مدونة تدون فيها خطب عصرية عامة تفيد الخطباء وتنشر محتوى في الشبكة يستفيد منه الجميع ، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة وبكل فخر . أعدها للخطباء : فاعل خير عفا الله عنه ، ويطلب من المتصفحين والقراء الدعاء له ولوالديه وذريته
الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020
خطبة مختصرة عن مكافحة الأمراض
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )
( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) .
- عباد الله : شرع الله الإستشفاء من العاهات والأمراض وما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله وأمر سبحانه بالتدواي فقال عليه الصلاة والسلام : " تداووا عباد الله فإن الله عز وجل لم يُنزل داءاً إلا أنزل معه شفاء إلا الموت والهرم " وفي رواية : " إلا السام " بتخفيف الميم وتسكينها وليس بتشديدها مأخوذٌ من السمة وليس السم ، ولذا قال النووي في فتح المُنعم بشرح صحيح مسلم : " السام بتخفيف الميم : الموت أي المرض الذي قُدر لصاحبه الموت منه فلا دواء له " انتهى كلامه وفي رواية أخرى عند أبي داوود : ( إن الله جعل لكل داءٍ دواء فتداووا ولا تداووا بحرام ) وهذا يدلل على حرمة التشافي وطلب الشفاء بأي محرم أياً كان فإن الله لم يضع شفاء أمة محمد فيما حرّم عليها ،
عباد الله : إن بعض الأمراض يكون شفاءها مذكورٌ في كتاب الله وبعضها في السنة وبعضها من التجربة والإستقصاء والإكتشاف والبحوث وبعضها يُجهل علاجها وذلك أن الله حجب علم البشر عنها ولم يطلع الله أحداً من خلقه على ذلك ، ولذا تجدون بعض الأمراض المستعصية كالسرطانات والإيدز وغيرها - على سبيل المثال - لم يتوفر لها علاج علاجها معلومٌ حجب الله علمه عن البشر لحكمة .
ومن ثمّ يجب علينا أن نؤمن حق الإيمان ونعلم علم اليقين أن مثلَ هذه الأمراض المستعصية لها شفاء ودواء أذن الله بأن نعلمه أم لم يأذن ، وذلك بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ماأنزل الله داء إلا أن أنزل له شفاء " رواه الإمام أحمد من حديث أبي مسعود رضي الله عنه فإن طلبه العبد فوجده فبها ونعمت وإن كان لم يتوصل إليه فليعلم أن حكمة الله قد اقتضت إخفائه عن البشر لأمرٍ فيه خيرٌ لهم فلو اجتمع البشر كلهم لأن يتوصلوا له مااستطاعوا .
عباد الله : قد يكون الشفاء في أمرٍ يكرهه العبد وربما يحتقره ولا يتوقعه والقصص في ذلك كثير ولا يتسع المقام لذكر شيء منها ولكن ينبغي على من أبتلي بمرض عموماً أن يبحث عن العلاج مااستطاع لذلك سبيلا ولا يحقر أي عبدٍ من عبدٍ من عباد الله دله عليه ناصح لأنه لايعلم فلربما يكون الشفاء على يد ذلك الرجل أو تلك المرأة التي ماظنّ أنها أو يملكُ شيئاً أو يقدّمُ نفعاً يوماً ما .
عباد الله : اللقاحات الإستباقية واقيةٌ بإذن الله بشرط أن تكون مأمونة على الجسد ومن ذوي الخبرة وليست ذوي أعراض مستقبلية وقد جربت لقاحات كثيرة وخصوصاً على الأطفال فوقتهم بإذن الله من كثير من الأمراض المميتة أو المعيقة للأعضاء كشلل الأطفال وفيروسات الكبد والحصُبة والجدري وغيرها والشرط الشرعي في تناولها أن تكون مأمونة الجانب عديمة الضرر والأعراض فهي من الدواء الذي أذن الله به سبحانه تسهيلاً على عباده ووقاية لهم من الآفات المُهلكة والأوبئة المفنية وكل ذلك وفرته الدولة بلا مقابل ولا ثمن فلهم منا الدعاء ولله الحمد وله الفضل وتمام المنة .
=========== الخطبة الثانية ============
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فاتقوا الله -عباد الله - فالتقوى من الله وقاية وللعبد هداية يُجنب الغواية ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )
عباد الله : التمييز بين الأمراض الروحية والعضوية يخطئ فيه الكثير من الناس ، وتضطرب فيها أقوال الأطباء لأن اعتمادهم في التشخيص على الماديات والمنظور المادي دون النظر لأي أمور معنوية أو روحية خفية ولذا كان من باب حفظ النفس وتخليصها من اجتهادات بعض المتطببين هداهم الله الذين يتسرعون في التشخيص أو يخطئون فيه ، كان لزاماً أن يسأل المريض ذوي الخبرة والإختصاص والأخذ بالمشورة ممن يثق به ، وينبغي على الأطباء أن لايتسرع في الحكم على المريض فهو مؤتمن ومأجور إن كان من ذوي الإخلاص والأمانة وممن أتقن عمله وألمّ به ، ويراعي جانب الأمراض الروحية كالمس والعين والحسد ولا ينغمس في التشخيص المادي العضوي ولايخمّن أو يتعجل بإجراء فحوصات ترهق كاهل المريض ولا يجني المريض منها فائدة فمهنة الطب أمانة ائتمنه الله عليها وائتمنه الناس فيجب عليه أن يتقي الله ويحذر من جرّ كل مريض لعواقب يجهلها ولا تحمد عقباها . . وينبغي علينا جميعاً أن ندرك خطورة هذه المهنة ولا نتساهل مع أي ممارس لها يمارسها إما تطبباً ولا يُعلم منه طبّ
أو بشهادة مزورة يأكل بها على حساب عافية الناس وصحتهم . . عافانا الله وإياكم من كل أبواب الحرام وجنبا المعاصي والآثام . .
هذا وصلوا وسلموا على أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . .
الأحد، 27 ديسمبر 2020
خطبة عن خطورة استهداف النساء
فاتقوا الله - عباد الله - فربنا أهلٌ للتقوى وأهلٌ للمغفرة فمن حقق التقوى كان من السادة البررة ومن أوليائه الخيَرة . . عباد الله : لماذا كان أعداء هذا الدين يركزون ويستهدفون النساء في هذا الوقت ؟ وماسبب محاولة محاولة إخراج المرأة من بيتها هي همهم وشغلهم الشاغل الذي عليه يعملون ومن أجله يخططون ويمكرون والله يكتب مايبيون ومحيطٌ بما يدبرون وذلك كله لعدة أمور منها :
* أن أثر المرأة بالغ على الناشئة والأطفال وذلك لأن الطفل يتأثر بأمه وله علاقة ودية بها فإذا فسدت كان قريباً من الفساد الأخلاقي وانهارت لديه القيم والمبادئ .
* أن المرأة هي التي تُمسك بزمام التربية غالباً داخل البيت ويقضي الطفل معها أغلب الوقت فيتعلم من سلوكها ومن طريقة تعاملها ماينعكس على معاملاته في المستقبل مع الناس .
* أن المرأة هي التي تتصرف بتوجيه الطفل إلى حيث تشاء وينجذب إليها بطبيعة الحال لكون الرجل في الغالب يقضي كثيراً من وقته خارج المنزل فلا رقيبَ له إلا أمه التي تكمن مسؤوليتها في متابعته والإشراف عليه ورد كل مايتضرر به من أخلاق هابطة وسلوكيات خاطئة .
* وكذلك أن المرأة تملك مسألة التطبيع الأخلاقي والسلوكي داخل الأسرة وذلك لأن الزوج يغفل كثيراً عن هذا الأمر لظروف عمله وكثرة انشغاله فيدع ذلك مرغماً للزوجة التي بدورها تتولى إما إغراق الأطفال بالأمور السلبية أو الإيجابية فيكون أثر ذلك يظهر بعد حين ويحتاج لجهد طويل حتى يتنزع من الطفل الناشيء ذلك الطبع القبيح الذي نشأ عليه وهذا مايجعل بعض أولياء الأمور يكلّ ويملّ في منتصف الطريق ولا يثابر من أجل الإصلاح واستزراع القيم من جديد ، فيبقى أولئك النشء على سلوكيات منحرفة بسبب عدم مثابرة والدهم ويكونوا ضرراً يتأثر بهم الغير ويؤثرون على أولئك المستقيمين من الناشئة خاصة من كان من أقرانهم .
* والمرأة أيضاً ركن البيت وقاعدته والنشء مرتبط بها بسلوكياته الأولية ، ومن ثمّ لو عرف هذا الغلام وهذا الصبي أن أمه منحرفة فالنتيجة أن هذا الإبن أو تلك البنت تهون عليهما نفسهما ويصبحان لايباليان بما يقترفان من سلوكيات أو أخطاء ولا بمصاحبة أي قرين ولا بالحذر من معصية أو الرغبة في طاعة لأن في نظرهما أن القدوة الأعلى لهما سقطا في وحل الرذائل ، فيسيّـرهما الهوى بعد ذلك وتتلاطم بهم أمواجٌ من الفتن .
* معشر الإخوة لايمكن أن يصلح حال النساء من هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها كما قال إمام دار الهجرة مالك الأصبحي رحمه الله والمرأة إذا لم تكن لها من السلف قدوة صالحة تسير على نهجها وتذكي في نفسها روح المنافسة على الهدى والعفاف والتقى والخير كان لها إما هوى ونفس يأمرانها بالسوء وإما كان لها قدوات سيئة ونساءٌ في مسلاخ الشياطين يتربصن بنساء المجتمع الشرور والمكائد ولنتأمل كيف كان الخطاب من الله لنساء النبي صلى الله عليه وسلم خير نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ومع ذلك كله كان الخطاب لهن بالترغيب والترهيب وعدم المجاملة أو التعاطف حيث قال ربنا جلا وعلا : ( يانساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ثم حذرهن من شر الفواحش عموماً وأكد بمضاعفة العذاب لهم - وهن أجل وأطهر - وأمرهن بالطاعة والقنوت لله ورسوله ووعدهن بمضاعفة الثواب فقال : ( يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريما ) والخطاب لهن خطاب لنساء الأمة أيضاً والعبرة دائماً كما هو الحال في القرآن بعموم اللفظ لابخصوص السبب كما هي أوامر الله ونواهيه ، حفظ الله نساء المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار ووقاهن شّر أنفسهن وزين الإيمان - جّ سبحانه - في قلوبهن وكره لهن الكفر والفسوق والعصيان إنه هو المجيب المنان ذو الفضل والإحسان أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات من الذنوب والسيئات إنه هو الكريم الجواد ورفيع الدرجات .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على خليله وعبده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - وتذكروا قول الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون ) .
