ قتلَه أو سهمك " متفق عليه ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله الذي هدى لدينه وأكرم ، ورزق من واسع فضله وأنعم ، والصلاة والسلام على النبي المكرّم الذي دل على سبيل ربه وأعلم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبعهم بإحسان ومن بالله آمن واعتصم أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن ماقيل في الجوارح من وجوب التسمية قبل إطلاق الجارحة وصيدها وكذلك كونه ينهر الدم ويخرق فإن ذلك يقال كذلك في مايُصاد بالآلات النارية كالبندقية مثلاً وقد أجاز أهل العلم الصيد بها ولكن يجب ذكر اسم الله عند إطلاق الطلقة من البندقية وليس عند إدخالها والعلة في ذلك أنك ربما أدخلتها ومكثت وقتاً لم تصدْ فكأنك لم تسمّ على مااصطدته من صيد ولذا لمّا سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذه المسألة قال : " الواجب ذكرُ اسم الله عند الرمي ولا يكفي ذكر ذلك عند إدخال الطلقة في البُندقيّة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله " متفق على صحته من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه واللفظ لمُسلم " انتهى كلامه وقد تقدّم أنك إذا أدركت الصيد به حياة مستقرة فإنك تسمي الله وتذبحه لأن من شروط حل الصيد أن يموت من أثر فعل الصيد ، وإذا كان حينها لم يمُت فهنا وُجدت حياة مستقرة فمن لم يسم الله ويذبحه الذبح الشرعي فإنه لايحل له ، فلا بد من موت الحيوان المصيد من أثر فعل الصيد وهذا ينبغي أن يتنبه له الصائد .

عباد الله : من الأدوات المحرمة التي لايجوز أن تُستخدم في الذبح السن والظفُر وذلك لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظُفُر ، أما السن فعظم وأما الظُفُر فمُدى الحبشة " وبناءاً على هذا الحديث فلا يجوز الذبح بالعظام ولا استخدام الأظفار للذبح وذلك بتطويلها لتكون أداة لذبح الطيور الصغيرة كما يفعل الأحباش الوثنيون . 

عباد الله : لايجوز اتخاذُ أرواحِ الحيوان غرضاً يُرمى بأي حال كأن يضع حمامة مثلاً ويتراماها رُماة عدّة ، فمن فعل ذلك فهو مستوجب للعن ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم رحمه الله أنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً " نسأل الله العافية من كبائر الذنوب وصغارها ، وشرور المعاصي وآثارها وأن يجنبنا الجهل والضلال ، فهو المسؤول في كل حين وإليه الإنابة والمآل . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) 

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022

خطبة عن كلام الله وصفة الكلام

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : من صفات الله جل وعلا والتي هي صفة كمال وجلال هي صفة الكلام ، فالله سبحانه الذي عظُمت أسمائه وجلّت صفاته يتكلم بكلام مسموع بحرف ٍوصوت بطريقة لاندركها ولا نعلمها سبحانه وتعالى ، وقد كلّم موسى عليه الصلاة والسلام بدليل قوله تعالى : ( وكلّم الله موسى تكليما ) أثبت سبحانه وتعالى بأن هذا القرآن كلامه فقال جل وعلا : ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه . . ) الآية وقال في شأن اليهود : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ماعقلوه وهم يعلمون ) الآية وهذا مذهب الفرقة الناجية لا كما يقول الأشاعرة أن القرآن عندهم معنى قائم بذاته عبارة عن كلام الله ليس حرفاً ولا صوتاً ويقولون عنه بأنه مخلوق وأما المعتزله فهم يثبتون كلام الله بالقرآن حقيقة ولكنهم يقولون عنه بأنه مخلوق وكلا الطائفتين على ضلال فكلام الله منزلٌ غير مخلوق وكلام الله تكلم به بحرف وصوت وليس عبارة ولا حكاية عن كلام الله ونثبت لفظه ومعناه من الله كله ، وما سوى ذلك فهو ليس على طريق الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسبب الضلال لهذه الطوائف التي تدعي أنها على الحق - ياعباد الله - هو أن الإثبات لصفة الكلام لله بهذه الطريقة يعني تشبيه الله بخلقه وليس الأمر كما يعتقدون فإثبات الصفات لله لايقتضي التشبيه ومن اعتقد ذلك فعنده سوء فهم وقصور في الإدراك فهل صوت الناس يشبه بعضه بعضاً وهل صوت الحيوان يُشبه الإنسان ولله المثل الأعلى والوصف الأكمل والصفات الحسنى والأجمل ولكن الأمر كله هداية وتوفيق من الله وإقصاء للعقل في مقابل النص فلا يؤخذ بما تجيزه العقول في مقابل النص الشرعي وما ضل من ضلّ في المسائل العقدية خاصّة إلا بسبب تقديم العقول القاصرة على النصوص الظاهرة ، ومن عوفي من الإنحراف في المسائل العقدية فليحمد الله على العافية وعلى عدم الخوض في ذلك إلا ببرهان وبينة واتباع للدليل ، والمؤمن يدور مع الدليل ويتبع نهج النبي الجليل وأصحابه في الإثبات والنفي والتعليل ، وبهذا يسلم من زلة القدم في مثل تلك المسائل والقول على الله ورسوله بغير علم : ( قل إنما حرم الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم يُنزّل به سُلطاناً وأن تقولوا على الله مالاتعلمون ) .
عباد الله : ربنا جل وعلا سيُكلم عباده في الآخرة وبين في كتابه عن أقوام من أصحاب الموبقات أنه لن يكلمهم الله في الآخرة وذكر منهم الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب وكذلك الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً من متاع الدنيا الزائلة فقال جل شأنه :
( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك مايأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يُزكّيهم ولهم عذابٌ أليم ) وقال سبحانه : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يُكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليم ) وذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح فقال : " مامنكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ماقدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ماقدّم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه .
وهذا دلالة واضحة على صفة الكلام التي يتحدث بها الله جل وعلا مع عباده بكلام مفهوم بصوت وحرف ، فمن أنكر مثل هذه النصوص الصريحة الواضحة ففي قلبه مرضٌ ومصيره دار البوار إن لم يتداركه الله بتوبة قبل الموت ، فاللهم أحينا على نهج القرآن والسنة وتوفنا عليهما ياذا الفضل والمنّة ، واجعل مثوانا أعلى الدرجات في الجنة ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

================ الخطبة الثانية ================

الحمدلله ذي الأسماء الحسنى والصفات العُلى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وأصحابه أولي الفضل والنهى ، ومن على نهجهم اقتفى وسلك سبيلهم واهتدى ، ثم أما بعد : 

عباد الله : من كمال نعيم الله على عباده في الجنة كلامه لهم ، ورؤيتهم إياه جل جلاله فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة : ياأهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم ، فيقولون : ومالنا لانرضى وقد أعطيتنا مالم تُعطِ أحداً من خلقك ، فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يارب وأيُ شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أُحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ، وروى مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : " تريدون شيئاً أزيدكم " فيقولون : " ألم تُبيّض وجوهنا ، ألم تُدخلْنا الجنة وتنجنا من النار ! قال : فيُكشف الحجاب ، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل .  

عباد الله : كلام الله لايتبدل ولا يتغيّر فليس مثل كلام البشر القابل للتغيير والإزالة ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فمن ذلك ماورد في وعد الله وكرامته لأولياءه المتقين ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) وفي المقابل من حق عليه القول من الأشقياء - نسأل الله العافية - فسوف تدركه كلمة الله النافذة التي حقت على من قبله من الأشقياء والكفار :      ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) ويُقال لهم وللشياطين من قرنائهم : ( لاتختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * مايبدل القول لدي وما أنا بظلامٍ للعبيد ) .

الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

خطبة عن تفسير سورة الهمزة

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : الهمز واللمز وصفان ذميمان وخُلقان مقيتان مستنكران ومستبشعان توعد الله صاحبهما بالويل والثبور ووصف الله صاحبهما بالظلم والفسق والفجور وتوّعد من لم يتب منهما بسوء المصير ، فقال الله عز وجل في سورة الهُمَزة - والتي هي من السور المكية متقدمة النزول - ( ويلٌ لكل هُمَزة لُمزة * الذي جمع مالاً وعدّده * يحسب أن ماله أخلده * كلا ليُنبذنّ في الحُطمة * وما أدراك ماالحُطمة * نار الله المُوقدة * التي تطّلع على الأفئدة * إنها عليهم مُؤصدة * في عمدٍ ممدّدة ) وقال جل وعلا : ( الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لايجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذابٌ أليم * استغفر لهم أو لاتسستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لايهدي القوم الفاسقين ) وقد اختلف أهل العلم وأهل اللغة في معنى الهمز واللمز فقال بعضهم : الهمز بالقول واللمز بالفعل وقيل اللمز بالوجه واللمز في حال الغَيْبة ، وقيل : الهُمزة اللُمزة الطعان العياب الذي يعيب الناس والغالب أن الهمز يكون بالفعل واللمز يكون بالقول بدليل الآية السابقة : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات . . . . ) وكذلك قوله : ( هماز مشاء بنميم ) ففي الآية الأولى روي عن ابن عباس أنه قال فيها مامضمونه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس يوماً فنادى فيهم : ان اجمعوا صدقاتكم ، فجمع صدقاتُهم ، ثم جاء رجل من آخرهم بمنٍّ من تمر فقال : يارسول الله هذا صاعٌ من تمر ، بتُّ ليلتي أجرّ بالجرير الماء ، حتى نلتُ صاعين من تمر فأمسكتُ أحمدهما وأتيتك بالآخر ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينثُره في الصدقات ، فسخر منه رجالٌ وقالوا : والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا ، وما يصنعان بصاعك من شيء ، ثم إن عبدالرحمن بن عوف رجلٌ من قريش من بني زُهرة ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل بقي من أحد من اهل هذه الصدقات ، فقال : " لا " ، فقال عبدالرحمن بن عوف إن عندي مائة أوقية من ذهب في الصدقات ، فقال له : " أمجنون أنت " فقال : " ليس بي جنون " فقال : " فعلمنا ماقلت "  ، فقال : نعم ، مالي ثمانية آلاف ، أما أربعة آلاف فأُقرضها ربي ، وأما أربعة آلاف فلي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لك فيما أمسكت ، وفيما اعطيت ، وكره المنافقون فقالوا ، والله ماأعطى عبدالرحمن عطيته إلا رياءاً وهم كاذبون إنما كان به متطوعاً ، فأنزل الله عذره وعذر صاحبه المسكين الذي جاء بالصاع من التمر ، فقال الله في كتابه : " الذين يلمزون المطوعين . . " الآية وأما قوله تعالى : ( همّاز مشاء بنميم ) فهو الوليد بن المغيره وقيل غيره وهو أهل عداوة وعدوان لدين الله . 

عباد الله : نهى الله عن العدوان بالهمز واللمز وبين أنهما من صفات المنافقين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون والنهي للمؤمنين جليٌ واضح وصريح في قوله : ( ياأيها الذين آمنوا لايسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) ويعود اللمز في أصله لاحتقار من اللامز لمن يلمز وسخرية منه وكره ، فالسخرية تجر إلى اللمز واللمز قد يجر إلى التعدى والعدوان ، وإذا كان الإعتداء والتعدي سُجلت على العبد حق مظلوم سيوفيه العبد طال به الزمان أو قصُر في الدنيا أو في الآخرة ولذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " المستبان ماقالا فعلى البادئ مالم يعتدِ المظلوم " أخرجه مسلم . 

عباد الله : حين يصدر اللمز والسب من الإنسان فإن الشياطين تتخذ ذلك المجلس الذي لايُذكر فيه اسم الله ، ويُذكر فيه معائب الناس وعوراتهم محتضراً لهم ومكاناً يأوون فيه ، وإذا كانت هناك خصومة وسباب ، كان المستبان شيطانان كما ورد في حديث عياض رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان " أخرجه الإمام احمد وابن حبان ،  والهتْرُ هو قول الباطل والزور ، وتلك استعارة لأن الشيطان يدفعهما دفعاً شديداً للكذب وقول السوء وقبيح الأقوال ، لتمكنه منهما حال الغضب وكذلك حال الإنسان حين الغضب الذي يجب أن يجتنبه ويدفعه عن نفسه ويتعوذ حينها من الشيطان الرجيم  ، وإن عدوان الإنسان على عرض أخيه كبيرة كأكل الربا وفي الحديث الذي اخرجه أبوداوود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكبر الكبائر عرض الرجل المسلم والسُبّتان بالسُبّة " وورد في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السُبتان بالسبة ربا " فمن ابتُلي بمثل ذلك فأفضل الأحوال أن تُعرض عن ذلك الجاهل الذي نال منك بقبيح قوله امتثالاً لقول الله تعالى : " خذ العفو وأمُر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين  "  ، ومن ابتُلي فلا يزد في الرد عن ماقاله البادئ فإن ذلك تجاوز لحدود الله ورباً في الأعراض سيجني عاقبة قوله أجارنا الله وإياكم من سيء الأقوال والأفعال وسوء المآل . 

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود . 

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله الكريم المتعال ، ذو العزة والجلال والصلاة والسلام على نبينا محمد ، الذي جعله الله للناس خير مثال صلى الله عليه وعلى الصحب والآل ومن تبعه بإحسان إلى يوم المآل أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واحرصوا - رحمكم الله - على صون ألسنتكم عما حرم الله من سيء الكلام والأقوال وتذكروا قول الحق تبارك وتعالى :     ( مايلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد ) وقول الله تعالى : ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجُلهم بما كانوا يعملون ) فالمؤمن يحفظ لسانه ويكف لسانه عن الخوض في أعراض الناس كافّة وليحذر من اتهام الناس تماشياً مع الظن ورمي الكلام حدساً وجزافاً  ، فإنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "  من قال في مؤمن ماليس فيه ، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال " أخرجه أبوداود من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه ، وردغة الخبال : هو عصرة أهل النار - قيحهم وصديدهم - فنعوذ بالله من سوء المصير وحال أهل السعير . 

وفي حادثة الإفك يقول الحق تبارك وتعالى محذراً بعضُ أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم وواعظاً لهم  : ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به عمل وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم مايكون لنا ان نتكلّم بهذا سُبحانك هذا بُهتانٌ عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين * ويُبين الله لكم الآيات والله عليمٌ حكيم )

وهناك علاجٌ نبوي يُعالج يدرأ الإعتداء والإستطالة على الغير والهمز واللمز والسباب والظلم وهو كما قال المصطفى عليه السلام : " إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لايفخر أحدٌ على أحدٌ ولا يبغي أحدٌ على أحد " أخرجه الإمام مسلم رحمه الله وإيانا أجمعين ، ويشهد لذلك كتاب الله حيث يقول جلا وعلا لنبيه : ( واخفض جناحك للمؤمنين ) وكذلك :   ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) فالتواضع هو العلاج لكبرياء النفس والتعالي على الآخرين وهو خلقٌ رفيع ، وما تواضع عبدٌ لله إلا رفعه ) كما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام . .  ثم صلوا وسلموا 