عباد الله : تظهر في بعض الأحيان حركات في مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصا - التويتر - بمسميات مختلفة وأوسمة ساقطة يرعاها ويتبناها من شياطين الإنس والجن ذكوراً وإناثاً تجرف وتتصيّد في الماء العكر وبعضها ينبيك عن نيّه ومراده علانية ، يستهدف المرأة خاصة ويغرر بالفتيات ومن أهدافهم :
- إخراج المرأة من بيتها وتمردها على أهلها
- وكذلك تخبيب الزوجة على زوجته وتتنفيرها منه ووصفه بأوصافٍ بذيئة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من خبب إمرأة على زوجها - أي كرّهها فيه ليحصل الطلاق بينهما وقد نجح كثيرٌ منهم أوقعه الله في شر أعماله وكفى المسلمات شرورهم
- وكذلك دعوة النساء للحرية المزعومة التي يريدون منها حرية الوصول لها وأن تكون المرأة المسلمة سلعة بأيديهم لابلغهم الله مرادهم
- وكذلك تصدير التافهات في المجتمع وإبرازهن كقدوات لتفكر النساء والفتيات أن ينهحن نهجهن ويحذون في السوء حذوهن
- وكذلك دعوة النساء للتحرر من الولاية ودعوة النساء للعيش في الخارج وتحسين القبيح لهن وإظهار الوجه الحسن - إن وُجد - للدول الغربية في مايخص قضايا المرأة وإخفاء الوجوه والأنماط القبيحة ، هذه أهدافهم بين أيديكم معشر المصلين والمسلم في هذا الوقت مُلزم بلم شمل الأسرة واحتوائهم أكثر من أي وقتٍ مضى والجلوس مع الأبناء والبنات وكلٌ منهم على حدة ليستطلع أحوالهم ويعالجها بالحكمة والموعظة الحسنة ويحرم من يستحق الحرمان منهم من أدوات الشرور أياً كانت سواءاً كان جوالاً يُسيء استخدامه أو سيارة يستخدمها لعمل لايرتضيه ولا يرضي الله ، ويستشير بذلك أهل التربية والخبرة ليصل بتعامله على أوفق الحلول وأفضل السبل فيؤدي دوره في أسرته على الوجه الأمثل . . اللهم وفقنا لكل عمل يرضيك عنّا وأصلح لنا نياتنا وذرياتنا وقلوبنا وأعمالنا أنت عضُدَنا ونصيرنا عليك التكلان وأنت المستعان يالطيف يامنان ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلّوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
الأربعاء، 23 ديسمبر 2020
خطبة عن المخدرات وأثرها
فاتقوا الله -عباد الله - فما جرت الأوزارُ والبلايا والسيئاتُ صاحبها إلا بترك التقوى وما كانت المصائب إلا بالإعراض عن دين الله والهدى وفاز من اتقى الله واهتدى ( ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) .
عباد الله : شرٌ يجب على العاقل أن يحذرَه - جنبكم الله الشرور - وبليّةٌ وداءُ يلزم المسلمَ أن يجتنبَه ولا يجهلَه ، وضرره ليس قاصرٌ على الأفراد بل متعدّ على العوائل والأسر والمجتمعات وهو من أخبث الخبائث ويدخل مع الخمر في مسماه منه مطعومٌ ومشروب يمطر بالذنوب ويستنزف الأموال والجيوب ، صاحبُه يغدو كالبهيمة وعاقبته موجعة أليمة . .
يورث النفوسَ الأسقام ويوهن العظام ويهذي صاحبه بقبيح الكلام وترتفع بتعاطيه العقول والأحلام وتحل الشكوك والأوهام ، وصاحبه معرض للأخطار وقتل النفس والبوار ، وآثاره على الأبدان من أسوأ الآثار ولعلكم عرفتموه ألا وهو :
( المخدر ) الذي فتك بالأجساد ونشر الفساد في البلاد وشرّد بالضياع الأسر والأولاد ، فكم من أسرٍ وفسدت أنّت بسبب مهربيه ؟ وكم من أسر تفرقت وهتكت حرمتها بسبب متعاطيه ؟ . .
عباد الله : المخدرات تشارك الخمر بالدرجة الأولى بكونها أم الخبائث ، بل شرها في الوقت الحاضر أشد من الخمر ، وتغطية العقل بها أشد من المسكر والخمر المشروب ، وكل ماخامر العقلَ وغطّاه يُسمّى خمراً كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث قال : " والخمر ماخامر العقل " كما هو عند البخاري ومسلم .
عباد الله : المخدرات والجريمة وجهان لعملة واحدة وقد أثبتت إحصائيات في كثير من دول العالم هذه العلاقة التي لاتنفك غالباً وخصوصاً جرائم الإغتصاب والإعتداءات وفي دولة عربية أثبتت دراسة أن ستةَ وثمانون بالمئة من جرائم الإغتصاب على وجه الخصوص كان صاحبها تحت تأثير المخدر ، ولذا كان حدّ مهرب المخدرات خاصّة حد الحرابة وهو القتل قطعاً لشرّه وإفساده في الأرض فضرره يعمّ المجتمع ، وأما المتعاطي فحدّه التعزير بالسجن الطويل أو الجلد لأن ضررَه أقلّ تعدياً . .
عباد الله : الله جل وعلا لعن مع الخمر -ومنه المخدّر - عشرة ، كما في حديث ابن عمر الذي في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه " وفي رواية عند الترمذي : " والمشتري لها والمشتراة له " ولم يتكرر ذلك بهذه الألفاظ في أي كبيرة من كبائر الذنوب عدا في الخمر والتي منها المخدرات ، فأيُ مشاركة بأي نوع ٍمن أنواع المشاركة سواءاً كان ذلك ولو بالدلالة على أصحابها يُدخل صاحبها في الوعيد فالحذر ثمّ الحذر من الوقوع في مثل ذلك . . والحذر من اتباع خطوات الشيطان التي ينصبها إبليس وجنوده لبني آدم فيأتيه من باب الفضول والإطلاع ويغريه بالتجربة حتى يُوقعه في فخ الشر والفتنة ومن ثمّ يلجأ إلى الخلاص فلا يجده ويدخُل عالم الضياع والهلاك ، وقد كان مُعافىً سليما .
معشر الشباب : إجتناب خطوات الشيطان وقرين السوء في هذا العصر هي مسؤوليتك وخطوتك الأولى الإيجابية التي يجب عليك في هذا الوقت اتباعها ومتى أخفقت في ذلك فاعلم علم اليقين أن طريق الرجعة عسيرٌ ليس بالأمر اليسير ، وتذكّر أن الذي أفسد نفسه ودّ لو أن الناس كلّهم فسدوا فاحذر وكن على فطانة من أن يوقعك بالقول المعسول ذلك القرين المخالط ولو وعَدَك بالعطايا والهبات فوعودهم أكاذيب وافتراءات وإن منحوك من عطاياهم وهباتهم فهو سبيلٌ لأن يستدرجوك لأمر أعظم لم تحسب له حساباً ، فهجر هؤلاء واجبٌ متحتم وأمرٌ لازم حتى تنال العافية والسلامة في دينك ودنياك ولا يعتريك الخيبة والندامة - معشر الأحبة : يجب التعاون مع الجهات المختصة بمكافحة المخدرات ومحاربة المهربين والمروجين لصد العدوان الذي تتعرض له بلاد الحرمين والدول العربية وبلاد الإسلام كافة منذ عقود إلى يومنا هذا باستهداف الشباب المسلم وإفسادهم وزرع الفتنة في الأسر وتدمير المجتمع ، وذلك بالإبلاغ عنهم على الفور في بلدنا هذا أو بلاد المسلمين كافة فالمسلمون كالجسد الواحد في محاربة الفساد ، فمن هؤلاء الأعداء الذين يفسدون من يحاربك لغرضٍ مادي ومنهم من يحاربك حقداً ولغرضٍ عقدي وهو أخطرهم ، فالتعاون واجب ٌ والسكوت خطيئة لمن يعرف مثل هؤلاء . . كفى الله المسلمين شرّهم ورد عدوانهم وضررهم أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم من الخطايا والأوزار فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو العزيز الغفار .
======== الخطبة الثانية ========
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :فاتقوا الله -عباد الله - ثم اعلموا أننا عندما نتحدث عن ضرر المخدرات على الغير لاننسى أن نُغفل جانب معرفة ضررها على النفس وكيف تفتك بالإنسان وأضرار المخدرات كثيرة فمنها على النفس : القلق والإكتئاب واضراب المزاج الحاد وتغير السلوك وبعضها يؤدي إلى الإنفصام والهلوسة السمعية والبصرية ومنها على الجسم : اضطراب القلب وتكسر الأسنان وتقرح الوجه وإصابة المخ والكبد بالتليّف مع ضيق التنفس وتلف أنسجة المخ مع تعرضه للسكتات الدماغية في بعض الأحيان وتغيرات بالأوعية الدموية وإصابة الكلى بالضعف والتلف حين الإستدامة لكونها لاتستطيع مكافحة السموم الواردة عليها من هذه المخدرات مع شحوب الوجه وظهور أمراض اللثة والقيء والغثيان والآلام المصاحبة لمتعاطيها في المعدة والبطن والإصابة بالنزلات الشُعبيّة والإحتقان الرئوي كل ذلك يكون للمتعاطي حسب طول مكثه مع هذا المخدر ، ويختلف بدرجات متفاوتة فكلما أطال مدة التعاطي وداوم عليه زادت دائرة الأسقام وصعبت السيطرة عليه والعلاج والخلاصة : أن ضرر المخدر بالغ وخطير وقاتلٌ للنفس ، ومن أخطر الآفات التي تدخل الأبدان ، ولذا كان قاتل نفسه بجرعة زائدة من المخدر منتحراً يُعذب يوم القيامة بما قتل به نفسه غير كون هذا المتعاطي - عافانا الله وإياكم - يعيش مثل البهائم في الحياة وتحت تأثير هذا المخدر فلا يبالي أن يقتات من المخلفات ولا يبالي إلا بشهوة نفسه ولو كان الثمن عرضُه وأهلُ بيته أو بناتُه وأخواتُه وقد سجلت حالات كثيرة من الوقوع على الأعراض والمحارم في كثير من بلدان العالم ومنها الدول الإسلامية والعربية كل ذلك السبب الرئيس فيها هذا المخدر الخبيث ، فاللهم احفظنا بعينك التي لاتنام وبقدرتك التي أحاطت بالأنام وجميع المسلمين من شر المعتدين والفاسقين يارب العالمين .
الأربعاء، 9 ديسمبر 2020
خطبة عن خشية الله تعالى ورهبته
الحمدلله الذي خشيَه المتقون وأناب إليه المنيبون وسلم من سخطه الخاشعون أحمده عدد ماحمده الحامدون ولهج بذكره الذاكرون والصلاة والسلام على النبي المأمون والرسول المصون عدد ماصلى عليه المصلون وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ملء السماوات والأرض وملء الكون أما بعد :فاتقوا - ياعباد الله - فالمتقي في سبل الهدى والخشية يرتقي ولخالقه يتقي
معشر المؤمنين : كلما زاد علم المسلم زاد عمله وزادت خشيته لربه وكان من الله أقرب ومن العارفين بالله ، وذلك أن أساس الخشية هو العلم ولذا كان العلماء هم أخشى الناس وأكثرهم خشية تعالى ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله . . . ﴾ بل كانت رأس الحكمة هي خشية الله تعالى ومعرفة مالله من الحقوق والقدر وقد روي عن ابن مسعود موقوفاً حديث ( رأس الحكمة مخافة الله ) وقد كان يفتتح خطبَه بهاتين الجملتين : ( خير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله ) رواه البيهقي في السنن الكبرى وابن أبي شيبة في مصنفه وهومن أفاضل وعلماء وقراء الصحابة رضي الله عنهم وعنا أجمعين .
عباد الله : عندما يدخل أهل النعيم الجنة يتساءلون فيها ويقرون على أنفسهم أن سبب دخولهم الجنة أنهم كانوا يخافون ويشفقون من عذاب الله ووعيده فأورثهم هذا الخوف منة الله عليهم بدخولهم دار النعيم الذي لايزول ولا يحول وكان دعاؤهم مع هذه الخشية سبب لنجاتهم من الهلاك والوعيد يقول ربنا عنهم : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) فالخشية ياعباد الله هي السبيل لتقوى الله ورضوانه وبها تقوى على اجتناب المحرمات والسباق والمنافسة على الطاعات ومن أراد ذلك فعليه بقيام الليل الذي هو سبيل من سبل الخشية وطريق وثيق لنهي النفس عن الإثم ولذا مدح الله المؤمنين بأنهم تتباعد وترتفع جنوبهم عن الفرش خشية لله و طمعاً فيما عنده فقال جل جلاله : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ) . وذكر النبي عن قيام الليل بأنه منهاة عن الإثم ففي صحيح ابن خزيمة وعند الترمذي والطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربةٌ لكم إلى ربكم ومُكفّرةٌ للسيئات - وفي رواية وتكفير للسيئات - ومنهاة عن الإثم " وهو حديث حسن .
عباد الله : من خشية الله وخوفه سبحانه بذل الأوقات والصبر على الطاعات واغتنام الليالي والأيام بما يُقرّب من الكريم العلام وإدامة ذكر الله تعالى وتجديد الإيمان على الدوام بحضور مجالس الذكر والحرص عليها وعدم الإغترار بالأعمال الصالحة وإن كانت عظيمة وهذا يلزم أن يكون المسلم على وجل من لقاء ربه حتى يؤمنه ويستصحب مع ذلك الرجاء ويخاف مع ذلك البذل والحرص على العمل الصالح ألا يُتقبل منه ، فهذا حريٌّ - والله - أن يصل إلى بر الأمان وأن يأمن يوم يخاف الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ويرضيه الله ويرضى عن الله خالقه ، ولذا قال الله عز وجل : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لايُشركون * والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) . وقد ورد في السنة أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلةٌ . . ) الآية : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يابنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لايُقبل منهم أولئك يساعون في الخيرات " .
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لذلك كما عند الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خاف أدلج - أي سار بالليل - ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ) .
وامتدح الله المؤمنين بأن قلوبهم تَوجل وتضطرب عندما يُذكر الله تعالى وشهد لهم سبحانه بالإيمان الكامل فقال في سورة الأنفال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ) وفي السنة ورد أن من كانت تلك صفته أظله الله في ظله يوم لاظل إلا ظله فقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله - الحديث ، وذكر منهم : ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) وما أمنه الله يوم القيامة إلا بسبب خشيته سبحانه وخوفه من عذابه وطمعه بوعده الذي لايُخلف فاللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك كأنه يراك واجعلنا ممن يحب لقياك ويسعى لرضاك . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله كما ينبغي أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تعبد أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لايظلمون )
عباد الله : ورد في الحديث القدسي المرسل وهو من رواية الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عز وجل : وعزتي لاأجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان وابن نُعيم في الحلية وابن المبارك في الزهد وحسنه الألباني .
عباد الله : إن خشيةً وخوفاً لايمنعك من المعصية ولا يجنبك محارم الله فهو خشيةٌ وخوفٌ زائفين فلا بد أن يكونا صادقين خالصين لوجه الله - يؤتيان ثمارهما ويتضمنان الكف عن المحارم ، وإلا احتاج العبد لمراجعة خشيته وخوفه من ربه سبحانه ، ولذا ورد في أثر عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرّ على أنفه فقال به هكذا " قال أبو شهاب : " بيده فوق أنفه " فعدم الإستهانة بالذنوب دليلٌ على الحذر والخشية ، وهذا طبع الصالحين الذين يكونون على ترقبٍ وحذر يخشون احتقار الذنوب ويرهبون من علام الغيوب ، ويعلمون أن الرعيل الأول كانوا شديدي الحذر من صغار الذنوب وكبارها ويذكّرون بعضهم بقول الفضيل بن عياض : " بقدر مايصغر الذنب عندك يعظم عند الله ، وبقدر مايعظم عندك يصغر عند الله " وبقول هلال بن سعد : " لاتنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى من عصيت " ويسلوا أنفسهم بقول خليفة هذه الأمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه : " إن الله يغفر الكبائر فلا تيأسوا ، ويُعذب بالصغائر فلا تغتروا " فالوسطية مطلوبة من العبد فلا يقنط من رحمة الله ولايأمن مكر الله ، وبذلك يصبح على نورٍ من الله . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . .
الجمعة، 4 ديسمبر 2020
خطبة عن حقوق الجار وحرمته
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى مُجنبٌ للآثام وهو من خلق الكرام وخير عطية من الكريم العلام ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ) .
عباد الله : المجتمع الإسلامي قائمٌ بأفراده والله سبحانه وتعالى أمر بنشر الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع كافّة ومن بينهم جارك الذي أمرك الله بالإحسان إليه وكسب وده والكف عن أذيته ونص الله ورسوله على حق الجار خاصة والذي هو من أعظم الحقوق التى تجب على المسلم وحق الجار حقٌ عظيم قد أوصى به جبريل نبيـّنا محمداً صلى الله عليه وسلم بكثرة حتى ظن النبيُ صلى الله عليه وسلم أن الجار سيرث ويقتسم مع الورثة المال حين موت العبد المسلم ففي الحديث : " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " رواه البخاري من حديث عبدالله بن عمر وعائشة رضي الله عنها ، وقد نص ربنا - أيضاً - على حق الجار في كتابه العظيم سواءاً كان ذلك الجار قريباً أم بعيداً فقال جل وعلا : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القُربى والجار الجُنب والصاحب بالجنب وابن السبيل إن الله لايُحب من كان مختالاً فخوراً ) وبين المصطفى أن الرجل الذي لايأمنه جاره ليس من أهل الإيمان ولا من أهل الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام : " والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن ، قلنا من يارسول الله ؟ قال : " من لايأمن جاره بوائقه " أي شروره وأذيتُه هذا عند البخاري وفي صحيح مسلم : " لايدخل الجنة من لايأمن جاره بوائقه " .
عباد الله : قد علق الله الإيمان ووجوده في العبد على الإحسان إلى الجار ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي وحسنه بعض أهل العلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتق المحارم تكن أعبد الناس ، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ، وأحبَّ للناس ماتحب لنفسك تكن مسلماً ، ولا تُكثر الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب " .
- إخوة الإيمان : لاينفع مع أذية الجار عمل ولو كان الرجل مجاهداً في سبيل الله قوّاماً لليل صوّاماً بالنهار فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله : " إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدّق - أي تتصدق - وتؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاخير فيها هي من أهل النار " ، قال : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدّق بأثوار- أي بقطع من الأقط - ولا تؤذي أحداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي من أهل الجنة " وذلك أن الله أمر بالكف عن المحرمات عامة فلا يُترك منها شيء وفعل الطاعات حسب الإستطاعة - حيث أن الله لايكلف نفساً إلا وُسعها - وهذه قاعدة شرعية لابد أن يستحضرها العبد في عباداته ومعاملاته .
عباد الله : إن من يُعرض نفسه للعنة الناس والدعاء عليه من الجيران هو مستحق للعنة الله وغضبه وسخطه ، والناس يشكون ويخبرون ويدعون على من آذاهم ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جاء يشكو إليه أذية جاره أن يُلقي متاعه في الطريق - متاع المُؤذى - وذلك من أجل أن يتعرض الجار المؤذي إلى دعاء الناس ولعنتهم ، فطرح ذلك الجار متاعه في الطريق ، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره ، فجعل الناس يلعنونه ، فعل الله به وفعل وفعل ، فلما سمع بذلك جاره ، أتى إليه وقال له : " إرجع لاترى مني شيئاً تكرهه " أخرج معناه أبوداوود في سننه وهو حديث صحيح .