الخميس، 29 سبتمبر 2022

خطبة عن ضيق الصدر والخلُق والملل

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عبادالله : إن من صور النعيم في الدنيا والآخرة السعادة وانشراح الصدر والطمأنينة فهذا نعيمٌ يُدخل النعيم الأكبر وهو دخول جنة الرحمن والطمأنينة والسعادة وانشراح البال والخاطر في وقتنا هذا أصبحت عزيزة في وقتنا هذا خاصة فلاتُنال بالمال ولا بكثرة الأعمال ولا بالذكاء والفطنة وإنما هي توفيقٌ من الله أولاً وعملٌ بأسباب الإنشراح والطمأنينة والسعادة وأول تلك الأسباب هي كثرة الذكر حتى يطمئن العبد به اطمئناناً لايرغبُ باستبداله أياً بأي شيء من عرض الدنيا الزائل القليل مع التزود الحرص على التزود بالأعمال الصالحة ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) والله جل وعلا ماوصف في كتابه أياً من العبادات بوصف الكثرة كما وصف الذكر : (( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بُكرة وأصيلا )) ولما ذكر أوصاف المتعبدين له يسائر العبادات أفرد الذاكرين والذاكرات من بين المتعبدين بالكثرة وحثهم على الإكثار من ذلك ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما ) وهذا يدل على أن مايوصل ابن آدم للدرجة المطلوبة من الرضا واليقين والطمأنينة والسعادة والإنشراح إلا كثرة الذكر ومما يدلل على ذلك أن المنافقين قد ذكر الله عنهم أنهم يذكرون الله ولكن ذكرهم لله قليلٌ ومع ذلك مانفعهما ذلك لعظم جرمهم وقلة ذكرهم لله ( إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولايذكرون الله إلا قليلا ) 

عباد الله : ومن تلك الأسباب التي تجلب الطمأنية والإنشراح : اجتناب مواطن الغفلة كلها قدر الإمكان ، فإن صاحَبَ تلك الغفلة وجود محرمات ومحظورات شرعية فإن هذا هو الذي يجلب الهم والنكد للعبد ، وما جعل الله أنس وراحة ابنِ آدم في ماحرّم عليه أبداً ، وإن أبدى ابنُ آدم الفرح والسرور ، والله قد قطع العهد على نفسه جل وعلا بأن يـُشقي المعرض عن ذكره ويسلّط عليه الضنك والضيق ويُعقبُه سوء المصير ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرُه يوم القيامة أعمى * قال ربِّ لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) 

عباد الله : ومن الأسباب أيضاً كثرة الدعاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من التعوذ من الهم والحزَن ، فقد روى البخاري رحمه الله وإيانا أجمعين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أخدمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل ،فكنت أسمعه يُكثر أن يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزَن والعجز والكسل والبُخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال " وهل رأيتُم في يومٍ من الأيام أن الهمّ والحَزَن عالج مشكلة أو حلّ معضلة أو جلب نصراً أو فتحَ قُطرا ، أو رفع بلوى ، أو دفع شكوى ، أو دفعك لعمل الخير أو صرف عنك الشرّ .

 الهم والحزَن - ياعباد الله - يُشغل القلب والفكر وإن استشرى بالعبد أقعده عن فعل الفرائض والواجبات ، وأثقل بدنه وفكره ، وربما سبب له أمراضاً مستعصية ، وجلب له ضيق الصدر وسوء الخُلق والتشاؤم وعندما تسبُر هذا الداء تجد أنه ضعفٌ في القلب وضعفٌ في الإيمان أيضاً 

يقول ابن القيم رحمنا الله وإياه والمسلمين : " إن المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قوت قلبه قوي بدنه ، وأما الفاجر فإنه - وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة ، فتخونه قوّته عند أحوج مايكون إلى نفسه " 

ولا يُقوّي القلب إلا أمدادٌ من التقوى والإيمان فالتمس لقلبك كلَّ مايقويه من معاني الإيمان واليقين والتقوى فما دخل النقص على ابن آدم إلا بخلل في إيمانه ويقينه وتقواه وعلامة ذلك كما قال الله جلّ وعلا : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياتُه زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) وكما قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) جعلنا الله وإياكم منهم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة قاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان أفضل الصلوات والتسليم من الله العلي الكبير أما بعد : 

عباد الله : عندما تُعاشر الناس في مجالسهم ومنتدياتهم تجد من الناس من يشكو لك من مللٍ أو ضيقٍ أو همٍ ألمّ به فهذا العبد هو في حالة تُشبه حالة الغريق الذي يستنجد بغيره لينقذه مما هو فيه ، وهنا يأتي دور الناصح المُصلح الذي ينتشل أمثال هؤلاء فيوجههم بموعظة صادقة بليغة تُغير مسار حياتهم ونمط عيشهم وتعامُلِهم مع مايطرأ لهم من مُشكلات وهذا من أجلّ الأعمال الفاضلة التي وردت في الحديث حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه : " سرورٌ تُدخله على مسلم : تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً " فانظر كيف فسر السرور في هذا الحديث بكشف الكرب وقضاء الدين وطرد الجوع ، وليس ذلك للحصر ولكن أفضلَ مايُدخل السرور على العبد هذه الأمور لقلّة من يقوى عليها غالباً ، ومايزال الخير قائماً في هذه الأمة حتى يرث الله الأرض وماعليها . 

وماعولجت - ياعباد الله - الضائقات والهموم والأحزان بمثل التفاؤل والأسباب الروحية كسماع القرآن بكثرة والظن الحسن بالله والرضا بأقداره والإستسلام لأمره في شأن العبد كلّه وهو المنّان الذي يرسل تلك الهموم والأحزان على عبده المؤمن ليكفر عن خطاياه ويرزقه السعادة والرضا والقبول فأبشر ياعبدالله بالخير كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : " مايُصيب المؤمن من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حَزَن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكُها إلا كفّر الله بها من خطاياه " وفي حديثٍ آخر : " من يُرد الله به خيراً يُصب منه " وقال أيضاً في حديث آخر : " أبشروا وأمّلوا مايسركم " وفي حديث عبدالله بن عمرو عند ابن ماجه قال رضي الله عنه : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقَّب من عقًّب ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسرعاً قد حفزه النفس ، وقد حسر عن ركبتيه ، فقال : " أبشروا ، هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء ، يُباهي بكم الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " . 

ثم صلوا وسلموا على صفوة الأبرار النبي المختار كما قال جلا وعلا : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 



الخميس، 22 سبتمبر 2022

خطبة عن النعم وشكرها وآثار زوالها

 إن الحمد لله الذي أنعم على عباده بوافر النعم ، وخلقهم من عدم ، واصطفاهم على سائر الأمم وهو ذو الجود والكرم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين فأزاح الله به الظُلَم ، وثبت الله به دعائم الإسلام والقيَم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والشيم ومن لهديه اقتفى والتزم أما بعد : 

أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما نتأمل نعم الله علينا وعلى عباده نجد كمّاً هائلاً وزخماً مهولاً من النعم التي لاينقضي ولا تنتهي يستوجب منا اللهج الدائم بالحمد للمنعم الذي بيده ملكوت كل شيء ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار ) ( وإن تعدوا نعمة الله لاتُحصوها إن الله لغفورٌ رحيم ) ونعمة الله قديمة وحادثة ومتجددة والله جل وعلا دائماً يُذكر بنعمته في معرض الكتاب وكذلك كان الأنبياء يُذكّرون أممهم بنعمة الله تعالى عليهم ويذكّرهم الله بنعمته ، يقول هودٌ لقومه : ( واذكروا إذ جعلكم من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تُفلحون ) وآلاء الله نعمه وعطاياه ، وقال صالحٌ لقومه : ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وقال موسى لقومه : ( وإذ قال موسى لقومه ياقومِ اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤتِ أحداً من العالمين ) ويقول الله في شأن عيسى عليه السلام : ( إذ قال الله ياعيسى بنَ مريم اذكر نعمتي عليه وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القُدس تُكلّم الناس في المهد وكهلا . . . ) الآية وكان الأنبياء دأبهم وعادتهم الحمد والشكر لله على نعمه وآلائه فقال في شأن نوح أبي البشرية الثاني : ( إنه كان عبداً شكوراً ) وقال في ابراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام : ( إن ابراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين * شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيم ) وكان نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم عبداً شاكراً لربه ذاكراً  صلى الله عليه وسلم وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت له عائشة يوماً : " لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر " قال : " أفلا أكون عبداً شكورا " وفي رواية : " أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا " متفق عليه . 