الاثنين، 30 نوفمبر 2020
خطبة عن مفاهيم خاطئة في العبادات
الحمدلله الذي هدى لطريقه طالب الحق والهدى ، وجنّب المتقين سبل الردى ، ولم يخلقِ الخلق سُدى ، والصلاة والسلام على النبي المجتبى والرسول المصطفى ومن بهديه اهتدى وعلى نهجه سار واقتفى إلى يوم الدين ، أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فللمتقين نورٌ به يهتدون ، ومن قبسه يميزون ، وهم على الحق سائرون مسترشدون ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : مفاهيم خاطئة انتشرت بين الناس - مع الأسف -في شأن العبادات في الوضوء والصلاة والزكاة خاصة يحتاج العبد المسلم أن يتوقف عندها ويصححها ويسأل عنها عند الجهل كما أمره الله بذلك : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون * بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون )
وتصحيحها أمر محتم لابد منه وخصوصاً لمن بلغه العلم وترك ذلك بعد بلوغ العلم مكابرة وإصرارٌ على الباطل يجرّ صاحبه إلى المهالك والبوار في الآخرة ، وذلك لأن الأخطاء تتفاوت فإذا كانت في أصل الدين وأركان الإسلام كان الأمر عظيماً وصاحبُها معرّض للوعيد والعقاب ولذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أناساً قد غسلوا أقدامهم ولم يمس الماء من أقدامهم قدر الدرهم قال قولته المشهورة : ( ويلٌ للأعقاب من النار ) ولعنا أن نذكر بعض هذه الأخطاء لكي يحذر العبد منها أشدّ الحذر ويُعلمَّ غيره ويكون معيناً لرفع الجهل عن المسلمين فمنها في الوضوء :
* البدء بالمضمضة والإستنشاق قبل غسل اليدين حين الوضوء وهذا مخالف للهدي النبوي ولما كان يفعله صلى الله عليه وسلم .
* ومنها : أن يُدخل المضمضة والإستنثار في الوضوء مع غسل الوجه ولا يُفردهما بالغسل فالمضمضة والإستنشاق لهما غرْفة مستقلة وكذا الوجه له غرفة مستقلة باليدين جميعاً.
* ومنها : تعمّد ترك التسمية وكان الإمام أحمد رحمه الله يرى وجوبها
* ومنها : غسل اليدين إلى المرفقين مبتدءاً بمفصل الكف وهذا خطأ لابد من تصحيحه وهو أن يبتدئ بالغسل من أطراف الأصابع .
* ومنها : عدم الرجوع باليدين لمقدم الرأس أثناء المسح ، فيجب أن يرجع إلى مقدم الرأس أثناء المسح ، فيبدأ بمسح الرأس من مقدم الناصية والشعر ويرجع من حيث ابتدأ ولا ينتقل لمسح الأذنين قبل أن يرجع لمقد الرأس .
* ومنها : مسح الأذنين بطريقة خاطئة والصحيح أن يمسح أذنية وذلك بوضع السبابة بفتحة الأذن والإبهام خلف شحمة الأذن ويديره إلى أعلى الأذن ويعود لشحمة الأذن مرة أخرى ، وذلك كما فعل عليه الصلاة والسلام .
* ومنها تخطي رقاب الناس من أجل الوصول للصف الأول أو كان المكان لا يتسع لشخص فيضايق الناس من أجل ذلك فهو كمن يفعل سنة ويرتكب محرماً فأيهما أولى بالفعل لاشك أن ترك المحرم أوجب وألزم .
* ومنها رفع الصوت حال قراءة القرآن وقد ورد النص النبوي بالنهي عن ذلك وهذا أذية للناس فلا تتقرب لله بأذية خلقه ياعبد الله .
* ومنها : الأكل من الثوم والبصل أو شرب الدخان والحضور إلى الصلاة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من صنع ذلك ألا يقرب المساجد .
* ومنها : في الصلاة عدم رفع اليدين لحذو المنكبين أثناء التكبير وأكثر مايكون في النافلة فبعضهم هداه الله تجد رفع يدية إلى حذو بطنه أو لحذو صدره.
* ومنها : رفع القدمين حين السجود وهذا تبطل به الصلاة أو رفع أنفه حين السجود وهذا خطأ لأن السجود يكون على الأعضاء السبعة ومنها الجبهة والأنف جميعاً والقدمين .
* ومنها في شأن الزكاة اعتقاد عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم ومال الضعفاء عندما يحول عليه الحول وهذا خطأ بحجة أن الزكاة تأكل مالهم ولا تبقي لهم شيئاً إذا كان المال قليلاً وقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال : " اتجروا بأموال اليتامى لاتأكلها الزكاة " رواه الدار قطني والبيهقي وقال البيهقي : " إسناده صحيح " .
* ومنها : دفع زكاة الفطر في بلد لم يكن بالأصل بلد المزكي ، والأصلُ أن المزكي يدفع زكاة الفطر في البلد الذي هو فيه أثناء وجوبها .
* ومنها : اعتقاد أنه لايجوز تكميل نصاب الذهب والفضة بالورق النقدي أثناء إخراج الزكاة وهذا اعتقاد خاطيء فيكمّل نصاب بعضهما ببعض أثناء إخراج الزكاة .
* ومنها : اعتقاد البعض أنه تجب الزكاة في ذات العقارات المؤجرة والذي تجب فيه الزكاة هي الأموال والأرباح التي تُجنى من هذه الأبنية والعقارات مالم تُعرض للبيع فإن عُرضت وجب في قيمتها عند بيعها الزكاة .
فلنحذر معشر الإخوة المصلين من الوقوع في مثل هذه الأخطاء التي تنقص أجر الصلاة أو تذهب بأجر الصلاة بالكلية ولنتعاون جميعاً في تصحيحها وتنبيه الآخرين عليها أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار .
======= الخطبة الثانية =======
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن تصحيح المفاهيم في العبادات وغيرها من أفضل السبل لمرضاة الله تعالى وهو من أجل طلب العلم وطلب العلم هو الطريق لنيل الخيرية والتي رتب الله على نيلها الفقه في الدين وبابٌ لنيل سلعة الله الغالية دار الكرامة وجنة عدن التي وعد الله بها عباده فهل من ساعٍ إليها ومشمرٍ لها بنشر العلم وتعلمه وتعليمه حتى يُعبد الله في الأرض على بصيرة ويحقق الناس العبودية التي هي أرفع درجات الخلق قال عنها المصطفى " إنما أنا عبدٌ فقولوا عبدالله ورسوله" ويؤدوا شعائر دينهم كما أمرهم الله تعالى وأمرهم به الحبيب عليه الصلاة والسلام ، والفقه في الدين أمره جليلٌ يصطفي له الله الخلّص من عباده ( وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) ومن نشر العلم وتعلمه تصحيح هذه الأخطاء والمفاهيم الخاطئة والتي يغذيها أمور منها :
- الجهل الذي يحيط بالمسلم والذي يترك معه تعليم نفسه وكثرة أنشغاله بما لاينفعه في دينه خاصة
- وكذلك ترك السؤال حين الجهل بالشيء والزهد بالعلم وفضله وبما ينبغي أن يتعلمه مع وجوب ذلك في مايختص بالصلاة خاصة والتي هي الفاصل بين الإسلام والكفر وهو معذور مع عدم القدرة .
ولكن التكاسل عموماً عن السؤال فيما يُشكل في أي مسألة من المسائل مصيبة أبتلي بها الكثير من المسلمين ولها أسبابها وعلى المسلم أن يحرص دائماً على التعوذ من العجز والكسل لعل الله أن يطردَه عنه ويبعدَه .
- وكذلك عدم خشية الله تعالى بشكل عام فيورثه ذلك الإستهانة بأحكام العبادات وبشعائر الدين وأركانه وواجباته الحتمية
فاللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة وارزقنا الفقه في الدين والإفادة واجعلنا ممن ينفعه علمَه واجتهادَه يارب العالمين .
الأربعاء، 18 نوفمبر 2020
خطبة استسقاء مختصرة
الحمدلله المعطي الصبور الغفور الشكور وإليه تصير الأمور وبيده مقاليد السماوات والأرض وهو الغفور القهار يحلُم على عباده سبحانه مع كثرة الخطايا والأوزار ، ويمهلهم وهو الكريم الغفار يتوب إليه مسيء الليل والنهار فيقبل توبته ويرضى عنه ويدله على فعل الأبرار ويقيه عذاب الجحيم والنار ، والصلاة والسلام على النبي المختار صفوة الأخيار وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والآثار ومن تبعهم بإحسان إليى يوم القرار أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى يفتح أبواب السماء بالخيرات ويغلق أبواب الشرور والبليّات ويدفع المصائب والآفات ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) .
عباد الله : لايخفى عليكم أهمية الماء والغيث وضرورته لكل كائنٍ حي ، والله سبحانه يحبسه لحكمة ويمنعه بعدله ليستيقظ العباد من غفلتهم ويفيقوا من سباتهم ويحاسبوا أنفسهم ويُصلحوا من أحوالهم وعلاقتهم بربهم ، فيصرفه الله من بلدٍ إلى بلد ومن قطرٍ إلى قطر ، كـُلّ ذلك ليتوب العباد لربهم ويستغفرونه ويذرون من المعاصي مايأتونه ( ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) ومع هذا التصريف وانقطاع الغيث يُصر ثلّة من عباد الله على غيهم وعنادهم ، فهم على الآثام مقيمون ، وفي غيهم يعهمون ، ولكل كبيرة من الكبائر يأتون ، ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) . . ياعبدالله يامن أنعم الله عليك بنعمة الحياة وحرم غيرك إياها ، يامن أنعم الله عليك بالعافية وسلبها غيرَك من البشر ، يامن أعطاك من النعم وغيرُك معدوم أو محروم ، يامن أولاك وأعطاك ربك من كل خير فلم ينقصُك مما تريد شيئا وغيرُك يبحث عن عشر ماأعطاك . . هل من توبة قبل ساعات المرض والوهن وهل من توبة قبل حلول الأجل وهل من توبة قبل مباغتة المنايا ، وهل من توبة وإنابة قبل حلول البلايا ، فالله يُقلب الأقدار وبيده الملك وإليه المصير فأنت بالتذكر والتوبة جدير ، وأنت حين المواعظ سميعٌ بصير فما عذرك حينما تُعرض على العلي الكبير .