عباد الله : نعم الله لايحصيها العادون ولا يقدُر قدرها الشاكرون ولذا كان الله دائماً ينكر على الثقلين الجن والإنس تكذيبهم بنعم الله ويقول : ( فبأي آلاء رببكما تُكذبان ) في واحدٍ وثلاثين موضعاً في سورة الرحمن لأن كثيراً من نعم الله ذُكرت في سورة الرحمن ، وأعظم تلك النعم نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان فمع فقد الأمن لاتقوم حياة الإنسان ولاتصلح أحوال المعيشة وعدّ الله تعالى تلك النعمة على عرب الجزيرة خاصّة من أفضل الله وحذّر من الكفر بها فقال جلا وعلا : ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويُتخطّف الناس من حولهم أفالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) ووجود كلاً من الحرمين المعظمين سبب للتمكين وهيبة الناس حتى من الكفار من اليهود والنصارى والله ذكر مايدل على الحرمين في التوراة والإنجيل تلميحاً لاتصريحاً بالإسم وذكر وصف كلٍ منهما ، ولذا كانت اليهود تستوطن أرض يثرب في قديم الزمان قبل الأنصار تيمناً بخروج نبي به يسودون رقاب الأمم حسب زعمهم فلمّا خرج وعرفوا أنه ليس من ولد إسرائيل الذي هو نبي الله يعقوب كفروا به حسداً من عندهم لولد إسماعيل ويحكي الله ذلك عنهم في محكم التنزيل فيقول : ( ولمّا جاءهم كتابٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) . 

عباد الله : وعندما يفقد ابن آدم الصحة في البدن فإنه لايستطعم هذه الحياة ولا يطمئن بها ويكون عالة على الناس ومحتاجاً إليهم في كثير من شؤونه في ذهابه وإيابه وأكله وشربه وقضاء حاجته ولا تحصلُ له فرصةَ العمل بها لله فيُحرمُ المسلم  بذل تلك الأعضاء واستعمالها في مايقرب العبد من مولاه ، ولذا كان من دعاء المصطفى عليه الصلاة والسلام : " ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبداً ماأبقيتنا واجعله الوارث منّا " وذلك أن العبد يستفيد من هذه الأعضاء في استعمالها بالطاعة واجعل ذلك السمع والبصر والقوّة كالوارث لي بعد الموت أي اجعلها سليمة أستغني بها وأعمل بها في طاعتك ورضوانك وليس كما يظن البعض أن السمع والبصر والقوة اجعلهم للوارثين من الأبناء والبنات وغيرهم . 

ومن تلك النعم نعمة وجود الرزق والغذاء والشراب والدواء فمع الجوع لاتستقيم الأبدان ولايعيش الإنسان فتخيل حالك - ياعبدالله - بعد زوال هذه النعم الثلاث خاصة كيف تحيا بونها وكيف تنام ، وكيف تذهب وتأتي ، وكيف تُصلح أمورك وتطلب كسب رزقك ، فمع وجود هذه النعم الثلاث التي هي أساس النعم بعد نعمة الهداية لهذا الدين تصلح أمور الدنيا ويحيا ابن آدم حياة كريمة طيبة يعبد فيها مولاه ويشكر عطاياه ويسعى لرضاه ، وقد بيّن ذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه النعم في الحديث الحسن الذي رواه عبيدالله بن مِحْصَن الخطمي أنه صلى الله عليه وسلم قال  : " من كان آمناً في سربه ، معافاً في جسده ، عنده قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها " - أي بأسرها -  أخرجه الترمذي وابن ماجه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " عنده قوت يومه " فقط ، فكيف بمن عنده قوت سنين طويلة ، ومع ذلك يعجزُ عن الحمد والشكر لله تعالى المنعم المتفضل بل ويستخدم ماوهبه الله تعالى في معصيته ، فهل من مستيقظ من غفلته ؟ وهل تُديم لله الحمد والثناء لله بما هو أهله ؟ فاللهم لك الحمد حمداً يُضاهي عدد تلك النعم ، ويحثنا للمزيد من الشكر لذي الحلم والكرم ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم وهو الغفور الرحيم ذو الفضل العميم  . 

============== الخطبة الثانية =================

الحمدلله ذو الفضل والإحسان والجود والإمتنان والصلاة والسلام على المبعوث بالفُرقان والحكمة والبيان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولو الفضل والعرفان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الله جلا وعلا وعد بالزيادة لمن شكر وبالخوف والجوع وشدة المؤونة لمن بطر وكفر ( وإذ تاذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) فتلك سنة الله التي لاتتبدل على مرّ العصور ولا تتغير في سائر الأيام والدهور ، فلا نكن كقوم سبأ الذين وهبهم الله جنتين عن يمينٍ أوديتهم وشِمالها ، فلما كان منهم الكفر والإعراض أرسل الله عليهم سيل العرم الذي يجرف ماأمامه من شيء وبدلهم بجتَيْهِم جنتين اجتمع فيهما الشوك وشجر مر الطعم وأشجار صحراوية ليست من أشجار الجنان التي تُزيّن البساتين والضيعات والحدائق وباعد الله بين أسفارهم وجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق ، فذلك فصلٌ وقصة من قصص الجحود والكفران عافانا الله وإياكم منه ، وإن أول الكفر والجحود والتغيير يكون من القلب فإن القلب في بعض الأحيان يكتنفه الأشر والبطر ، فيدخل ابن آدم بتماديه مرحلة الفسوق والكفر والعصيان ومن يأتي التغيير الإلهي ، فاحذر ياعبدالله من شرّ نفسك وسوء السريرة واستعذ بالله من ذلك ( إن الله لايُغير مابقوم حتى يغيّروا مابأنفسهم . . ) . 

عباد الله : إن التغيير الإلهي وتبديل النعمة بنقمة عندما يأتي - لاقدر الله - يكون عامّاً شاملاً يشمل جميع فئات المجتمع كبيرُهم وصغيرهم وغنيهم وفقيرهم وصالحهم وفاسقهم وسببه هم المترفون الفسقة الذين ينبغي أن يؤخذ على أيديهم : ( وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ويرشد لذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام لذلك فيقول : " مامن رجل ٍ يكون في قوم يعملُ فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغيروا عليه ، فلا يُغيروا ، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا " أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبودود وابن ماجه .