عباد الله : لاأفضلَ من الإستغفار لفتح أبواب السماء بالغيث والأمطار ، فرسالة نوحٍ أبي البشر الثاني لقومه واضحةُ المعالم جليّةُ المعاني رسالة أبديّة لكل البريّة في حال انقطاع الغيث عن الأرض والبرّيّة ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ٍويجعل لكم أنهارا ) وقال هودٌ لقومه أيضاً: ( وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) والخروج إلى الصلاة معشر المؤمنين ينبغي أن يكون بخشوع وتواضع وتضرع وتبذل وكذلك كان يصنع عليه الصلاة والسلام فقد كان يخرج إلى الصلاة متواضعاً متبذلاً متخشعاً متضرعاً . . والتبذل هو : ترك الزينة في اللباس
عباد الله : رد الحقوق والمظالم من أعظم أسباب الغيث ولطف الله بعباده فلا يسقيم دعاء من يطلب من الله الغوث والسقيا وهو مطلوبٌ من عباد الله قد أكل مال هذا وجحد مال ذاك وإخراج الزكاة سبب رئيسٌ من أسباب استغلاق الرحمة ومنع القطر من السماء وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل : " ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا " ونقص المكيال والميزان موجب لقحط السنين والأعوام وفي الحديث الصحيح أيضاً : " ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم "
فاللهم لطف ورحمتك أعظم من ذنوبنا وعفوك أجلّ من أوزارنا فامحُ بنزرٍ من عفوك جليلَ ذنوبنا وسالفِ خطايانا ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود .
========== الخطبة الثانية ==========
الحمدلله المحمود بكل لسان والصلاة والسلام على النبي والأصحاب والخلان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - ثم اعلموا رحمكم الله أن فتح أبواب السماء على قومٍ دون قوم ليس هو محبة لأولئك الذين أجرى الله لهم الأمطار والأنهار على حساب قومٍ ممحلين مجدبين ، فقد يكون المجدبون خيرٌ وأحب إلى الله من أولئك ولكن الأمر هو في الواقع فتنةٌ وابتلاء ، ( إنا جعلنا ماعلى الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا والكثير منّا اطلع على مافي بلاد الكفار والنصارى من نزول القطر ودوامه عليهم واكتساء الأرض بالخضرة والزينة وهم في حال لايرتضيها الله من الكفر والشرك وذلك موجب لسخط الرب - سبحانه - وعقوبته ، ولكن كما قال الله : ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا )
والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ومتاع الكافر فيها قليل ، فاللهم تداركنا برحمتك وافتح لنا باب الفضل والإحسان يالطيف يامنان
اللهم إنك ترى مكاننا وتسمع كلامنا وتعلم سّرنا وعلانيتنا ، لايخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء ، المستغيثون المستجيرون الوجلون المشفقون المقرون المعترفون بذنبه ، اللهم لاتجعلنا بدعائك أشقياء ، وكن بنا رؤوفاً رحيما ياخير المسؤولين وياخير المعطين
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا
اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا . .
" اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً طَبَــقاً مجللاً عاجلاً غير رائث نافعاً غير ضار عامّاً سحا دائماً " يارب العالمين
الخميس، 12 نوفمبر 2020
خطبة عن التحزب والفرق
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وانهجوا في أموركم سبيل الهدى والرشاد واحذروا من سبل الغواية والفساد ( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) . . واعلموا أن الأمة ياعباد الله بحاجة للإجتماع لا التفرق من أي وقتٍ مضى فأمتنا ياعباد الله عانت في وقت ماضٍ وما زالت تعاني من الحزبيات والتفرقة والعدو متربص بالأمة الدوائر فلا يكون بعضنا مثل الشاة العائرة بين غنمين أجل الله الجميع ولننبذ سائر التحزبات والإتجاهات كلها على حد سواء ، سواءاً كان ذلك داخل البلاد أو خارجها وإليكم خطاب هيئة كبار العلماء في هذا الموضوع :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين .. أما بعد :فإن الله تعالى أمر بالاجتماع على الحق ونهى عن التفرق والاختلاف قال تعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون"، وأمر العباد باتباع الصراط المستقيم، ونهاهم عن السبل التي تصرف عن الحق، فقال سبحانه : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
وإنما يكون اتباع صراط الله المستقيم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنّ مِن السبل التي نهى الله تعالى عن اتباعها المذاهب والنحل المنحرفة عن الحق، فقد ثبت من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيماً"، ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال : هذه السبل ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" رواه الإمام أحمد.
قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : " فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله" وقوله : " أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" ونحو هذا في القرآن، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
والاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو سبيل إرضاء الله وأساس اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والوقاية من الشرور والفتن، قال تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " فعُلم من هذا : أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بث شبه وأفكار، أو تأسيس جماعات ذات بيعة وتنظيم، أو غير ذلك، فهو محرم بدلالة الكتاب والسنة. وفي طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين ، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم .
الأربعاء، 11 نوفمبر 2020
خطبة عن التهاون بترك الصلاة أو تأخيرها .
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
فاتقوا عباد الله فبدون التقوى تضيع الفرائض والحقوق ولا يُدرك فائت ولا يصل مسبوق ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجراً ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّالأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذّ في النار .
عباد الله : أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وبصلاحها تصلح جميع الأعمال وتحصل النجاة من الشرور والأهوال في يوم المآل ، وبها ومن أجلها مع الشهادتين أمر الله نبيه بالقتال لأعداء الدين وأهل الضلال وهي الفريضة الوحيدة التي شُرعت فوق السبع الطرائق من الله العظيم المتعال وهي وصية نبينا حين الإحتضار ولم يسقطها الله في الإقامة ولا الأسفار ولا في الحروب وخوض الأخطار مهما كانت الظروف والأقدار .
عباد الله : ( الصلاة وما ملكت أيمانكم ) ( الصلاة وماملكت أيمانكم ) ( الصلاة وماملكت أيمانكم ) قالها ثلاثاً عليه الصلاة والسلام قبل أن تصعد روحه إلى السماء . . بلّغ وأبلغ في الوصية وأرشد البريّة بجوامع الكلام وصرخ بها وزجر وكان لقوله بالغ الأثر لمن وعاه ، وصارت عواقبه وخيمةٌ أليمةٌ لمن أعرض عن خطابه وهُجيراه . .
لاصلة بين العبد وربه بدونها فالعلاقة مبتورة بين تاركها وربه ، ولن يكون من الله قرب العبد بدون الصلاة وهي باب المحبة من الله للعبد وأفضل الأعمال وأرفعها في الدرجات وفي الحديث القدسي : (( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه . . )) وهي خير موضوع كما ورد في السنة ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ولن يصلح دين العبد بدينها حتى لو حافظ على النوافل وهي أول مايحاسب عنه العبد يوم القيامه ففي الحديث : ( إن أول مايُحاسب به العبد يوم القيامة من صلاته عمله ، فإن صلُحَت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر ) أخرجه الترمذي وصححه المنذري والألباني وحسنّه ابن حجر رحمهم الله وإيانا جميعاً .
عباد الله : النصوص في أهمية الصلاة والأمر بإقامتها على مايُريد الله كثيرة متظافرة وقد جعلها الله كتاباً موقوتاً ومؤقتاً بوقت محدد بل ذكر أوقاتها في كتابه العزيز ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) وقال : ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفاً من الليل . . ) فمن أخرها عن وقتها حتى يخرج فقد كفر ، ومن قدمها عن وقتها بدون عذر فهي مردودة باطلة كأن فاعل ذلك ماصلاها . . ومن تركها تهاوناً وكسلاً وإهمالاً فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة وهو القول المفتى به لقوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانُكم في الدين . . . ) فرّتب أخوة الدين على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة - كما ذكر ابن عثيمين رحمه الله - ومن لم يفعل ذلك كما أمر الله فليس بأخٍ لنا في الدين . . فلم يامعشر المسلمين يُفرّط كثير من المسلمين في هذه الصلاة مع الجماعة ويتهاون بها وكأنها عنده من التوافه والأمور الثانوية التي ماخُلق من أجلها ولا أمره الله بها وكأن الله لم يترتب على تركها أشدّ الوعيد وأقساه . .
ألا يسمع لقول الملائكة للمجرمين حيث قالوا لهم كما حكاه ربنا سبحانه : ( ماسلككم في سقر * قالوا لم نكُ من المصلين * ولم نكُ نطعم المسكين ) فبدأ بتركها لأن تركها رأس كل بليّة ويجرُّ للوزر والخطيّة ، وفي المقابل أيضاً المحافظة عليها رأس كل خير وأعظم الأبواب للفلاح والرزق وتنهى صاحبها عن كل سوء وعن الفحشاء والمنكر ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فمن أقامها فقد أقام دينه وصنع لنفسه أول طريق السعادة والنجاح ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسعمون وأستغفر الله لي ولكم ماتعلمون ومالاتعلمون فاستغفروه يغفر لكم وهو ربكم وإليه ترجعون .
========== الخطبة الثانية ==========
الحمدلله الذي لاهادي للخلق سواه ، ولا معين إلا إياه والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - فمن اتقى ربه أعانه وقرّبه ومن كل خير وهبه ثم اعلموا ياعباد الله أن هناك صلاتين من حافظ عليهما وأداهما مع جماعة المسلمين في وقتهما هانت عنده الصلوات الأخرى وهما صلاة العشاء والفجر ومن ضيعهما فهو في صف المنافقين بنص الحديث النبوي حيث قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون مافيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً " وفي هذا الزمان يفرّط كثير من الناس في صلاة العصر بعذر الوظيفة أو العمل والله خصها بالمحافظة في كتابه حيث قال : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) والنص النبوي فيها شديد وصريح حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( من ترك صلاة العصر حبط عمله ) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتر أهله وماله " أي سلب أهله وماله فهل من يتأمل هذا ذلك ؟ !