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

خطبة عن حفظ النفس من التلف وإنقاذها

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : عندما ذكر الله جل وعلا نعمته على ابن آدم ومنها نعمة الكلام والسمع والبصر ونعمة التمييز بين الحق والباطل وطريق الخير والشر ، ذكر عقبة لايجتازها إلا الصادقون ولا يتقفاها إلا المشمرون المخلصون وأصحاب الأعمال الصالحة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل في سورة البلد : ( ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكّ رقبة * أو إطعام في يومٍ ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) ومن خلال هذه الآيات يُعلم بأهمية وفضيلة إنقاذ الناس من المجاعة والحفاظ على النفس البشرية من أسباب الردى والهلاك ، وفضيلة إعتاق الرقاب إن وُجدت وأن ذلك كلُّه من أسباب نجاة الإنسان ، وكل إطعام ٍللطعام له فضيلة ، وأفضل الإطعام في يوم المجاعة والمسغبة كما ذُكر في الآية ، وما كان للقريب اليتيم فهو أكثر فضيلة وكذلك للمسكين الذي من شدة جوعه لصق بطنه في التراب وذك معنى " متربة "  الآنفة الذكر ، وفي حديث عبدالله بن دينار رحمه الله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  قال : قيل يارسول الله ؟ من أحبُ الناس إلى الله ؟ قال : " أنفعُهم للناس ، وإنّ أحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخله على مؤمن ، تكشِفُ عنه كرْباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرين - وفي رواية شهراً - في مسجد ، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يُثبتها له أثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ، وإن سوءَ الخُلق ليُفسد العمل كما يُفسد الخلّ العسل  " . أخرجه ابن أبي الدنيا وأخرج مثله الطبراني في المعجم الأوسط  .

وفي قصة عبدالله بن سلام رضي الله عنه الذي كان من أهل الكتاب أنه أول ماسمع من النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة : " يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " يقول الإمام الخطّابي : " جعل صلى الله عليه وسلم أفضلها - أي الأعمال - إطعام الطعام الذي هو قِوام الأبدان ثم جعل في خير الأقوال في البر والإكرام إفشاء السلام الذي يعم ولا يخص ، من عرف ومن لم يعرف ، حتى يكون خالصاً لله تعالى ، بريئاً من حظ النفس والتصنع ، لأنه شعار الإسلام ، فحق كل امرئ فيه شائع " .

عباد الله : كل عملٍ يدخل في الحفاظ على النفس البشرية المؤمنة خاصة ، من الكوارث الطبيعية  التي يقدرها الله جل وعلا لأسباب هو من أفضل الأعمال وأعظم القُربات ، كإنقاذها من الحرائق والغرق والأعاصير المدمرة والمجاعات والأوبئة الفتّاكة وحتى حوادث السيارات وغيرها والله جل وعلا أمر بالإحسان ومكارم الأخلاق فكونوا - عباد الله - من المحسنين ( والله يُحب المحسنين ) فإن الإحسان يملك الإنسان ويأسُره ، وما فُتحت كثير من البلدان وانتشر الإسلام فيها إلا بالإحسان وأخلاق أهل الإيمان ، وينبغي أن يتعلم المسلم ماهو وسيلة لإنقاذ النفس البشرية من الأسباب المادية والمعنوية كالإسعافات الأولية للمرضى ، والتعامل مع الجراحات والكسور والسباحة لإنقاذ الغرقى ، والتعامل مع الحروق لإنقاذ الحرقى ونحو ذلك هو من سبل فعل الخير والإحسان وسببٌ يؤجر عليه الإنسان إن أخلص فيه النية لرب البرية ، وكذلك من يتعلم الطب من أجل إنقاذ الأرواح بالأسباب المباحة فهو على خير ، وكان السلف يتهلفون على تضييع علم الطب ويقولون إن العلم علمان : علم إصلاح الأرواح وهو ماشرع الله من الذكر والصلاة وقراءة القرآن والدعاء وغير ذلك من الأعمال الصالحة ، وعلم إصلاح الأبدان وهو معرفة الطب والغذاء النافع والضار ونحو ذلك  . 

عباد الله : كثير من الناس يُمارس أعماله الوظيفية بلا نية ولا إخلاص ، فصار عملُه عادة  ، ومن كان عمله عادة فاته الكثير ، وصار لايؤجر على مايصنع لأنه لم يحتسب ذلك وإن الأعمال بالنيات ولذا كان الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وعنا أجمعين يقول  " أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " ويُذكر عن بعض العلماء الكبار أنه قال : " والله منذ عقلت ماأذكر أني عملت عملاً لغير الله تعالى " فانظر كيف يحفظون جميع أعمالهم ويسثمرون الوقت في هذه الدنيا لكي تكون كلها شاهدة لهم لاعليهم وحسناتٌ لهم لايفوت منها شيء وكيف جعلوا هذه الدنيا مطية للآخرة ساعاتها ودقائقها وكل الأعمال جلُيلها ودقيقُها ، فاللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات في كل أحوالنا ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============
الحمدلله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانِه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أوتي جوامع الكلم وبيانِه ، ودل أمته على سبل الهداية بتوجيهه وخُلقه وإحسانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى اليوم الآخر أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أ ن من البشر من هو معصوم الدم كالمسلم والكافر الذمي والمعاهد والمستأمن فلا يحل التعرض لهم بأذى ويُعامل في الإنقاذ معاملة المسلم ، وإن من أهمية انقاذ النفوس من الهلكة أنك تقطع الصلاة من أجل انقاذهم ولو ضاق وقتها عليك وهذا ماقرّره الفقهاء ، كمن يغرق ويستصرخ بمُنقذ وهو يُصلي والإنقاذ مُقيّد بالقدرة والتمكن فمن استنجد به غريقٌ وهو لايُجيد السباحة فلا يجب عليه إنقاذه ، بل يحرم لأنه يُلقي بنفسه للهلاك ، بل إنه إذا خشي على نفسه الهلاك حينما حاول إنقاذ غريق مثلاً بسبب تشبثه به فله أن يتركه ولو غرق حفاظاً على نفسه ولقوله تعالى : ( ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وكذلك لو وقعت مجاعة شديدة وكان بيده طعام قليل بالكاد يكفي عياله فلا يلزمُه بذله للمضطر ، يقول ابن قدامة في المغني : " وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقاً كثيراً ، أو كان عند بعض الناس قدر كفايته أو كفاية عياله ، لم يلزمه بذلَه للمضطرين ، وليس لهم أخذه منه ، لأن ذلك يُفضي إلى وقوع الضرورة به ، ولا يدفعها عنهم ، وكذلك إن كانوا في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة ، لم يلزمه بذل مامعه للمضطرين ، لأن هذا مفضٍ إلى هلاك نفسه ، وهلاك عياله فلا يلزمُه ، كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه ، ولأن في بذله إلقاءٌ بيده إلى التهلكة ، وقد نهى الله عن ذلك " 

وقد قرر الفقهاء - ياعباد الله - أن الإيثار بالواجب محرّم ، فلو أن - على سبيل المثال - شخصاً ليس معه من الماء إلا مايكفي حاجته وطهارته ومعه شخصٌ آخر يحتاج إلى ماء فلا يُعطيْه ذلك الماء ، ويجب على الآخر أن يتيمم ، لو أعطاه إياه فإن إيثاره ذلك محرّم ، فاللهم فقهنا في الدين واجعلنا من عبادك المتقين ياذا الجلال والإكرام . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 


الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

خطبة عن الطلاق وآثاره

 الحمدلله الذي بقدرته خلق الزوجين الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تُمنى ، وله المثل الأعلى ، والحمدلله الذي بيده الآخرة والأولى ، وأنعم على عباده وأولى ،  والصلاة والسلام على المبعوث بالحق والهدى ، إلى جميع الخلق ولم يتركهم سُدى وعلى آ له وصحبه ومن لزم صراط ربه واهتدى ، أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون بها والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) . 