عبادالله : ومن عظيم المصائب على العبد أن يوقت المنبه للوظيفة والعمل ولايوقته للصلاة وخصوصاً الفجر ومن فعل ذلك حتى تخرج الشمس فقد ترك الصلاة عامداً مُختاراً ويكفر بذلك كما أفتى كبار أهل العلم فلابد من الحذر من هذا الفعل والصنيع ، فحافظ - أخي - ياعبدالله على هذه الصلاة المكتوبة فإن ضيعت منها ماضيعت فأحسن الله عزءاك في الذاهب منها فلن تدرك فضله مهما عملت وأحسن الله لك مابقي من عمرك فالمبادرة المبادرة والحذر الحذر من التهاون والكسل في شأن الصلاة فعض عليها عضاً وافزع لها فزْعاً فهي حياتك قبل الممات ونجاتك في يوم الأهوال والعرصات . . .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
الجمعة، 16 أكتوبر 2020
خطبة عن اللغة العربية وأهميتها
الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وأنزل الكتاب بالحق والميزان والصلاة والسلام على المبعوث بالفرقان نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والعرفان أزكى الصلوات من الله الكريم المنان وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :
فاتقوا الله عباد الرحمن وسيروا لربكم بيقين وإيمان واحذروا سبل الشيطان تبلغوا الجنة دار الأمان وتنجوا من الوعيد والخسران ، عباد الله :
فضل الله عز وجل آدم وبنيه وكرمهم باللسان والبيان وبالخلق الحسن الذي لاعلة فيه ولا نقصان وعلّم الله آدم الأسماء كلها ، فعلمه كل شيء من المسميات وفتق اللغة على لسانه وخلقه ناطقاً مبينا ، يبين مافي نفسه ومشاعره وفاضل سبحانه بين اللغات على مر العصور وحفظ بعضها وذهب كثير منها أدراج الرياح ، وذلك حيث أن كثيراً منها لاوحي يحفظها ولا أمةً تكتبها وتبلغها ولا علماء ألفوا فيها فذهبت كسائر اللغات التي اندثرت وتلاشت مع تطور اللسان الإنساني عبر العصور .
عباد الله إن عنوان وبريد كل أمة من الأمم لغتها التي تتحدث بها وهي همزة وصل والرابطة بينها وبين الشعوب الأخرى ، وعز كل أمة وفلاحها بنجاح لغتها ومسايرتها لكل شؤون الحياة لاجمودُها وانتكاستُها ، وذلك كله بانتكاس أهلها وتضيعهم للغتهم ، والله جعل اللغة العربية لغة الكتاب والوحي المنّزل فقال سبحانه : ( إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون ) وجعل هذه اللغة حاكمة للناس بالشرع المحكم إلى أن تقوم الساعة وذلك كله برفع القرآن لها ونزوله بها (وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ماجاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق ) وهذا برهان رفعة وسبيل عزة لهذه الأمة التي أعرضت عن لغتها أو استهانت بها وبما تحويه فيها من مكنونات وذخائر لاتنقضي ولا تخْلِق على مرّ السنين والأعوام .
عباد الله : إن كثيراً من أبناء جلدتنا قد غُيّبوا عن الإعتزاز بلغتهم وتمّ إشغالهم بلغات أخرى فلاهم أتقنوا لغتهم ولا لغة عدوهم فصاروا مثل سقط المتاع بين الأمم لايُباع ولا يبتاع أو مثل الأرض المهجورة لاهي بكرٌ ولا معمورة ، إن هجر الكثير منّا في التعرف على اللغة العربية وعلى الإعتزاز بها وافتخارهم في المقابل بلغة غيرهم وتمجيدهم لثقافة الأعداء هو من أعظم الذل والمهانة التي ابتليت به أمتنا ، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يتحدث بالفارسية وهو ممن آمن فقال : " أرضيتم بالمجوسية بعد الإسلام " أو كما قال ، وكان يقول : " تعلموا العربية فإنها تُنبت العقل وتزيد المروءة " وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على حفظ أبناءهم من اللحن والمقصود به : " الخطأ في الحديث بتغيير قواعد اللغة " كأن ينصب المضموم أو يضم المفتوح أو نحوَ ذلك ، وكتب كاتبٌ لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه خطاباً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فبدأه بقوله : " من أبو موسى الأشعري . . . " فغضب عمر رضي الله عنه وكتب إلى أبي موسى : " أن اضربه سوطاً واستبدله بغيره " وذلك لأنه رفع المجرور ، وكان من المفترض أن يقول : " من أبي موسى الأشعري " وكان بعضهم ربما يخاف اللحن في الدعاء ويخشى أن لايُستجاب له ، وكان الحسن البصري يقول : " ربما دعوت فلحنت فأخاف أن لايُستجاب لي " .
عباد الله : كان الرعيل الأول يعدون اللحن مذمة وكان بعضهم يراه إثماً وذنبا وكان أيوب السختياني إذا لحن استغفر ، فكانوا للغة القرآن الجيل الأبرّ ، وكان لهم في تعليمها وتنشئة أبنائهم عليها والتأليف بقواعدها وأدبها وبلاغتها وأسسها وأساليبها عظيم الأثر .
عباد الله : إن أعداء الإسلام يشنون على لغتنا ولغة الوحي العزيز حروباً في الخفاء وظاهرة للمتتبعين ويكيدون لها وللأمة كيد قبيحاً دانياً ومكراً سافلاً جانياً يريدون صرف أفراد الأمة عن فهم لغتهم وسبر أغوارها لكي يعزلوهم عن فهم الوحيين القرآنِ والسنة فهم يحيون اللهجات العامية أو يعملون على نشر اللغات الغربية أو غيرها فمنتهى الإرادة عندهم هدم الدين لاهدم اللغة ولكن يعلمون أنه بهدم اللغة لن يفهم قول الله تعالى ولا قول نبيه عليه الصلاة والسلام ، فهل نصحو من غفلتنا ونحث أنفسنا وأبنائنا على تحسين مستواهُم في لغة القرآن وتطوير قدراتهم للأفضل بها فيه مسؤولية على عاتق الجميع . . فاللهم أعنّا على فعل الخيرات وبارك في جهودنا جميعاً يارب الأرض والسماوات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
========= الخطبة الثانية =========
الحمدلله الذي يهدي من يشاء ويختار ، أحمده وهو الواحد القهار ، وأصلي على النبي المختار وعلى آله وصحبه البررة الأخيار وعلى من تبعهم بإحسان ٍ ماتعاقب الليل والنهار أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله : وكونوا من أنصار دينه ولغة كتابه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولو شاهدتم كيف تنتصر الأمم الأخرى للغتهم وحماسِهم لها ، وفخرهم واعتزازهم بها مع أنها متهالكة ، وبعضها لايُميز فيها الذكر من الأنثى ولا الجمع من المفرد ولا المثنى ، ولا المخاطب من الغائب على قلة في المفردات وشح في المترادفات حتى مايكادُ أن يجدَ المتحدث بتلك اللغة بعض الألفاظ التي تعبر في نفسه لقلة كلماتها وفقر هيكلتها ومضمونها وضيق نطاقها . . كل ذلك موجودٌ في تلك اللغة وأهلها يذودون عنها أعظم الذود وأشرس المدافعة ويستميتون في نشرها والفخر بها ، ونحن بين ايدينا لغة هي أعظم اللغات وأوسعها شمولية ونطاقاً ومرادفات واشتقاقات تتولد بين الحين والآخر إلى يومنا هذا لاتكاد ، لغة موسوعية متجددة على مرّ العصور والأعوام مترابط عتيقها وجديدها وكل ذلك بشهادة الأعداء قبل أهلها ، وتجد مع ذلك التقصير والزهد في تعلم الجديد منها واستدراك القديم فما أتانا هذا الخور والضعف ولا الإستكانة وطغيان الأعداء وغلبتهم على أمرنا إلا بسبب قلة الدين ونقص الحمية والغيرة الدينية على تراثنا . .
فمتى يُفيق الشبل في الإسلام * ومتى يعي الكُهال ذو الأحلام
كاد العدو يحلُ في أبيــــاتنا * والنــاس في خورٍ على الآثام
بالله ربي قدعقدت رجائيا * ثم الشباب على خطى الإقدام
لغتي وديني عزتي وكرامتي * بهمــا أقرّع فاجراً متعامي
الخميس، 15 أكتوبر 2020
خطبة في التحذير من الخلاف بين أفراد الأمة
الحمدلله الذي أبان سبيله للسالكين وبين سبل مرضاته للمهتدين وحذرهم من الخلاف في ثوابت الدين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وخذوا ماآتاكم الله بقوة على نور من الله واثبتوا على جادة الحق والدين وكونوا من حزب الله المفلحين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الخلاف بعد بلوغ الحجة شرّ وبلاء وعلامة هلاك وضعف وذهاب أمر وفتح شرّ وفتنة والخلاف قبل بلوغ الحجة جهل وضيعة والمحاجة لأهل العلم بلا دليل ولابرهان هو أعظم الجهل وعلامة من علامات النفاق وسوء أدب لمن لايريد اتباع الحق بعد بيانه ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لايسألون النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء لأن السؤال الكثير يفتح باب الخلاف والنزاع حتى في صغائر الأمور وكانوا يفرحون بمن يأتي من البوادي أو القرى لكي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يسمعوا ويحفظوا ويبلغوا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية " وكان يقول يذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " لأنه يعلم عليه الصلاة والسلام أن الرجل إن كان من المتقين فسيعلمه الله ثم تقواه وإن كان سوى ذلك فسؤاله إقامة للحجة عليه وسبب لهلاكه إن لم يسمع ولم يُطع وهذا من المحاذير الشرعية التي لابد أن تؤخذ بالحسبان لنجاة المسلم من عذاب الله تعالى .
عباد الله : من أعظم أسباب الخلاف والإختلاف ووقوع العداوة بين الناس الظلم والبغي وذلك أن الله تعالى يقول كما في سورة البقرة : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الله أوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فانظر كيف كان الناس على دين الإسلام وكانوا كلُهم مسلمون ثم حصل الإختلاف وبدأ الشر وبُدل الدين وتغيّر مع الزمان ولهذا كان ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود وقتادة وغيرهم من الصحابة ومن التابعين يقرأؤن الآية هكذا : ( كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . . ) الآية وقد أورد ذلك الكثير من المفسرين منهم ابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم .
عباد الله : الخلاف في الثوابت والأصول كفر بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم والذي ينفي المسلّمات في الشريعة وما اتفق عليه أهل العلم وأجمع عليه العلماء فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه فإذا علمنا ذلك وأيقنا به فما بقي إلا الفروع والفروع اختلف فيها أهل العلم واختلافهم فيه ظاهر يراه ويسمعه الناس من القرون المفضلة إلى يومنا هذا ولكن ولكن كيف نفرق بين الأصول والفروع حتى نعرف ونحذر من الشك والوقوع في المحظور الشرعي وكلام العلماء فيه كثير والصحيح الذي عليه كثير من أهل العلم وهو الحق إن شاء الله الذي لاينبغي أن يُصار إلى غيره أن الأصول هي المسائل الجليلة الواضحة سواءاً كانت من المسائل العلمية أو العملية هي من الأصول ، وأما المسائل الدقيقة التي تخفى على أكثر الناس فهي من الفروع وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام رحمه الله وكثيرٌ من الباحثين نهج نهجه في ترجيح هذا القول واختياره وهو أسلم وأبين وأوضح حين التطبيق والعمل في مسائل العلم كافة . . فاللهم اجعلنا ممن اتقاك فعلمته واستهداك فهديته ومن كل خيرٍ أعطيته أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله يهدي من يشاء برحمته ويُضل من يشاء بحكمته وربّى العالمين بنعمته والصلاة والسلام على من بعثه الله بمنته نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على أثره وسنته أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ثم لنعلم أن الخلاف الذي يجري بين أهل العلم خلافٌ في فروع الشريعة والتي يجتهد فيها أهل العلم لكي يبينوا للناس الحق في تلك الفروع ، فإذا علمنا أن من أهل العلم من لم يبلغه الدليل ومنهم من بلغه الدليل ولكنه في رأيه يُعارض دليلاً آخر أثبت منه ، ومنهم من بلغه الدليل ولا يعلم بضعفه ، ومنهم من يخطئ في فهم الدليل فيوقعه على مسألة مشابهة للمعنى الوارد وهي في الواقع لمسألة أخرى بناءاً على المعنى العام للحديث ، ومنهم من يختلف في استنباطه وفهمه للغة الحديث ومنهم من يرى من القواعد الأصولية ومن طرق الإستدلال مايُقدم على غيره وهكذا .
عباد الله : إذا علمنا ذلك كلَّه وجب علينا أن نُمسك عن تناول العلماء بالنقد أو التجريح ، وأن نحسن الظن فيهم فهم ماأرادوا إلا الخير والرشد ، وطلب الحق وإن الخوض فيهم يُفرح الأعداء ويجلب الفرقة والشقاق في أفراد الأمة ويجمع الناس على رؤوس الضلال لأن الأعداء نجحوا في إسقاط رموز الأمة والمبرّزين منهم فاتخذ الناس رؤوساً جهّالاً .
ولنحذر جميعاً من أسباب الخلاف واتباع طرق الشهوات والداعين لها في كل مكان ( والله يُريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) .
وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم ربكم فقال عز ذكره وتقدس أمره : ( إن الله وملائكته يصلون على ىالنبي ياأيها الذيم آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . .
السبت، 19 سبتمبر 2020
خطبة عن عوامل النصر والتمكين للأمة
الحمدلله الذي أعز من أطاعه وهداه ، وأذل من عصاه وأغواه ، أحمده وهو المقدس في علاه ، وأشكره شكر من يرجو منه المزيد من عطاياه ، وأصلي وأسلم على من دعا لسبيل ربه ومولاه ، وبين سبل مرضاته وتقواه ودرب نصره وعظيم أمره وأدناه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم نلقاه أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله
تُنال العقبى الحميدة وتسعد النفوس المجدّة المجيدة ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : لو تأملنا في شأن كل
أمة من الأمم وكلِّ جيل من البشر أيا كانوا في من حكموا هذه الأرض أو بعضها من
أصحاب الحضارات وغيرهم مسلمين كانوا وغير مسلمين لوجدنا أنهم يسعون إلى تحقيق
عوامل النصر والتمكين صغيرها وكبيرها ويبحثون ويستشيرون ويخططون ويدربون ويسعون
لذلك مااستطاعوا لذلك سبيلاً ، يستثمرون الطاقات البشرية في عز أمتهم وتحقيق مجدهم
وعلو رايتهم بين أمم الأرض ، فيتبعهم بذلك غيرهم وتدين لهم الأمم المجاورة وغير
المجاورة ، فالإنسان بطبيعته يميل لحب الرئاسة والزعامة ، بل ربما قتل من اجل ذلك
أقرب المقربين إليه وسطا على ذوي الأرحام من أجل ذلك ولهذا شواهد كثيرة من التأريخ
المعاصر وغيره ولكن الذي يهمنا أن ندرك أننا لايُمكن أن يُكتب لهذه الأمم النصر
والتمكين والظفر في الأرض وبسط النفوذ على الأعداء فيدينون لأمة الإسلام عامة إلا
بعد تحقيق عوامل النصر التي بينها الله وأرشد إليها في كتابه وعلى لسان رسوله
ولعلنا أن نوجز شيئاً منها على عجل فمنها :
- تحقيق تقوى الله من قِِبل كل فرد
من هذه الأمة فهذا من أعظم أسباب الفلاح لأن سبل النصر بعد توفيق الله تعالى هي
جهود فردية تحت مظلة جماعية فإذا كان كل فرد من المسلمين قام بكل مايجب عليه
وابتعد عن كل ماحُرم عليه ونهى الله عنه كان قد تكفل بنفسه فلا مدخل للشيطان ولا
للأعداء من قِبله وقد أدى ماعليه
- ومنها نصر دين الله تعالى ألم تر
أن الله يقول : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ونصر
دينه يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للولاة والتحذير من التعرض
لعقوبات الله العاجلة أو الآجلة ، ويدخل في ذلك محبة أهل العلم ومناصرتهم وتأييد
قضايا المسليمن في أقطار الأرض وبذل النفس والمال من أجل ذلك إعلاء لكلمة الله في
كل بلد يقطنه المسلمون بقدر الإستطاعة والطاقة
- ومنها : الثبات حتى الممات في
مواقف الفتن والبلايا سواء كان ذلك في السلم أو في الحرب يقول الحق تبارك وتعالى :
( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله نصركم ويثبت أقدامكم ) .
- ومنها : ترك التنازع والخلاف
الذي لايأتي إلا بشرّ وهكذا كان صحابة المصطفى عليه السلام فقد كانوا يكرهون
الخلاف ، بل كان بعضهم يترك الجدال مع أنه محق خشية الضغائن وإثارة العداوة ولكي
يسلم له قلبه ولسانه من الزلل
كل ذلك طاعة لله ورسوله فهم
يمتثلون قول الله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
- ومنها : العدل الذي هو أساس
الملك والذي لاقرار للدول كافة إلا به ومتى زاد الظلم أذن الله بتبديل وتغيير من
عنده وهي سنة الله في عباده التي لاتتبدل ولا تتغير .
- ومنها : عدم انتهاك محارم الله
بالجملة فلا حرام يُحل ولا حلالٌ يُحرّم ولا مترف يفسق ولا فقيرٌ يتكبر قال الله
تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول
فدمرناها تدميرا ) .
ولذا جاء في رسالة كسرى إلى ملك الصين يطلب من النصر والنجدة بعد هزيمته المخزية في معركة نهاوند – كما ورد ذلك في تاريخ الطبري - حيث سأل ملك الصين رسول كسرى عن المسلمين فقال ملك الصين :
أيوفون بالعهد؟ قال : نعم ،
فقال : وما يقولون
لكم قبل أن يقاتلوكم؟ فقال رسول كسرى : يدعوننا إلى
واحدة من ثلاث: إمّا دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمَنَعة، أو
المنابذة .
فقال : فكيف
طاعتهم أمراءهم؟ فرد
عليه قائلاً : أطوع قوم لمرشدهم ، فقال : فما
يُحلُّون وما يُحرِّمون؟ فأخبره ، ثم قال له ملك الصين : أيحرِّمون
ما حلَّل لهم، أو يحلون ما حرَّم عليهم؟ فقال : لا ، فقال ملك الصين: فإن
هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يُحلُّوا حرامهم، ويحرّموا حلالهم.
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله القوي النصير العلي الكبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه الكرام المغاوير ومن تبعهم بإحسان ٍوعليهم معهم إلى يوم المصير أما بعد :
ومن عوامل النصر - معشر المؤمنين – ترك الإنشغال بالدنيا وإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله وعدم الركون لمتاع الدنيا الزائل ولذا جاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلا ً لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه الإمام أحمد وأبوداوود وسنده صحيح .
ومن عوامل النصر : لزوم الكتاب والسنة بالجملة والإختصام لهما عند التنازع والخلاف ومن شذّ عن ذلك فهو متبعٌ لسبيل لغير سبيل المؤمنين وذلك أن الله تعالى يقول في شأن نبيه وفي شأن مخالفيه : ( فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم ) وما فرّق الأمة ياعباد الله التحزب والفرق المناوئة للإسلام الصحيح وخصوصاً الطرق الصوفية التي هي أول من يضع أيديهم في أيدي النصارى واليهود والرافضة ولا يُبالون بعقيدة الولاء والبراء وينتقون من الدين مايوافق هواهم وكثير منهم واقعٌ بالشرك من رأسه إلى أخمص قدميه فهل ترجوا نصراً من قومٍ يفضلون الأولياء على الأنبياء ويصرفون للأولياء من أصناف العبادة مايخرج من الملة وأعداء الدين يفرحون بذلك ويمدونهم ويُصدرونهم للأمة على أن دينهم هو الدين الصحيح مع مايتبعهم من عوام الناس والجهلة المضللين والداعين للباطل ، ولذا لايخاف أعداء الإسلام منهم وما ذلك إلا لأن هؤلاء لقمة سائغة يبتلعها العدو ويسخرها في أهدافه بعكس السلفية والمهتدين المتمسكين بالمنهج الرباني .