عباد الله : كلٌ منا يسعى لحياة مستقرّة وبيت ٍأُسري خالٍ من المنغصات والمشاكل الزوجية وإن أكبر خطرٍ يهدد البيوت ويقض أركانها هو الطلاق الذي بدأت آثار انتشاره تبدو واضحة في مجتمعنا والعالم الإسلامي إلا من رحم الله ، ولا شك أن الزوجة الصالحة - ياعباد الله - هي خير مايدّخر العبد ويحوز في دنياه ، وذلك أن الزوجة بشكل عام  هي في الواقع قاعدة للبيت وإذا كانت صالحة فهي صلاح لدينك ودنياك وصلاحٌ لولدك الذي تبني عليه آمالك وتؤمل فيه ، ولذا ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أُنزلت في الذهب والفضة - أي قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم ) لو علمنا أي المال خيرٌ فنتخذَه ، فقال - أي صلى الله عليه وسلم : " أفضله لسان ذاكر وقلبٌ شاكر وزوجة مؤمنة تُعينه على إيمانه " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ، وفي رواية في مسند الإمام أحمد : " وزوجة صالحة تُعينه على أمر الآخرة " . 

عباد الله : إن أعظم سبل الشيطان وسبب ضياع الأبناء والبنين هو اللجوء إلى الطلاق ، فيفرّق الإنسان شمله بسبب لحظة غضب يندم عليها ابن آدم أشدّ الندم ، وتضيع بسبب ذلك الموقف أسرتُه ، فليتق اللهَ العبدُ المؤمن ويتعامل مع الغضب وذلك الموقف بالحكمة والبصيرة والعقل ، وليصبر ولا يضع مستقبل نفسه وأبناءه وأسرته رهن موقف واحد وليعالج الأمور بالتي هي أحسن ، وإن من أشد مايفرح به الشيطان وشياطين الإنس والجن وقوع الطلاق وتشتت الأسر ، فإن هذا يُرضي شهواتهم بسبب ذواتهم الشريرة وسرائرهم الخبيثة وفي الحديث : " إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثمّ يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، فيقول : فعلتُ كذا وكذا ، فيقول : ماصنعتَ شيئاً ، قال ثم يجيئ أحدهم فيقول : ماتركتُه حتى فرّقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ، ويقول : " نعم أنت " قال الأعمش أُراه قال : " فيلتزمُه " رواه مسلم . 

عباد الله : إن الله لم يشرع الطلاق لتفرقة البيوت وحاشاه جلّ وعلا ، ولكن الله شرعه لتُحلّ مشكلة ، وليس لتُفرق أسرة ، ولتُفرّج كربة ، وليس ليفرح عدو ، ولتؤدى حقوق ، وليس لتضيعَ أسرة  ، وبعض الناس - هداهم الله وعافاهم - يستخدمون هذا الطلاق أسوأ استخدام فالأصل في البيوت أنها قائمة شامخة بأهلها موطدة الأركان وثابتة البنيان ، ولذا كان الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ولذا كان الطلاق تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة : فيباح عند الحاجة الشديدة ، ويُكره عند عدمها ، ويجب عند عدم رجوع الزوج لزوجته وإهماله لحقها ، فإن الله رصد لمن يترك معاشرة زوجته أربعة أشهر ، فإن رجع الزوج لزوجته وإلا وجب الطلاق إن طلبت الزوجة ذلك ، ويحرم الطلاق في حال الحيض ، وفي حال طُهر المرأة إذا جامعها فيه ، ويستحب أو يُندب إذا فرّطت المرأة في حقوق الله الواجبة كالصلاة أو تكون - لاقدر الله - غير عفيفة أو نحو ذلك .

إن البيت المستقر ياعباد الله من النعيم في هذه الدنيا وكان من دعاء السلف " اللهم إني أسألك عيشة هنيّة وميتة سويّة ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح  " فالبيت المطمئن والأسرة المستقرة من أفضل النعيم ، ومن رزقه الله ذلك فليكثر من حمد الله تعالى وشكره ، فإن من البيوت من تئن ، إما من تشتت سببه طلاق ، وإما من ضياع أفراد سببه انفصال بين الزوجين وافتراق ،  وإما من انحراف سببه قلة مسؤولية ونقص ديانة وعدم متابعة للأبناء والبنات بعد حدوث الطلاق  فاللهم أصلح أحوال المسلمين ، وأصلح ذات بينهم واجمع شمل أسرٍ افترقت وبيوتٍ تصدّعت ياذا الجلال والإكرام ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  .

=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله له الحمد كلُّه وله الشكر كلُّه وإليه يُرجعُ الأمر كله دقُّه وجلًّه وأولهُ وآخرُه وعلانيتهُ وسرُّه ، والصلاة والسلام على المبعوث للناس رحمة ، فأحيا به الله الملّة وأزاح الظُلمة وكشف الله به الغُمّة عن الأمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع كتاب ربه والسُنّة أما بعد : 

عباد الله : فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن هناك أسبابٌ كثيرة يجب على المسلم  أن يحذر منها من أجل أن يبقى بيت الزوجية مستقراً ولايداهمه الطلاق ، ولعلنا أن نأتي على بعض تلك الأسباب فمنها : عدم التوافق بين الزوجين من أيام الزواج الأولى وسبب ذلك تزويج المرأة وهي كارهة أو عدم أخذ رأيها في ذلك ، وفي الحديث : " لاتُنكح الأيّم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن " قالوا : يارسول الله ، وكيف إذنها ، قال : " أن تسكت " متفق عليه .

ومن تلك الأسباب التقصير من الزوج أو الزوجة في حق الآخر فيُحدث هذا الأمر الكراهية من أحدهما للآخر وينبغي في هذه الحال حل الأمور بالصبر والتأني والنصح والتوجيه ، فإن البغضاء والكراهية إذا حلت في بيت أفسدته وفي الحديث : " لايفرُك مؤمنٌ مؤمنة إن كرهَ منها خُلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم 

ومن تلك الأسباب عدم الإتفاق على الشروط أو عدم إثباتها في العقد ، ومنها نقمة الزوجة على الزوج عند الزواج بأخرى ، وهذا يُعالج بالحكمة وليس ببت الأمر بالطلاق حتى وإن طال الهجر من الزوجة الأولى ، فإياك أن تفرّق أسرتك بسبب غيرتها وتنافسِ ضرّتها ، ومنها أن يتراكم الخلاف فلا يُحلّ في وقته فيؤدي إلى حدوث نُفرة لاتتدارك فيما بعد ، ومنها اختلاف المستوى الإجتماعي ومستوى الدخل ، وإرهاق الزوج مالياً ، ومنها تعويد النفس على بعض الألفاظ التي تهدم الأسرة وتُحدث الطلاق كعبارة ( عليّ الطلاق أن تفعل كذا . . ) ونحوها من الألفاظ ، فكيف لعاقل أن يجعل مُستقبل أسرته وأولاده مُعلّقاً على أمر حدث أو لم يحدث ، وكيف لعاقل أن يهدم مابناه في عشرين سنة بكلمة أو عبارة طائشة يذهب ضحيتها أسرة لا ذنب لها ، فليتق الله المسلم وليحذر أشد الحذر من هذا الفعل المشين وليستبدل هذه العبارات السيئة التي اعتاد إطلاقها بعبارات أخرى لايدخل فيها الطلاق ،  فالطلاق أصبح اليوم كالشبح الذي يهدد البيوت ، والخاسر فيها والضحية هو أنت أولاً وأسرتك ثانياً بمن فيها الزوجة والأبناء . 

معشر الأزواج إن التعامل مع المرأة يحتاج لحكمة وتأنٍ وبعدٍ عن أسباب التشاحن والخلافات فإن المرأة لم تُخلق مُكمّلة الخلقة ففيها نقص ٌ فطري في خلقتها وقد أوصى بها النبيُ صلى الله عليه وسلم فقال : " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خُلقن من ضِلَع ، وإن أعوج شيء في الضِلَع أعلاه ، فإن ذهبت تُقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء " رواه البُخاري .