مع أن النبيَ صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإستمساك بما جاء عنه وعن خلفائه الراشدين فقال : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضوا عليها بالنواجد ، وإياكم ومحدثات الأمور فغن كل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة " والنواجذ هي الأضراس وكل ذلك كناية عن شدة التمسك وعدم المخالفة لنهج النبي صلى الله عليه وأصحابه مهما كانت الأسباب .
خطبة عن كرامات الأولياء
فاتقوا الله عباد الله فالتقوى من الله كرامة وللدين علامة وقد فاز من عباد الله من رُزق الإستقامة ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءاً بما كانوا يعملون ) .
الخميس، 17 سبتمبر 2020
خطبة عن وحدة الصف واجتماع الكلمة
الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على خير مايعلمه لهم وحذرهم من شر مايعلمه بالحجة واليقين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
عباد الله : الأمم لاتكمن قوتها ولا عزتها إلا باجتماع لاافتراق وبلمٍّ لاشتات وبتآلف لا تنافر وبتوافق لااختلاف ونعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف من أعظم النعم التي تحفظ الأمن في الأوطان والسبل وتقي مصارع السوء والزلل وتحفظ الحقوق لعباد الله من الإنتهاك العام وتسلط القوي على الضعيف ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى النبيَّ وأصحابه بذلك بعد أن كانوا قلة خائفين من تربص الأعداء فقال في سورة الأنفال : ( واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) فعدّ ذلك نعمة تستوجب الشكر والثناء على الله والإكثار من الحمد له دائماً وأبداً
معشر المؤمنين : لنتذكر دائماً إخواناً لنا تعجّلوا بما فيه أناة لهم فقاموا على ولي لهم لايخاف لومة لائم في سبيل الشيطان والهوى وليس في سبيل الله ولا يخاف في مؤمن إلا ولا ذمة فما كان منهم إلا أن نازعوه فلما أحس بطول القضية استعان بفجرة هم مثله أو أشد كفراً منه فقاموا كلهم على ذلك الشعب بالتنكيل والتشريد وساموهم العذاب الشديد ، فحرموا نعمة الأمن سنين طويلة وكل ذلك وقع بقدر الله العزيز المتعال فهل نتذكر دائماً تلك النعمة ونتحدث بها في مجالسنا وإن كرهنا ، ولكن لعل ماتكره يكون خيراً لك مما تُحب .
عباد الله : مع اضطراب الأمن يفقد المرء كثيراً من مقومات الحياة ويحصل العناء وغلاء الأسعار ويتقاتل الناس على موارد المياه ومصادر المواد الغذائية ونحوها وكثيراً ماترتبط الحروب بالمجاعات التي تفتك بالبشر حتى مايجدُ المرءُ قطرةَ الماء ولا كسرةَ الخبز فاللهم سلمنا من الآفات المهلكة والشرور الحالكة يارب العالمين .
عباد الله : الإعتصام بالكتاب والسنة خطابٌ جماعي للأمة وحبل الله هما ، وطوبى لمن تمسك بهما ولا سلامة ولا عافية إلا باتباعهما ، والتحام المسلمين بعضهم ببعض ومد يد العون للمحتاج منهم هي من أواصر المحبة ومن أعظم السبل لتقوية الأخوة الإيمانية التي هي الأخوة الحقيقية لاأخوة النسب ، والتآلف بين القلوب من علام الغيوب ولا يقوى عليه إلا الله جل جلاله ولذا قال الله لنبيه : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيزٌ حكيم ) فاعتصموا بالله وتذكروا قول الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يُبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولعامّة المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه ثم توبوا إليه إنه هو العزيزالغفار .
========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله : إن مما يجلب الشتات ويفرق صف المسلمين ويجلب الخيبة والتباغض والتناحر وتسلط الأعداء هو التنازع وشق عصا الطاعة على ولي الأمر سواءاً كان صغيراً أم كبيراً والنتيجة هي الفشل وارتفاع الأمن في الأوطان ووقوع الضرر في الأبدان والممتلكات وقد أمر الله بلزوم الجماعة وعدم مفارقة صف الأمة فقال في الطاعة ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا ) .
عباد الله : قد يرى المسلم من ولي أمره مايكره فعليه أن يصبر ويسعى لنيل حقه بلسانه ولا يحلّ له أن يحملَ السلاح أو يعتدي أو ينتهك ويسفك دماءاً أمرها ولي الأمر بتفيذ أمرٍ يكرهه ، ولذا ورد في الحديث في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإن من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية "
وأجمع العلماء المعتبرون المحققون أن لزوم الجماعة وإمام المسلمين واجب حتى لو كان ظالماً ، وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد عاصروا فتنة الحجاج بن يوسف طاغية العراق ومع ذلك ماأمر واحدٌ منهم بالخروج عليه وحمل السلاح ضده أو ضد جنده فاللهم ولّ علينا الخيار الأكفاء ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء ولا تسلط علينا بذنوبنا من لايخافك فينا ولا يرحمُنا واكتب لنا العافية في الدنيا والآخرة وأعذنا من شر النفوس الجائرة والأعداء الجبابرة ياذا الجلال والإكرام . . . ثم صلوا وسلموا على النبي المختار سيدُ المتقين الأبرار . .
الجمعة، 14 أغسطس 2020
خطبة عن العام الهجري الجديد
وفي قبول التوبة قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : " لو تكررّ الذنب مائة مرّة أو ألف مرّة أو أكثر وتاب في كل مرة قُبلت توبته وسقطت ذنوبه ، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته "
عباد الله : إننا نستقبل عاماً هجريا ًجديداً وقد ودعنا عاماً مضى طويت صفحاتُه ورفعت أعماله ودونت بخيرها وشرّها والمؤمن ينبغي أن يكون في كل عامٍ يحلّ عليه أقرب إلى ربه من عامه المنصرم ، وإن لم يكن كذلك فحياته وسنوات عمره وبالٌ عليه وحسرة والزمن والوقت ماضٍ شاء المرء أم أبى ، وهذه سُنة الله في سائر خلقة فيومٌ لك وهذه منّة ونعمة من الله عليك لتتذكر وتشكر ويومٌ عليك لتعود لربك وتستغفر
( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شُهداء والله لايُحب الظالمين * وليُمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) وورد في صحيح البخاري أن عليَ بن أبي طالب رضي الله عنه قال :
" ارتحلت الدنيا مقبلة وارتحلت الآخرة مُقبلة ولكل واحدة منها بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل "
ويقول قس بن ساعدة الإيادي :
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يمضي الأصاغر والأكابر
لايرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر
أيقنت أني لامحالة حيث صار القومُ صائر
وانظروا كيف خلّد الله شعره لكونه على الحنيفية ِ ملة ابراهيم عليه السلام وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :
" والذي بعثني بالحق لقد آمن قسٌ بالبعث " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع خطبَه عليه الصلاة والسلام وكان يخطب في قومه في الجاهلية ويقول : " يامعشر إياد أين ثمود وعاد وأين الآباء والأجداد ، أين المعروف الذي لم يُشكر ، والظلم الذي لم يُنكر ، أقسم قسّ بالله إن لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا " ويقصد به دين محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان قسٌ قارئاً لكتب أهل الكتاب وقيل أنه أدرك سمعان تلميذ المسيح عليه السلام وأنه عمّر طويلاً بحدود الستمائة سنة .
عباد الله : الدهر والزمن هما صندوق العمل فلابد من إستغلال العمر بما يعود على العبد في دينه أولاً وبما يعود عليه في مصالح عيشه والوقت الذي تقضيه في أمور دنياك إن احتسب ذلك من أجل صلاح دينك وعفة نفسك وإطعام ولدك وسدّ حاجتك لكي لاتفتقر للناس كان ذلك لك لاعليك ، وكل وقتٍ تقضيه فيه فإنك مأجورٌ عليه ولكن لابد من استحضار النية ومراجعة القصد لكي لايكون هم ابن آدم الإستكثار من الدنيا وعدم تسخيرها لأمور الآخرة ولصلاح الدين وحفظ النفس من الآثام فاللهم اجعلنا ممن يستعملُ دنياه لدينه ولا تجعلنا ممن يستعمل دينه لدنياه فيبوء بالخسران يالطيف يامنان ياجواد ياديّان أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
======= الخطبة الثانية =======
الحمدلله المبدئ المعيد ذي العرش المجيد الفعّالِ لما يرُيد والصلاة والسلام على من أرسله الله للخلق والعبيد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتأييد وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المزيد أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وتأملوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : " ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها " رواه الطبراني والبيهقي بأسانيد أحدها جيد ، وقد يستشكل هذا الحديث بعض الناس فيقول :
كيف يتحسر أهل الجنة على ساعة لم يذكروا الله تعالى فيها والندامة لاتُصيب أهل الجنة أصلاً فليس في الجنة إلا النعيمُ المقيم والسرور الدائم فيقال : إن تحسرهم على تلك الساعة ليس داخل الجنة وإنما يكون في موقف العرض والحساب ولكن في الجملة استثمار الوقت والعمر في طاعة البارئ سبحانه هو مشروعك في نهجك وسيرك لله تعالى ( ياأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه ) فالإنسان ماأتى إلى هذه الدنيا إلا ليعمل وكل الناس يغدو فبائع ٌ نفسه فمعتقها أو موبقها فصفقة البيع مع الله لابد فأنت رابحٌ حينها أو خاسر فاعمل بأسباب الربح تغنم ومن عذاب الله تسلم ، واحذر من أسباب الخسارة وأولها الولع بالدنيا ونسيان الآخرة فأسلم وجهك لربك واقنع بما آتاك الله وتذكر حديث نبينا عليه الصلاة والسلام حيث قال : " قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه " .
فاللهم ارزقنا القناعة وأعذنا من شر الساعة وأدخلنا في الشفاعة وقنا شر طول الأمل ووفقنا لحسن العمل .
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . .
خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها
الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...
-
الحمدلله الذي الذي خلق الخلائق من عدم وأكرم عباده بالنعم وأسبغ عليهم من وافر الكرم وأبان لهم طريق الثبات والقيم والصلاة والسلام على النبي ال...
-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و...
-
الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على ...