وهذه الوصية النبوية ميزان عام في العلاقات الزوجية لتهنأ البيوت باستقرار وطمأنينة ، فاللهم أصلحنا وأصلح لنا أهالينا وذرارينا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين لاضالين ولا مُضلين . . ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير 

السبت، 27 أغسطس 2022

خطبة ثانية عن بداية العام الدراسي

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من أهم مايسعى إليه العبد في حياته أن يكسَب علماً ينير دربه وبصيرته ، فكلٌ منّا سائرٌ إلى ربه لامحالة
( ياأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فمُلاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يُحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيرا ) فهذه هي الحقيقة المؤكدة التي يجب أن يعمل على ضوءها المسلم وأن ينتقي من العلم ماينفعه ويبتعد عن مايضره ، وذلك أن العلم الذي يكسبُه العبد إما أن يكون علماً ينفع العبد في عبادته ومعاملاته ويقربه من إلهه ومولاه فهذا يجب أن يلزمُه العبد ، ويسعى كل السعي لتحصيله ، ولو بذل في سبيلا ذلك المال ، وإما أن يكون ذلك العلم لافائدة منه بل هو مضيعة للوقت فهذا يجب أن يبتعد عنه المسلم كل البعد حسب استطاعته ، وإما أن يكون ذلك العلم في مرحلة وسط أو يكون سبيلاً لتعلم العلم النافع وتبليغه فهذه لاحرج للعبد في تعلمه مالم يفض تعلمه إلى محرّم كمن يتعلمّ علم الفلك بما فيه الأبراج والنجوم وربطها بالحوادث الأرضية وأما من يتعلمها لمعرفة الوقت ودخول الفصول فلا حرج .

عباد الله : هانحن في بداية عام دراسي جديد طويلٍ نسبياً ، يحتاج لوقفة منا جميعاً ، سواءٌ كنا مربين أم معلمين أم أولياء أمور أم مسؤولين كلٌ حسب مايستطيع ، نريد أن نبني جيلا رائداً في تعلمه وتعليمه وفي إتقانه وسلوكه....
 نحن اليوم - ياعباد الله - بحاجة لنشغل الأبناء بما ينفعهم ، فهناك ملهيات وصوارف كثيرة تُفسد القلب والنشء وتزرع الشهوات والكسل والخمول، فياعبدالله إلى متى تنشغل عن أولادك وبنيك وبناتك ولا تراهم إلا عند حضور طعام أو آخر الليل أو عند الصباح، ذهبت أيام وضيعتها في لهو وغفلة ولعِب فمتى تلتفت إلتفاتة راعٍ ومسؤول وناصح فتؤدي 
ما أوجب الله عليك من نصح أبنائك ورعايتهم، أم تريد أن تكون ممن قال الله فيه ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذابٍ مُقيم ) 

عباد الله : إن مجتمعنا بحاجة إلى تعليم العلم الشرعي أكثر من غيره بعد أن قُلّصت عدد حصصه ودروسه فالفئة العمرية التي من سن السابعة إلى سن الخامسة عشر من العمر يحتاجون منا لزيادة جهدٍ وعمل ورصد ساعات منك أخي الأب وبتوجيه منك للأم لتعلم أبناءك وبناتك أمور الدين وثوابت الشريعة التي يجب عليك أن تهتم بها وتعلّمَها ، فما أضرُ على الناشئ من الجهل وما أضر على الناشئ من الإهمال من نفسه أو من والديه والذي يجره للشرور والفتن فإن العلم حصنٌ مكين وسورٌ حصين من أسباب الردى والهلاك . . فيا أخي الطالب وياأخي صاحب المسؤولية أياً كان دورك ماذا ننتظر من هذا التواكل الذي نعانيه فالتواكل في كل حال مذموم والله أمر بالتوكل وكره التواكل فالتوكل ممدوح والتواكل في كل حال مذموم ، وما ضيع العبد كثيراً من فرص النجاح إلا بسبب العجز والتواكل على الغير ، فمارس عملية التعليم بنفسك مع أفراد الأسرة فإن ذلك خيرٌ لك وأكثر ثواباً واعظم أجراً ولا تيأس أو تتواكل على غيرك بلا سبب ولا مبرر ، فأنت تهيئ أبناءك وبناتك لتنتفع بهم في حياتك وبعد مماتك وليس أحدٌ مشفق عليهم كإشفاقك وحريصٌ عليهم كحرصك فلا تضيّعهم ، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته .

وإذا كُنت موعوداً بجنة عرضُها السماوات والأرض على حُسن تربيتك وتعليمك لأبناءك وبناتك وتعمل لآخرتك فتذكر هذه النعمة واحمد الله عليها ، فغيرك ممن كان على الكفر ينشء ولده وبنته على الكفر ويسوق الله له بعض برّ أبناءه به حسب برّه بأبيه وأمّه ثم يُرمى بعد موته بالهاوية ويصلى ناراً حامية ، وكأنه ماظفر ببر ابن ولا بنت ولا عاش في الدنيا منعّماً وهذا شؤم الكفر والشرك على صاحبه ، فابشر ياعبدالله بكل خير يامن غرست غرساً طيباً في أفراد أسرتك كافّة فسيوفيك ربك الجزاء الأحسن ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون ) جعلنا الله وإياكم منهم وأعاننا على حسن التربية والتعليم والتأديب بالتي هي أحسن ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============ الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي فضل أهل العلم على غيرهم من الخلق ، وأنار سبيل المؤمنين بالقول المبين والحق ، وهو الحق المبين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وإماماً للمتقين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أفضل الصلوات والتسليم من رب العالمين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - 
عباد الله : لما كان الخير المتعدي خيرٌ من الخير اللازم كان الذي يُعلّم خيرٌ من الذي لايُعلّم ولا ينشر العلم ، وكان الذي ينفع الناس خيرٌ من الذي لاينفعهم ، وكان العلماء وطلاب العلم الشرعي خاصّة خيرٌ من غيرهم لأنهم أعلم والغالب بهم أنهم يبذلون العلم وينشرون الوعي في هذه الأمة ، فهذا هو النهج الذي ينبغي أن يسلكه أفراد الأمة كافّة فوالله مايُصلح هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها ، وما صلُح وفاز الرعيل الأول من هذه الأمة إلا بحيازتهم قصب السبق في العلم ونشره وحفظهم وإتقانهم وإمامتهم في الخير ونيّتهم التي تحدوهم لمزيد من البذل والعطاء ورفع الجهل عن هذه الأمة وفي حديث مال إلى تحسينه جمعٌ من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا ملعونة ، ملعون مافيها إلا ماكان لله عز وجل " وفي الحديث الآخر الذي حسّنه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكرُ الله تعالى وما والاه وعالماً ومتعلّماً " فكيف يشتغل العبد بشيء لامنفعة فيه ولهو لاطائل من ورائه عن عمل الآخرة ورصد الأجور والثواب له يوم الدين ، ويقول الحافظ ابن رجب رحمنا الله وإياه تعليقاً على هذا الحديث : " فالدنيا وكل مافيها : ملعونة ، أي مُبعدة عن الله لأنها تُشغل عنه ، إلا العلم النافع الدال على الله وعلى معرفته ، وطلب قُربه ورضاه ، وذكر الله وما والاه مما يُقرّب من الله ، فهذا هو المقصود من الدنيا ، فإن الله إنما أمر عباده بأن يتقوه ويُطيعوه ، ولازم ذلك دوام ذكره ، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه : " تقوى الله حقّ تقواه أن يُذكر فلا يُنسى " وإنما شرع الله إقام الصلاة لذكره ، وكذلك الحج والطواف ، وأفضل أهل العبادات أكثرهم ذكراً لله فيها ، فهذا كلّه ليس من الدنيا المذمومة ، وهو المقصود من إيجاد الدنيا وأهلها ، كما قال تعالى : " وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون " ا.هـ كلامه . 
فاقطع على نفسك عهداً أن تخصص ساعتين أو ساعة من وقتك تُعلّمَ فيه أفراد أسرتك ولا تفرّط في ذلك بقدر استطاعتك ، فالجهل بدأ يرتع في مجتمعنا ، ومن تُعلمهم اليوم فسيسودون غداً ، وإن سادوا على جهل فلا خير في أمة ساد فيها جُهّالها وتصدّر سفهاءها وشِرارها 
لايصلح الناس فوضى لاسُراة لهم  * ولا سُراة إذا جهالهم سادوا 
تُلفى الأمور بأهل الرشد قد صلُحت * فإن تولّوا فبالأشرار تنقادُ 
اللهم أصلح على أيدينا وارفع عنا الجهل وعن أولادِنا وأهلِينا وعن المسلمين كافّة ياسميع الدعاء ياواسع العطاء ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 


الخميس، 18 أغسطس 2022

خطبة عن أهل الذمة والمعاهدين

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : لما فُتحت كثير من البلدان في عصر النبوّة وفي القرون الأولى المفضّلة كان الناس يختلطون ببعضهم البعض فكان من تلك البلدان من دخل في دين الإسلام اختياراً وكان منهم من دخل في دين الإسلام نفاقاً وكُرهاً هرباً من الجزية وكان منهم من لم يدخل في دين الإسلام ورضي بالجزية من يهود ونصارى ومجوس ولما ظهرت الحدود في البلدان وأُقرّت كان من الضروري فهم أحكام أهل الذمة وهم : كل مُعاهد كانت بين ولي أمر المسلمين وبين ولي أمرهم أو من ينوب عنه ذمة وعهد على أن لايمسهم أحد بأذى في بلادنا ولا يمس منّا أحدٌ في بلادهم أو كان مستأمناً أمّنه ولي الأمر وسمح له بدخول بلاد المسلمين وأن له وللمعاهد ما للمسلمين من عصمة الدم والمال والعرض وعليه ماعليهم فلو جنى أُخذ بجنايته أياً كانت جنايته ويُقاد بحسبها ، والشرع المطهر من الوحيين الكتاب والسنة أمر بالوفاء بالعهود حيث قال جلّ وعلا : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها . .) ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) وفي الحديث الآخر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : " أخبرني أبو سفيان أن هرقل - ملك الروم - قال له : " سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة " قال : " وهذه صفة نبي " أخرجه الإمام أحمد في مسنده . 
عباد الله : حذّر الله ورسوله من استباحة دماء المعاهدين والمستأمنين ففي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل مُعاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً " أخرجه البخاري وما حرّم الله ذلك إلا لأنه يفضي إلى مفاسد كثيرة من ظهور الفوضى واستباحة الدماء وجرّ الشرور والحروب بين دول إسلامية ودول أخرى بسبب نقض العهد الذي أبرمه ولي الأمر مع أي دولة فهذا المُعتدي حكمه حكم الخوارج الذين لايقرون بعهد ولا بيعة ولا ذمة ولذا في الحديث الصحيح حديث قيس بن عبّاد رحمه الله تعالى أنه قال : " انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله عنه فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده للناس ، قال : " لا ، إلا مافي كتابي هذا " فأخرج كتاباً من قراب سيفه ، فإذا فيه : " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وهم يدٌ على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ألا لايُقتل مؤمنٌ بكافر ولا ذو عهدٍ في عهده ، من أحدث حدثاً فعلى نفسه ، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " أخرجه أبوداود . 
والشاهد في هذا النص : " يسعى بذمتهم أدناهم " فلو أن صغيراً أو كبيراً أو امرأة أمّن رجلاً أو من دونه من الناس من الكفار فلا يجوز لأحد أن يمسه أو يتعرضه بسوء وهذا من عدل الإسلام وكماله وأخذ ورفعه لمقام الجميع من المسلمين . 
عباد الله : إن من يخون ويغدر أو يعتدي على حرمات الله تعالى فإنه أبعد الناس عن التقوى ولا يصلح أن يُولى أو يتولى أمراً من أمور المسلمين فإن من خان الله في هذه المحارم سيخون في حقوق العباد ويستولي على ماليس له من مال عام أو خاص وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ماخطبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا قال : 
" لا إيمان لمن لاأمانة له ولا دين لمن لاعهد له " وهو في مسند أحمد وفي صحيح ابن حبان . 
فانظر كيف جعل أداء الأمانة مرتبطاً بوجود الإيمان ونفى الدين عن من لايفي بالعهود والمواثيق ، فلنتق الله تعالى ونستمسك بهاتين الخصلتين التي هما رأسٌ في إيمان العبد ودينه ومن أخلّ بهما فقد أساء لدين لنفسه أولاً وللمجتمع الذي يعيش فيه ثانياً ولدين الإسلام ثالثاً فكم شُوّهت صورة الإسلام واتُهم بالعنف والإرهاب بسبب انتهاكات من قِبل أفرادٍ ممن ينتسبون لهذه الأمة ، مع أن أحق من يوصف بالعنف والإرهاب والإجرام عامّة هم أعداء هذا الدين من اليهود ومردة النصارى وغيرهم ممن ينقضون العهود والمواثيق ويستبيحون دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين العزّل فحسبنا الله ونعم الوكيل وهو حسب كل مؤمن وكافيه ، أعز الله دينه ونصر أولياءه والمسلمين كافّة إنه قوي عزيز ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود . 
============== الخطبة الثانية =============== 

الحمدلله هدى من طلب الرشد والهدى ، وأزاغ عن صراطه من ضلّ وأعرض واعتدى ، والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي جاهد العدا وأنار سبيل من اقتدى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والفداء ومن على طريقهم اهتدى أما بعد : 
يقول ربنا جلا وعلا في محكم التنزيل : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين ) فالله أمر في هذه الآية بالدخول في " السِّلم "  كافّة ، والسِّلم الذي هو الإسلام أصوله وفروعه كما فسره المفسرون ، أمر الله بالدخول فيه وبحرمة الإنتقاء من الإسلام مايوافق الهوى فيُعمل به ومالا يعمل به ، وقد يظن البعض أن ذلك المقصود هو النداء بالمسالمة في الحرب ، وهذا خلاف المشهور بين المفسرين وحرّم الله أيضاً اتباع خطوات الشيطان ، فاتباع خطوات الشيطان يُضل العبد عن الصراط المستقيم ويُسقطه في الكبائر والموبقات ومن خطوات الشيطان صحبة رفقاء السوء الذين يتجرؤون على حرمات الله ، ومن خطوات الشيطان تأويل النصوص الشرعية على الهوى ومشتهيات النفس بغير علم ولاهدى ، ومن خطوات الشيطان اتهام المُخالف ووصفه بأقبح الأوصاف من غير دليل ولابينة وغير ذلك . 
عباد الله : لن يكون العبد من خير عباد الله حتى يكون قدوة في أموره كلّها متصفاً بكريم الشمائل والأخلاق داعياً إلى الله بأخلاقه وبكل وسيلة ممكنة مشروعة فيستثمر وجود المعاهد والمستأمن في بلدنا من عمّال وسائحين فيدعوهم لدين الله ويُبين لهم محاسن هذا الدين ولا يستحي أو يخجل من هذا الأمر ففرص الدعوة وهداية الناس لدين الله القويم مازالت سانحة ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النَّعم التي كانت أنفس أموال العرب في ذلك الزمان فنسأل الله أن العلي القدير أن نكون دعاة هدى ومشكاة هداية ومشعلاً دالاً لصراط الله المستقيم وأن نكون هداةً مهتدين مهديين هادين لخير سبيل ببصيرة ويقين لاضالين ولا مضلين ياذا الجلال والإكرام . . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...